على الرغم من التحالف "الاستراتيجي" بين طهران ونظام الأسد قبل اندلاع الثورة السورية، واتساع دائرة العلاقات السياسية وحتى العسكرية لتبلغ مستويات رفيعة، إلا أن إيران الخمينية والخامنئية لاحقاً، لعبت دوراً اقتصادياً متواضعاً في سورية قبل اندلاع الثورة، لكن دورها تطور بصورة متزايدة خلال السنوات الماضية مدفوعاً بمصالحها الاقتصادية التي باتت "لافتة" وتستحق الدفاع عنها من وجهة نظرها بالطبع. تغير موقع إيران بالنسبة لشركاء سورية الاقتصاديين من دول الجوار منذ اندلاع الثورة قبل نحو أربع سنوات لتحتل موقعاً جديداً. فقد تسببت المواقف المناهضة لنظام الأسد التي اتخذتها بعض دول المنطقة في تبديد أحد أقوى التحالفات الاقتصادية الناشئة، وهو التحالف الاستراتيجي الذي تطور خلال الفترة الممتدة بين عامي 2004-2010 بين سورية وتركيا وقطر. العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية قبل الثورة! حلت سورية في تلك الفترة بالمرتبة الرابعة على صعيد استقبال الاستثمارات الأجنبية من الدول العربية وخصوصاً من دول الخليج. وارتفعت الحركة التجارية بين سورية والدول العربية من 5.9 مليار دولار أمريكي عام 2004 إلى 38 مليار دولار عام 2005، كما ارتفع عدد المشاريع الاقتصادية التركية. وقدمت كل من تركيا وقطر، حينها دعماً لمواقف الاسد في مواجهة تيار "الاعتدال" العربي دعماً سياسياً قوياً لحزب الله، الحليف الرئيسي للأسد في لبنان، في حرب الحزب مع "إسرائيل" صيف 2006، وتبرعت قطر بربع مليار دولار لدعم جهود إعادة الاعمار في بنت جبيل بلدة اللبنانية. بالمقابل، كان الجمود الاقتصادي هو ما يطبع العلاقات السورية الإيرانية، وقد بقيت الاتفاقيات الموقعة منذ العام 1990 بين الجانبين والمتعلقة بتعزيز التعاون الاقتصادي وتبادل الخبرات وتشجيع الاستثمار من دون تنفيذ حتى عام 2011. اتفاقات في الوقت الضائع! وبعد أن دمرت الحرب قسماً كبيراً من البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية السورية، قامت إيران، وبخلاف بقية دول المنطقة، بإبرام الكثير من اتفاقيات التعاون والعقود الاقتصادية مع نظام الأسد من اجل إعادة تشييد تلك القطاعات. شمل ذلك مجالات الخدمات والبنية التحتية والكهرباء والصحة والمطاحن والمواد الغذائية والقطاع المالي. فضلاً عن القروض التي أبرمت في 2013 لتمويل المستوردات بشرط أن تأتي نسبة كبيرة منها من إيران وعبر شركات إيرانية. وقد أعفت دمشق في يوليو/ تموز 2013 شركة إيرانية مختصة بتصدير المواد الغذائية من كل الرسوم والضرائب لدى دخول بضائعها إلى سورية. كما سرت أنباء غير مؤكدة عن أن نظام الأسد قام برهن ممتلكات وعقارات حكومية مقابل الحصول على القروض الإيرانية. قروض تمويل أم حماية مصالح! التصريحات أدلى بها حاكم بنك سورية المركزي أديب ميالة في الخامس من شهر أيار/ مايو الماضي والتي أشار فيها إلى أن إيران أعطت "موافقة أولية" على قرض جديد لنظام الأسد بقيمة مليار دولار أمريكي، سوف يستخدم في تمويل الصادرات، يأتي بعد الانتصارات العسكرية الكبيرة التي حققتها المعارضة على الأرض في الشمال والجنوب، ما يعني أن إيران باتت معنية الآن بحماية مصالحها ومكتسباتها في سورية أكثر من تمويل النظام نفسه، للمحافظة على هذه المكاسب التي جاءت بسبب دعم النظام بداية. قد لا يبدو حجم تبادل تجاري بقيمة ملياري دولار كعامل مؤثر في مقاربة إيران للملف السوري وخصوصاً إذا ما قيس بأكثر من عشرة مليارات دولار هي حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق على سبيل المثال. لكن النمو السريع للعلاقات التجارية بين البلدين وفي ظل حرب دموية يبقى أمراً لافتاً، يذكرنا بمصالح طهران في سوريا، وبحجم رهاناتها على اقتصاد البلاد بعد انتهاء الحرب. عائلات إيرانية في دمشق القديمة! يقول كثير من الدمشقيون إن عشرات العائلات الإيرانية باتت تستأجر أو تستملك بيوتاً دمشقية عريقة داخل دمشق القديمة، وتم تحويل العديد من المنازل التي خلت من أصحابها بسبب إجرام النظام إلى أوكار لتجمع الميليشيات المدعومة من إيران، أو سكناً لها، فحركة الاستملاك في دمشق تحديداً وبقية المدن السورية كحمص، تزدهر في ظل التسهيلات المقدمة من نظام الأسد، والأموال المتدفقة من طهران. تحظى الشركات الإيرانية بالعقود المجزية حالياً في سورية وتقع الأخيرة ضمن مخططات إيران البعيدة الأمد والمتمثلة في توسيع نشاطها في سوق الغاز الطبيعي العالمي. لا سيما بعد توقيع اتفاقية مع نظام الأسد نهاية 2011 لمد أنبوب ينقل الغاز الإيراني عبر العراق وسورية ليجري تصديره عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. ومسابقة كل من دول الخليج العربي وروسيا في ذلك، ما يعني أن وجود إيران حالياً في سورية واستماتتها في مواجهة الشعب السوري ليس متعلقاً بوجود نظام الأسد فحسب، بقدر ما هو حماية لمصالح الاقتصادية المتنامية في البلد المنكوب! أورينت نت
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video