في البداية أريد الإشارة إلى عدة حقائق:
1. ترتبط اليمن مع السعودية بشريط حدودي طويل، 1458 كيلو مترا.. أي مسافة أطول بحوالي 25% من طول الشريط الحدودي بين مصر وليبيا. ما يجعل اليمن أول وأهم نقاط الأمن القومي بالنسبة للسعودية.
2. على عكس حلفاء إيران في المنطقة، العراق، سوريا ولبنان، فإن اليمن موطن الحوثيين ليس موصولا جغرافيا بإيران. وبالتالي فإن الإمداد الإيراني له أصعب كثيرا. كما أن التحالف العراقي والسوري مع إيران كان على مستوى الحكومات. وفي لبنان كان مع القوة الأكبر عسكريا من الدولة ذاتها. ليس هذا هو الوضع في اليمن.
3. هناك خلاف مذهبي عميق بين الحوثيين الشيعة، الزيديين، وبين الشيعة الإثني عشرية الإمامية. هذه الإمامية هي العنصر الرئيسي الذي يخدم إيران سياسيا في علاقتها بالمجتمعات الشيعية في العراق ولبنان.
4. المناطق الاستراتيجية في اليمن، كعدن المطلة على باب المندب، تمثل مصالح استراتيجية لأكثر من دولة، داخل الإقليم وخارجه، مصر والسعودية ودول القرن الإفريقي إقليميا، والولايات المتحدة وأوروبا عالميا. المسار الشمالي في تصدير النفط، الذي يمر من باب المندب ويتجه إلى أوروبا، زاد استيعابه من حوالي 3 مليون برميل يوميا في 2009، إلى حوالي 4 مليون برميل في 2013. ومن المتوقع أن تزداد أهمية باب المندب بالنسبة لمصر بعد مشروع توسعة قناة السويس. أي عبث بهذه المصالح سيغضب تلك الدول، وليس السعودية فقط.
5. الجماعات التي وجدت لها في اليمن ملاذا، لكي تكون ورقة ضغط على السعودية، كتنظيم القاعدة، جماعات سنية متشددة. لم يكن ممكنا أن تمثل للرئيس علي عبد الله صالح - نصير الحوثيين - حليفا دائما، حتى لو التقت مصالحهم لفترة قصيرة. ومن المتوقع بالتالي أن يؤدي الصراع المسلح على الهوية الطائفية إلى تحويل اليمن إلى وضع أشبه بسوريا. لن يكون في صالح الحوثيين. أولا لكون الشيعة أقلية ، وثانيا للأسباب التي ذكرتها أعلاه.
6. الاقتصاد اليمني منهار. 70% من قوة العمل تعمل في مجال لا ينتج سوى 8% من الدخل القومي، وهو مجال الزراعة. من الصعب جدا على دولة تعدادها يقترب من الثلاثين مليونا، أن تعتمد اقتصاديا على دولة أخرى كإيران. تستطيع إيران أن تقدم إعانات ملموسة لمجتمع لبنان الشيعي الذي تعداده واحد ونصف مليون نسمة. لكنها لا تستطيع أن تتحمل كلفة المجتمع الشيعي في اليمن، الذي يقترب من 9 مليون، لفترة طويلة.
النقاط أعلاه تجعل المراقبين يتساءلون:
كيف يكون الحوثيون من الغباء الاستراتيجي بحيث يدخلون في صراع مباشر مع السعودية والإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي بهذا الشكل؟! كيف ينقلبون على الوضع السياسي الذي ارتضته الأطراف اليمنية ويظنون أن باستطاعتهم أن ينجوا بفعلتهم بسهولة؟! ما أفق هذا التصرف؟ وأي فائدة ستعود عليهم وعلى وطنهم، لا إيران، منه؟
ثم إن الأسئلة صارت أكثر حضورا الآن، وقد تزامنت هزيمة الحوثيين في عدن مع إعلان التوصل إلى اتفاق نووي. يبدو أن الحوثيين أول ورقة تخلت عنها إيران لكي تعطي الغرب ضمانات عن سلوكها في الفترة المقبلة، إذ تعرف أنها صارت تحت المجهر، وتعرف أن الفترة المقبلة مهمة جدا لتسويق الاتفاق والتصديق عليه ولا سيما في الكونجرس، حيث يواجه معارضة لا يستهان بها. دوت مصر