لوبوان الفرنسية – التقرير
كشفت وثائق، رفعت عنها السرية حديثا، أن واشنطن منعت الحرس الإمبراطوري الإيراني من القيام بانقلاب عسكري سنة 1979، ما مكن الخميني من الوصول إلى السلطة.
في آخر كشف عن وقائع الثورة الإيرانية الإسلامية سنة 1979، تم تقويض نظرية أن الولايات المتحدة أطاحت بشاه إيران. ففي نظر الكثير من الإيرانيين، فقد قرر الأميركيون، وببساطة، الإطاحة بشاه إيران الذي كانت له توجهات استقلالية (رفض لخفض أسعار النفط، والرغبة في امتلاك أسلحة نووية)، ليحل محله خصمه رقم واحد، آية الله الخميني، والذي كان يمثل الحاجز الإسلامي أمام الشيوعيين الإيرانيين، والدليل على ذلك هو إرسال الجنرال الأمريكي روبرت هايزر، يوم 7 يناير 1979 إلى طهران، لتحييد الحرس الإمبراطوري الإيراني.
لكن هذا التفسير تم تقويضه تماما بعد الاطلاع على البرقيات الدبلوماسية الأمريكية السرية التي نقلها المؤرخ أندرو سكوت في صحيفة جارديان البريطانية. وتكشف هذه البرقيات أن إرسال روبرت هايزر من قبل البيت الأبيض في مهمة سرية في إيران، كان فقط من أجل منع الحرس الإمبراطوري من تنفيذ انقلاب عسكري يهدف لمنع وصول الإسلاميين إلى السلطة. وكانت واشنطن مخطئة في قيامها بهذه المهمة على طول الخط.
التأثير على الحرس الإمبراطوري الإيراني
في يناير 1979، بلغ النضال الثوري للشعب الإيراني ذروته وأصبح نظام الشاه على وشك السقوط، وذلك بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية المنتقدة لسلطة الشاه الاستبدادية، ما جعله على وشك مغادرة البلاد. وكانت الولايات المتحدة، ولمدة طويلة، من بين الحلفاء المقربين من العاهل العلماني الذي كان البريطانيون والسوفيات وراء تنصيبه في السلطة سنة 1941 على حساب والده رضا شاه.
وأدركت الولايات المتحدة أن الشاه محمد رضا بهلوي أصبح محكوما عليه بالفناء، ما دفعهم لدعم قرار نقل السلطة إلى إدارة مدنية بقيادة رئيس الوزراء الجديد شابور بختيار الذي عينه الشاه تمهيدا لرحيله إلى المنفى. وحرصا على المحافظة على هذا البلد الغني بالنفط، حاولت واشنطن التأثير على الحرس الإمبراطوري.
وكتب الجنرال روبرت هايزر، الذي توفي سنة 1997، في مذكراته أنه: “طالما كانت هناك حكومة مدنية (برئاسة شابور بختيار)، رأى الرئيس كارتر أن ثمة حاجة ملحة لإقناع الحرس الإمبراطوري لدعمها. ولكن كيف يكون ذلك؟ حيث بدا أن الرئيس كارتر كان يفكر في إرسال مبعوث خاص، وكان يبحث عن شخصية عسكرية هامة مع خبرة دبلوماسية ورؤية عميقة للوضع الإيراني تمكنه من الحصول على ثقة القادة العسكريين الإيرانيين“.
إمكانية الانقلاب العسكري
وتم تعيين الجنرال هايزر لهذه المهمة باعتباره كان نائب قائد القيادة الأمريكية الأوروبية، وعارفا بالشأن الإيراني؛ حيث إنه زارها عدة مرات. ووضع البيت الأبيض كل أنظاره على هايزر، معلما إياه أنه سينكر أي علاقة تربطه به في صورة فشله في هذه المهمة. يوم 7 يناير 1979، هبطت طائرة روبرت هايزر مطار طهران، ونظرا لحساسية هذه المهمة، لم يتلق المبعوث أي أمر مكتوب، بل وجد عنده مجرد مشروع نص أودعوه إياه لإبلاغ العسكريين الإيرانيين بدعم الولايات المتحدة، وفي المقابل كان على جنرالات الشاه دعم الحكومة الجديدة لرئيس الوزراء شابور بختيار.
ولكن، ومع إدراك الحرس الإمبراطوري بالسقوط الوشيك لنظام الشاه، فقد كانت إمكانية أن يقوم الحرس بالانقلاب واردة. حيث أدرك كبار الضباط أنهم لن يخرجوا سالمين في حال حدوث ثورة، خاصة مع عودة آية الله الخميني من منفاه في نوفل لوشاتو في فرنسا.
ارتباك المسؤولين الأمريكيين
كتب الجنرال هايزر في مذكراته: “كان بريزينسكي (مستشار كارتر للأمن القومي) يريد إعطاء الضوء الأخضر للحرس الإمبراطوري لتنظيم انقلاب عسكري، لكن الرئيس كارتر كان يريد أن يترك هذا الخيار كملاذ أخير“.
ويقول المؤرخ أندرو سكوت كوبر إن: “الارتباك لدى المسؤولين الأمريكيين من خلال إرسال إشارات متضاربة إلى الجنرالات الإيرانيين أحبط روحهم المعنوية“. ويضيف المؤرخ، الذي تمكن من الوصول إلى هذه الوثائق التي رفعت عنها السرية، إن: “سياسة الولايات المتحدة في ما يخص الملف الإيراني كان ينقصها التناسق كما كانت تستند على معلومات شحيحة“.
وللتأكد من الغرض الحقيقي لمهمته، كتب الجنرال هايزر في 12 يناير، إلى وزير الدفاع هارولد براون، وإلى رئيس الأركان، الجنرال ديفيد جونز، ليذكرهم بالمعلومات التي سبق أن أرسلها للحرس الإمبراطوري. وفي برقية دبلوماسية سرية قال فيها هايزر: “أعتقد أن فكرة الانقلاب العسكري هي الملاذ الأخير، باعتبار وجود مستويات مختلفة قبل الوصول إلى هذه المرحلة…“. ولكن الولايات المتحدة لم تستبعد فكرة الانقلاب العسكري.
الخوف من الجنرالات الإيرانيين
أي دعم أمريكي للانقلاب العسكري في إيران يفترض وجود شرطين أوليين: أن يعطي الحرس الفرصة لشابور بختيار لممارسة ولايته، وأن يضمن رئيس الوزراء الإيراني الجديد دعم الحرس من أجل استعادة الأحكام العسكرية. وكتب الجنرال هايزر في رسالته: “سأبذل قصارى جهدي (…) لتقديم الدعم الكامل لبختيار قبل الإسراع في انقلاب عسكري“.
لكن الجنرالات الإيرانيين لم يروا الأمر على هذا النحو؛ ففي 13 يناير 1979، التقى الجنرال أمير حسين ربيع، قائد القوات الجوية الإمبراطورية، الجنرال هايزر ليعلمه أنه تم الاتفاق بالأمس مع رؤساء الجيش والبحرية والدرك للاستيلاء على السلطة عند فرار الشاه من إيران، وخلاف ذلك؛ فإن الجيش يمكن أن ينهار بسرعة، كما جاء على لسان الجنرال أمير حسين ربيع. ووفقا لمذكرة دبلوماسية أرسلت في ذلك الوقت من قبل وزير الدفاع هارولد براون للرئيس كارتر، فقد أعلم روبرت هايزر على الفور رؤسائه، وتم حث الحرس الإمبراطوري مرة أخرى لإعطاء فرصة لبختيار.
العمى الأمريكي
انسحب الجنرال أمير حسين ربيع بعد أن فهم أن الأمريكيين سوف لن يساندوه في مخططته. ووفقا لبرقية دبلوماسية من وزير الدفاع هارولد براون فقد “كانت هناك مناقشات داخل الجيش الإيراني للعمل بشكل وثيق مع بعض الزعماء الدينيين“.
وفي 10 فبراير، اندلع قتال عنيف في قلب القاعدة العسكرية دوشان تابه في طهران بين الحرس الإمبراطوري والطلاب من القوات الجوية. ونتيجة هذا الانقسام داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية، تشجع آلاف الثوار-من الإسلاميين والشيوعيين والماركسيين، ولكن أيضا الليبراليين- ليتحدوا حظر التجول وليستولوا على عدة وزارات في العاصمة. وفي اليوم التالي، أعلن الحرس الإيراني حياده في الصراع، ما سمح بعودة الخميني إلى إيران للاستيلاء على السلطة.
في 11 فبراير، أرسلت السفارة الأميركية في طهران آخر برقية دبلوماسية للبيت الأبيض جاء فيها: “الجيش يستسلم والخميني ينتصر“. في 1 نيسان عام 1979، تم إعلان الجمهورية الإسلامية، واضطر رئيس الوزراء شابور بختيار إلى الرحيل إلى المنفى.
وأشار المؤرخ أندرو سكوت كوبر أنه: “بعيدا عن الطمأنة، فقد دمرت هذه المهمة السرية للولايات المتحدة الروح المعنوية للمسؤولين الإيرانيين المواليين للغرب والذين أرادوا فعل كل شيء لمنع الإسلاميين من الاستيلاء على السلطة، لكنهم دفعوا حياتهم ثمن ذلك، فقد تعرض الجنرال أمير حسين ربيع وزملاؤه للتعذيب قبل أن يتم إعدامهم“.
مصدر (1) (2)