هل إن رسالة خامنئي لأوباما تؤسس اليوم، فقط، لسياسة مهادنة أميركية إيرانية في العراق والمنطقة لمحاربة داعش، أم أن هذه السياسة قائمة وراسخة ومستمرة قبل داعش بسنين.
العربإبراهيم الزبيدي [نشر في 2015\02\18]
بكثير من الدهشة تلقى الإعلام العربي والأميركي الرسالة السرية التي بعث بها المرشد الأعلى الإيراني إلى الرئيس الأميركي، والتي كشفت عنها صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية مؤخرا، وكأنها حدث مفاجئ. وقد أخطأ كثير من المحللين العرب والأجانب حين اعتبروها دليلا على بدء تفاهم سري بين نظام الولي الفقيه وإدارة أوباما، ناسين تاريخ ولادة هذا التفاهم، وظنوها نتيجة الظروف التي أوجدها داعش في العراق وسوريا والمنطقة.
والحقيقة أنها ليست من اختراع أوباما، بل هي أقدم منه، وبالتحديد من أيام الغزو الصدّامي للكويت عام 1990. ولمن نسي أيام مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة وأسرارها نسرد له ما يلي.
إن إيران وسوريا دون غيرهما، أمسكتا بأحزاب المعارضة العراقية وتجمعاتها الشيعية، والكردية العراقية، والبعثية العراقية السورية، واحتكرت قيادتها، تنظيميا وسياسيا، من أيام لجنة العمل المشترك التي أعلن عن تأسيسها في 27 ديسمبر 1990 بمبادرة ورعاية من مخابرات النظام السوري ومخابرات الولي الفقيه، ومنعت أية جهة عراقية أو عربية أو دولية أخرى من اقتحام قلاعها.
إلا أن الولايات المتحدة بدأت محاولاتها لإيجاد موقع قدم لها داخل هذه المعارضة من أوائل 1991 وتحديدا في مؤتمر بيروت، من خلال علاقتها القديمة بالحزبين الكرديين، وعلاقتها الجديدة بمعارضين عراقيين آخرين، منهم إياد علاوي وأحمد الجلبي، بشكل خاص. وسرعان ما تحقق لها اقتسام الإشراف على نشاطات المعارضة العراقية، مع المخابرات الإيرانية والسورية، حتى أصبحت مؤتمرات المعارضة محصورة في أتباع إيران وبعثيي سوريا وحلفاء أميركا.
حتى أن الإدارة الأميركية خصصت سفراء متفرغين للإشراف على شؤون المعارضة، بقبول من سوريا وإيران. وتوج ذلك بما سمي يومها ”المؤتمر الوطني الموحد” بقيادة أحمد الجلبي، الذي أسس لمؤتمر لندن ديسمبر 2002، ثم في صلاح الدين في فبراير 2003 اللذين حددا شكل الحكم العراقي القادم وحصص كل فريق فيه، وهو ما ظل قائما حتى اليوم.
وقد عجز كثير من العراقيين والعرب عن تفسير إصرار إدارة بوش الأب (الجمهورية) وإدارة كلينتون (الديمقراطية) ثم إدارة بوش الابن (الجمهورية) وتبعتها إدارة أوباما (الديمقراطية) على احتضان أحزاب وميليشيات عراقية يعلم الأميركيون بأنها تابعة لإيران، بل إن بعضها إيراني من الولادة.
وينبغي أن ننوه بأن هناك أحزابا وشخصيات شيعية عراقية لا علاقة لها بإيران وترفض الانقياد لنظام الولي الفقيه، أقصيت عن جميع مؤتمرات المعارضة السابقة، ومنعت من المساهمة في الحكم الجديد، وفرض عليها تعتيم منع صوتها من الوصول إلى الجماهير العراقية حتى لفها النسيان. بل إن بعضها تعرض لتصفيات جسدية من قبل عملاء مخابرات إيران أو من وكلائها العراقيين.
الخلاصة أن أميركا لم تُخدع بأولئك القادة، ولا بارتباطاتهم وأهدافهم. فإدارة قوات التحالف لم تمنع انزلاق العراق إلى الخراب الذي جاء على أيدي حلفائها الإيرانيين والسوريين، وهي ترى، منذ الأيام الأولى للغزو، قادة الأحزاب الشيعية المُصنّعة في إيران يستقبلون علنا آلاف المسلحين الداخلين إلى العراق من إيران، بذريعة أنهم مواطنون عراقيون مبعدون إلى إيران من قبل النظام السابق، وهي تعلم أنهم أعضاء ميليشيات لا تخفى هوياتها ولا نشاطاتها.
وحين انتهت صلاحية مجلس الحكم وعُين إياد علاوي رئيسا لوزارة ما سُمي بعهد (نقل السيادة) كانت إيران قد تحولت إلى قوة فاعلة في العراق، تفرض أتباعها على الرئاسات والوزارات والسفارات ومجالس المحافظات والمؤسسات العسكرية والأمنية والمالية، على مسمع ومرأى من القيادة الأميركية الحاكمة في العراق. وهاهو العراق اليوم، لا يستطيع أيٌ كان، حتى لو كان الرئيس الأميركي نفسُه، أن يأخذ مكانا في صدارة السلطة في العراق إذا لم يحصل على موافقة إيران.
فهل إن رسالة خامنئي لأوباما تؤسس اليوم، فقط، لسياسة مهادنة أميركية إيرانية في العراق والمنطقة لمحاربة داعش، أم أن هذه السياسة راسخة قبل داعش بسنين؟
كاتب عراقي