شؤون خليجية - سامية عبدالله
تطورات نوعية تشهدها أدوات وطبيعة الصراع بين مشروع التمدد الإيراني "الصفوي" التوسعي، وبين دول الخليج، تنذر بتحول نوعي كبير في نمط وطرق التغلغل والتأثير الإيراني في العواصم العربية، فقد انتقلت ساحة الخلاف من التهديد الإعلامي والحرب الكلامية على لسان قادتها العسكريين والسياسيين، إلى مرحلة تهديد وجود دول الخليج بتفجير الأوضاع من الداخل، وتفكيك نسيجها الوطني، وإحداث الشقاق في بنيتها الاجتماعية، بورقة تبدو هي الرابحة الآن بيد إيران تتمثل في "شيعة الخليج"، بحسب مراقبين.
ورغم أنه لا يوجد حتى الآن اعتراف رسمي من قبل طهران بالتلاعب بهذه الورقة القديمة الجديدة، إلا أن مؤشرات عديدة تؤكد استهداف طهران للأمن القومي الخليجي، وبخاصة عقب قيام دول الخليج بقيادة السعودية بعملية "عاصفة الحزم" في اليمن، لتحجيم النفوذ الإيراني، واشتعال الصراع بين الرياض وطهران ليصل إلى حرب بالوكالة.
ويعد تفجير الوضع من الداخل بورقة الشيعة العرب بالخليج أقلية أو أغلبية سياسة قديمة، ولكن الجديد تحولها من دفعهم إلى تظاهرات أو احتجاجات واسعة إلى الصدام الأمني المباشر مع الدولة، حيث اتهم محللون وسياسيون بالخليج إيران بالضلوع في تفجيرات القديح والعنود بالسعودية ومسجد الإمام الصادق بالكويت، رغم تبني "داعش" لها، وباستهدف الأمن في البحرين، بما يعني إحداث مواجهة بين الشيعة والسنة من ناحية، وبين المجتمع والمؤسسات الأمنية من ناحية أخرى، الأمر الذي قد يحدث فوضى كبيرة، بحسب مراقبين، في حال انتقال هذه الحوادث بين المناطق الشيعية والعواصم الخليجية.
مرحلة جديدة تستهدف نشر الفوضى والاضطرابات
فهل بدأت إيران في إعلان مرحلة جديدة تستهدف فيها نشر القلاقل والفوضى والاضطرابات بدول الخليج، بأدوات جديدة أكثر تأثيرًا واتساعًا، بتوقيت بالغ الحساسية، حيث تتعاظم قدرة إيران العسكرية والمالية والاقتصادية عقب الاتفاق النووي الإيراني الأخير.
تتصاعد المؤشرات التي تقطع بتورط إيران في سيناريو إحداث القلاقل والاضطرابات الآن بدول الخليج، وهي سياسية قديمة ومعروفة وتم تطبيقها عدة مرات، وبداية فإن قادة طهران والحرس الثوري الإيراني يخوضون حربًا كلامية بالتهديد بإسقاط آل سعود، وتمريغ أنفها في التراب، عقب قيادتها لعاصفة الحزم مع دول خليجية، ما يجعل التدخل الإيراني بمثابة عقاب لها، لأنها تجرأت لقطع الأذرع الإيرانية العسكرية المتمثلة في جماعة الحوثي "الشيعة المسلحة"، ويتواجد الحرس الثوري الإيراني في دول عربية معلنًا هيمنته عليها، وهي الأردن ولبنان والعراق وسوريا، ومن ثم لا يستبعد قيامه بعمليات نوعية بشكل آخر في دول أخرى.
وكان مصدر لبناني مقرب من حزب الله، قد كشف، أن إيران بدأت ما أسماه "المرحلة الثانية في المنطقة"، وتتمثل في محاولة افتعال أزمات وقلاقل في منطقة الخليج، مشيرًا إلى أن طهران "تشعر بحالة استرخاء بعد إبرام الاتفاق النووي مع القوى الغربية واقتراب رفع العقوبات الاقتصادية عنها، بما في ذلك تسييل أموالها المجمدة لدى الولايات المتحدة".
وبحسب المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، فإن "إيران مصرة على تقديم الدعم للقوى الموالية لها في البحرين بشكل خاص، من أجل التحرك ضد النظام الذي تعتبره طهران ألد أعدائها في المنطقة". ولم يستبعد المصدر تحريك بعض الخلايا في السعودية من أجل تنفيذ عمليات، إما بتبنيها بشكل مباشر، أم بنسبتها إلى تنظيم الدولة الذي يتحمل مثل هذه الأعمال، بسبب أوامره الفضفاضة للأتباع بتنفيذ عمليات داخل المملكة.
وجاءت تصريحات المصدر اللبناني بعد ساعات قليلة من إعلان المنامة إفشال تهريب شحنة أسلحة إيرانية إلى البحرين، ودعوتها دول الخليج لاتخاذ موقف موحد ضد التهديدات الإيرانية التي تواجه المنطقة. كما تأتي بعد عدة شهور على بدء التحالف العربي الذي تقوده السعودية، حربًا على الحوثيين في اليمن، وهي الحرب التي لم تحسم حتى الآن الموقف هناك، في الوقت الذي تقدم فيه إيران الدعم العسكري والمالي للحوثيين ولميليشيا علي عبد الله صالح الحليفة لهم.
نقلة نوعية
رسميًا أعلنت البحرين توقيف اثنين من مواطنيها حاولا تهريب أسلحة وذخائر قادمة من إيران، إلا أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اعتبر أن ما أعلنته المنامة ليس سوى "ادعاءات غير صحيحة"، متهمًا البحرين بالعمل على "إعاقة أي تطور في التعاون بين إيران ودول الخليج الأخرى".
وأعلن اللواء طارق الحسن، رئيس الأمن العام بدولة البحرين: "إن المتفجرات التي استخدمت في التفجير الإرهابي الأخير على الشرطة الذي وقع بقرية سترة بالقرب من العاصمة البحرينية المنامة، وأسفر عن مقتل شرطيين وإصابة 6 آخرين، من النوع الذي تم ضبطه خلال محاولة تهريب أسلحة ومواد متفجرة لها علاقة بإيران السبت الماضي، خلال حوار له على قناة سكاى نيوز عربية، أمس الثلاثاء".
بما يؤكد نقلة نوعية في الأدوات الإيرانية، لتصبح أكثر جرأة بالتورط في عمليات إرهابية تحدث شرخًا في النسيج المجتمعي، وفوضى ومواجهات مع الأمن والشرطة.
دعم المظلومين والأصدقاء
أعلنت إيران دون مواربة استمرار دعمها لمن تسميهم بالمظلومين، دون أن تفصح عن أدوات وأشكال الدعم، ولكن الحرس الثوري الإيراني يعلن استهدافه لعدد من العواصم العربية لاحتلالها، ويبدو أن الاتفاق النووي زاد جرأتها، حيث أعلن المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية علي خامنئي، في كلمة بمناسبة عيد الفطر في 17 يوليو الجاري، أنه "يريد من الساسة دراسة الاتفاق لضمان الحفاظ على المصالح الوطنية، لأن إيران لن تسمح بتدمير مبادئها الثورية أو قدراتها الدفاعية. وسواء تمت الموافقة على الاتفاق (النووي) أم لا، لن نكف مطلقًا عن دعم أصدقائنا في المنطقة وشعوب فلسطين واليمن وسوريا والعراق والبحرين ولبنان. حتى بعد هذا الاتفاق سياستنا تجاه الولايات المتحدة المتغطرسة لن تتغير".
وتتفق تصريحات خامنئي مع تصريحات قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي أكد أن "بلاده حاضرة في لبنان والعراق، وأن هذين البلدين يخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها"، مشيرًا إلى أن "إيران بإمكانها التحكّم في هذه الثورات لتوجهها نحو العدو، وأن هذه الإمكانية متوافرة في الأردن"، وذلك بحسب تصريحات له نقلتها وكالة "إيسنا" الإيرانية شبه الرسمية.
ورأى سليماني أن الثورات العربية «تأخذ طابعًا إسلاميًا رويدًا رويدًا، وتتبلور مع مرور الزمان على شاكلة الثورة الإسلامية الإيرانية».
إيران في دائرة الاتهام
مع تصاعد التفجيرات الطائفية بالسعودية والكويت تصاعدت أصوات لشخصيات لها وزنها تشير إلى إيران بأصابع الاتهام، فبعد ساعات من تفجير مسجد للشيعة في منطقة القطيف السعودية في 22 مايو الماضي، تصدر وسم #تفجير_إرهابي_في_القطيف، موقع تويتر، واتهم عدد كبير من المغردين إيران بالوقوف وراء التفجير، لإحداث فتنة مذهبية بالسعودية ردًا على عاصفة الحزم ضد الحوثيين باليمن.
وعلق الأكاديمي السعودي أحمد بن راشد بن سعيد، في تغريدة، إن "صمود بلادنا في وجه المشروع الصفوي ليس بلا ثمن. كانت جريمة تفجير القديح متوقعة بعد عاصفة الحزم، ودعم أهلنا في سوريا. لكنها حشرجة الموت!".
في السياق ذاته، أكد الداعية والمفكر الإسلامي محسن العواجي، أن "تفجير دور العبادة جريمة بشعة لا يعرفها المسلمون، ابتدعتها الصهيو- صفوية.. ألم يهددنا بها الإيراني أحمد بوردستان في 13-4-2015؟". ولا يستبعد الداعية السعودي محمد الشنار أن تكون طهران خلف التفجير، وغرد "إيران خلف ذلك سواء من قريب أو من بعيد، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله.."
وحذر الحقوقي الجزائري أنور مالك قائلا "قامت مخابرات إيران بعمليات إرهابية ضد شيعة العراق لحشدهم طائفيا ضد السنّة، وهو ما تكرره في السعودية وغيرها!". وتابع في تغريدة ثانية "فتشوا عن مخابرات إيران في أي عملية تستهدف الشيعة بالوطن العربي، فهي تريد فوضى شاملة لإنقاذ مشروعها في سوريا واليمن!".وأكد الناشط المصري عمرو عبد الهادي أن "تفجير مسجد للشيعة في السعودية، المستفيد الوحيد منه هو إيران"
وفي تعليق على تفجير العنود الإرهابي بالسعودية قالت الكاتبة السعودية "حصة العون" أن "ما يحدث مخطط (صهيومجوسي) لنقل المعركة داخل بلادنا وبأيدي أبناؤنا لإشغالنا بأنفسنا، نحتاج لبحوث جادة لحماية شبابنا، ما حدث كان مخططًا لنقل المعركة داخل الوطن ودق إسفين بين مكوناته الوطنية، وهذا أحد أسلحة أعداء الأمة خاصة (التحالف الخبيث) الصهيومجوسي"
أيضا علق النائب الكويتي السابق، وليد الطبطبائي، على العملية الإرهابية في الكويت التي استهدفت مسجد للشيعة مسجد الصادق مما خلف عشرات القتلى والمصابين، مستحضرًا عدة تساؤلات توضح من يحرك هؤلاء الإرهابيين. وكتب "الطبطبائي"، في تغريدة له على موقع "تويتر": "سؤال لماذا لم تقم داعش بأي تفجير في الكويت إلا بعد مشاركتها بعاصفة الحزم ولماذا لم تقم بأي تفجير داخل إيران؟ كل ذلك يشير لمن يحرك هؤلاء".
ميليشيات تدعمها إيران
ليست فقط شهادات الخبراء والسياسيين من النخبة المثقفة في الخليج مؤشر قوي على تورط طهران بل يسبق ذلك السياسات الإيرانية التوسعية في العراق وسوريا والتي تقوم على الحشد الطائفي ودعم ميلشيات طائفية ترتكب جرائم حرب بالتعاون مع قوات الحرس الثوري الإيراني أشهرها ميلشيات "الحشد الشعبي العراقية" و"ميلشيات حزب الله اللبنانية"، وعقب تفجير القديح برزت أصوات تنادي بتشكيل ميلشيات حشد بالسعودية مماثلة، كما أن جماعة الحوثي "الشيعية المسلحة" هي الذراع العسكري لإيران في اليمن تخوض حربا مباشرة تستهدف الداخل السعودي.
واعتبر مراقبون أن ظهور فيديوهات مسرّبة للحرس الثوري أو ميليشيات شيعية أخرى وهي تقتل أشخاصاً من أهل السنّة في سورية والعراق واليمن وترفع شعارات طائفية هي نفسها التي يرفعها الشيعة في كل مكان، وأن ذلك سيشكل نوعاً من التحريض غير المباشر للانتقام من الشيعة ولو كانوا مدنيين في دول عربية وعلى رأسها السعودية، وبذلك تحقق إيران غايتها في استهداف الشيعة ثم استغلال الحوادث للدفاع عنهم.
وأوضح المراقبون أن التصعيد الطائفي في سوريا والعراق واليمن ليس بريئاً أبداً، بل هو تخطيط إيراني من أجل تعميم العنف والعنف المضاد، وبذلك تتحقّق غايتها في تخريب الأوطان العربية، وأيضاً في زعزعة استقرار بعض الدول التي يتواجد بها الشيعة وخاصة السعودية.
ورقة شيعة الخليج قديمة جديدة
يعد التلاعب بورقة شيعة الخليج سياسة إيرانية قديمة حيث قام شيعة القطيف بمظاهرات عمالية ضخمة أعوام 1944، 1949، 1953، وأما عام 1970 فقد أحدثوا اضطرابات واسعة النطاق في المنطقة نفسها واضطرت الحكومة السعودية لإرسال الحرس الوطني للسيطرة عليها.
ودائماً في القطيف، فقد أقام الشيعة عام 1979 مظاهرات عارمة، تزامناً مع الحداد الشيعي في يوم عاشوراء، وذلك في أعقاب اندلاع الثورة الخمينية، ورفعوا شعاراتهم الطائفية مثل: "مبدؤنا حسيني، وقائدنا خميني" وأخرى تحريضية ضد سلطات بلادهم.
وبحسب محللين بلغ الأمر درجة التعاون مع الحرس الثوري الإيراني حيث أنه في موسم حج 1407هجرية، شارك شيعة السعودية وبالتنسيق مع الحجاج الإيرانيين، بأحداث شغب في الحرم المكي، لإظهار السلطات السعودية على أنها لا تستطيع حفظ الأمن في موسم الحج المقدس، وأكثر من ذلك محاولة تصويرها على أنها تعتدي على الحجاج.
وبعد عامين من تلك الحادثة قام الشيعة السعوديون بالتعاون مع تنظيم "حزب الله" الكويتي، باستعمال الغازات السامة في نفق المعيصم بعد عودة حجاج بيت الله الحرام من منى إلى مكة المكرمة، ممّا أسفر عن مقتل وإصابة المئات من ضيوف الرحمن.
ولم تتوقف طهران عن استغلال وروقة "الشيعة العرب" لاستهداف الأمن القومي الخليجي، حيث ما تزال تستخدمهم حتى الآن، لكن السؤال الملح الذي يبحث عن إجابة هو : ماذا أعدت دول الخليج لمواجهة هذا الخطر الذي قد يهدد وجودها؟
المصدر : شؤون خليجية-خاص