الكاتب : أحمد بن عبدالله البغدادي ..
تفضيل الانبياء عليهم السلام
لقد جعل الله سبحانه وتعالى تفضيل النبي صلى الله عليه واله وسلم على الناس بالوحي الذي ينزله عليه , قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ( 6 ) : فصلت } , وهذا الوحي الذي فضل الله تعالى به النبي صلى الله عليه واله وسلم على الناس يشترك معه فيه الانبياء صلوات الله تعالى عليهم , قال الله تعالى : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 3 ) : الشورى : } , وقال تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ( 163 ) : النساء } , وقال تعالى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) : النجم } , وقال تعالى : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( 9 ) : الأحقاف } وقال تعالى : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 203 ) : الأعراف } , وقال لموسى عليه السلام : { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ( 13 ) : طه } , وقال تعالى : { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) : سبأ } قال ناصر مكارم الشيرازي عن هذه الاية الكريمة : " حيث قال سبحانه مخاطبا رسوله الكريم (ص ) : ( قل ان ضللت فانما اضل على نفسي وان اهتديت فبما يوحي الي ربي انه سميع قريب ).
وهذه الاية تشير الى احتمال ضلال الرسول بدون الوحي الالهي , وان الذي يعصمه (ص ) من الخطا ويهديه الى الحق والصواب هو الوحي الالهي , لاالتفكر والاستدلال البشري المعرض للخطا " اهـ . [1]
ومن المعلوم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لم ينزل عليه الوحي قبل الاربعين , مما يدل دلالة واضحة على ان العصمة القطعية متحققة بالوحي الالهي الذي يشترك به جميع الانبياء والمرسلين , ومما يوضح ذلك اكثر من كلام علماء الامامية ما قاله المفيد في تحقق العصمة للنبي صلى الله عليه واله وسلم بعد النبوة من الصغائر , والكبائر بعد النبوة , وجواز الصغائر على الانبياء قبل النبوة , حيث قال : " القول في عصمة الأنبياء - عليهم السلام - أقول : إن جميع أنبياء الله - صلوات الله عليهم - معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها وما يستخف فاعله من الصغائر كلها ، وأما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلى غير تعمد وممتنع منهم بعدها على كل حال ، وهذا مذهب جمهور الإمامية ، والمعتزلة بأسرها تخالف في " اهـ .[2]
وفي نص اخر توقف عن القول بالعصمة قبل النبوة , حيث قال : " والوجه أن نقطع على كمالهم - عليهم السلام - في العلم والعصمة في أحوال النبوة والإمامة ، ونتوقف فيما قبل ذلك ، وهل كانت أحوال نبوة وإمامة أم لا ونقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله تعالى عقولهم إلى أن قبضهم - عليهم السلام – " اهـ .[3] )
قال حسين دركاهي محقق الكتاب في الحاشية : " في هذه العبارة تأمل عن غموض ، ويحتمل أن يكون عطفا على ( فيما قبل ذلك ) فيكون المراد التوقف في أمرين : الأول : الحكم بكمال العلم والعصمة قبل البعثة وتصدي الإمامة . والثاني : الحكم بفعلية الاتصاف بالنبوة والإمامة قبل ذلك ، ويحتمل أيضا أن تكون الواو زائدة أو مستأنفة وكان تعليلا . للحكم بالتوقف في كمال العلم والعصمة ، وحاصل المعنى يلزم أن نتوقف في الحكم بكمالهم في العلم والعصمة قبل البعثة وتصدي الإمامة بعلة الشك في اتصافهم بالنبوة والإمامة قبل ذلك . ج " اهـ .[4]
والرمز الذي رمز به ( ج ) قد ذكر في مقدمة الكتاب ان هذا الرمز يراد به تعليق الشيخ عباس القلي , حيث قال : " تذكار : تعليقات هذه الرسالة بعضها بقلم العالم الفاضل المرحوم الحاج الشيخ عباس قلي الواعظ الچرندابي ورمزه ( چ ) ..... " اهـ .[5]
فتكون العصمة القطعية بعد التكليف بالنبوة , ولهذا قال تعالى : " { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) : النجم } , ومن المعلوم ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لم ينزل عليه الوحي الا بعد تكليفه بالنبوة , فكلامه قبل النبوة لا علاقة له بالوحي , فالنبوة هي المرتبة العليا التي لا مرتبة فوقها ,
ولهذا لما ذكر الله تعالى التفاضل في القران الكريم ذكره بين الانبياء , والمرسلين فيما بينهم حتى لا يعتقد اي احد المشاركة بين الانبياء وغيرهم في هذا التفاضل , قال الله تعالى : { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (253) : البقرة } , وقال تعالى : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ( 55 ) : الاسراء } فيشترك جميع الانبياء , والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم بالوحي التشريعي الذي فضلهم الله تعالى به على من سواهم من البشر , فالنبوة منحة الهية , واصطفاء رباني , واختيار , واجتباء لرجال خصهم الله تعالى بذلك , ولا يمكن ان ينال العبد النبوة بالعبادة , او المجاهدة , او اي فعل , بل الله تعالى يختار من يشاء : { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 68 ) : القصص } , , وقال عن موسى عليه السلام : { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ( 13 ) : طه } , ويصطفي من يريد : { يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ( 75 ) : الحج } , وقال لموسى عليه السلام : { يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) : الاعراف } , وقال عن ابراهيم عليه السلام : { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ( 130 ) : البقرة } , وقال عن ابراهيم , واسحاق , ويعقوب صلوات الله عليهم : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) : ص } , وكذلك يجتبي من يشاء , قال الله تعالى : { وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ( 179 ) : آل عمران } , وقال ليوسف عليه السلام : { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ ( 6 ) : يوسف } , وقال تعالى : { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ( 13 ) : الشورى } , فالنبوة اصطفاء , واختيار , واجتباء , ولا دخل لاحد بها , فمهما بلغ العبد من العبادات , والقربات , والطاعات , فلن ينال النبوة , الا اذا اصطفاه الله تعالى , واختاره , واجتباه لهذا المنصب الالهي , ولهذا لما اعترض المشركون على اصطفاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للنبوة , وترك عظمائهم المرموقين رد الله تعالى عليهم بقوله : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ (32) : الزخرف } , فالله تعالى هو الذي يختار الانبياء , ويصطفيهم ليؤدوا مهمة التبليغ , والتبيين , والتبشير , والانذار .....الخ , قال الامام ابن القيم : " ثم نفى عنهم الاختيار الذي اقترحوه بإرادتهم وأن ذلك ليس إليهم بل إلى الخلاق العليم الذي هو أعلم بمحالّ الاختيار ومواضعه لا من قال: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} فأخبر سبحانه أنه لا يبعث الرسل باختيارهم وأن البشر ليس لهم أن يختاروا على الله بل هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ثم نفى سبحانه أن تكون لهم الخيرة كما ليس لهم الخلق " اهـ .[6]
وقال الله تعالى : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) : الانعام } , قال الامام ابن القيم : " أَيِ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَصْلُحُ لِاصْطِفَائِهِ وَكَرَامَتِهِ وَتَخْصِيصِهِ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ دُونَ غَيْرِهِ " اهـ .[7]
قال شيخ الاسلام ابن تيمية : " وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ.: - وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَكَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ - أَنَّ اللَّهَ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ، فَالنَّبِيُّ يَخْتَصُّ بِصِفَاتٍ مَيَّزَهُ اللَّهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِي عَقْلِهِ وَدِينِهِ، وَاسْتَعَدَّ بِهَا لِأَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ - أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: 31، 32] ، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ بِقَوْلِهِ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ - وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 84 - 87] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اجْتَبَاهُمْ وَهَدَاهُمْ.
وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَهُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ فَلَوْلَا وُجُوبُ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، الَّذِينَ هُمْ فَوْقَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، لَكَانَ الصِّدِّيقُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ " اهـ .[8]
ومن المقطوع به عند اهل الاسلام انه لا طريق لمعرفة الاحكام الالهية , الا من جهة الانبياء , والمرسلين صلوات الله تعالى عليهم , وكل من سواهم , فانه يأخذ منهم , ويعلم الناس , ولهذا ذكر الله تعالى المراتب فقال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) : النساء } , فهذه المراتب قد بينها الله تعالى لنا في القارن الكريم , فمن خالفها , او ادعى غير ما بينه الله تعالى في القران الكريم , وعلى لسان نبيه الامين صلى الله عليه واله وسلم , فقد ضل , وهلك , وخسر .
فالانبياء صلوات الله عليهم بهم تقوم الحجة كما قال الله تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) : النساء } , وقال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) : الاسراء } , وغيرها من الايات الكثيرة , ولهذا كان مذهب اهل السنة والجماعة تفضيل الانبياء صلوات الله تعالى عليهم على غيرهم من البشر , قال شيخ الاسلام ابن تيمية : " وَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَهُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ " اهـ .[9]
وقال : " وَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَسَائِرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بأنبياء وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ السُّعَدَاءَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ " أَرْبَعَ مَرَاتِبَ " فَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } . وَفِي الْحَدِيثِ : " { مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ } " اهـ .[10]
وقال ايضا : " والأنبياء أفضل الْخلق وهم أَصْحَاب الدَّرَجَات العلى فِي الْآخِرَة " اهـ .[11]
وقال الامام ابو جعفر الطحاوي : " وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أفضل من جميع الأولياء " اهـ .[12]
وقال الامام ابن حجر : " فَالنَّبِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْوَلِيِّ وَهُوَ أَمْرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ عَقْلًا وَنَقْلًا وَالصَّائِرُ إِلَى خِلَافِهِ كَافِرٌ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مِنَ الشَّرْعِ بِالضَّرُورَةِ " اهـ .[13]
وقال القاضي عياض اليحصبي : " وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْأَئِمَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ " اهـ .[14]
وقال الامام النووي : " قال القشيري هل يجوز تفضيل الولي على النبي ؟ قلنا رتبة الأولياء لا تبلغ رتبة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للاجماع المنعقد على ذلك " اهـ .[15]
وقد ورد في كتب الامامية التصريح بتفضيل الائمة على الانبياء صلوات الله عليهم ما عدا نبينا صلى الله عليه واله وسلم , قال الصدوق : " ويجب أن يعتقد أن الله تعالى لم يخلق خلقا أفضل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده الأئمة صلوات الله عليهم ، وأنهم أحب الخلق إلى الله عز وجل وأكرمهم عليه ، وأولهم إقرارا به لما أخذ الله ميثاق النبيين في الذر ، وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، ( وبعدهم الأنبياء عليهم السلام ) " اهـ .[16]) ،
وقد بوب المجلسي بابا في البحار صرح به بتفضيل الائمة على الانبياء صلوات الله عليهم , وذكر ان اولي العزم صاروا اولي العزم بحب الائمة , فقال : " ( باب ) * ( تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء وعلى جميع الخلق وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق ، وان أولى العزم إنما صاروا أولى العزم بحبهم صلوات الله عليهم ) " اهـ .[17]
وقال : " وكون أئمتنا عليهم السلام أفضل من سائر الأنبياء ، هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم عليهم السلام على وجه الاذعان واليقين ، والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى " اهـ .[18]
وقال الحر العاملي : " باب 101 - إن النبي والأئمة الاثني عشري ع أفضل من سائر المخلوقات من الأنبياء والأوصياء السابقين والملائكة وغيرهم ، وإن الأنبياء أفضل من الملائكة " اهـ .[19]
وقال هاشم الهاشمي نقلا عن الخميني من كتابه الحكومة الاسلامية قوله : "
من ضروريات مذهبنا أنه لا يصل أحد إلى مراتب الأئمة المعنوية حتى الملك المقرب والنبي المرسل " اهـ .[20]
وكل هذه التصريحات من هؤلاء الامامية وغيرهم ممن يعتقد بتفضيل الائمة رحمهم الله على الانبياء صلوات الله عليهم لم يلتزم بها كل علماء الامامية , فمنهم من توقف بذلك كالطوسي وجوز تفضيل الائمة على الانبياء والعكس , وكلامه محتمل لجميع الانبياء , او لأولي العزم , حيث قال : " مسألة: عن قوله في التفاضل بين اولى العزم من الرسل وبين ائمتنا عليهم السلام أجمعين، فإني وجدت أقوال أصحابنا في ذلك مختلفة. الجواب: هذه المسائل فيها خلاف بين أصحابنا، منهم من يفضل الائمة على جميع الانبياء عليهم السلام، ومنهم من يفضل عليهم اولو العزم، ومنهم من يفضلهم عليهم، والاخبار مختلفة والعقل لا يدل على شئ منه، وينبغي أن نتوقف في ذلك، ونجوز جميع ذلك " اهـ .[21]
ونلاحظ من هذا النص ان بعض الامامية يفضلون الانبياء صلوات الله عليهم على الائمة رضوان الله عليهم , وقد نقل المفيد هذا الاختلاف عن علماء الامامية , وأما بالنسبة له فعلق الحكم على النظر فيه , ولم يجزم بشيء , فقال : " القول في المفاضلة بين الأئمة والأنبياء - عليهم السلام - قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة ( ع ) من آل محمد ص على سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد ( ص ) ، وأوجب فريق منهم لهم الفضل على جميع الأنبياء سوى أولي العزم منهم - عليهم السلام - وأبى القولين فريق منهم آخر وقطعوا بفضل الأنبياء كلهم على سائر الأئمة ( ع ) ، وهذا باب ليس للعقول في إيجابه والمنع منه مجال ولا على أحد الأقوال فيه إجماع ، وقد جاءت آثار عن النبي ( ص ) في أمير المؤمنين - عليه السلام - وذريته من الأئمة ، والأخبار عن الأئمة الصادقين أيضا من بعد ، وفي القرآن مواضع تقوي العزم على ما قاله الفريق الأول في هذا المعنى ، وأنا ناظر فيه وبالله اعتصم من الضلال " اهـ .[22] .
فلو كانت الادلة قطعية من ناحية الثبوت , والدلالة لقطع بذلك المفيد , ولما حدث الاختلاف بين الامامية في ذلك .
قال جعفر السبحاني : " تعتقد الشيعة أن الأنبياء والرسل صفوة الناس وخيرتهم وأفضلهم وأنه يجب على كل إنسان تكريمهم ، غير أن أيدي السوء عبثت بالكتب السماوية ما سوى القرآن ، فحرفت منها ما كان حقا لا شائبة فيه ، وثبتت فيها خرافات هي أشبه بقصص القصاصين لا تنسجم مع المنطق السليم " اهـ .[23]
لقد صرح السبحاني بأن الانبياء والرسل هم صفوة الخلق , وخيرتهم , وافضلهم , ولم يستثني من ذلك الائمة , فيكون المفهوم من كلامه ان الانبياء والرسل صلوات الله عليهم افضل من الائمة رحمهم الله .
وقال ال كاشف الغطاء : " فالإمام في الكمالات دون النبي وفوق البشر " اهـ .[24]
وهذا النص يحتمل ان المقصود به على العموم باعتبار ان النبي , والامام مفرد محلى بالالف , واللام , فيراد العموم , او اراد تخصيص ذلك بالائمة الاثنى عشر مع النبي صلى الله عليه واله وسلم , وعلى الوجهين لا يفرق الامر , وذلك لان نبوة النبي صلى الله عليه واله وسلم , ونبوة باقي الانبياء صلوات الله عليهم من جنس واحد , وان كان هناك تفاضل بين الانبياء , والمرسلين صلوات الله عليهم , فهذا لا يعني الاختلاف في جنس النبوة , ونوعها , ولو قال الامامية بغير ذلك , فيلزمهم ان التفاضل بين الانبياء يجعل نبوتهم مختلفة الجنس , والنوع , ولا يقول بهذا احد , بل يلزم من هذا فتح الباب لباقي الاديان في التفريق بين الانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم , والله تعالى يقول : { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) : البقرة } .
وقد جعل الله تعالى في القران المراتب اربع , فقال تعالى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) : النساء } , فلم يذكر ربنا تبارك وتعالى اي منزلة للائمة , فلا بد للائمة ان يكونوا من احد هذه المراتب الاربع , وبما انهم غير انبياء , فهم من الصديقين , او الشهداء , او الصالحين , وكل هذه المراتب اقل من المرتبة الاولى , وهي المرتبة العليا مرتبة الانبياء صلوات الله عليهم , وقد بين الله تعالى من اصول الايمان في القران الايمان بالانبياء , والمرسلين صلوات الله عليه , فقال تعالى : { قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) : ال عمران } , وقال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ .....( 177 ) : البقرة }
, وقال تعالى : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (285) : البقرة } , وبين لنا ربنا تبارك وتعالى ان الحجة تقوم تأصيلا بالرسل صلوات الله عليهم فقال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) : النساء } , وقال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) : الاسراء } , وقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ( 134 ) : طه } , وقال تعالى : { وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ( 47 ) : القصص } , وقال تعالى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) : الأنعام } , بل ان تعالى قد بين لنا في القران الكريم ان الذي لا يؤمن برسول , او نبي واحد فهو كافر ولم يرد هذا الحكم في الائمة , قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) : النساء } , وقال تعالى : { قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) : البقرة } .
فاذا قال الامامية قد ورد في كتبنا روايات تدل على ما نقول يكون الرد عليهم : 1 - قد ورد عندكم التواتر في تحريف القران الكريم , فلا يمكن ان تكون رواياتكم معتمدة في الاستدلال .
2- نبوة الانبياء جميعا من عند الله تعالى ولم يأت نص يبين الفرق بين نبوة الانبياء صلوات الله عليهم , بل العكس , فنبوة محمد صلى الله عليه واله وسلم وباقي الانبياء صلوات الله عليهم واحدة , ومن قال غير ذلك فليأت بالدليل , قال الله تعالى : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
( 3 ) : الشورى : } , وقال تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً ( 163 ) : النساء }, وقال تعالى : { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ( 9 ) : الأحقاف } وقال تعالى : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 203 ) : الأعراف } , بل ان الله تعالى امر النبي صلى الله عليه واله وسلم ان يقتدي بالانبياء صلوات الله عليهم , ويتبعهم , فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم بعد ان ذكر الانبياء صلوات الله عليهم : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) : الانعام }
والله تعالى يقول : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) : النحل } .
3 – لو كانت الروايات الواردة عند الامامية قطعية الثبوت , والدلالة لما اختلف الامامية في التفضيل كما نقل ذلك الطوسي , والمفيد .
4 – الايات صريحة في القران بما يتعلق بالانبياء , وحجيتهم تأصيلا , وانهم الواسطة بين الله تعالى , وخلقه اقامة للحجة , واما غيرهم فهم واسطة بين الانبياء صلوات الله عليهم وباقي الناس , وذلك لان الانبياء يأخذون الاحكام الالهية عن الله تعالى , وغير الانبياء يأخذون هذه الاحكام عن الانبياء صلوات الله عليهم , فيكون الانبياء صلوات الله عليهم هم الاصل , وغيرهم نائبون عنهم , وتابعون لهم , فلا يمكن ان تبلغ مرتبة النيابة عن مرتبة الاصالة , ولا يمكن ان يُفضل الفرع على الاصل .
5 – قد وردت روايات في كتب الامامية تدل على تفضيل الانبياء صلوات الله عليهم , ومنها ما جاء في الكافي : " 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه ; ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، جميعا، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبدالله، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أشد الناس بلاء الانبياء ثم الاوصياء ثم الاماثل فالاماثل " اهـ .[25]
وهناك روايات اخرى بهذا المعنى , فجعل شدة الابتلاء بالاعلى , والاكرم , وهم الانبياء صلوات الله عليهم , ثم الاوصياء , ثم الاماثل فالاماثل , ولم تفرق الرواية بين نبي , ونبي فيدخل تحت هذا الوصف نبينا وباقي الانبياء صلوات الله تعالى عليهم جميعا .
وفي روضة المتقين : " و روى الشيخ الصدوق محمد بن الحسن الصفار في الصحيح و الصدوق الكليني في القوي كالصحيح. عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: إن الله عز و جل خلق النبيين من طينة عليين قلوبهم و أبدانهم، و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة، و خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك، و خلق الكفار من طينة سجين قلوبهم و أبدانهم، فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر، و يلد الكافر المؤمن، و من هاهنا يصيب المؤمن السيئة، و من هاهنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه و قلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه " اهـ .[26]
فيشترك النبي صلى الله عليه واله وسلم مع الانبياء صلوات الله عليهم في طينة عليين , وانهم من جنسها , والائمة ليسوا انبياء , فاما ان يكونوا من المؤمنين فهم بمرتبة اقل قطعا , او من نفس الطينة تأصيلا , فيرتفع عنهم الانبياء بالنبوة كما هو حال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم , فالتفضيل للانبياء واقع بكل الاحوال .
وفي امالي الصدوق : " 890 – 1 - حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي ( رضي الله عنه ) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن سلمة بن الخطاب البراوستاني ، عن إبراهيم بن مقاتل ، قال : حدثني حامد بن محمد ، عن عمرو بن هارون ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قال : لقد هممت بتزويج فاطمة بنت محمد ( صلوات الله عليهما ) حينا ، ولم أتجرأ أن أذكر ذلك للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن ذلك اختلج في صدري ليلا ونهارا حتى دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا علي . قلت : لبيك ، يا رسول الله . قال : هل لك في التزويج ؟ .................................................................
ثم أمر الله تبارك وتعالى ملكا من ملائكة الجنة يقال له راحيل ، وليس في الملائكة أبلغ منه ، فقال : اخطب يا راحيل . فخطب بخطبة لم يسمع بمثلها أهل السماء ولا أهل الأرض ، ثم نادى مناد : ألا يا ملائكتي وسكان جنتي ، باركوا على علي ابن أبي طالب حبيب محمد ، وفاطمة بنت محمد ، فقد باركت عليهما ، ألا إني زوجت أحب النساء إلي من أحب الرجال إلي بعد النبيين والمرسلين . فقال راحيل الملك : يا رب ، وما بركتك فيهما بأكثر مما رأينا لهما في جنانك ودارك ؟ فقال عز وجل : يا راحيل ، إن من بركتي عليهما أن أجمعهما على محبتي ، وأجعلهما حجة على خلقي ، وعزتي وجلالي لأخلقن منهما خلقا ، ولأنشئن منهما ذرية أجعلهم خزاني في أرضي ، ومعادن لعلمي ودعاة إلى ديني ، بهم أحتج على خلقي بعد النبيين والمرسلين . ..." اهـ .[27]
فهذه الرواية صريحة بأن الله تعالى يحب الانبياء صلوات الله عليهم اكثر من علي وفاطمة رضي الله عنهما , فلو كان علي وفاطمة رضي الله عنهما افضل من الانبياء والمرسلين صلوات الله عليهم لكانوا احب الى الله تعالى منهم , وكذلك فان الحجة تقوم تأصيلا بالانبياء , والمرسلين صلوات الله عليهم .
وقال الصدوق : " اعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم " اهـ .[28]
لقد قاس الصدوق الائمة على الانبياء صلوات الله عليهم , فجعل الانبياء هم الاصل , والائمة هم الفرع , ولما لم يكن عنده نص ملزم للامة من القران الكريم , وصحيح السنة المعتبر عند الامة على امامة الائمة قاس حالهم على الانبياء صلوات الله عليهم , فالاصل , والنص هم الانبياء عليهم الصلاة والسلام .
وقال عبد الله شبر : " ما روي عن امير المؤمنين ( ع ) قال : انا اصغر من ربي بسنتين .
ووجه بوجهين , الاول : ان المراد بالرب الحقيقي والمراد بسنتين رتبتين والمعنى ان جميع مراتب كمالات الوجود المطلق حاصلة لي سوى مرتبتين هما : مرتبة الالوهية ووجوب الوجود , ومرتبة النبوة , الثاني : ان المراد بالرب المجازي اي مربيه ومعلمه وهو النبي صلى الله عليه واله , والحاصل : انه عليه السلام اثبت لنفسه القدسية مرتبة الولاية المطلقة التي هي جامعة لجميع مراتب الكمالات سوى مرتبة الالوهية و ووجوب الوجود, ولا ريب في انه كان جامعا لكل مرتبة وجودية وكمالية سوى هاتين المرتبتين " اهـ .[29]
ففي كلام عبد الله شبر ان مرتبة النبوة هي مرتبة عليا , ولم يستطع علي رضي الله عنه ان يصل اليها , ولهذا فسر الرافضي بأن عليا اصغر من الله تعالى بسنتين اي بمرتبتين , وجعل احدى هاتين الرتبتين النبوة , وان عليا رضي الله عنه اصغر من هذه المرتبة , فكيف يكون اصغر من هذه المرتبة , والرافضة يقولون انه افضل من الانبياء صلوات الله عليهم ؟ !!! .
178 - نفحات القران – ناصر مكارم الشيرازي – ج 4 ص 40 .
179 - أوائل المقالات - المفيد - ص 62 .
180 - تصحيح اعتقادات الإمامية - المفيد - ص 130 .
181 - تصحيح اعتقادات الإمامية - المفيد - هامش ص 130 .
182 - تصحيح اعتقادات الإمامية - المفيد - محقق الكتاب حسين دركاهي- ص 6 .
183 - شفاء العليل - محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية – ص 31 – 32 .
184 - زاد المعاد – محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية – ج 1 ص 41 .
185 - منهاج السنة النبوية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 416 – 417 .
186 - منهاج السنة النبوية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 417 .
187 - مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 11 ص 221 .
188 - دقائق التفسير – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 117 .
189 - العقيدة الطحاوية - أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي – ص 58 .
190 - فتح الباري – ابو الفضل احمد بن علي بن حجر – ج 1 ص 221 .
191 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى - عياض بن موسى بن عياض اليحصبي – ج 2 ص 616 .
192 - بستان العارفين – أبو زكريا يحيى بن شرف النووي – ص 22 .
193 - الهداية - الصدوق - ص 23 – 24 .
194 - بحار الأنوار - المجلسي - ج 26 ص 267 .
195 - بحار الأنوار - المجلسي - ج 26 ص 297 .
196 - الفصول المهمة في أصول الأئمة - الحر العاملي - ج 1 ص 403 .
197 - حوار مع فضل الله حول الزهراء - هاشم الهاشمي - ص 203 .
198 - الرسائل العشر – الطوسي – ص 328 .
199 - أوائل المقالات - المفيد - ص 70 – 71 .
200 - رسائل ومقالات - جعفر السبحاني - ص 248 .
201 - اصل الشيعة واصولها – محمد حسين ال كاشف الغطاء – ص 59 .
202 - الكافي – الكليني - ج 2 ص 252 , وقال المجلسي عن الرواية في مرآة العقول – حسن كالصحيح – ج 9 ص 321 .
203 - روضة المتقين – محمد تقي المجلسي - ج 13 ص 222 .