لا أحد يستطيع تجاهل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودورها المحوري بالمنطقة، حتى أعداء إيران باتوا يبحثون عن صفقة يحققون من خلالها مصالحهم.
شكلت الثورة الإسلامية عام 1979م تحولاً هامًا في نقل إيران من دولة تابعة معتمدة على حلفائها الأمريكان والصهاينة، إلى دولة متحررة من التبعية، حتى وصل الأمر بالعقل الإيراني لاستحضار مجد الإمبراطورية الفارسية في وصفه للمرحلة التي تعيشها إيران، فكيف يفكر العقل الإيراني؟
التفكير الإستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية ينصب في اتجاه تحقيق نهضة شاملة داخل إيران والعمل على تصدير الثورة وإعادة مجد الإمبراطورية الفارسية، مستخدمين كل الوسائل والأدوات باحترافية سياسية وعسكرية غير مسبوقة، منطلقين من المحافظة على ثلاث مرتكزات:
1- الحفاظ على الجبهة الداخلية في إيران.
2- استثمار عناصر القوة الجيوبوليتيكية والجيوإستراتيجية.
3- سيادة القومية الفارسية على غيرها من القوميات في الشرق.
أولاً: الحفاظ على الجبهة الداخلية في إيران
الوحدة الداخلية لأي مجتمع عنصر قوة يضاف للدولة، وبذلك تعمل النظم السياسية ومنها إيران على حماية جبهتها الداخلية من أي نزعات انفصالية، أو صراعات طائفية، أو أي نزاعات سياسية أو اجتماعية، وقد يكون الصراع الأذربيجاني مع إيران أحد أهم الأمثلة، حيث يشكل دعم إيران لأرمينيا (المسيحية) في صراعها مع أذربيجان (الشيعية) على إقليم ناغورني كرباخ، والتي خسرت أذربيجان المعركة عام 1994، مثالاً واضحاً على إصرار طهران على الحفاظ على جبهتها الداخلية.
يبلغ تعداد سكان أذربيجان ما يقارب ثمانية ملايين نسمة، 80% منهم مسلمين شيعة (اثنا عشرية)، وتجاورها إيران بحدود يبلغ طولها 756 كيلو متر، وما دفع إيران تجاه دعم أرمينيا والتخلي عن أذربيجان يعود إلى أن ثلث سكان إيران من الأذريين، ويبلغ عددهم ما يقارب العشرين مليون نسمة، يتحدثون بلغة مشتركة مع سكان أذربيجان وهي اللغة التركية، وتربطهم تقاليد وعادات وثقافات مشتركة وتفصل بينهما الحدود.
ومن هنا يأتي دعم إيران لأرمينيا على حساب أذربيجان حتى تبقى الأخيرة في حالة استنزاف دائم، لأنه في حال امتلكت أذربيجان القوة فإنها تستطيع تحريك ورقة الأذريين في إيران وتطالب بضمهم إلى الدولة الأذربيجانية، وينحدر بعض زعماء المعارضة الإيرانية إلى أصول أذرية ومن أبرزهم مير حسين موسوي.
ثانيًا: استثمار عناصر القوة الجيوبوليتيكية والجيوإستراتيجية
تمتلك إيران من الناحية الجيوبوليتيكية، مقومات وعناصر قوة كبيرة، حيث تبلغ مساحة إيران 1.648.000 كيلومتر مربع، وهي تعتبر حسب تصنيف باوندز من الدول الكبيرة جدًا، حيث يبلغ طول حدودها البرية 2450 كم، وطول حدودها البحرية 2500 كم، ومن الملاحظ هنا أن إيران تتعادل طول حدودها البرية مع حدودها البحرية، وهذا يكشف أسباب اهتمامها في تطوير قدرات قواتها البحرية والبرية بشكل ملموس.
تشترك مع إيران في حدودها سبع دول هي باكستان وأفغانستان والعراق وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وتركيا.
يبلغ عدد سكان إيران ما يقارب 70 مليون نسمة، بينما يبلغ تعداد سكان الدول المجاورة لإيران 311 مليون نسمة، يقابل كل فرد إيراني 4.5 أفراد من الدول المجاورة، وهي نسبة مقبولة على صعيد القدرات البشرية، وتشكل عنصر قوة لطهران.
أضف إلى ذلك التوزيع الجغرافي للمفاعلات النووية الإيرانية، ففي حال قررت الولايات المتحدة أو إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية فهي تحتاج إلى سرب هائل من الطائرات لضرب المنشآت النووية في لحظة واحدة، وهذا الخيار في حال فشله، سيلقي بتداعياته على مستقبل النظام أحادي القطبية في العالم.
أما من الناحية الجيوإستراتيجية تشترك إيران مع سلطنة عمان في التحكم بمضيق هرمز، وتكمن أهمية المضيق الإستراتيجية للغرب بنقل 40% من النفط إلى دول العالم، كذلك تطل إيران على بحر قزوين الغني بالنفط والغاز الطبيعي، ويجعل إيران لها نفوذ في أسيا الوسطى، وهذا ما يفسر العلاقات الجيدة بين إيران وروسيا الاتحادية، والمتغير الجديد اليوم هو تمدد النفوذ الإيراني للسيطرة على مضيق باب المندب بعد تمكن الحوثيين من السيطرة على اليمن، ونجاح طهران من التغلغل في منطقة أفريقيا وتحديدًا في إريتريا التي تطل من الناحية الجنوبية على مضيق باب المندب، وتملك طهران قاعدة عسكرية بحرية بها، وبذلك تستطيع طهران التأثير على خطوط الملاحة في قناة السويس في أي حرب مقبلة.
ثالثًا: سيادة القومية الفارسية على غيرها من القوميات في الشرق
إيران صاحبة مشروع إمبراطوري توسعي بالمنطقة، حتى تتسيد القومية الفارسية القوميات الأخرى المنافسة لها بالمنطقة المحيطة بها مثل القومية العربية والتركية والكردية، وبذلك أحد أشكال الصراع هو حضاري ثقافي أيديولوجي، وهذا ما يدلل على حرص طهران بالتركيز على تصدير الثورة، واستغلال المناطق الفقيرة ومناطق النزاع من أجل نشر التشيّع في هذه المناطق واللعب بالورقة المذهبية، والاهتمام بالإعلام والتنظير الفكري واللعب على وتر قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وهذا ما يفسر حرص طهران على دعم المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس السنية.
خلاصة القول: إيران دولة محورية مركزية بالمنطقة لا يمكن تجاوزها، وقد تلجأ الولايات المتحدة والغرب لخيار الصفقة معها في حوارات جنيف، يضمن لها الدور والمكانة في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتشكل تحالف أمريكي إيراني على حساب السعودية، وهذا سيمنح طهران قوة لبسط سيطرتها على مزيد من العواصم العربية بعد أن أحكمت الآن سيطرتها على أربع عواصم عربية لدول لبنان، سوريا، العراق، واليمن.
ومن هنا على جامعة الدول العربية العمل على وضع إستراتيجية تصالحيه لإنهاء الصراع المحتدم بالمنطقة العربية، وتجاوز الخلافات المذهبية، والعمل مع إيران من باب التكامل والتنافس من أجل بناء مشروع حضاري نهضوي إسلامي ينافس الأطماع الاستعمارية الصهيوأمريكية بالمنطقة.
حسام الدجني
كاتب ومحلل سياسي ودبلوماسي بوزارة الخارجية الفلسطينية، وعضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطيني والاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات. بوست نون