كتبه لمفكرة الإسلام/السيد أبو داود وصل المشروع الإيراني التوسعي، والقائم على المذهبية المتطرفة، إلى مراحل متقدمة، حيث طوّق العالم العربي من المشرق بشكل كبير، ويسعى جاهدًا لنشر المذهب في مصر والمغرب العربي على أمل أن يستغل أية فرصة مواتية ليؤسس له موضع قدم كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن. والمشروع الإيراني الطائفي شديد العداء للمسلمين السنة بشكل عام، سواء كانوا عربًا أم عجمًا، فهو يكره السنة في العالم العربي ويتآمر ضدهم، كما كرههم وتآمر ضدهم في أفغانستان، وكما يتآمر ضدهم في باكستان. لكن آخر حلقة من حلقات الحقد والغل الإيراني الصفوي الطائفي، كانت الهجوم على جماعة "بوكو حرام" النيجيرية والتعاون مع الأفارقة والغربيين ضدها، بحجة أنها جماعة إرهابية متطرفة. وجاء هذا الهجوم من نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي قال في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا على هامش مؤتمر القمة الإفريقية الأخير: (إن تنظيمي "داعش" و"بوكو حرام" هما "وجهان لعملة واحدة، ويتبنيان فكرًا تكفيريًا متطرفًا"، وهناك أجهزة استخبارات غربية تقف وراء صناعة تنظيم "داعش"). وأكد عبد اللهيان دعم إيران جهود الأفارقة للقضاء على "بوكو حرام"، مدينًا العمليات التي تقوم بها في نيجيريا، معتبرًا أن إيران تحملت العبء الأكبر في مواجهة الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، ولذلك فهي على استعداد للتعاون مع الاتحاد الإفريقي لمواجهة الإرهاب. وهذا الكلام يشبه كلام قادة الغرب حينما يعبرون عن ثقافة ومكنونات أنفسهم التي تحمل مكونات هائلة من الاستعلاء والتناقض والغرور والنرجسية والكذب والتلفيق والاستغفال، كلها مصهورة في سبيكة واحدة، تجعل الإنسان العاقل والذي لديه أثارة من علم ووعي يضرب كفًا بكف. فإيران هي التي ترعى المليشيات الشيعية الطائفية المسلحة في العراق، تلك المليشيات التي ارتكبت ومازالت ترتكب كل يوم جرائم ذبح سنة العراق على الهوية، وقائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، هو الذي يشرف على عمليات التطهير ضد السنة في العراق، وهو المسؤول الأول عن الميليشيات الشيعية المقاتلة في العراق، المتهمة بارتكاب جرائم ضد السنة هناك، وهو الذي أشرف على تحويل القوات العسكرية والأمنية في العراق إلى ما يشبه "حزب الله" في لبنان. وبات معلومًا الآن بين أهل السنة في العراق أن أحد مؤسسي المليشيات الشيعية، والجاني الرئيس في الهجمات على السنة، هو قيس الخزعلي، قائد مليشيات "عصائب أهل الحق"، هو أحد وكلاء سليماني، الذي اُعتقل من قبل قوات التحالف، وأُفرج عنه لاحقا في عملية تبادل للأسرى مع رهينة بريطاني عام 2009م، ويتحرك اليوم بحرية في جميع أنحاء العراق مرتديا زي المعركة كقائد لمليشيات العصائب. وكيل آخر لسليماني، هو رئيس "فيلق بدر" هادي العامري، الذي كان وزيرا سابقا للنقل، واتهمته الولايات المتحدة خلال وجوده في الوزارة بالمساعدة في نقل الأسلحة والأفراد من إيران إلى سوريا، هذا المجرم يتحرك في العراق برعاية كاملة بل وتوجيه من قاسم سليماني، وبالتالي من الحكومة الإيرانية نفسها. وإذا تحدثنا عن "فيلق بدر"، فإننا نتحدث عن ميليشيا دموية طائفية متطرفة، شاركت بشكل رئيس في غالبية المذابح التي ارتكبتها وترتكبها المليشيات الشيعية ضد السنة، وهذه المليشيا المجرمة متهمة بخطف وإعدام السنة دون محاكمة، وطردهم من منازلهم ثم نهب مملتكاتهم وحرقها، وفي بعض الحالات هدم قرى بأكملها. وهذا العدوان الإيراني الطائفي الحاقد على أهل السنة في العراق، والدعم الكامل وغير المشروط لكل الحكومات الشيعية في فترة ما بعد الاحتلال الأمريكي، هو الذي أثار مكامن الغضب والرفض في نفوس العراقيين السنة، فقاموا بثورتهم المباركة، التي قمعها نوري المالكي بالسلاح والقمع والهدم والتدمير، وهنا استغل تنظيم "داعش" هذه الأجواء وهذا المخزون المتراكم من الغضب، وهذه المظلومية الكبرى، وتمدد في هذا الفراغ، وعليه فإن الإرهاب الحقيقي هو الذي مارسه الإيرانيون في العراق، وأن إرهاب "داعش" ما هو إلا رد فعل واستغلال لمظالم العرب السنة. ولكن إيران، مثلها مثل أية قوة استعمارية، تقلب الحقائق، وقد حاولت جاهدة ومعها تابعوها من حكام العراق الشيعة المتطرفين أن يصوروا ما يجري في مناطق العرب السنة في العراق على أنها كلها من صنع "داعش"، من أجل إخافة العالم منهم، ونسوا وتغافلوا عامدين متعمدين أن هذه النجاحات لا يقف وراءها "داعش"، وإنما هي ثورة لأهل السنة في العراق بكل مكوناتهم والتي تشمل "الجيش الإسلامي" و"كتائب ثورة العشرين" و"جيش رجال الطريقة النقشبندية" و"جيش المجاهدين" و"أنصار السنة".. إلخ، وهي ثورة قامت لمواجهة ظلم نظام نوري المالكي، الشيعي الطائفي المتطرف، الذي امتد لثماني سنوات، والتي كان فيها رأس حربة لمشروع الهلال الشيعي الإيراني. وإذا اتجهنا ناحية نيجيريا، واستقرأنا الظروف التي نشأت فيها "بوكو حرام"، لوجدنا شيئًا مماثلاً لما حدث ويحدث في العراق، فرغم أن الحكومة النيجيرية تقول إن عدد المسيحيين يتساوى مع عدد المسلمين، إلا إن المنظمات الإسلامية النيجيرية تقول إن المسلمين حاليًا يشكلون أكثر من 70% من عدد السكان البالغ أكثر من 130 مليون نسمة، وإنهم يمثلون الأغلبية المطلقة في 19 ولاية في الشمال النيجيري من أصل 36 ولاية تتألف منها الاتحادية النيجيرية، فيما يعيشون بنسب متفاوتة في الولايات السبع عشرة الأخرى، ورغم أكثرية المسلمين إلا إن الدستور والقوانين جعلت الرئيس مسيحيًا، فالرئيس المسيحي المفروض بالقوة على رأس دولة مسلمة، هو أحد مظاهر تحكم الأقلية بالأكثرية، وما مشكلة تطبيق الشريعة المثارة في البلاد إلا فرع من ذلك الأصل. وقد نتج عن هذا الأصل الخاطئ فروع كثيرة أكثر خطئًا في سياسات الحكومات العسكرية والمدنية المتعاقبة، والتي تستخدم العنف المفرط تجاه الحركات السياسية المناوئة لها، خاصة جماعة "بوكو حرام"، التي استطاعت أن تكسب العديد من الأنصار في أوساط الشباب، كما استطاعت أن تكسب تعاطف بعض المسلمين بسبب عمليات القتل البشعة والخارجة على القانون، التي ارتكبتها الشرطة النيجيرية في حق أعضاء الجماعة، مما أوجد نوعًا من التعاطف مع الجماعة، وتقديم يد العون والمساندة لها. كما يلعب البعد العرقي دورًا كبيرًا في تنامي الجماعة، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين، هما "الهاوسا" في شمال البلاد، وأغلبهم مسلمون، وقبيلة "الإيبو" وغالبية أفرادها مسيحيون، وكثيرًا ما تحدث اشتباكات دينية وعرقية بين القبيلتين. وتطرح "بوكو حرام" نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، مما يعطيها نوعًا من التعاطف من بسطاء المسلمين. وقد جعل الواقع التنصيري الذي يهيمن على نيجيريا من شعار تطبيق الشريعة موقفًا دفاعيًا تتخذه الأكثرية من حكم الأقلية، وكان الغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الغربية انشغلت بالحديث عن مساوئ الشريعة كما تراها، وانشغلت أجهزتها السياسية بتعزيز النظام القائم، وتغاضوا تمامًا عن حملات التنصير التي أصبحت تتحرك بشكل علني ومتغطرس في أرجاء البلاد، وأصبحت مدينة "لاجوس" المركز الرئيسي للنشاط التنصيري في وسط وغرب أفريقيا كلها. هذه هي الملابسات التي نشأت فيها "بوكو حرام"، وبالتالي فنشأتها جاءت كرد فعل للمظالم التي يتعرض لها المسلمون في نيجيريا، وإذا أردنا أن نحل المعضلة فعلينا أن نحل لب القضية من الأساس وليس العمل على حل الفروع، ولب القضية هو رفع المظالم عن المسلمين وإعطائهم حقوقهم وأول حق منطقي هو أن يكون رئيس الجمهورية منهم، وأن تتوقف جرائم الجيش والأجهزة الأمنية ضدهم، وأن يحصلوا على تمثيل عادل في الحكومة والبرلمان وأجهزة الدولة، وأن يتم تعديل الدستور ليقر ذلك كله، كما لابد من الاعتراف بالهوية الثقافية والدينية للمسلمين، وعدم فرض التعليم الغربي عليهم وإعطائهم الحق في تأسيس المدارس والجامعات الإسلامية وكذلك الجمعيات الدينية والاجتماعية والثقافية وجماعات حقوق الإنسان الخاصة بهم، وإلى جانب ذلك تمكينهم من الحصول على حقهم من ثروات بلادهم وعدم جعل الثروة في يد النصارى فقط، ثم وقف حملات التنصير الموجهة ضدهم. كراهية إيران لأهل السنة جميعًا لم تقتصر على كراهية السنة الشركاء في الأوطان مع الشيعة، ولكن إيران قفزت قفزة كبيرة باتجاهها آلاف الأميال وصولاً إلى نيجيريا حيث لا وجود للشيعة، ولكن الموجود هو الغل الطائفي والكراهية للسنة والتحريض ضدهم أينما كانوا، والتحالف مع الغرب الصليبي ضدهم، كما تحالفت الدولة الصفوية الشيعية قديمًا مع الغرب الصليبي ضد الدولة العثمانية السنية. ونختم هذه السطور بما قاله زعيم الحوثيين في اليمن، عبد الملك الحوثي، من أنه لولا الانقلاب الذي نفذوه على الشرعية في اليمن لسيطر تنظيم "القاعدة" على البلاد. وهي مغالطة شيعية كبرى لتبرير الانقلاب من ناحية، ومن ناحية أخرى لتقديم الورقة الشيعية كبديل عن التطرف السني المتمثل في "القاعدة". ثم بعد كل ذلك، يخرج نفس المسئول الإيراني وهو نائب وزير الخارجية للشؤون العربية أمير عبد اللهيان، ليعلن أن انقلاب الحوثيين لا يتناقض مع المبادرة الخليجية، وإنه يكمل هذه المبادرة باتجاه تحقيق الأمن والاستقرار في اليمن. هكذا يكون الكذب، وهكذا يكون التناقض، وهكذا يكون الخداع، وهكذا يكون التبرير، وهكذا يكون التقرب للغرب الذي يدعون معاداته!!!
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video