أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مدينة عدن، حاضرة جنوب اليمن، عاصمة، وجدد التأكيد على أن صنعاء باتت عاصمة محتلة من قبل الميليشيات الحوثية، واتهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالمشاركة في إسقاط العاصمة بيد الحوثيين، في الوقت الذي نفى فيه المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر بعض المزاعم بشأن اتفاقه مع الحوثيين على تشكيل مجلس رئاسي.
ويواصل هادي الكشف عن تحركات الحوثيين قبل خروجه من صنعاء، إذ كشف أمس خلال لقائه رؤساء منظمات المجتمع المدني في مدن عدن ولحج وأبين والضالع أن الحوثيين طلبوا منه «إصدار قرار يقضي بدمج 35 ألفا منهم في المؤسسة العسكرية و25 ألفا في المؤسسة الأمنية، على أن يخضع هؤلاء لإدارتهم كما هو الحال في الحرس الثوري الإيراني». وأضاف «كان (الرئيس السابق) علي عبد الله صالح على تواصل مع الإيرانيين، حيث طلب منهم أن يلزموا الحوثيين بالاتفاق معه، وينسقوا معه لاحتلال صنعاء، إلا أن إيران طلبت من (زعيم حزب الله الشيعي اللبناني) حسن نصر الله الإفادة لكنه اعترض على الأمر». وتابع «قال نصر الله إن الحوثيين وصالح كل يعمل بطريقته، ورفض فكرة التنسيق، وكان الهدف من ذلك إفشال الحوار الوطني والمبادرة الخليجية». وأوضح أنه علم بوجود «اتفاق بين صالح والحوثيين بإشراف طهران على نقل التجربة الإيرانية إلى اليمن».
وقال مصدر مقرب من الرئاسة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن هادي «يكثف من لقاءاته مع المشايخ والسلطات المحلية في المحافظات الجنوبية والمناطق الحدودية سابقا بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي، من أجل تعزيز الولاء له ولسلطته في عدن». وكشف المصدر أن «معظم اللقاءات تتركز على تأمين تلك المناطق ضد أي زحف لميليشيا الحوثيين أو قوات الجيش». وقال المصدر إن «المشكلة تكمن في شح إمكانيات هادي في تسليح القبائل في تلك المناطق بالأسلحة المطلوبة لمواجهة أي اجتياح متوقع من الميليشيا الحوثية»، إضافة إلى «ضرورة توفير الأموال لتنفيذ مثل هذه الأعمال التي تتقنها القبائل اليمنية فيما تقوم قبائل أخرى بالتكسب من خلالها، وبعضها لا يؤمن جانبها، لكن هادي يعرف تلك المناطق وتلك القبائل جيدا ويستطيع اكتشاف حقيقة الولاء من الولاء المصطنع».
وقالت مصادر في عدن لـ«الشرق الأوسط» إن هادي تحدث مطولا عن قضايا يكشفها لأول مرة، منها التحالف بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثيين لإسقاط صنعاء وعلى نقل التجربة الإيرانية، وأكد أن اتفاق التحالف رعته طهران، وأنه كانت هناك اعتراضات من قبل زعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، عندما طرحت عليه فكرة التنسيق بين الطرفين (صالح والحوثيين). وأشارت المصادر إلى أن قرار تحويل عدن إلى عاصمة للبلاد هو قرار سياسي اتخذه هادي بموجب صلاحياته الدستورية «نظرا للظروف التي تمر بها البلاد حاليا، حتى يتسنى للمؤسسات الدستورية الاجتماع وإجراء التعديل الدستوري المطلوب، إذا استمر الوضع على ما هو عليه». وذكر المصدر أن هادي «لا يزال في جعبته الكثير للكشف عنه، واستقرار الوضع في الجنوب وعدن سيمكنه من الكشف، مستقبلا، عن العديد من الوقائع الغائبة عن الرأي العام في الداخل والخارج».
في هذا السياق، قال مصدر سياسي رفيع في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدن باتت العاصمة الفعلية للبلاد بحكم الأمر الواقع، لكن إعلان هادي أنها محتلة من قبل الحوثيين يتطلب منه اتخاذ موقف واضح لتحرير العاصمة من الميليشيات التي تحتلها، وبالتالي تتوجب عليه الدعوة لتحرير صنعاء وإبلاغ كل الدول والمؤسسات الإقليمية والعالمية بذلك من أجل اتخاذ إجراءات مماثلة لعملية نقل السفارات من صنعاء إلى عدن». وأعرب المصدر عن اعتقاده أن «الحوثيين يبالون بأي تصنيف تكون فيه صنعاء، لأنهم فرضوا الأمر الواقع ويعلمون أنهم سيكونون في عزلة دولية بسبب اجتياحهم للعاصمة صنعاء»، وأنهم «يراهنون على تحمل نتائج ما أقدموا عليه، سواء عسكريا أو دبلوماسيا أو اقتصاديا». لكن المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، أكد أن «الأيام المقبلة سوف تشهد المزيد من الفرز في الساحة اليمنية، جغرافيا وسياسيا واجتماعيا، لتتضح الصورة بشأن من يؤيد هادي أو الحوثيين». واستدرك بالقول إن «من يستطيع دفع المرتبات للجيش والأمن والمدنيين وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، لفترة طويلة، هو من ستكون له الغلبة، لأن الغالبية العظمى من المواطنين ليسوا مع طرف من الطرفين»، وإن «عملية الفرز هذه هي تحضير، من دون شك، لحرب طويلة الأمد، وهو ما يستعد له الحوثيون حاليا»، حسب المصدر.
وقال مكتب هادي إنه خلال لقائه بوفود من السلطات المحلية والشخصيات الاجتماعية والقبلية في إقليم حضرموت الذي يضم محافظات «حضرموت والمهرة وأرخبيل سقطرى»، وأيضا بوفود من مديريتي مودية (التي ينتمي إليها) ولود بمحافظة أبين، ومكيراس بمحافظة البيضاء، استعرض «مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية منذ الانقلاب الحوثي على الشراكة الوطنية ومخرجات الحوار الوطني التي ما توافقت عليه كل القوى السياسية» وقال إن «مشروع مسودة الدستور تضمن تقسيم البلد إلى أقاليم في إطار دولة اتحادية حديثة قائمة على الحكم الرشيد والعدالة والمساواة والتوزيع العادل للسلطة والثروة». ودعا هادي إلى «العمل على إنجاح المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني التي توافق عليها الجميع، وكذا بناء شراكة حقيقية تنقذ اليمن من وضعه المأزوم»، كما دعا الرئيس اليمني «كل القوى الوطنية والسياسية إلى الاصطفاف مع كل أبناء الشعب اليمني الصادقين للعمل مع الشرعية الدستورية لإنقاذ الوطن من خلال تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والاستفتاء على مشروع مسودة الدستور بعد مراجعته من قبل لجنة الرقابة على مخرجات الحوار الوطني التي توافقت عليها كل القوى السياسية».
وتطرق هادي إلى الأوضاع في الجنوب، وقال إن «القضية الجنوبية حظيت باهتمام كبير من قبل المشاركين في الحوار الوطني وهو ما جسدته مخرجات الحوار التي تمخضت عن حلول عادلة ومنصفة تعيد الحقوق والمظالم لأصحابها بعيدا عن المركزية التي تسببت في الكثير من المشاكل خلال الفترة الماضية»، وقال إن «اليمن يمر حاليا بمنعطف صعب يتطلب من الجميع التكاتف والتآزر والعمل بعيدا عن جميع المصالح وتغليب المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح الضيقة»، كما استعرض «التداعيات التي يمر بها الوطن منذ الانقلاب الحوثي على الشرعية الدستورية في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 ومخرجات الحوار الوطني التي تؤسس لبناء دولة اتحادية جديدة قائمة على التقسيم العادل للسلطة والثروة»، وأكد أن «مشاكل اليمن لن تحل إلا من خلال الحوار الهادف والمبني على الشراكة الوطنية لضمان التوزيع العادل للسلطة والثروة»، وعلى «ضرورة الحفاظ على أمن واستقرار ووحدة اليمن»، وجدد الدعوة إلى «الاصطفاف الوطني للوصول بالوطن إلى رحاب أفضل وضرورة الحفاظ على المكاسب الوطنية التي أفرزتها مخرجات الحوار الوطني والمتمثلة بالأقاليم في إطار دولة اتحادية ليس فيها إقصاء أو تهميش».
من ناحية أخرى، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة في عدن أن الأسبوع المقبل سيشهد فعاليات مكثفة ستنظمها «لجنة التصعيد الثوري» تحت شعار «عدن.. عاصمة الجنوب العربي»، وذلك في سياق رفض الجنوبيين لتحويل عدن عاصمة لكل اليمن ولنقل الصراع السياسي والمسلح الخاص بالشمال إلى الجنوب، من جانبه قال لـ«الشرق الأوسط» علي هيثم الغريب المحامي، رئيس الهيئة السياسية في المجلس الأعلى للحراك الثوري السلمي لتحرير واستقلال الجنوب إنه «لا يوجد، حتى الآن، مرسوم أو قرار رئاسي بشأن نقل العاصمة إلى عدن، ولو تم ذلك، فإن قرار نقل العاصمة إلى عدن، يختلف عن قرار عدن عاصمة لليمن، فهناك فرق بين الناقل والمنقول». وأكد الغريب أنه «لم تتم أية مشاورات أو حوارات مباشرة بين الحراك الجنوبي السلمي والرئيس اليمني هادي، ولكن هناك تفاهمات كبيرة جدا بين الجانبين»، بشأن الكثير من القضايا.
إلى ذلك، نفى وبشدة مكتب مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره الخاص لليمن، جمال بنعمر، الأنباء التي تم تداولها نقلا على لسان أحد قادة الأحزاب المشاركين في الحوار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، والتي «تحدث فيها عن اتفاق مزعوم بين مساعد الأمين العام للأمم ومستشاره الخاص لليمن جمال بنعمر مع عبد الملك الحوثي حول صيغة ما لإنشاء مجلس رئاسي». وقال بيان صادر عن مكتب بنعمر إنه «إذ ينفي هذه التأويلات الخاطئة جملة وتفصيلا، فإنه يرغب في مشاركة الرأي العام اليمني التوضيحات التالية تفاديا لأي خلط للأوراق والمفاهيم، سواء بسوء نية أو سوء فهم»، وورد في البيان أن «من يجلس للتفاوض على طاولة الحوار مع الحوثيين هم الأطراف اليمنية ومنهم حزب القيادي الذي أدلى بالتصريحات الكاذبة المشار إليها أعلاه. ويقتصر دور المبعوث الدولي على تيسير عملية التفاوض والوساطة بين أطرافها. وبالتالي فهو ليس طرفا في المفاوضات»، وأن «المبعوث الدولي لن يكون طرفا في أي اتفاق لأنه يمثل جهة محايدة ليست لديها مصالح سياسية في اليمن، ومن بين أهداف المفاوضات الجارية - كما هو معروف - إيجاد صيغة لتقاسم السلطة خلال الفترة الانتقالية، والأمم المتحدة لا تبحث عن مقاعد أو حصص في سلطات الدولة ومؤسساتها كما تفعل الأطراف المتفاوضة».
وقال بنعمر إن «صيغة المجلس الرئاسي ليست فكرة المبعوث الدولي، وإنما خيار تبنته عدة أطراف متفاوضة ولم يكن الخيار الوحيد المطروح على الطاولة، وقد تطوع وفد من الأحزاب المشاركة في الحوار - من بينها حزب القيادي صاحب التصريحات - لعرض الخيارات المطروحة مباشرة على الأخ رئيس الجمهورية خلال زيارة قام بها إلى عدن في بحر الأسبوع المنصرم»، وإن «المبعوث الدولي لا يتبنى أي خيار أو يدافع عنه في أي من القضايا المطروحة للتفاوض، لكنه سيدعم أي خيار يجمع عليه اليمنيون ولا يتعارض مع مبادئ وقيم الأمم المتحدة». الشرق الأوسط