لا تملّ طهران من تكرار المناورة نفسها. ولا تتوقف واشنطن عن «الوقوع» في الفخ ذاته مرة تلو الأخرى. وكلما رفض الأميركيون خياراً إيرانياً «اضطروا» لاحقاً إلى القبول به لأنه «أفضل» مما قد يأتي بعده، ثم ساقوا الذرائع لتبرير ما يحصل وإقناع «الحلفاء» بأنه ليس بالإمكان أحسن مما كان.
فقبل أسابيع، مارست دول الخليج العربية ضغوطاً كبيرة على إدارة أوباما لدفعها إلى رفض تقديم إسناد جوي للجيش العراقي إذا ما أصرت بغداد على إشراك ميليشيات شيعية في معركة «تحرير الأنبار» من أيدي تنظيم «داعش»، بعد التنكيل الذي مارسه عناصرها ضد السكان السنّة عندما دخلوا تكريت نهاية آذار (مارس) الماضي. لكن استجابة حكومة العبادي الطلب الأميركي باستبعاد الميليشيات لم تدم طويلاً، فها هي تستنجد بـ «الحشد الشعبي» لإخراج التنظيم المتطرف من الرمادي التي سقطت «فجأة» في قبضته.
لكن بعيداً من نظرية «المؤامرة»، فلنستعرض بعض الوقائع التي أحاطت بسقوط عاصمة الأنبار والتي تكشف عن بعض ما سيؤول إليه الوضع في العراق:
- جاء هجوم «داعش» على الرمادي بعد يومين فقط من انتهاء قمة كامب ديفيد الأميركية – الخليجية التي شددت على مواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، وفي الخليج خصوصاً.
- يشن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ما معدله 15 غارة في اليوم على قوات «داعش» ومواقعه في العراق منذ حوالى عشرة أشهر، وحتى الآن لم تؤدّ هذه الغارات التي تكلف عشرات ملايين الدولارات يومياً إلى تراجع فعلي في قدرات التنظيم الهجومية على رغم الإعلان الأميركي المتكرر بأنه بات في «حال دفاعية».
- يعتمد الجيش الأميركي في رصد تحركات قوات «داعش» على شبكة واسعة من عملاء الاستخبارات وعلى المراقبة عبر الأقمار الاصطناعية التي تستطيع أن تتابع بالتفصيل حتى انطلاق آلية من أحد مواقعه وملاحقتها، مثلما يفعل طيرانها المسير من بعد في باكستان واليمن، مستهدفاً متطرفي «طالبان» و «القاعدة».
- ترصد الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عبر الأقمار نفسها وعبر محطات أرضية متعددة الاتصالات الهاتفية اللاسلكية لقياديي وعناصر التنظيم الذي لا يمتلك شبكة اتصالات أرضية.
- نفذت القوات الخاصة الأميركية قبل أيام عملية إنزال في شرق سورية استهدفت قيادياً من الصف الثاني في «داعش»، وهذا يعني أنها تستخدم بمهارة متى شاءت المعلومات الاستخباراتية التي تجمعها.
- قررت وحدات الجيش العراقي المنتشرة في الرمادي الانسحاب من أمام قوات «داعش» بسبب ما قالت أنه «ضراوة القتال وحجم القوات المهاجمة»، في تكرار لسيناريو سقوط الموصل.
يمكن القول إذاً إن هناك «تقصيراً» من الأميركيين والعراقيين في الكشف عن تحركات «داعش» العسكرية التي سبقت الهجوم على الرمادي، علماً أنه حشد قوات كبيرة لتنفيذه والاستيلاء على المدينة.
أما في النتائج، فلا بد من الإشارة إلى إسراع الحكومة العراقية إلى الاستنجاد بـ «البديل الجاهز» للجيش الذي أنفقت البلايين على إعادة تنظيمه وتسليحه، ودعوتها قوات «الحشد الشعبي» الإيرانية إلى التسلح، والتي يقودها ضباط من «الحرس الثوري»، للتوجه إلى الرمادي لاستعادتها، ومسارعة محللين أميركيين إلى تأكيد أنه ليس أمام بغداد خيارات كثيرة غير اللجوء إلى هذه الميليشيات حتى لو كانت مشاركتها ستؤجج التوتر الطائفي في البلاد بسبب سلوكها الشديد العداء لسكان الأنبار.
الحجة التي ساقتها الحكومة العراقية هي أن سقوط الرمادي بات يهدد خصوصاً بغداد وكربلاء، ركني النفوذ الإيراني في العراق. لكن ماذا إذا فشلت ميليشيات «الحشد الشعبي» في استعادة الرمادي؟ الأرجح أن «الخيار الوحيد» أمام العبادي سيكون استدعاء الجيش الإيراني لدخول عاصمة الرشيد بذريعة حمايتها، بعدما استعصت عليه طوال قرون. أليس هذا هو «التعاون» الذي بحثه وزير الدفاع الإيراني في بغداد قبل أيام؟ - حسان حيدر - الحياة