بقلم : احسان الفقيه
رآها الملك الفارسي "أحشويروش" ، الذي حكم في القرن الخامس قبل الميلاد، فتنته بجمالها، وتزوجها وجعلها ملكة، دون أن يعلم أن الفتاة "إستير" يهودية، ابنة تاجر يهودي يقيم في سوسا.
علمت إستير أن مؤامرة تحاك في فارس لقتل اليهود بها، تولى كبرها وزيره "هامان"، فأعدّت مأدبة للملك لتقديم التماس إليه، فلما سألها وعدته بأن تقدم طلبها في مأدبة ثانية وبحضور وزيره هامان.
يسألها الملك عن حاجتها، فأجابته بأنها تلتمس حياتها، حيث أنها وشعبها وأهلها يتعرضون للذبح والإبادة، فتملّكَت الحيرة مليكها وسألها عن ذلك الذي يريد ذبحها وعشيرتها، فأجابت: هامان.
كانت نتيجة ذلك الالتماس، أن أُحبطت المحاولة، وتم إنقاذ اليهود، وأُعدم هامان.
*تلك القصة التي تحدث عنها العهد القديم، تكشف ذلك الارتباط الديني والتاريخي بين اليهود والإيرانيين (فارس)، ولذا اكتسبت مدينة "همدان" الإيرانية أهمية كبرى لدى اليهود، لأنها تحوي قبر الملكة التي أنقذت اليهود.
وفي الوقت نفسه يبالغ اليهود في تقدير الملك الفارسي (قورش) ويعتبرونه المنقذ الذي أرسله الله لهم، بعد أن نهب بابل في العام 539 قبل الميلاد وحرر اليهود من الأسر البابلي.
هذه الجذور التاريخية تنسحب على العلاقات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، حيث أنها – وعلى عكس ما أصّلته إيران في نفوس المسلمين – ليست علاقات عدائية، وإنما بُنيت على مصالح استراتيجية، وسَعَت إيران لأن يكون هذا الارتباط غير ظاهر للعرب.
*جاء في مذكرة رُفعت السرية عنها في أكتوبر 1972م: "يمكن للعرب أن يتسامحوا مع مضمون العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الوثيقة طالما أنها لا تظهر في العلاقات الخارجية".
وحتى بعد ثورة الخميني عام 1979م، لم يحدث تغيرات في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية فقاعات الهوى التي حرصت عليها إيران، والتي أطلقت شعاراتها ضد إسرائيل دون أن يكون لها واقع عملي يترجمها، بل إن إسرائيل كانت تدعم إيران، والهدف من ذلك كان واضحا، حيث أرادت إسرائيل التقارب مع ثقل مكافئ للعرب أعداء إسرائيل.
يقول تريتا بارسي في كتابه حلف المصالح المشتركة: "من دواعي السخرية أنه عندما دعا القادة الإيرانيون إلى تدمير إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي، كانت إسرائيل واللوبي المؤيد لها في واشنطن يحاولان التأثير في الولايات المتحدة وحملها على عدم الالتفات إلى الخطاب الإيراني".
فكما قلتُ سابقا وأكرر، أن إيران قد اتخذت من العداء المُعلن تجاه إسرائيل وسيلة لترويج ثورتها بالطّرْق على عاطفة الشعوب وما لقضية القدس من أهمية قصوى لديها، واستغلت محنة الشعب الفلسطيني في إضعاف الحكومات العربية المؤيدة لأوسلو.
*إيران دولة لها مشروع قومي توسّعي بركيزة طائفية، والتوسع في البراجماتية هو أحد المرتكزات التي تقوم عليها سياستها الخارجية، ومن ثم اتخذت من العلاقات الوثيقة بإسرائيل جسرا لبناء علاقات جيدة مع أمريكا، مغلفة بالعداء، الذي عبر عنه بارسي بقوله: "اعتمدت سياسة إيران مع إسرائيل على الإكثار من الصراخ لكن مع القليل من الأفعال ".
فإيران يتركز هدفها على إقامة هلالها الشيعي في المنطقة، وهو ما أكده أبو الحسن بني صدر، أول رئيس إيراني بعد الثورة، حيث قال: "كان الخميني يقول إنه يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على العالم الإسلامي، وكان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسورية ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج العربي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي".
العداء الإيراني تجاه إسرائيل لم يكن سوى خطابا استهلاكيا شعبويا، بينما الواقع يؤكد بقوة على التقارب بين الطرفين على حساب المنطقة العربية، حيث يتلاقى المشروع الإسرائيلي والإيراني في أكثر من نقطة.
*فالمشروع الإسرائيلي الذي يعتمد على تأمين الدولة العبرية وإن اقتضى حروبا، وعلى الهيمنة وتكريس التفوق العسكري ومنع بروز أي قوة منافسة في المنطقة، يشترك مع المشروع الإيراني في أكثر من محور.
ويرى الباحث في منظمة البحوث الاستراتيجية "علي حسين باكير" في دراسة بعنوان "المشروع الإيراني المنطقة العربية والإسلامية، أن تلك المحاور المشتركة تتمثل في ساحة العمل، فهي نفسها في ذات المشروعين، إلا أن إسرائيل تركز على دائرة الشام ومصر كأولوية قصوى، بينما تركز إيران على الخليج والعراق كأولوية قصوى.. على حدّ قوله..
كما أن الدولتين تعتمد كلاهما على استراتيجية الدفاع عن نفسها خارج حدودها، فإسرائيل تعتمد على التفوق العسكري الهائل، وإيران تعتمد على الأذرع الإقليمية والقدرات غير المتوازية في تحقيق هذه الهدف.
كما ترى كل من إسرائيل وإيران أنها الأكفأ في السيطرة على المنطقة العربية.
فما يجتمع عليه الجانبان أكثر مما يفترقان فيه، فمن ذلك بحسب ما يرى باكير:
كل منهما يطرح نفسه باعتباره متفوقا على جيرانه العرب...
كل منهما يعتقد أنه منفصل عن باقي محيطه ثقافيا وسياسيا وإثنيا...
كل منهما يلتقي مع الآخر في نظرية "لا حرب ..لا سلام"...
كلامهما له نفس المواقف والتكتيكات تجاه قضايا العالم العربي، فالأولوية لديهما تفتيت المجتمعات والدول العربية، وتنتهج كلاهما سياسة التوتير المضبوط..
إن التقارب الإيراني الإسرائيلي أكبر مما يتم الترويج له.
هل تعلم أن الأغاني الفارسية تصدح في القدس المحتلة، واستطاع اليهود الإيرانيون على مدى عشرين عاما من إيجاد سوق للأغاني الفارسية في إسرائيل؟
وهل تعلم أن اليهود الإيرانيين لم يفرّوا كيهود الشتات من الاضطهاد في الدول التي كانوا يعيشون بها، بل هاجروا بمحض إرادتهم؟
وهل تعلم أن إيران تستضيف أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط خارج إسرائيل؟
وأن أكثر من 200 ألف يهودي إيراني يعيشون مع أبنائهم في إسرائيل، وينتمي بعضهم إلى أعلى مستويات النخبة السياسية الإسرائيلية ؟
هل تعلم أن الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف إيراني المولد؟
وأن شاؤول موفاز وزير الدفاع الأسبق إيراني المولد؟
وأن رئيس الأركان السابق دان حالوتس من أبوين مهاجرين إيرانيين؟
وهل تُصدّق أن في إيران حوالي 40 كُنَس يهودي (جمع كنيس وهو المعبد اليهودي) تلحق بها مدارس عبرية..؟
وهل تعلم أن يهود إيران قد حظوا بدعم كبير من الرئيس الأسبق خاتمي، حيث قال في عام 2006م: "لا تنسوا أن إحدى جرائم هتلر والنازية والاشتراكية القومية الألمانية، هي ارتكاب مجازر بحق أناس أبرياء من بينهم العديد من اليهود"؟.
هل عرفت أن إسرائيل لعبت دور الوسيط في صفقة الأسلحة السرية التي عُرفت بفضيحة إيران جيت، عندما سلمت أمريكا شحنة من الصواريخ إلى إيران لاستخدامها في الحرب ضد العراق؟
*الأمثلة أكثر من أن تحصرها المقالات، ولعل أبرز الملفات المتعلقة والمُتفرّعة عن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية هي علاقة حزب الله بإسرائيل، وهي ما سوف تكون موضوعا للتناول في مقالة لاحقة إن شاء الله.. إن كان في العمر بقية.
إلا أن من دواعي الدهشة والعجب، أن كثيرا من أبناء أمتنا لا يزالون حتى اليوم يرون في إيران أنها رمز الانتصار للقضية الفلسطينية، وأنها من ترتعد لها فرائص الإسرائيليون.
وأختم حديثي إلى هؤلاء المُغيّبين من الفلسطينيين المؤيّدين او المعجبين بإيران بالذات، وأقول حسبكم ما صرح به أحمدي نجاد الرئيس الإيراني الأسبق إلى جريدة الشرق الأوسط عدد: 10136 بتاريخ 29 أغسطس عام 2006م، حيث قال: "إيران لا تُمثّل تهديدا للدول الأجنبية، ولا حتى للنظام الصهيوني".
ويا ليت بعض قومي يقرأون ..