بقلم /سلطان النعيمي
في الوقت الذي تنطلق فيه المظاهرات المناوئة للحوثيين في الداخل اليمني ويأتي الانتقاد والاستنكار سواء على المستوى الخليجي أو الإقليمي أو الدولي، تطالعنا زاوية أخرى تسير مغايرة لما تقدم، بل إنها تأتي على النقيض من ذلك. نسير مع القارئ في السطور القادمة لمعرفة تلك الزاوية وعلى ماذا تستند في رؤيتها للداخل اليمني.
بداية ونظرا لتبعات ما عرف بالربيع العربي جاءت المبادرة الخليجية لإخراج اليمن من ذلك الاحتقان والوصول إلى خريطة توافقية للقوى الفاعلة فيه. لم يستمر الوضع على ما هو عليه بعد التجاوزات الحوثية التي طالت العاصمة صنعاء. المبعوث الدولي الخاص لم يتوقف عن جهوده للوصول إلى حل توافقي بين الأطراف وفق المبادرة الخليجية. الحوثيون يصعدون من مطالبهم وإذا بمبادرة «السلم والشراكة الوطنية» التي أعطت الحوثيين مساحة سياسية كبيرة. الحوثيون لم يكتفوا بذلك بل سعوا إلى تحقيق مزيد من النفوذ والتمدد جنوبا. يستمر الحوثيون في خطواتهم وإذا بالإعلان الدستوري يأتي بوصفه واقعا سياسيا مفروضا على اليمن ليخرج من دوامة إلى أخرى.
المظاهرات المناوئة لهذا الإعلان تنطلق في مختلف مدن اليمن، ومن كان بالأمس مؤيدا وداعما للحوثيين يأتي ليعلن رفضه اليوم لتلك الخطوة الانقلابية. مجلس التعاون الخليجي يعتبر الانقلاب الحوثي نسفا كاملا للعملية السياسية السلمية التي شاركت فيها كل القوى السياسية اليمنية. مجلس الأمن يعبر عن القلق الشديد من التطورات في اليمن واستعداده لاتخاذ خطوات إضافية إذا لم تستأنف المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة والإفراج الفوري عن الرئيس هادي ورئيس حكومته وأعضاء مجلس الوزراء ورفع الإقامة الجبرية المفروضة عليهم.
يتزايد الرفض اليمني في الداخل عاكسا صداه على الساحة الدولية في رفضها للإعلان الدستوري واعتباره انقلابا ونسفا للعملية السياسية في اليمن.
وبالانتقال إلى القراءة الإيرانية للوضع الراهن في اليمن، نتساءل بادئ ذي بدء هل ما يحدث في اليمن يعتبر من منظور هذه القراءة انقلابا أم ثورة؟
الإجابة هي الاثنان معا، ولكن كيف ذلك؟
بداية تطلق وسائل الإعلام الإيرانية على الأحداث في اليمن والانقلاب الحوثي مصطلح «انقلاب حوثي». غير أنه في الوقت الذي يأتي القارئ العربي فيه ليتلقى هذا المصطلح باعتبار أن النظام الإيراني يعتبر خطوات الحوثيين انقلابا، تأتي اللغة الفارسية لتستخدم مصطلح «انقلاب» على غير معناه في اللغة العربية. فـ «انقلاب» في اللغة الفارسية تعني «ثورة» في حين أن لفظ «كودتا» في اللغة الفارسية تعني «انقلابا» بمفهمها العربي.
إذن القراءة الإيرانية بداية ترى في خطوات الحوثيين ثورة وليست انقلابا على الشرعية. ومن هذا المنطلق ظل مسؤولو النظام الإيراني منذ البداية يباركون التحركات الحوثية ويعتبرونها ثورة حقيقية وشعبية، وهو ما تجلى من خلال تصريح علي ولايتي مستشار المرشد في الشؤون السياسية والدولية ورئيس مركز البحوث في مجمع تشخيص مصلحة النظام حين قال إن إيران تدعم النضال العادل للحوثيين، ويأتي رئيس هيئة التعبئة ليقدم التهنئة لعبد الملك الحوثي ويصفه بالأخ المجاهد. كيف لا وقد أصبحت صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي تقع في يد إيران كما قال أحد نواب البرلمان.
المتتبع للشأن الإيراني يلاحظ تريثا من قبل المستوى الرسمي في الرد على التطورات الأخيرة في اليمن. فبعد الترحيب الواضح من قبل المسؤولين الإيرانيين على مبادرة السلم والشراكة الوطنية لما أفردته من مساحة كبيرة للحوثيين، تأتي وسائل الإعلام الإيرانية حتى الآن لتعكس القراءة الإيرانية فقط دون المسؤولين. قناة «العالم» على سبيل المثال تسلط الضوء كما ترى على احتفالات بصنعاء ومدن أخرى في اليمن تأييدا للإعلان الدستوري، كما تعنون كذلك «مجلس التعاون يتدخل بشؤون اليمن عبر رفض الإعلان الدستوري». صحيفة «كيهان» ورئيس تحريرها شريعتمداري المقرب من المرشد تناولت الأحداث الأخيرة في اليمن على النحو التالي «وأخيرا استطاع الشعب اليمني بشماله وجنوبه الأخذ بزمام الأمور ودفع البلد إلى شاطئ الأمان، وهو يرص صفوفه متحديا القوى التكفيرية والرجعية التي أرادت على الدوام الانتقاص من سيادة البلد واستقلاله وجعله حديقة خلفية للنظام السعودي الذي تآمر على الدوام على هذا البلد وكان آخرها الالتفاف على ثورة 15 يناير (كانون الثاني) من خلال المبادرة الخليجية».
ولعل السؤال المهم هنا لماذا حتى الساعة لم يظهر تصريح رسمي واضح من قبل المسؤولين في إيران حول الأحداث الأخيرة في اليمن؟ نطرح على القارئ بعض الفرضيات.
الفرضية الأولى، تأتي وفق قاعدة «السكوت علامة الرضا» باعتبار أن ما يحدث في اليمن يسير وفق المصالح الاستراتيجية الإيرانية بحيث تأتي سيطرة الحوثيين متوائمة مع تلك الاستراتيجية وأهدافها، ولعل ذلك يتضح من خلال تصريح النائب البرلماني الإيراني.
الفرضية الثانية، هي أن السبب في هذا السكوت حتى الآن اعتبار أن ما يحدث في اليمن شأن داخلي ولا ينبغي التدخل في شؤونه الداخلية. وهو ما يعطي بدوره فرصة لانتقاد موقف مجلس التعاون الخليجي ووصف بيانه بأنه تدخل كما أشارت قناة «العالم» في شؤون اليمن. وبما أن ما يحدث يسير في مصلحة الاستراتيجية الإيرانية، فلا بأس من التريث. ونذكر القارئ هنا أن المتتبع للشأن الإيراني يلاحظ وبوضح ردود الفعل الإيرانية الآنية والسريعة حين تتجلى أحداث تسير خلافا لتوجهاته الاستراتيجية. ونذكر هنا بالموقف الإيراني من اعتقال نمر النمر في المملكة العربية السعودية، وكذلك علي سلمان في مملكة البحرين.
أما الفرضية الثالثة، فتبرر هذا السكوت والتريث على أنه نتيجة طبيعية للسياسة الإيرانية وطبيعتها في حسابات الربح والخسارة والتي لعلها ظهرت بنتيجة مردها أن ردود الفعل القوية تجاه الإعلان الدستوري الحوثي سواء من الداخل اليمني أو الإقليمي أو الدولي، يتطلب معه عدم التعجل في دعم فريق في مواجهة فريق آخر والتريث حتى تتضح الرؤية وينقشع الضباب.
وأيا كانت الفرضية الصحيحة يبقى حرص النظام الإيراني على المحافظة على المكتسبات التي حققها في اليمن من خلال صعود الحوثيين للسلطة أمر في غاية الأهمية للاستراتيجية الإيرانية، وبالتالي الاستمرار في الاستراتيجية التي تحقق الحفاظ على تلك المكتسبات.
يمن 24