في ساعة معينة صباح يوم الإثنين، قال شهود عيان أنهم رؤوا لافتة كبيرة تغطي أربعة طوابق على مبنى يطل على ساحة رابين في تل أبيب مكتوب عليها:
“قريبا ستفتح هنا: السفارة الإيرانية في إسرائيل”.
تضم اللافتة العلم الإيراني إلى جانب العلم الإسرائيلي، وكذلك رقم هاتف لمزيد من التفاصيل.
المارة الذي قاموا بالإتصال على رقم الهاتف الظاهر على اللافتة سمعوا رسالة باللغة الإنجليزية تقول: “سلام، لقد وصلت إلى السفارة الإيرانية في تل أبيب. للأسف لم نتمكن من الإجابة على اتصالك الآن، ولكن مكالمتكم مهمة لنا، لذا يرجى منك ترك اسمك ورقم بعد الإشارة، وسوف نعود إليكم”.
امتلك معظم المتفرجين الذين قابلتهم التايمز أوف إسرائيل دهاء كافي ليعوا أن اللافتة كانت مزحة أو دعاية. في النهاية، لم تمتلك إيران وإسرائيل علاقات دبلوماسية منذ الثورة الإسلامية عام 1979. ومؤخرا في الأسبوع الماضي، كما أعلن مستشار متحدث بإسم البرلمان الإيراني “نحن نرفض وجود أي إسرائيلي على هذه الأرض”.
ولكن محيرا كما اللافتة، حقيقة ظهورها أثارت الفضول فقط، (تخيل نفس اللافتة مع علم حزب الله أو الدولة الإسلامية) وتفضح قليلا المشاعر الدافئة التي لا يزال يكنها الإسرائيليون للشعب الإيراني، إن لم يتواجد النظام الثوري الذي خلع حكم بهلاوي الملكي، الذي عرف كصديق لإسرائيل عام 1979.
’اذا كان علي التضحية بمكتبتي من أجل السلام مع إيران، سيستحق ذلك الامر’
السؤال هو، من المسؤول؟
“أنت حرفيا الشخص المئة الذي سألنا”، نادل في جوستو، مقهي إيراني تحت اللافتة قال للتايمز أوف إسرائيل: “ليس لدينا أية فكرة عن الموضوع”.
أمير، معلم بيانو (Simona Weinglass/Times of israel)
في مكتبة “الإخوان غرين” لبيع الكتب المستخدمة المجاورة، قال أحد الزبائن واسمه أمير: “حجم اللافتة يتناسب مع مدى وهميتها. ولكن ربما في المستقبل البعيد يمكن أن تصبح حقيقة واقعة”.
أمير، وهو مدرس بيانو، قال أنه يتمتع بالسينما الإيرانية بشكل كبير.
“على الرغم من أن السينما تخضع للنظام الإسلامي، إنها ليست سينما سوفياتية وليسوا سينما نازية. أعتقد أن البلاد أقل أسود وأبيض مما تبدو”.
جمعهم الشعر
عيدو بالاس، أحد مالكي المكتبة انضم للحديث، “لست أتساءل ما إذا كان فعلا سيتم افتتاح سفارة إيرانية أم لا. من الواضح أنها حملة من قبل مجموعة من الإسرائيليين. ولكن لست متأكدا إذا كانوا من الجناح الأيمن، أو من هم”.
عيدو بلاس (Simona Weinglass/Times of israel)
ومع ذلك، فإن بالاس مفتون بالفكرة.
“إذا كان علي التضحية بمكتبتي من أجل السلام مع إيران، سيستحق ذلك الأمر”.
يمزح بالاس أنه بسرور قد يخصص جزءا من متجره لكتب باللغة الفارسية حتى يشعر موظفي السفارة أقل بالحنين إلى الوطن.
“لقد سبق وامتلكنا كتب باللغة الفارسية. هناك سوقا كبيرة هنا -في يونيو بعنا كتب قصائد للشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد المترجمة إلى العبرية.
ما هو اسم المترجم؟
“سيفان بالسليف”.
ماذا يعني برعام؟
قبل الإتصال ببالسليف، زارت التايمز أوف إسرائيل بلدية تل أبيب لمعرفة ما إذا كان سيمكنهم إعلامنا بأصل اللافتة.
“ليس لدي أي فكرة”، قال مدير قسم اللافتات في المدينة، الذي رفض ذكر اسمه. “لقد حاولت إيجاد ذلك بنفسي”.
داخل مكتب المتحدثة بإسم تل أبيب، امرأة اسمها غابي تقول للتايمز أوف إسرائيل “أنها نوع من حملات العلاقات العامة، ولا نعرف من وراء ذلك”.
صورة للافتة التقطت من الطابق ال12 من مكتب الناطق باسم تل ابيب (Simona Weinglass/Times of israel)
ألا تعرف من الذي يضع لافتات في مدينتك؟
“فقط إذا كان ذلك على ممتلكات البلدية، وهذا بناء خاص”.
ولكن ماذا لو كانت اللافتة كاذبة؟
“إذا شعر الناس بالإهانة من اللافتة وقاموا بتقديم شكوى، فإننا سوف ننزلها”.
داخل المبنى نفسه حيث علقت اللافتة، لا أحد يجيب عند قرع بابهم. وأخيرا، وافقت امرأة مسنة على تقديم تفاصيل شخص من لجنة المستأجرين. ولكن لا أحد يجيب على رقم الهاتف ذلك.
يائسا لأي فكرة، يلاحظ مراسل التايمز أوف إسرائيل إشارة صفراء صغيرة بالقرب من أعلى الافتة العملاقة – “برعام”.
برعام هو اسم شركة إعلانات إسرائيلية كبرى متخصصة في صناعة لافتات تعلق على جانبي المباني.
“نعم، هذا الشعار لنا”، تقول المرأة التي أجابت على الهاتف. “حسنا في الواقع، إنه زبون لدينا. طلب ألا نكشف عن هويته. يرجى منك ترك رقم الهاتف الخاص بك، وأناسهم الخاصون سوف يعودإليك عندما يكونوا مستعدين”.
كم من الصحفيين اتبعوا نفس درب القرائن للوصول إليك؟
“الكثيرون”.
سفيرة المستقبل؟
سيفان بالسليف، مترجمة الشعر الفارسي، حائزة على درجة الدكتوراه المسكوكة حديثا من جامعة تل أبيب، حيث كان موضوع أطروحتها “المثل والممارسات وصور الذكر الإيراني خلال أواخر فترة قاجار وأوائل فترة بهلوي (1870-1940)”.
وقالت أنها فوجئت أن يتم الإتصال من قبل أحد الصحفيين.
“لا أحد من أصدقائي في الفيسبوك يعرف من يقف وراء اللافتة” تقول للتايمز أوف إسرائيل.
إذا أعيدت العلاقات الدبلوماسية، هل ستكون بالسليف مهتمة في أن تصبح سفيرة؟
“لا أعرف إذا كانت لدي المهارات الدبلوماسية لأكون سفيرة”، تضحك “ولكن سأكون سعيدة أن اكون الملحق الثقافي”.
في هذا الدور، تقول بالسليف، إذا كان عليها اختيار قصيدة لقراءتها في افتتاح إفتراضي للسفارة الإيرانية، ستكون قصيدة فروغ فرخزاد “أرض مرصعة بالجواهر”.
“في القصيدة، تسخر من القومية المبالغ فيها. إنها عن حماقة الوطنية. سأختار قصيدة ساخرة لإفتتاح السفارة الساخرة”.
فجأة، بالسليف عرضت فكرة. “هل تعتقد أن الأشخاص في السفارة الإيرانية في القدس وراء هذا؟ أبدا لم اعتقد أنهم يملكون ما يكفي من المال للافتة كهذه”.
قناة دبلوماسية عائدة؟
عندما سئل عما إذا كانت هناك قناة دبلوماسية عائدة سرية بين إسرائيل وإيران والتي قد تؤدي إلى فتح سفارة، مئير جافينديفار، محاضر إيراني المولد مختص بموضوع السياسة الإيرانية في مركز التخصصات في هرتسليا، يقول “لا أعرف”.
“هل ستكون هناك سفارة إيرانية في إسرائيل؟” يسأل خطابيا. “من المستبعد جدا. من شأنه أن يكون ذلك أقرب إلى معجزة يمكن أن تحصل هذه الأيام”.
لماذا؟
“لأن الإيرانيين لن يعترفوا بوجود إسرائيل في أي وقت قريب. هذا شيء مهم جدا لشرعية النظام الإيراني، وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمكانتهم بين المتشددين في إيران والمنطقة”.
هل يعتقد جافاندينفار اذا سمع شخصا ما في النظام الإيراني عن اللافتة في ميدان رابين قد يثلج صدره؟
’هل ستكون هناك سفارة ايرانية في إسرائيل؟ من المستبعد جدا. من شأنه أن يكون ذلك أقرب إلى معجزة يمكن أن تحصل هذه الأيام’
في الواقع، انه يقول، سبق وكان هناك مقال عن اللافتة على الموقع الإخباري الإيراني بارسين.
يشرع جافاندينفار في ترجمة الخبر:
“لقد وضع مجموعة من المواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة لافتة مع أعلام الجمهورية الإسلامية والنظام الصهيوني متمنين لإقامة علاقات بين طهران وتل أبيب. تقول اللافتة أنه قريبا جدا سيتم افتتاح سفارة إيرانية. منذ التوقيع على الاتفاق النووي، على الرغم من رفض نتنياهو المتكرر، ظهر عدد قليل من المواطنين من الأراضي المحتلة لدعم الإتفاق والرغبة في إقامة علاقات بين طهران وتل أبيب. وقد وضع هذا الشعار من قبل مواطني الكيان الصهيوني الذين يسمون أنفسهم أصدقاء السلام”.
من يقف وراء اللافتة؟
كان لدى بالسليف فكرة إضافية: “هل تعتقدين أن الأشخاص في السفارة الإيرانية في القدس يمكن أن يكونوا وراء هذا؟ لما كنت أعتقد أن لديهم المال الكافي للافتة كهذه”.
السفارة الإيرانية في القدس هي مشروع للتجمع الفني هامبول، مجموعة من الفنانين مقرهم القدس. وفقا لموقع المشروع “نحن مجموعة من الفنانين الذين يعيشون ويعملون في القدس، في محاولة لخلق واقع جديد، واقع يمكننا الإنتماء اليه. واقع حوار بين الناس، حيث لا تهيمن عليه وسائل الإعلام والحكومات”.
هل هامبول من وراء اللافتة التي قد تكون على الأرجح واحدة من أغلى الأماكن في البلاد لنشر اعلان عليها؟ هل قرروا فجأة نقل سفارتهم من القدس إلى تل أبيب؟
على جدار صفحة الفيسبوك التابعة لهامبول، لقد نشر شخصا صورة للافتة، إلى جانب عبارة “مجموعة هامبول لا تتحمل مسؤولية اللافتة، لكننا سعداء لوجودها”.
اعضاء السفارة الإيرانية في القدس (Facebook)
اتصلت التايمز أوف إسرائيل عبر البريد الإلكتروني بالمجموعة، لكنها لم تتلق أي رد.
مع ذلك، الفيسبوك يوفر أدلة إضافية. في يونيو، أنشأت المجموعة حدث على الفيسبوك بعنوان “اختبارات للسفارة الإيرانية في إسرائيل”، على وجه التحديد اسم المؤسسة التي تظهر على اللافتة في ساحة رابين.
تقول الصفحة، “إلى الإيرانيين الذين يعيشون في إسرائيل وحول العالم، عشاق الثقافة والجهات الفاعلة، ندعوكم إلى رحلة مثيرة للإهتمام كما نفتتح ‘السفارة الإيرانية في إسرائيل'”.
تتابع الصفحة قائلة بأن المجموعة تصور فيلما وتحتاج الى ممثلين لأدوار غير مدفوعة. “سيتم تصوير الإختبارات. من فضلكم تعالوا مرتدين ثيابا ملائة للدور”.
يبدو هامبول متخصصا في فن الأداء من النوع حيث ردود فعل المارة هي جزء من الأداء، كما هو الحال مع غوغاء الفلاش أو أفلام ساشا بارون كوهين. على الرغم من أن عدم تأكيد الامر من قبل هامبول، من الممكن أن الافتة في حد ذاتها تمثل دعامة، في حين يشعر الصحفيين بالفضول وجميع من يناقش ذلك على وسائل الإعلام الإجتماعية ممثلون. لعل الخطة تهدف لخلق هذه التفاعلات لتكون في الفيلم؟ إذا كان هذا الحال، فاذن حققت هامبول هدفها، وهو استحواذ تفكير الناس وحتى التحدث حول سبب عدم إقامة إسرائيل اي تقارب مع إيران.
مئير جافاندينفار (Facebook)
ولكن قد يستغرق ذلك أكثر من مسرح حرب عصابات لتحقيق مثل هذا التقارب.
“آمل بصدق أن نملك في أحد الأيام سفارة إيرانية في إسرائيل”، قال جافاندينفار.
“لا نملك أي شيء ضد الشعب الإيراني، لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع الشعب الإيراني. ولكن طالما يدعو النظام الإيراني لفناء إسرائيل، فإنه يدفع هذا الإحتمال بعيدا”.
timesofisrael