منذ أن تبادل الرئيسان الأمريكي – والإيراني في مطلع يونيو/ حزيران من العام الماضي رسائل الوفاق والوئام، وانقشع الغمام الذي كان يسود العلاقات الأمريكية الإيرانية - ولو في الظاهر فقط - على تقارب أمريكي – إيراني ومباحثات لحل أزمة النووي الإيراني ورفع العقوبات بحق طهران، مما يعني بشكل آخر إعطاء الضوء الأخضر لإيران أن تحقق مصالحها في الشرق الأوسط بغطاء ورعاية أمريكية، منذ ذلك الحين والمنطقة العربية تنحدر من سيء إلى أسوأ، وتتفكك بقعة تلو الأخرى . تنحصر اللعبة الدولية الرامية إلى تفتيت الشرق الأوسط بين قوتين رئيسيتين، يجمع بينهما أهداف مشتركة باختلاف الغايات منها ؛الولايات المتحدة الأمريكية – الامبراطورية الإيرانية. ولنعرج هنا على رسالة سرية للغاية أرسلها مجلس شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، في عهد الرئيس محمد خاتمي جاء في جزء منها : " الآن بفضل الله، وتضحية أمة الإمام الباسلة!! قامت دولة الاثني عشرية في إيران، بعد عقود عديدة، ولذلك فنحن وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين- نحمل واجباً خطيراً وثقيلاً وهو تصدير الثورة، وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلاً عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب، فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس الأولويات" ولكنه أردف قائلاً : "نظراً للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية -كما اصطلح على تسميتها- لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة؛ ولهذا فإننا من خلال ثلاث جلسات وبآراء شبه اجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان، وضعنا خطة خمسينية تشمل خمس مراحل، ومدة كل مرحلة عشر سنوات، لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول، ونوحد الإسلام أولاً؛ لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب، لأن هؤلاء –أي: أهل السنة والوهابيين- يناهضون حركتنا وهم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين" وكما هو واضح من مضمون الرسالة ، فإن هدف إيران الخمينية الأول هو تصدير ثورتها إلى الأراضي العربية السنية، وإن أهل السنة هم ألد أعدائها ويشكلون الخطر الأكبر على مشروعها الامبراطوري. كما أن الرسالة التي كتبت في أواخر التسعينيات " عهد خاتمي " تتضمن الحديث عن خطة خمسينية، فتصدير الثورة كما يهدفون سوف يمّر عبر مراحل منظمة، ومخطط لها بداية بالتعاون مع الدول المجاورة وبناء صداقات معها، حتى يتم إسقاطها على المبدأ الذي يقول " إن إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد "، ولربما نحن اليوم نعيش تطبيق أواخر " العشرية الثانية " من الحلم الصفوي الممتد، أو قد ساهمت العوامل الدولية المتبدلة خاصة بعد ثورات الربيع العربي ، في القفز فوق المراحل حيث نجحت إيران في استغلالها أفضل استغلال . إن من يقرأ التاريخ يجد أن المشروع الإيراني ليس وليد فترة زمنية قريبة، ولا حكراً على إيران ما بعد ثورة 1979 م ، بل إن هذه الدعاوي متجذرة في مبادئ الشيعة الاثني عشرية منذ عهد الدولة العباسية " الخليفة الناصر "، مروراً بالدولة الصفوية وصولاً إلى الدولة الخمينية " إيران اليوم "، فها هي تحتل فعلياً أربع عواصم عربية ( دمشق، بغداد، صنعاء، بيروت )، بعد نجاحها في زرع الثيوقراطية الشيعية الإيرانية في هذه الأراضي العربية السنية، ككيانات تحميها وتحمي مشروعها لتنقض على الشرق الأوسط بأكمله، وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نتينياهو في حديثه لرئيس الأركان الجديد، غادي أيزنكوت؛ قائلاً إن الشرق الأوسط يتفكك والامبراطورية الإيرانية تهرول لسد الفراغ. أيضاً فإن مسألة التقارب والتعاون مع الغرب ولو كان " كافراً " من المبادئ التي يضعها الزعماء الإيرانيون لتحقيق مآربهم ، ولكن هذا التعاون يتلوَّن ويتغير بتبدل الأوضاع والأزمان ، وعلى هذا المبدأ ترتكز إيران في تعاونها مع المحيط الدولي . ولو قارنا مابين الثيوقراطية الإيرانية والثيوقراطية الداعشية، نجد قواسم مشتركة تضعهما في الخانة ذاتها كوظيفة خلق الفوضى والنزاعات والصراعات في هذه البقعة الجغرافية الثائرة، إلا أن إيران تقف وراءها دول وكيانات، أما تنظيم الدولة فهو ذريعة غربية صنعتها الأيادي الدولية وغذتها إعلامياً؛ لتصبح الشبح الوحيد في المنطقة لتحاربه وتغطي على كل مايحدث فيها من شناعة، "لا نستثني منها الجرائم الشيعية الإيرانية "، وتشعل حروباً طاحنة بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل الداعمين الدوليين، حيث ستكون أداة لإعادة اقتسام الخريطة العربية من جديد . رجوى الملوحي - عربي 21
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video