من سامية نخول - بيروت – رويترز: أوشكت ايران فيما يبدو أخيرا على التوصل لاتفاق مع القوى العالمية للحد من برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عليها غير ان تركيز المحللين والقادة العرب ينصب بدرجة أكبر على الكيفية التي تعمل بها ايران دون قيود لتشديد قبضتها القوية على العراق ولبنان وسورية واليمن. سليماني ويعد الميجر جنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في قوات الحرس الثوري الايراني تجسيدا لما يراه البعض محاولة لاقامة «امبراطورية» فارسية وشيعية جديدة على الأرض العربية. ومنذ ظهوره في الصورة في الخريف الماضي أصبح وجود سليماني ملموسا بشكل متزايد في مختلف أنحاء جبهة القتال الآخذة في الاتساع في الشرق الأوسط ويحتفي به معجبوه ويلعنه خصومه. وانتشرت في كل مكان صور سليماني (60 عاما) الذي كان شخصية خفية الى ان اجتاح المقاتلون الجهاديون من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) عدة مدن في شمال العراق ووسطه في العام الماضي. وتظهر صوره وهو يوجه العمليات في المعركة الدائرة لاستعادة مدينة تكريت السنية مسقط رأس صدام حسين من أيدي تنظيم الدولة الاسلامية. ويظهر في صور أخرى في سورية وهو يقدم العزاء في مقتل أحد أقارب الرئيس السوري بشار الأسد الذي ساعده سليماني في التمسك بالسلطة خلال الحرب الأهلية الدائرة منذ نحو أربع سنوات. وفي بيروت يظهر في صورة أمام قبر جهاد مغنية ابن القائد مرهوب الجانب لجماعة حزب الله الذي اغتيل في دمشق عام 2008. وكان جهاد قد قتل في سورية في يناير. ومن ناحية أخرى سيطرت حركة الحوثيين الشيعية في اليمن على العاصمة صنعاء في خطوة لقيت اشادة ايرانية وأزعجت دولا عربية سنية مثل السعودية الخصم التقليدي لايران. وبلغ النفوذ الشخصي لسليماني حدا دفع أحد مواقع المعارضة على الانترنت لنشر لافتة ساخرة تدعو الناخبين للتصويت لصالح سليماني بوصفه رئيس سورية. تغيير قواعد اللعبة وربما تكون ايران جادة في ابرام الصفقة النووية التي ستنهي وضعها كدولة منبوذة وترفع العقوبات المعوقة المفروضة عليها. لكن طهران بذلت جهدا كبيرا من أجل تعظيم قوتها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. ولأن القوات الايرانية وجماعات مسلحة متحالفة معها تقود الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسورية فان القادة العرب من السنة يعتقدون على نحو متزايد ان الولايات المتحدة لن تفعل شيئا لوقف هذا الاتجاه. وخلال الشهر الجاري توجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الى الرياض لطمأنة القادة السعوديين ان الاتفاق مع طهران ليس جزءا من «صفقة كبرى». ومع ذلك كاد مضيفه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ان ينفجر في مؤتمر صحافي اعترف فيه كيري بأن سليماني يشارك في العمليات في تكريت. وقال وزير الخارجية السعودي ان «الوضع في تكريت يعد مثالا جيدا على ما يقلق المملكة» مضيفا ان ايران أصبحت تسيطر على العراق. ويقول محللون اقليميون ان هذا هو السبب ان ما يفزع دول الخليج وحلفاءها من السنة في المنطقة مثل مصر - ليس الاتفاق النووي المنتظر - بل ما قد يجلبه التقارب الأمريكي الايراني. ويقول سلطان القاسمي وهو من المعلقين المرموقين في الامارات ان الاتفاق النووي الايراني سيغير قواعد اللعبة في المنطقة ويعتقد أنه سيشجع ايران على الاستمرار في سياسة خارجية أكثر اعتدادا بالنفس. وقال القاسمي ان هذا الاتفاق هو الصفقة الكبرى التي أنكرها كيري وانه يمنح ايران تفويضا مطلقا مقابل وعود فارغة. وأضاف ان ايران في صعود ولها اليد العليا في العراق وسورية ولبنان واليمن. وحذر رياض قهوجي مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري في تعليق مكتوب من «حرب طائفية شاملة» بين السنة والشيعة في مختلف أنحاء المنطقة. وقال ان «الأحداث في العراق وسورية واليمن تشير الى ان ايران تشن هجوما كبيرا تحت ستار الحرب على الارهاب التي تقودها الولايات المتحدة لكسب عمق استراتيجي وسع مناطق سيطرتها حتى البحر الأحمر والبحر المتوسط». تأجيج عاصفة طائفية وفي العصر الحديث ترجم الخلاف القديم بين السنة والشيعة الى تنافس بين التيار الوهابي في السعودية والحكم الديني الشيعي في ايران. غير أن الإطاحة بالأقلية السنية التي ينتمي اليها صدام حسين من الحكم بعد الاجتياح الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 وتولي حكومة شيعية الحكم أطلق عاصفة طائفية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وألقى السعوديون وحلفاؤهم بثقلهم وراء القوى السنية في المنطقة بما في ذلك جماعات معارضة تقاتل للاطاحة بالأسد. والموقف الرسمي السعودي هو تأييد المعارضة السورية غير الجهادية غير ان من المعتقد ان بعض الدعم من دول خليجية ومواطنين في الخليج وصل الى الجماعات الجهادية. ومن المؤكد ان الكتلة الشيعية تستخدم هذه الذريعة لتبرير تدخلاتها. ففي سورية وعندما بدا ان الأسد وجيشه قد يتعرضان للهزيمة في مواجهة جماعات المعارضة التي يغلب عليها السنة قبل ما يزيد قليلا على عامين دفعت ايران بقوات حزب الله اللبناني المتحالف معها. وقام سليماني وفيلق القدس الذي تأسس عام 1980 بهدف تصدير الثورة الاسلامية الايرانية بترتيب شبكة من القوات الموالية التي تمثل الآن عماد الحكم السوري. وفي العراق وبعد تقدم تنظيم الدولة الاسلامية في منتصف عام 2014 قام قائد فيلق القدس بترتيب ائتلاف مماثل من الجماعات الشيعية المسلحة في البداية بغرض الدفاع عن بغداد وجنوب البلاد ثم أصبح الآن الهدف نقل المعركة شمالا الى معاقل جهادية مثل تكريت. ويتباهى حلفاؤه في ايران من أمثال عضو البرلمان علي رضا زكاني المقرب من الزعيم الأعلى آية الله على خامنئي مثل سليماني أنهم يسيطرون على ثلاثة عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وستنضم اليها صنعاء قريبا. ونقلت وكالة رسا الايرانية للأنباء عن زكاني قوله في مدينة مشهد في الآونة الأخيرة انه «لولا تدخل الحاج قاسم سليماني في العراق لسقطت بغداد والأمر نفسه يسري على سورية ولولا ارادة طهران لسقطت سورية». ووصف زكاني الأحداث في اليمن بأنها «امتداد طبيعي» للثورة الايرانية وتنبأ بأن 14 محافظة من محافظات اليمن العشرين ستخضع قريبا لسيطرة الحوثيين. وأضاف ان «الثورة اليمنية لن تقتصر على اليمنيين وحدهم. بل ستمتد بعد نجاحها الى الاراضي السعودية» في اشارة ليس فقط للحدود الطويلة بين المملكة واليمن بل للمنطقة الشرقية التي يسكنها الشيعة وتقع فيها أغنى الحقول النفطية. أربع عواصم تحت السيطرة ويشير جون جنكينز الذي كان حتى العام الماضي سفيرا لبريطانيا في السعودية وأصبح الآن مديرا تنفيذيا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الى ان عدم التفات الولايات المتحدة لمخاوف دول المنطقة يبعث على القلق. ويقول جنكينز «نحن نرى بالفعل ان مسؤولين ايرانيين يقولون انهم يسيطرون على أربع عواصم عربية وشهدنا سفر وفود من الحوثيين الى طهران وبغداد. وهذا يعزز ما يقوله عرب الخليج من أنهم يتعرضون للتضليل». ويضيف «الوجود الأمريكي في المنطقة قوي مثلما كان في أي وقت لكن تساؤلات عرب الخليج تدور حول الارادة الغربية في التحرك. فقد شهدوا أمثلة في لبنان وسورية للتراخي الأمريكي. واليمن هو رأس الحربة في نظر السعوديين. وخلف العراق وسورية ولبنان واليمن تقف ايران». وفي حين تحاول ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما طمأنة حلفائها من العرب ان الاتفاق ليس جزءا من صفقة كبيرة وانها مازالت ملتزمة بأمن المنطقة يقول محللون ان الأولوية الاستراتيجية لواشنطن الآن هي منع ايران من صنع قنبلة ذرية ووقف توسع تنظيم الدولة الاسلامية. وقال فواز جرجس خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد «أوباما يعتقد ان التوصل لاتفاق نووي مع ايران قد يكون أكبر انجازاته في السياسة الخارجية. والأمريكيون لا ينظرون الى الصفقة مع ايران من حيث أثرها الاقليمي». وأضاف «الصفقة الأمريكية مع ايران ستزيد بشدة من حدة حرب باردة جديدة بدأت تظهر بين السعودية وحلفائها من جانب وبين ايران. وعلى الأرجح ستصب مزيدا من البنزين على النار المشتعلة في قلب الأرض العربية». الوطن
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video