جمال محمد – التقرير
لا يختلف أحد حول المكاسب الاقتصادية التي سوف تجنيها طهران من وراء الاتفاق النووي مع الدول الكبرى. ولكن، ما لا يعلمه كثيرون هو أن جزءًا كبيرًا من هذه المكاسب سوف يعود على “الحرس الثوري”، الذي له إمبراطورية اقتصادية ضخمة تضم قرابة 16 شركة، ويكسب سنويًا 12 مليار دولار من عائدات مشاريعه النفطية والسكنية وغيرها؛ وهي المكاسب التي تزعج نواب الكونجرس والعرب الذين يخشون أن تنعكس على مزيد من نشاط الحرس الثوري في مهمات أمنية في سوريا والعراق ولبنان والخليج.
فما حصلت عليه إيران مقابل الاتفاق النووي هو رفع الحظر عن أموالها في البنوك الأمريكية، ومكاسب اقتصادية وتكنولوجية؛ بفضل الخطة التدريجية لرفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
أما أبرز المكاسب فهي:
-
النفط، الذي يمكن أن يصل إنتاجه إلى 4 ملايين برميل يوميًا في أقل من ثلاثة أشهر بعد رفع العقوبات، وارتفاع عائدات النفط المقدرة بـ25 مليار دولار في موازنة 2015 إلى نحو 100 مليار دولار في 2017، مقارنة بنحو 120 مليارًا (عائدات العام 2011).
-
السماح لإيران بالعودة إلى النظام المالي العالمي بما يشمل كافة العمليات المصرفية، لاسيما التي تتعلق بمدفوعات صادرات النفط ومختلف الصادرات من المنتجات الإيرانية بالعملات الحرة، وخصوصًا الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي، وكذلك مدفوعات إيران قيمة مستورداتها من مختلف دول العالم.
-
عودة إيران إلى التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك بنك الاستثمار الأوروبي، والحصول منها على قروض مختلفة وبشروط متعارف عليها في العلاقات الدولية.
-
عودة الاستثمارات الخارجية المباشرة في التدفق إلى إيران، بما فيها استثمارات شركات النفط الأجنبية، وشركات إنتاج السيارات التي ترغب في استعادة مكانتها في تطوير الصناعة الإيرانية.
-
دعم احتياطي البنك المركزي البالغ حاليًا نحو 62 مليار دولار، وكان يفوق 100 مليار دولار قبل العقوبات؛ فشأن ذلك أن يوفر الدعم والحماية للنقد الوطني واستعادة قيمته السابقة؛ حيث كان الدولار الأمريكي يعادل 12 ألف ريال، وفي الوقت نفسه يخفض التضخم إلى أقل من 15%.
60 % من المكاسب للحرس الثوري
وخطورة هذه المكاسب أن جزءًا كبيرًا منها سوف يذهب للحرس الثوري؛ حيث يقول الدكتور أحمد رمضان، عضو الائتلاف الوطني السوري، إن 60% من عائدات إيران بعد رفع العقوبات ستذهب للحرس الثوري.
ويؤكد في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر أن “60% من إجمالي عائدات إيران بعد رفع العقوبات (150 مليار دولار) ستذهب للحرس الثوري، (أي 90 مليارًا) منها 25 مليار دولار لمهمات أمنية في سوريا والعراق ولبنان والخليج“.
ويرفض المسؤولون الإيرانيون الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق، لكن تقديرات غربية تقدرها بـ12 مليار دولار سنويًا، من مجمل أنشطته التجارية، تمثل نحو سدس الناتج المحلي الإجمالي الإيراني المعلن بأسعار الصرف الحالية؛ حيث يسيطرون على شركات كبرى وقطاعات في إيران مثل السياحة والنقل والطاقة والبناء والاتصالات والإنترنت.
ويقول الكاتب الإيراني “علي نوري زاده” إن الحرس يسيطر على 40% من مقدرات البلاد ومفاصل الدولة، كما أنه يحظى بـ43% من ميزانية وزارة الدفاع، في حين أن عدد أفراده أقلّ ثلاث مرات من الجيش الرسمي، هذا علاوة على الإمبراطورية الاقتصادية التي يرعاها.
الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري
بحسب تقارير نشرتها وكالة “رويترز” وتقارير غربية أخرى، كان الهدف من إنشاء الحرس الثوري هو تجميع القوات العسكرية التي نشأت مع الثورة في كيان واحد موال للنظام ولإقامة توازن مع الجيش التقليدي؛ لأنّ الخميني لم يأمن جانبه، وبمرور الوقت توسَّعت سلطات الحرس الثوري لتمتدّ أياديه إلى مساحات لا يمتد إليها الجيش الطبيعي الكلاسيكي في إيران رغم انضواء الحرس الثوري والجيش تحت لواء وزارة الدفاع ولكلّ منهما وضعه.
ولاحقًا، أصبح الحرس الثوري والقوات التابعة له أكثر تغوُّلًا في السياسة والاقتصاد الإيراني؛ حتى إنه في عام 1999 وقَّع عدد من قادة الحرس الثوري رسالة للرئيس خاتمي يهددونه بالانقلاب إذا لم يقمع المتظاهرين الذين يتظاهرون ضد الرقابة في إيران فورًا، وكانوا هم دعامة الرئيس أحمدي نجاد -الذي يعد واحدًا منهم- ضد المظاهرات المناوئة له.
وخلال عام 2004، كان 91 نائبًا في البرلمان الإيراني من أصل 154 في صفوف الحرس الثوري، ودعم الحرس الثوري أحد أفراده السابقين (الرئيس أحمدي نجاد) للوصول إلى الحكم، ودافع عنه الحرس الثوري في الثورة الخضراء التي قامت ضده (2009) وحافظ عليه في منصبه كرئيس.
ويصل عدد الحرس وفقًا لبعض التقديرات إلى 350 ألف فرد، ووفقًا لتقارير أخرى يصل إلى 120 ألفًا، وهو يتلقى أوامره من المرشد رأسًا ولا يخضع لأية رقابة من أي نوع، ويتم تنصيب جنرالاته بواسطة خامنئي شخصيًّا.
وقد تحوَّل الحرس الثوري إلى “وحش كبير” مع الوقت، لا يقتصر عمله على الأمور العسكرية فقط وإنما يتولى أمورًا أمنية داخلية واستخباراتية خارجية، ومشروعات اقتصادية لا يحظى بها غيره.
وكانت بداية التأسيس للإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري بعد الحرب العراقية الإيرانية، عندما سيطر الحرس على المصانع وهيئة إعادة الإعمار وقام بعشرات المشاريع؛ ومن هذه البؤرة انبثقت الشركة العملاقة “خاتم الأنبياء”، التي قامت في الفترة ما بين 1990 و2007 بـ1220 مشروعًا حكوميًّا، فضلًا عن أنها المؤسسة الأمّ التي تتبعها 812 شركة أخرى.
وبجانب هذه المؤسسة الأكبر التي ترتبط بالحرس الثوري (خاتم الأنبياء) التي كانت على رأس المؤسسات الموقع عليها عقوبات غربية، هناك حوالي 15 شركة كبرى أخرى على علاقة بالحرس الثوري، بعضها شركات نفطية وفي مجال البناء والتشييد.
وأبرز هذه المؤسسات التي تخضع للحرس الثوري هي مؤسسة “ستاد إجرايي فرمان حضرت إمام” أو “هيئة تنفيذ أوامر الإمام”، وقد أنشأها الخميني لإدارة وبيع العقارات التي تركها ملاكها عقب الثورة الإسلامية وتوزيع هذه الأموال على الفقراء ومصابي الحروب.
ولم يكن مخططًا لتلك المؤسسة أن تعمل لأكثر من سنتين، لكنّ خليفة الخميني (علي خامنئي) جعل لها دورًا آخر، أعمق وأكبر وأكثر تأثيرًا. ويقول تقرير لوكالة رويترز عنها إن “ستاد” بدأت في العمل بالسيطرة على آلاف العقارات، بل والاستيلاء عليها من أهلها الذين غالبًا ما يكونون أبناء أقلية دينية أو حتى شيعة ينتمون لطبقة رجال الأعمال يعيشون في الخارج.
وقد أصبحت تلك المؤسسة التي تخضع ليد المرشد وحده إحدى كبرى الهيئات وأقواها في إيران، وتقدَّر أصولها بـ95 مليار دولار وفقًا لرويترز؛ حيث تمتد أيادي الهيئة إلى جميع القطاعات تقريبًا في إيران من صناعة النفط إلى الاتصالات وحتى تربية النّعام وإنتاج حبوب منع الحمل.
وقد فرضت أمريكا عقوبات على الهيئة و37 شركة تسيطر عليها “ستاد”؛ حيث تدر شركات الهيئة دخلًا سنويًّا بمليارات الدولارات، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، ورفع العقوبات عن هذه الهيئة بعد الاتفاق النووي الإيراني يعني نفوذًا اقتصاديًّا أكبر لها لاحقًا.
وتنتشر شركات الحرس الثوري في كل المجالات تقريبًا، بداية من النفط والغاز وحتى البنى التحتية والإنشاءات والطرق والاتصالات… إلخ، وسبق لوزارة الخزانة الأمريكية أن اتهمت شركة النفط الوطنية في إيران أنها “ستار للحرس الثوري الإيراني“، مُدللة على ذلك باختيار رستم قاسمي وزيرًا للنفط في إيران عام 2011، وهو أحد القادة والكوادر السابقين في الحرس الثوري.
الحرس أبرز المستفيدين من الاتفاق النووي
بموجب الاتفاق النووي، سترفع العقوبات عن العديد من شركات الحرس الثوري وشخصيات قيادية به أيضًا، بينما ستنتظر بعض الشركات والمؤسسات لـ8 سنوات أخرى حتى تُرفع عنها العقوبات حين يتم تنفيذ الاتفاق كاملًا.
ويعني هذا أنه سترفع العقوبات عن العشرات من الشركات التابعة للحرس الثوري، وسيشطب -وفقًا لنص الاتفاق النووي- نحو 90 مسؤولًا حاليًا وسابقًا في الحرس الثوري وكيانات مثل الحرس الثوري نفسه وشركات قامت بمعاملات لحساب الحرس من العقوبات.
ومن بين هؤلاء: قائد فيلق القدس (قاسم سليماني) الذي اضطلع بدور مهم في تقديم المشورة لقادة الفصائل الشيعية المسلحة بالعراق وكذلك للقوات الحكومية السورية.
وتضم قائمة من سيشملهم رفع العقوبات خلال 8 سنوات: أحمد وحيدي، وهو قائد سابق للحرس الثوري تطلب الشرطة الدولية إلقاء القبض عليه لدوره المزعوم في تفجير مركز يهودي في بوينس أيرس عام 1994. وينفي وحيدي أي علاقة له بالأمر، وسيحذف الاتحاد الأوروبي سليماني من قائمة العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي لكنه سيبقي على تلك المرتبطة بسوريا والإرهاب.
ومن بين هذه الكيانات الإيرانية التي سيتم رفع العقوبات عنها العشرات من الشركات التابعة للحرس الثوري، خاصة “خاتم الأنبياء” و”ستاد” التي تدير وحدها 37 شركة، ومنها أيضًا شركة صناعة الطائرات الإيرانية التي تصنع طائرات حربية وطائرات بلا طيار وشركة الصناعات البحرية التي تقول وزارة الخزانة الأمريكية إنها مسؤولة عن استحواذات القطع البحرية لكل من الحرس الثوري والقوات البحرية. وسيرفع الاتحاد الأوروبي العقوبات خلال 8 سنوات بينما ستبقي الولايات المتحدة عليها.
استمرار الحظر على “فيلق القدس”
بحسب الاتفاق النووي، لن ترفع معظم الكيانات التابعة للحرس الثوري مثل فيلق القدس الذي ينفذ عمليات في الخارج والقوة الجوية والصاروخية التابعة للحرس من على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي لحين بلوغ المرحلة الثانية خلال 8 سنوات. لكنها جميعًا ستظل خاضعة للعقوبات الأمريكية المفروضة بدعوى “دعم أنشطة إرهابية” أو باعتبار أنها “تنشر أسلحة الدمار الشامل“.
وقد سعت إدارة الرئيس باراك أوباما للتهوين من المكاسب المحتملة التي ستعود على الحرس من الاتفاق الذي يخفف العقوبات مقابل الحد من أنشطة برنامج إيران النووي. ولكن، في شهادات أمام الكونجرس في يوليو وأغسطس، قال مسؤولون كبار في وزارة الخزانة إن الوزارة ستواصل تطبيق العقوبات التي تستهدف الحرس.
وقال آدم شوبين، القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمعلومات المالية، في شهادة مكتوبة للجنة البنوك بمجلس الشيوخ هذا الشهر، إن أي بنك أجنبي “يجري أو يسهل معاملة مالية كبيرة مع شركة ماهان آير للطيران أو شركة الإعمار التابعة للحرس الثوري خاتم الأنبياء سيجازف بفقد إمكانية تعامله مع النظام المالي الأمريكي، وهذا لا يتأثر بالاتفاق النووي“.
وتتهم واشنطن شركة ماهان آير للطيران بشحن الأسلحة للحرس الثوري وتوفير خدمة النقل لجماعة حزب الله اللبنانية التي تعتبرها جماعة إرهابية.