يحتج الرافضة على الطعن بعمر رضي الله عنه في حادثة الحديبية , حيث ورد فيها قول عمر رضي الله عنه : " وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، إِلَّا يَوْمَئِذٍ " , فيقول الرافضة ان عمر قد شك بنبوة النبي صلى الله عليه واله وسلم , والشك بنبوة رسول الله كفر .
وللرد اقول :
لقد ثبت عند الامام ابن حبان بسند صحيح كما قال العلامة شعيب الارناؤوط في حادثة الحديبية قول عمر رضي الله عنه , قال ابن حبان : " 4872 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانِ بْنِ الْحَكَمِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثُهُ حَدِيثُ صَاحِبِهِ، قَالَا: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ .....................
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَاللَّهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، إِلَّا يَوْمَئِذٍ .... " اهـ .[1]
ولكن الاشكال بفهم الرافضة واخذهم من الكلام ما يناسب هواهم , وترك ما خالف هواهم , وكذلك نجد الرافضة ياخذون جزء من الكلام في حادثة معينة , ولا ينقلون باقي الكلام في نفس الحادثة , وهذا يدل على ان القوم اتباع هوى , ومنهج باطل في التعامل مع النصوص , والاشخاص , فاما قول الرافضة ان عمر رضي الله عنه قد شك بنبوة رسول الله , او شك بالاسلام , فهذا من الباطل الذي اعتاد عليه الرافضة في تعاملهم مع اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فقد ثبت عند الامام احمد بسند حسن كما قال العلامة شعيب الارناؤوط ان عمر رضي الله عنه لما قال له ابو بكر : فإني أشهد انه رسول الله قال عمر وأنا أشهد , قال الامام احمد : " 18910 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا...............
قَالَ مُحَمَّدٌ: فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَقَالُوا: ائْتِ مُحَمَّدًا فَصَالِحْهُ، وَلَا يَكُونُ فِي صُلْحِهِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا، فَوَاللهِ لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا، فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصُّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرَّجُلَ "، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَا، وَأَطَالَا الْكَلَامَ، وَتَرَاجَعَا حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ، فَلَمَّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَوَلَيْسَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ. قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ أَوَلَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: " بَلَى "، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: " أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي " ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا " اهـ .[2]
فكلام عمر رضي الله عنه صريح جدا بانه يشهد لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالرسالة , فمن قال بخلاف ذلك فكلامه باطل , ومحجوج بتصريح عمر رضي الله عنه حين قال : وانا اشهد انه رسول الله .
واما الشك الوارد في الرواية فمحمول على قوة عمر ونصرته للدين واذلالا للكفار , وهذا هو قول اهل العلم كما نقله الامام النووي , حيث قال : " قَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يَكُنْ سُؤَالُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَلَامُهُ الْمَذْكُورُ شَكًّا بَلْ طَلَبًا لِكَشْفِ مَا خَفِيَ عَلَيْهِ وَحَثًّا عَلَى إِذْلَالِ الْكُفَّارِ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ كَمَا عُرِفَ مِنْ خُلُقِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقُوَّتِهِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ وَإِذْلَالِ الْمُبْطِلِينَ " اهـ .[3]
والدليل على ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قد فهم من قول عمر رضي الله عنه الطلب لكشف ما خفي عليه ما جاء عند الامام مسلم : " حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، ح وحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ، ..........
قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْ فَتْحٌ هُو؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ " اهـ .[4]
فالرواية صريحة بتبيين النبي صلى الله عليه واله وسلم , وتسليم عمر رضي الله عنه لذلك .
واما تصدق عمر رضي الله عنه وفعله للخيرات خوفا مما صدر منه في ذلك الموقف , فهو دال على قوة ايمانه , وخوفه من الله تعالى , ومحاسبته لنفسه , ولو لم يصدر منه الا هذا الفعل لكفى في فضله رضي الله عنه , فلو لم يكن مؤمنا , وحريصا على ايمانه , ودينه , ومرضاة ربه تعالى لم يخف كل هذا الخوف مما صدر منه , وهذا هو حال الاولياء لله تعالى , فانهم يحاسبون انفسهم , على ادق التصرفات , ويحرصون على مرضاة ربهم , ولقد بلغ من كثرة افعال الخير من عمر رضي الله عنه ان جعله يعتقد ان هذا خيرا له . فالامر كله يدور على حرص عمر رضي الله عنه لرضا الله تعالى .
194 - صحيح ابن حبان - تحقيق شعيب الارناؤوط - ج 11 ص 216 - 224 .
195 - مسند الامام احمد - تحقيق شعيب الارناؤوط - ج 212 - 217 .
196 - شرح صحيح مسلم - ابو زكريا يحيى بن شرف النووي - ج 12 ص 141 .
197 - صحيح مسلم - بَابُ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ - ج 3 ص 1410 .