آخر تحديث للموقع :

الأحد 11 رمضان 1444هـ الموافق:2 أبريل 2023م 12:04:34 بتوقيت مكة

جديد الموقع

العراقيون إذ يغيرون أسماءهم ..

منذ أكثر من شهر ينشر عراقيون إعلانات عن تغيير أسمائهم في جريدة «طريق الشعب» التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي مقابل مبالغ زهيدة. معظم الذين يريدون تبديل أسمائهم يحملون أسماء عمر وبكر وعثمان وحمادي. عمر يصبح عمار وبكر يصبح رائد وعثمان يصبح زيد وحمادي يصبح محمد.

منذ شهر تنشر هذه الصحيفة أو تلك أربع صفحات يومياً عن تغيير الأسماء كما لو أن العراقيين يدخلون في منافسة أو مسابقة، فما معنى ذلك؟ ولماذا الآن؟

المعنى أن اليأس لدى العراقيين من الطائفية وصل إلى أقصى مراحله. فحتى أثناء الحرب الأهلية بين 2006 و2007 لم نشهد مثل هذه الظاهرة الغريبة. لقد حصل في السنوات التي تلت الحرب الأهلية تغيير أسماء طفيف في المناطق المشتركة بين الشيعة والسنة، لكنه لم يتحول إلى هوس مثلما هو الآن.

دخول «داعش» إلى الموصل واحتلالها ومن ثم إلى الأنبار وبعض المدن العراقية هو السبب المباشر في حدوث هذه التغييرات وتحولها إلى ظاهرة، من دون أن ننسى أثر حكومة المحاصصة الطائفية في ذلك. يعرف الجميع أن هناك ما يقرب من أربعة ملايين نازح من المدن التي يحتلها «داعش»، وهؤلاء النازحون توجهوا إلى بغداد وبعض المدن في الجنوب ومنهم من توجه إلى كردستان وهم قلة من الأثرياء.

إنهم إذاً كالمستجير من الرمضاء بالنار، وجدوا أنفسهم في وسط يغلي بالكراهية ويتحكم بهم ساسة طائفيون بمحض إرادتهم، ساسة يعرفون أن بقاءهم في مناصبهم لا يدوم من دون هذه الكراهية. الشعب العراقي اليائس والخائف والمريض يتحمل الجزء الأكبر من هذه الأخطاء القاتلة، فهو أعاد انتخاب هؤلاء مرتين في سابقة لا تتكرر عند شعب لديه كل مقومات الحياة الكريمة والعمق الحضاري.

تتزامن هذه الظاهرة مع إعلان الكونغرس الأميركي خطته في تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق للشيعة والسنة والأكراد وتسليحها على انفراد بوصفها دولاً، ما ساهم في شكل فعال في تكريس هذه الظاهرة بين شعب تقيمه الإشاعة وتقعده الخرافة.

ما حدث في الأعظمية أثناء زيارة الإمام موسى الكاظم يتكرر كل سنة تقريباً، حيث سرت إشاعة بوجود انتحاري دفع بعض المندسين إلى إحراق بعض الدور والممتلكات. فكادت الفتنة أن تشتعل مرة أخرى لولا حضور رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى المدينة وتطمين أهاليها ومبادرة بعض شبان الكاظمية إلى تنظيف مكان الحادث وإعادة ما يمكن إعماره من جديد.

في ظل هذه الأجواء المحتقنة في العاصمة واحتلال المدن من «داعش» والتكالب على السلطة بين ساسة الصدفة وتلويح قادة كردستان بالانفصال، يعيش المواطن العراقي حالة ضياع ويأس وفقدان هوية. وغياب الدولة الكامل أفسح المجال للعشائر لكي تملأ الفراغ فتراجع القانون أمام السلاح وأصبح كل شخص يأخذ ما يريده باسم عشيرته.

والنازحون هم الحلقة الأضعف في هذا الوضع المزري، خصوصاً أن الجميع تخلى عنهم في لحظة قد يحترق فيها كل شيء إلى الأبد.

فإذا كان تغيير اسم مواطن ما يحميه من هذا الموت الغبي، بات مفهوماً أن يغير اسمه.

* شاعر وكاتب عراقي - الحياة

عدد مرات القراءة:
1589
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :