أربع عشرة طائرة إيرانية تحط أسبوعياً في مطار صنعاء، بمعدل رحلتين يومياً، بعد أن أحكم الحوثيون قبضتهم على صنعاء ومطارها الدولي، بعد سنوات من توجس اليمانيين من أهدافها، حيث تم آنذاك إيقاف رحلاتها إلى صنعاء، فما الذي تغيّر واستجد ودعت الأسباب بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء إلى السماح للإيرانيين بتكثيف رحلاتهم الجوية إلى العاصمة اليمنية ليصل إلى هذا العدد وفي هذا التوقيت الذي تحمل أحداثه الكثير من الشبهات في العلاقة الإيرانية الحوثية.
تكثيف الرحلات الجوية بهذا العدد وفي هذا التوقيت بين صنعاء وطهران، ليس له عندي من تفسير غير أنها رحلات مكوكية مخصصة لنقل السلاح والعتاد من طهران إلى مخازن الحوثيين في اليمن، وأزيد على ذلك، بأنها رحلات سوف يخصص عدد منها لنقل بعض العسكريين الإيرانيين لتدريب العناصر الحوثية على السلاح، وتعويدهم على أساليب ومتطلبات المقاومة، كما فعلت مع حزب الله في لبنان، والعدد الآخر ربما أنه خصص لرجال دين من الشيعة الإيرانيين لنشر المذهب الشيعي بين أوساط اليمنيين وتشييعهم.
يحدث هذا، ولا من دولة يعلو صوتها على صوت إيران، أو يتفوّق عليها في التخطيط للمؤامرات، أو ينافسها ويهزها في موقف مضاد، أو يعترض على تدخلها السافر في الشؤون الداخلية لليمن، ما يعني استمرار تمرد الحوثيين، ونجاح انقلابهم، رغم ما يتحدث به الرئيس الشرعي من عدن من أن صنعاء محتلة وأن عدن هي العاصمة المؤقتة، وأنه الرئيس الشرعي، خاصة مع صمت دول العالم ومنظمتهم الدولية، وكأن الجميع مكتوفي الأيدي أمام فرصة تآمرية لا تعنيه وبالتالي تمرير ما حدث من الحوثيين ومنحه صفة الشرعية إرضاء أو خوفاً من إيران.
مشكلة اليمن أزلية، وما يجري الآن من عبث وفوضى، إنما تقوده حفنة من المغامرين استجابة لأوامر أسيادهم في قم، سواء الحوثيين أو الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وحزبه الذي يتآمر على اليمن واستقراره، ويذبحه من الوريد إلى الوريد، وهو إجراء لا يمس ضرره مصالح اليمن فحسب، وإنما خطورته تمتد إلى خارج حدوده، بما يؤثّر على أمن المنطقة، وهو ما يعني ضرورة تحرك دول المنطقة تحديداً لتطويق هذه المشكلة ومنع تداعياتها قبل أن يتحول اليمن إلى عراق آخر، أو يصل إلى ما وصل إليه الوضع في سوريا وليبيا، وحينئذ لن يكون من السهل معالجة ما يتم التخطيط له ومن ثم تنفيذه من أصحاب العمائم في طهران.
إن التردد من قبل دول المنطقة في التصدي للهجمة الإيرانية، ومنع تدخلها السافر في دولنا، وتحديداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، والاكتفاء بالشجب والاستنكار، أو بمناشدة مجلس الأمن إصدار قرارات تعرف أنها لا قيمة لها ولا يعوّل عليها، بدليل ما نراه من مواقف معيبة من المنظمة الدولية لم تستطع أن تمنع هذه الفوضى التي تدب في عدد من دولنا العربية، أو توقف سيل الدماء بين المواطنين الأبرياء، أو تحول دون المؤامرات بتمزيق دولنا إلى كيانات صغيرة تلبي رغبات النظام الإيراني في السيطرة على القرار فيها، كما يحدث الآن في العراق، وحدث قبله في السودان، وسيحدث لاحقاً في غيرها، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.
لقد آن الأوان لمجلس التعاون لدول الخليج أن يستشعر خطورة ما يجري في اليمن بأكثر مما نراه الآن، وأن يقف موقفاً تاريخياً شجاعاً يعيد إلى اليمن وحدته واستقراره، ونظامه الشرعي المنتخب، وذلك بتحجيم دور إيران وعملائها في اليمن، وهي بإذن الله قادرة ومقتدرة أن تفعل ذلك، وأن تصد الهجمة الإيرانية الشرسة على اليمن الحبيب، كما تصدت لها في مملكة البحرين، ومرغت عملاءها الذين خانوا وطنهم في التراب قبل أن يحل بها ما حل باليمن.
إن هذه الأمة العظيمة التي كتب عليها أن تعيش الآن أسوأ مرحلة في تاريخها، بالنظر إلى ما يجري في ليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال، وإلى ما مرت به مصر والبحرين وتونس من مؤامرات، بفعل الدور الإيراني المشبوه الذي يعمل على تمزيق وحدة هذه الأمة بإثارة النعرات الطائفية والعرقية والمذهبية وكل ما يحقق أهداف هذا الجار المؤذي لنا جميعاً، هذه الأمة أمامها الآن مسؤولية عظمى وكبيرة للدفاع عن حقوقها وتاريخها ومستقبلها أمام ما يحاك من مؤامرات للنيل من مصالحها ومكتسباتها ووحدة أراضيها، وآن لها أن تفعل ما يستجيب لذلك، فالمؤامرة كبيرة وخطيرة، واللاعبون في تنفيذها مع إيران كثر بعضهم من بني جلدتنا وآخرون من الخارج، وهو ما يدعونا إلى التذكير بما نراه من أخطار محدقة وخطيرة بمنطقتنا.
*نقلاً عن "الجزيرة"