طلعت رميح
تظهر الدول الاستعمارية نفسها دوما، في حالة تطابق مع مصالح الجمهور العام لشعوب الدول التي تستهدف احتلالها، ويذكر الجميع كيف حاول نابليون بونابرت خداع المصريين حين أرسل لهم رسالة وهو في عرض البحر قادما لغزو بلادهم، تحدث فيها عن أنه قدِم لتخليصهم من طغيان البكوات والمماليك، وأنه ليس عدوا للإسلام بل هو صديق وحامٍ للإسلام.
وفي لعبة خداع الشعوب من قبل المستعمرين، تتعدد وسائل الخداع وتختلف ألاعيب الإيهام بتبني المستعمرين لمصالح الشعوب. فهناك أساليب تعتمدها الدول الاستعمارية الغربية التي تحاول إخفاء أهدافها "العقائدية-الأيديولوجية"، خلف براجماتيتها ونظمها التعددية.
وهناك أساليب أخرى تعتمدها الدول صاحبة النظم الأيديولوجية أو الشمولية أو العقائدية حيث تعمد إلى تقديم نفسها في صيغة اندماجية مع الشعوب المستهدف احتلالها أو مع قطاع سكاني في داخلها. أو تقدم الدول الاستعمارية الغربية نفسها كصاحبة مصلحة مشتركة مع الشعوب المستهدف احتلالها عبر طرح وتصدير شعارات سياسية للشعوب (تحقيق الديموقراطية – القضاء على الديكتاتورية – التنمية المستدامة - التنوير والحداثة ..الخ) فيما تكون أهدافها على العكس تماما من شعاراتها (تنصيب ديكتاتور أكثر ولاء لها – استنزاف ثروات الشعوب).
فالنظم الأيديولوجية غالبا ما تطرح نفسها فى حالة اندماج أو تطابق تام عقائدي أو أيديولوجى كامل، مع الشعوب وبشكل خاص مع الكتل السكانية المستهدفة داخل الدول المستهدف استعمارها، فيما هي تستهدف تحريك تلك الكتل السكانية - التي تدعي الاندماج معها- كجنود ووقود في معاركها الاستعمارية في داخل مجتمعاتها، أو أن تشكل منها سياجا بشريا مقاتلا لحماية بلادها هي وتحقيق مصالحها هي.
وفى كلا الحالتين، تعتمد الدول الاستعمارية، أسلوب شيطنة الخصوم أو الدعاية السوداء ضد خصومها الرافضين والمقاومين، في البلد المستهدف احتلاله (أساليب الشيطنة الإعلامية والسياسية–زعم عداء هؤلاء الخصوم للفئات المستهدف نقل تحيزاتها لمصلحة المستعمر)، وهي تجعل تلك الشيطنة أساسا لشن الحرب أو لاستمرارها في الحرب ضد المقاومة بعد احتلال الدول.
وفى كلا الحالتين أيضا، تلجأ الدول الاستعمارية للقيام بأعمال قتل إجرامية بشكل عشوائي ضد الشعب الذي يشكل حاضنة للمقاومين للمستعمر، بهدف كسر إرادته الدافعة له للالتفاف حول الحكم المستهدف خلعه أو المقاومة الرافضة للاحتلال.
غير أن هناك دولا استعمارية تلجأ إلى ما يوصف بالأعمال القذرة، إذ ترتكب أعمال قتل مروعة ضد ذات الفئات المستهدف التحالف معها – أو المدعى أنها هي والمستعمر في قارب واحد سياسي أو عقائدي- ثم تنسب هذه الأعمال الإجرامية للخصوم الرافضين للاحتلال، وذلك بهدف النقل الإجباري لمواقف ومواقع تلك الكتل السكانية من الصراع تحت الخوف والرعب، ولجعلها كتل جماهيرية متماسكه تتحرك باتجاه الولاء للمستعمر الذي يصبح منقذا لها، وذات موقف عدائي من خصوم المستعمر، أو لدفعها للمغادرة من منطقة إلى منطقة أو من بلادها إلى بلد آخر، لتكوين جيوش مساندة لأعمال الاحتلال ..الخ.
وما يلفت النظر بشدة، هو أن نجد بلدين يدعيان الخصومة والخلاف والصراع ويدعيان الاختلاف الفكري والعقائدي والمصلحي مع بعضهما البعض- الى حد التناقض والتهديد بالحرب- فيما هما يمارسان نفس الأساليب القذرة، كل منهما ضد حلفائه هو، وكأنهما يقرآن من كتاب واحد ويعملان وفق نفس الأخلاقيات، ويعتمدان نفس الخطط والتكتيكات الإجرامية لتغيير مواقف حلفائهم –المدعين- عبر قتلهم باغتيالهم أو بالتفجيرات العشوائية.
وإذ قد يكون طبيعيا أن يدرس كل خصم خصمه، فاللافت هو أن يتوحد الخصمان على اعتماد الأساليب نفسها، فتلك حالة تعكس طبيعة الارتباط والتكامل والتطابق بين الخصمين، وتكشف مدى تحالفهما لا تخاصمهما ومدى قربهما الأيديولوجي والقيمي والأخلاقي لا خلافهما.
وتلك هي قصة التوافق والتوحد بين إيران (الصفوية الفارسية الشيعية) والكيان الصهيوني (اليهودي) العنصري، اذ يجمعهما اعتماد نفس أساليب وطرق التعامل مع الفئات التى يدعي كلا منهما حرصه عليها واندماجه الفكري أو العقائدي أو الأيديولوجي معها، وهو ما يظهر توحد الخلفية الفكرية والقيمية والأخلاقية، الباعثة والمتحكمة في السلوك بين كل من إيران والكيان الصهيوني.
لقد اعتمد كلاهما أساليب العنف الدموي ضد الشعوب المراد استعمارها، تحت عنوان الانتقام للمظلومية التاريخية (الشيعة – اليهود)، كما كلاهما نمط واحد من الاستعمار، هو الاستعمار الاستيطاني (يهجر الشعوب من أرضها). وكلاهما يعتمد نمط الإبادة الحضارية والعقائدية (إحلال حضارات وعقائد أخرى)، لكن اللافت، أن كليهما قام بأعمال قتل للمواطنين الذين يدعي نصرتهم والعمل من أجلهم، بهدف نقل مواقفهم لتصبح مرتبطة بهما، إذ هو يقتلهم فيما يظهر نفسه كمنقذ لهؤلاء المدعي الاندماج الفكري أو المصلحي معهم. وإن أعمال القتل التي يرتكبها كلاهما جرت وتجري وفق ألاعيب قذرة، تتعمد إلصاق عمليات القتل - التي يقوم بها كل من الدولتين - بالخصوم والأعداء.
فإيران الصفوية تقتل الشيعة بطرق سرية لنقل مواقفهم إلى صفها، والعصابات والدولة الصهيونية قتلت اليهود بطرق سرية وألصقت الاتهام بغيرها لتنقل مواقف اليهود إلى صفها ولتحقق أهداف هجرتهم إلى فلسطين المحتلة .. الخ!.
الصهاينة يقتلون اليهود:
لقد كشف التاريخ كيف أن قادة الحركة الصهيونية – ومن بعدهم العصابات مثل الهاجاناه واشتيرن وغيرها- قاموا بأعمال قذرة دوما ضد اليهود، لتغيير اتجاهات فكرهم أو حركتهم أو لتخويفهم من البقاء هنا أو هناك أو لإجبارهم على الرحيل إلى (إسرائيل)، وقد تعاونوا في سبيل ذلك مع أعدائهم المفترضين كالنازية، لأجل قتل اليهود بقصد التأثير على مواقفهم وقراراتهم، لصالح أهداف الحركة الصهيونية.
لقد عُرف اليهود كقوم لا يحفظون أمنا ولا يحترمون اتفاقا أو تعهدا قطعوه على أنفسهم مع حلفائهم أو خصومهم، وإذا كانت العودة إلى تاريخ النبوة تعطي خير الأدلة، فإن التاريخ لم يغير هذا الأمر فيهم –ثقافة أو قيما أو سلوكا- بل ازدادوا إيغالا في هذا المجال، فقد غدروا وقتلوا حلفاءهم الذين يمدونهم بالمال والسلاح ويؤمنون لهم البقاء- أو لولاهم لانتهت حالة الكيان الصهيوني- وهو فعل تكرر وفق وقائع تاريخية مثبتة ومحققة.
فلقد قامت القوات الصهيونية بقصف سفينة التجسس الأمريكية (ليبرتي) خلال الحرب على الدول العربية في عام 1967، وقد أثبتت التحقيقات الأمريكية أن قصف ليبرتي كان قرارا عسكريا إسرائيليا اتخذ على أعلى مستوى في الكيان الصهيوني، وجرت عملية القصف للسفينة الأمريكية فيما كانت الحكومة الأمريكية تبذل كل جهدها في دعم الكيان الصهيوني بالمال والسلاح والمساندة الدبلوماسية.
وضمن نفس السلوك جرت فضيحة لافون –نسبة لاسم وزير الدفاع الصهيوني- الذي أصدر قرارا بالقيام بعمليات تفجير وقتل تطال اليهود والأمريكيين والبريطانيين وغيرهم على الأرض المصرية سنة 1954، بهدف دفع اليهود للهجرة من مصر، وللإيقاع بين مصر والدول الغربية، ولإظهار عدم قدرة الحكم في مصر على حماية اليهود وعلى حفظ أمن الأجانب، وقد اكتشف الأمر واعترف المجرمون بعلاقتهم بالمخابرات الصهيونية وبأهداف العملية ..الخ.
غير أن الاكثر تأكيدا على جرم الصهاينة واستخدامهم أعمال القتل حتى ضد اليهود، هو ما كان قد جرى خلال الحكم النازي. فرغم اعتماد اليهود والصهاينة مرثية تاريخية عن جرائم النازيين ضد اليهود، إلا أن الوثائق والتحقيقات التاريخية ومذكرات القادة الصهاينة أنفسهم، أثبتت قيام تحالف بين الصهاينة والنازيين، بهدف دفع اليهود للخروج من ألمانيا، كل لأسبابه، فإذ رفع النازيون شعارات طرد اليهود على خلفية موقفهم المساند للحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، وضمن منظومة نقاء ألمانيا من اليهود، فقد استهدف الصهاينة طرد وإخراج اليهود من ألمانيا وفق مخطط إجبارهم على الهجرة إلى فلسطين لزيادة أعداد اليهود على أرضها تمهيدا لاحتلالها وإعلان قيام دولة الكيان الصهيوني على أرضها. وقد وصل أمر هذا التحالف حد مشاركة الصهاينة فى الأجهزة الأمنية النازية التي كانت ترتكب أعمال القتل ضد اليهود.
إيران تقتل الشيعة:
هذا الذى جرى على يد الصهاينة ضد اليهود، هو ذاته الذى جرى من إيران الفارسية الصفوية ضد الشيعة العرب، بما يظهر نظرة إيران الحقيقية لهم إذ تعتبرهم مجرد وقود في معاركها ضد الدول العربية. لقد اعتمد الصفويون الفرس استراتيجية إيذاء وقتل وإبادة وتهجير الشيعة العرب في الأحواز – وغالب أهل الأحواز شيعة عرب- وما زالوا حتى الآن يعانون، بل وامتدت أعمال القتل الإيرانية وفق أساليب الأعمال القذرة لتطال الشيعة العرب في المنطقة العربية من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلخ، في تكرار لذات اللعبة الصهيونية التي جرت في فضيحة لافون وفي التحالف مع النازيين في ألمانيا.
لقد ارتكبت أجهزة المخابرات الإيرانية أعمال قتل قذرة ضد الشيعة، فيما لعبت أجهزة إعلامها لعبة نسبة تلك الأعمال الإرهابية للسنة والمقاومة وتيارات أخرى، وكل ذلك بهدف دفع الشيعة العرب للتحول إلى الارتباط بإيران والنظر إليها كمنقذ لهم، تحت ضغط أعمال القتل تلك.
ومعلوم كيف جرت أعمال التصفية التي تعرض لها الشيعه المنضوون تحت يافطة نبيه بري خلال الحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينيات من القرن الماضي، على يد حزب نصر الله بقيادته الإيرانية.
ومع دخول إيران لعبة الصراع والحرب داخل العراق بعد الاحتلال الأمريكي، كان الشيعة العرب هم أول من طالتهم آلة القتل الإيرانية وفق أساليب الحرب القذرة على أيدي المخابرات الإيرانية، ولقد استهدفت إيران عبر تلك الأعمال نقل مواقف الشيعة العرب في العراق للارتباط بإيران على حساب الارتباط الوطني، فجرى استخدام سلاح الاغتيالات والملاحقة العسكرية وأعمال التفجير العشوائي، منذ اليوم الاول للاحتلال وحتى الآن.
جرت أعمال الاغتيال الإيرانية ضد الشيعة مبكراً وقبل أن تبدأ معارك إيران واغتيالاتها وجرائمها ضد المواطنين السنة، فتم اغتيال قيادات شيعية فور عودتها للعراق من بريطانيا، وهي حالة ممتدة حتى الآن، وقد تابعنا ما حدث مع مجموعة المرجع الخالصي الرافض لولاية الفقيه، إذ جرت ملاحقته ومحاولة قتله وملاحقة أنصاره، بل جرى هدم منزله وتهجيره.
وقد جرى الإعلان أكثر من مره عن تورط المخابرات الإيرانية بأعمال تفجير عشوائية في المناطق الشيعية ببغداد لتعميق الصراع بين السنة والشيعه في العراق ودفع الشيعه العرب للتحول بنظرتهم لإيران من العدو- الذي جرى قتاله خلال الحرب العراقية الإيرانية- إلى المنقذ لهم، وقد صدرت الكثير من الاعترافات والأحاديث عن قيادات شيعية عراقية بوقوف أجهزة الاستخبارات الإيرانية خلف الأعمال الموجهة للشيعة، وبأن تلك العمليات تجري تحت عنوان تحقيق الأمن القومي الإيراني.
وكان الحدث الأكبر والأخطر هو ما جرى في تفجيرات سامراء التي طالت مزارات شيعية، وأحدثت حربا أهلية مصغرة في العراق، حرق خلالها ما يقرب من مائتي مسجد للسنة وقتل خلالها عشرات الآلاف من السنة، وقد توصلت التحقيقات الأمريكية لمسؤولية إيران عن تلك العمليات، وفق ما أعلن قائد قوات الاحتلال الأمريكية بالعراق في تلك الفترة جورج كيسي، الذي قال بأن فيلق القدس هو المتورط بتنفيذ تلك العمليات، وأن العبوات الناسفة المستخدمة في التفجيرات كان مصدرها إيران، وأنه أبلغ رئيس الوزراء نوري المالكي بذلك.
القتل .. سر إطالة كليهما أمد التفاوض!
هكذا، وفي ظل اعتماد خطة نقل القطاعات السكانية "الحليفة" من موقف إلى موقف بقوة الخوف وعبر إسالة دمائها، كان ضروريا أن تعتمد كل من إيران الصفوية الفارسية والكيان الصهيوني اليهودي مخطط إدامة الصراعات وعدم الوصول إلى حلول واعتماد لعبة التفاوض الميت وسيلة للتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها كلاهما دون التخلي عن "الخط العام" المعتمد فى إدارة صراعاتهما لتحقيق حالة السيطرة على أراضي الغير، إذ هما بحاجة إلى وقت أطول يتمكنان فيه من ترحيل السكان أو نقل مواقفهم، إذ تغيير المجتمعات أو إحداث تغييرات تتعلق بنقل قطاعات سكانية جغرافيا من مناطق حياتها وحياة الأجداد، وسياسيا إلى عكس مصالحها الوطنية، أمور تحتاج لدورة وقت طويلة وهو بذلك يختلف عن حالات الاستعمار التقليدي، التي تنتهي لعبتها بمجرد كسر إرادة الشعوب على المقاومة.
ولذا وجدنا إيران والكيان الصهيوني يتبنيان نفس المدرسة في إدارة التفاوض، لقد رأينا كيف أن الكيان الصهيوني ما يزال في حالة تفاوض مع قيادة السلطة الفلسطينية منذ سنوات – أكثر من 20 عاما-بعد توقيع أوسلو (1993)، دون الوصول لاتفاق، ورأينا كيف حول الصهاينة عمليات التفاوض إلى لعبة تفاوض من أجل التفاوض، فيما هم يمارسون أعمال الاستيطان وترحيل السكان وتهويد الأقصى، تحت ظلال العمليات العسكرية، كما رأيناهم يمارسون القتل بالحرب أو بالاغتيال وهم يتفاوضون!!
وهو نفس المنهج الذى اعتمدته إيران، إذ خربت إيران سوريا والعراق واليمن قتلا وتهديما، فيما هي تشغل العالم بمفاوضات الملف النووي.
لقد اعتمدت إيران استمرار أعمال القتل والتفجير في سوريا ومنعت وصول الثوار إلى السلطة، فيما كانت تعمل لأجل نقل مواقف الشيعة إلى درجة الاندماج في مشروعها الاستعماري، كما أرسلت ميلشياتها – من أفغانستان وباكستان والعراق- لدعم مخططها للسيطرة على السلطة، إذ هي تعتبر الأسد مجرد حليف مؤقت ينتهي دوره بتغيير الولاءات في جيشه وحزبه وشبيحته ليكونوا في خدمة مشروعها هي.
وفي العراق، أطالت عمر كل أشكال التفاوض الداخلي والخارجي – بما ذلك مفاوضات تشكيل الحكومات- للحصول على أكبر وقت ممكن لممارسة أعمال القتل والإرهاب لإحداث التحول الكامل في مواقف الشيعة العرب ليصبحوا في وضع الاندماج مع فكرة الولي الفقيه بأبعادها الاستراتيجية لا العقائدية فقط.
وفي أفغانستان لم يحتجّ ويرفض قيام الولايات المتحدة بالتفاوض مع طالبان إلا إيران!
وأخيرا، فللقصة بعد آخر، إذ مما هو راسخ أن السياسات الخارجية ليست إلا امتدادا للسياسات الداخلية، ولما تشابهت السياسات الداخلية الصهيونية والإيرانية، كان طبيعيا أن تتشابه سياسات كليهما في الخارج.
المصدر/ الراصد