شهد الخليج العربي أخيراً مناورات عسكرية إيرانية بعد استيلاء ميليشيات الحوثيين التابعة لإيران على السلطة في اليمن، وبعد تمكن إيران من الهيمنة الكاملة على الحكم في العراق وسورية والتحكم في أمور لبنان عبر ذراعها الطائفية المسلحة المتمثلة في حزب الله. وقد فهم أهل الخليج حكومات وشعوباً، أن هذا الاستعراض للعضلات هو استفزاز وجّهته طهران إلى دول الخليج العربي، وإعلان عن بدء مرحلة جديدة من فصول تطبيق السياسة الطائفية التوسعية تحت سمع الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبصرها.
كما كان لافتاً للانتباه التوقيت الذي جرت فيه هذه المناورات، والذي تزامَنَ مع المرحلة الحرجة من المفاوضات التي تجري حالياً حول البرنامج النووي الإيراني، والتي كان من المفترض أن تنتهي قريباً. وكأن طهران بدأت من الآن تمهد للتدخل المباشر في اليمن ومواجهة العوائق التي تحول بينها وبين فرض الهيمنة الكاملة، وبصورة مباشرة، على المنطقة برمتها.
لقد ساهمت إيران في سقوط نظام صدام حسين واحتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق، فقد كانت داعماً لهذا الاحتلال من وراء الستار، حتى قيل إنه لولا وقوف النظام الإيراني إلى جانب الولايات المتحدة في سنة 2003، لما استطاعت القوات الأميركية غزو العراق واحتلاله بالكامل. وقد وجدت إيران من التنظيمات السياسية والميليشيات الشيعية التي دعمتها وسلحتها، تجاوباً تاماً مع سياستها، بحيث استطاعت أن تتحكم في العملية السياسية في العراق، وكان لها اليد الطولى في صنع النظام الجديد فيه، بالتنسيق الكامل مع قوات الاحتلال الأميركي. وكانت، ولا تزال، تنصب رؤساء الحكومات المتعاقبة، وتوزع الحقائب الوزارية على ممثلي الأحزاب، بحيث يكون للشيعة النصيب الأكبر في هذا التوزيع. ويمكن القول إن العراق بعد صدام حسين، أصبح «عراقاً إيرانياً» إن صح التعبير، وما نحسبه إلا صحيحاً من الوجوه كافة، فها هو الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، يقود القوات العراقية في مواجهة «داعش»، ويتحكم في قرار الجيش العراقي والميليشيات الشيعية التي تشكل العمود الفقري لما يسمى الحشد الشعبي.
إن المناورات العسكرية الإيرانية في مياه الخليج العربي، ينبغي النظر إليها باعتبار أنها تؤسّس لمرحلةٍ تختلف عن المراحل السابقة، من حيث وسائل التحرك وآليات التنفيذ والأهداف المرسومة، في ظل المتغيّرات المتلاحقة التي يشهدها الإقليم، مع الأخذ في الاعتبار السياسة الغامضة والمواقف المترددة للإدارة الأميركية التي تحصر اهتماماتها، خلال هذه المرحلة، في تأخير اكتمال برنامج إيران النووي والوصول إلى اتفاقية نهائية، حتى وإن تم ذلك على حساب المصالح الوطنية للدول العربية في المنطقة، الأمر الذي يثير الشكوك حول مصداقية الرئيس أوباما، وعواطفه التي لم تعد خافية تجاه إيران ومشروعها الطائفي التوسعي.
لقد انكشفت خيوط المؤامرة الإيرانية الطائفية بالكامل، وبات العرب والمسلمون عموماً، من المحيط إلى المحيط، أمام خطر حقيقي يهدد أمن العالم الإسلامي واستقراره، ولم تعد أهداف إيران الطائفية التوسعية مجرد أحلام اليقظة، أو أشواقاً تداعب الحالمين بحكم العالم الإسلامي تحت راية ولاية الفقيه، أو تصورات يتخيلها الغلاة المتطرفون من القيادات الشيعية، ولكنها حقائق على الأرض، وإجراءات تنفيذية يجري تطبيقها على مرأى العالم ومسمعه، وسياسة عملية يتم تنفيذها على أكثر من صعيد، بدعم مباشر أو غير مباشر من القوى الكبرى.
إن إيران تسعى جاهدةً لتغيير الخريطة السياسية والدينية في المنطقة. ويلقى سعيها هذا الدعمَ من بعض القوى الكبرى، بطريقة أو بأخرى. فالمخطط الطائفي التوسعي يمضي تنفيذه في الطريق المرسومة له في طهران. وتدل الأحداث الجارية على أن الهدف الاستراتيجي للسياسة الإيرانية الخارجية هو احتواء المنطقة العربية، خصوصاً الخليج العربي، والاستحواذ على مصادر الثروة، وبسط النفوذ الإيراني الفارسي على العرب والمسلمين كافة. بينما تتمادى إسرائيل في غطرستها وقهرها للشعب الفلسطيني، وتتطلع إلى توسيع حدودها، وكأن الطرفين الإيراني والإسرائيلي يعملان وفق خطة متناسقة لتفتيت المنطقة والهيمنة عليها.
وما دام الأمر قد وصل إلى هذه المرحلة الحرجة، فماذا ستفعل الدول العربية غير الخاضعة للنفوذ الإيراني، ودول الخليج العربي المستهدفة في المقام الأول؟. أليس الخطر الداهم على جميع المستويات، يتطلب تحركاً سريعاً لتجاوز الخلافات الفرعية، وتعزيز التعاون والتنسيق مع تركيا وباكستان لصدّ الزحف الصفوي المتطرف؟. وهل ستكون القمة العربية المقبلة البداية لمرحلة جديدة يتحرك فيها العرب لمواجهة هذا الخطر بما يجب من جدية وفعالية ووحدة صف ورؤية استراتيجية محكمة؟. إن مما يبعث الأمل في النفوس الحراك الإيجابي الذي بدأ منذ تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، فقد حقق من الإنجازات الفعالة والمبادرات الحكيمة، خلال أقل من شهر، ما لا يحققه قادة الدول في سنوات، وأصبحت الرياض مقصد الزعماء من جميع قارات العالم. فهل يتجاوب القادة العرب مع حكمة الملك سلمان وبعد نظره، أم سيظلون في شقاق يشغلهم عما يجري من حولهم وفوق أجزاء من بلادهم من تغول إيراني وتوحش إرهابي وغطرسة إسرائيلية وتآمر دولي؟. لقد قالت العرب قديماً، الرائد لا يكذب أهله، والملك سلمان نعم الرائد الصادق.
عبدالعزيز التويجري - * أكاديمي سعودي - الحياة