بعد أربع سنوات من اندلاع حرب دموية سقط فيها 220 ألف قتيل، فإن بشّار الأسد ما زال في السلطة. ولكن الرئيس السوري فقد قوّته، وبات مصيره، أكثر فأكثر، بين يدي حلفائه الإيرانيين والشيعة المزروعين في جميع ميادين الحرب ضد الثوار، ويُعتقد أنهم لن يتخلّوا عنه في الأجل القريب على الأقل.
سواءً في العاصمة دمشق أو على الطريق التي تصل الحدود اللبنانية بالعاصمة السورية، تقلص عدد الحواجز العسكرية. ويقول دبلوماسي يتردّد على دمشق أنه "بسبب افتقاره إلى عدد كافٍ من المقاتلين، فقد اضطر النظام لإعادة نشر قواته في النقاط الساخنة: في الشمال قرب "حلب"، حيث يحظى الثوار بدعم تركيا، وفي الجنوب، حيث يحظى الثوار بدعم السعودية والأردن وإسرائيل".
وقال لنا مسؤول أمني في منطقة "إدلب" في غرب سوريا: "نحن قادرون على استعادة بعض المواقع، ولكن الاحتفاظ بها أصعب بكثير"!
إن هذا النقص في العدد يجبر السلطات على التجنيد القسري للرجال بين سن 24 و48. ولكنَ كثيراً من "السنّة" -70 بالمائة من الشعب- لا يريدون القتال ضد "سنّة" مثلهم.
ولمواصلة السيطرة على "سوريا المفيدة" -40 بالمائة من البلاد و60 بالمائة من الشعب- ما عاد أمام الأسد من خيار سوى الاعتماد المتزايد، والأشد وطأة، على حلفائه من الإيرانيين ومن حزب الله اللبناني ومن الميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية.
ويقول صناعي سوري في دمشق: "كان حزب الله يعمل لخدمتنا فيما مضى. أما الآن، فنحن في خدمته. ومع المستشارين الإيرانيين، صار قادة الحزب هم الرؤساء"!
كل 15 يوماً، تقوم إيران بإفراغ 700 ألف لتر من الوقود في ميناء "طرطوس" لكي يتمكن جيش الأسد من مواصلة القتال. وبموازاة الوقود، توفّر إيران اعتماداً بقيمة مليار دولار للخزينة السورية، يجري إعادة التفاوض بشأنه بصورة دورية. كذلك، تستفيد دمشق من عون عسكري روسي، خصوصاً القنابل المتطورة جداً القادرة على اختراق المخابئ المطمورة التي يختبئ فيها الثوار.
وبسبب صعود تنظيم "داعش" الذي تحاشى الأسد الاصطدام به في البداية، فإن بشار الأسد يبدو الآن الطرف "الأقل سوءاً"، وقد خفّت عزلته قليلاً. فأعادت عُمان سفيرها إلى دمشق، ووافقت الكويت على عودة عدد من الدبلوماسيين السوريين.
كما تفكر النمسا بتدشين خط مباشر بين فيينا ودمشق، ولكن لا مجال لفتح سفارات، مع أن بعض عملاء أجهزة الأمن الغربية استأنفوا زيارة دمشق. فالأسد يظل شخصاً "غير مرغوب" حتى لو كان "جزءاً من الحل" حسب "ستافان دو ميستورا"، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة.
في وبمواجهة الأسد، أعادت قوى الثورة السورية تنظيم صفوفها. ففي الشمال الشرقي، تراجع "داعش"أمام المقاتلين الأكراد المسنودين بقصف طائرات التحالف. وتراهن جبهة "النصرة" على تراجع منافسيها الجهاديين نحو معاقلهم في "الرقّة" من أجل إقامة إمارة صغيرة في جانبي "حلب" سيكون صعباً على النظام إسقاطها.
ولكن، لكي تصبح "مقبولة"، ينبغي إزالة "النصرة"، وهي الفرع السوري لـ"القاعدة"، من قائمة المنظمات الإرهابية. وبناءً عليه، تسعى قطر، في الكواليس، لإقناع أمراء "النصرة" بتغيير اسم تنظيمهم إذا كانوا يرغبون في الحصول على دعم مالي وعسكري.
وحتى الآن، تواجه عملية "إعادة التسويق" هذه رفض معظم قيادات الفرع المحلي لـ"القاعدة". وهذا عدا أن الدول الغربية قد لا تقتنع بهذه المناورة.
ومن جهتهم، يواجه الغربيون إحراجاً كبيراً. فميدانياً، لم يعد حلفاؤهم في "الائتلاف" موجودين تقريباً بعد الهزيمة الجديدة التي ألحقتها "النصرة" بحركة "حزم" التي كانت قد حصلت على صواريخ "تاو" أميركية مضادة للدروع، وباتت الآن في مخازن "القاعدة" السورية. ولا يكفي برنامج تدريب 5000 مقاتل سوري في تركيا، برعاية أميركا، لتغيير ميزان القوى على الأرض.
*جنرال سوري انشقّ في جنوب دمشق؟
في الأمد القريب، ستواصل سوريا نزولها نحو الجحيم. ولا يملك النظام سوى سياسة القمع المتزايد الدموية. وهذا سبب قلة النجاح الذي حققته اقتراحات الهدنة المحلية، التي دعت لها الأمم المتحدة. ويقابل ذلك دعم الدول العربية السنّية للثوار للحؤول دون تحوّل سوريا إلى بلد تابع لإيران.
ويقول أحد الخبراء: "اضطرت إيران للتدخل قبل أسابيع بعد انشقاق جنرال سوري في الجنوب، حينما بدا أن طريق دمشق باتت مفتوحة أمام الثوار"! ويضيف: "للأسف، فإن إيران لن تتخلى عن الأسد".
وفي طهران نفسه، فإن ملف سوريا في أيدي "الحرس الثوري"، الذي يتدخل حالياً في "تكريت" ضد "داعش". والذي قد يتدخّل قريباً في شرق سوريا من أجل استعادة آبار النفط، مما سيؤمن "بالون أوكسجين" لحليفهم السوري. وطن الدبور