حامد الحمود
كشفت عملية «عاصفة الحزم» التي تشنها السعودية وحلفاؤها من دول الخليج على مواقع الحوثيين في اليمن عن مدى استياء دول المنطقة وشعوبها من الغطرسة الإيرانية والدور المهيمن الذي تلعبه إيران. فالاستياء من هذا الدور لم يقتصر على دول مجلس التعاون، وإنما امتد إلى دول تربطها بإيران علاقات اقتصادية وسياسية جيدة. فقد شكا الرئيس العراقي فؤاد معصوم، قائلا إن «العلاقة مع إيران جيدة، لكن ذلك لا يبرر استخدام لغة استعلائية أو لغة غطرسة تعبّر عن رغبة الهيمنة» معتبراً «أن الكلام عن تحول العراق إلى جزء من الإمبراطورية الإيرانية مرفوض ومردود». أما الرئيس التركي الذي تعتبر بلده بوابة إيران إلى أوروبا، فقد طالب إيران يوم الجمعة 2015/3/27 بأن تسحب جماعاتها من اليمن. وذكر أن تركيا تفكر في تقديم دعم لوجستي لعملية «عاصفة الحزم». ويبدو أن إيران تلعب دوراً سياسياً وإعلامياً أكبر من حجمها، وأكبر من قدراتها الاقتصادية. ومع أنها استفادت من نتائج الغزو الاميركي للعراق وحضورها القوي في لبنان من خلال حزب الله، فإنها لن تستطيع الهيمنة على هذين البلدين على المدى الطويل. ففي العراق، هناك نضج لدى الكثير من الأحزاب الشيعية التي أصبحت تظهر استقلالاً عن الهيمنة الإيرانية، مثل حزبي مقتدى الصدر وعمار الحكيم. وحتى حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء حيدر العبادي، يتضمن تياراً قوياً يدعمه العبادي نفسه، يرغب في التقرب إلى العالم العربي، ولإعطاء السنّة ثقلاً أكبر في القرار السياسي. والأهم من ذلك، فإن كبير المرجعيات الشيعية العراقية، غير راضية عن الهيمنة الإيرانية. فخطب الجمعة التي يلقيها الشيخ مهدي الكربلائي، ممثل المرجع السيستاني، كانت دائماً تدعو إلى استقلالية القرار السياسي للعراق ووحدة شعبه بمجمل طوائفه. ومن مظاهر استياء العراقيين الشيعة من الهيمنة الإيرانية كان احتجاج كثير من أهالي النجف على تسمية الشارع الذي يربط المطار بالمدينة باسم الإمام الخميني. لذا فعندما دافع محافظ النجف عن التسمية بقوله ان أسماء مرجعيات عراقية أطلقت على شوارع في مدن إيرانية، كان جواب المحتجين أن الخميني ليس بمرجع ديني فقط، فقد كان قائداً سياسياً ساهمت قراراته في مقتل مئات الألوف من العراقيين. فعدم الرضا هذا على الهيمنة الإيرانية جعل من إيران تعتمد اكثر على تنظيمات شيعية جديدة مثل عصائب الحق، وقوات بدر، بعد أن فقدت جزءا كبيرا من نفوذها على مقتدى الصدر وعمار الحكيم. وإن كان الرئيس العراقي فؤاد معصوم أكثر صراحة برفضه الهيمنة الإيرانية لانتمائه الى حزب كردي، فإن كثيرا من القيادات الشيعية العراقية لا تسمح لها ظروفها الحالية بأن تبوح باستيائها من التدخلات الإيرانية. انزعجت إيران كثيراً من تصريح الرئيس أردوغان «غير الملائم»، واستدعت القائم بالأعمال التركي وأبلغته احتجاجها. لكن أود أن أسأل أما يزعج إيران كذلك تراجع مستوى الحياة للفرد الإيراني بالنسبة للفرد التركي. فعندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979 كان معدل دخل الفرد في إيران 2314 دولارا، بينما كان في تركيا 2073 دولارا في السنة. أما في العام الماضي، فقد بلغ معدل دخل الفرد في تركيا 10518 و5156 في إيران. أي أن معدل دخل التركي أصبح أكبر من ضعف الإيراني بينما كان الأخير أعلى قبل الثورة. إيران بحاجة إلى أن تنظر إلى المنطقة والعالم بعيون جديدة. فدعم ميليشيات هنا وأنظمة استبدادية هناك افقدها شرعيتها كمدافعة عن الإنسان المظلوم الذي طالما سوقت له منذ بداية ثورتها. د. حامد الحمود [email protected]
القبس
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video