بسام بربندي وتايلور جيس تومبسون
في آذار عام 2011، بعد بدء الثورة في سوريا بثلاثة أيام، زار سكرتير المجلس الأعلى للأمن في إيران، سعيد جليلي، دمشق، في زيارة غير معلنة، حاملا معه رسالة واضحة: لا تستسلموا للربيع العربي في سورية. قابل جليلي بشار الأسد وكبار مستشاريه ليقترح عليهم إقامة ما أسماه (الستار الحديدي) مع إيران وروسيا ضد المؤامرة الغربية في المنطقة. وافق الأسد على العرض.
عكس سياسة والده القائمة على لحفاظ على مسافة من هذا الحليف الإيراني .
يتفرّج العالم، الآن، كيف يزداد التأثير إيراني على سورية ولبنان و على تحسّن موقفها المساومة مع الغرب. وحسب المخطط الإيراني فإن هذه العملية ستؤدي إلى استغناء جميع الأطراف عن بشار.
في أثناء عملي كدبلوماسي في الخارجية السورية،حضرت في بداية عام ٢٠٠٨ عشاء عمل مع امير موسوي الذي كان نائب الرئيس احمد نجاد والذي سيعين لاحقا سفيرا لإيران في سورية ، قال لي آنذاك: “نحن رجال الثورة الإيرانية زهوراً زرعها محمد ناصيف”، كان ناصيف المستشار الأقرب لحافظ الأسد، وحتى وقت قريب، كان مساعد نائب رئيس الأمن. لقد أشار السفير الموسوي بكلمته هذه على التعقيدات في العلاقة الإيرانية السورية في السنوات الخامسة والأربعين الأخيرة.
يفرض الدستور السوري على رئيس الجمهورية أن يكون مسلماً. ولكون حافظ الأسد من المذهب العلوي، كان عليه أن يضع حداً لأي سؤال حول شرعيته الدينية. وجد الفرصة في موسى الصّدر، وهو عالم شيعي إيراني له تأثير كبير في لبنان. لقد دعم الأسد صعود الصّدر، وفي المقابل، أعلن الصّدر أن كل العلويين هم أخوة للمسلمين الشيعة في إيمانهم وأصدر فتوى عام ١٩٧٣ تنص ان العلوين جزء من الطائفة الشيعية. و لاحقاً، اقترح الصدر على الأسد أن يلتقي شخصاً إيرانيّاً شيعيّاً ذو تأثير كبير، وهو الخميني، الذي كان منفيّاً آنذاك في العراق، رأى الأسد مصلحة استراتيجية في دعم حليف مستقبلي في المنطقة، فدعمه و مجموعته بما يحتاجونه من معلومات و تدريب و مال والدّعم. كانت سورية الدولة العربية الاولى التي اعترفت بحكومة ما بعد الشاه في إيران ودعمتها في صراعاتها في الثمانينات وخاصّة في صراعها ضد صدام حسين في العراق.
ومنذ ذلك الوقت تم بناء حلف شيعي علوي جديد غير معلن في المنطقة وتمت التغطية عليه بشعارات العروبة و المقاومة واللممانعة.
برهنت الأزمة اللبنانية أن هناك خطوط حمراء لهذا التحالف بين إيران وسورية. إن التطلعات الإيرانية للهيمنة الاقليمية، تعني المساعدة على إنشاء حزب الله في لبنان لبناء نفوذ تابع لإيران حصرا هناك، و بنفس الوقت قام الأسد على تأسيس أقطاب تابعة له و تأتمر بأمره من كل الطوائف و الميلشيات ليبقى هو اللاعب الأوحد و الاقوى هناك و الباقي تابعين له .
وبلغ ذروة التجاذب الإيراني السوري في لينان إلى درجة الغليان في العام 1986 ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث يندلع صراع شيعي- شيعي بين حركة أمل و قوات حزب الله.
انتصرت حركة أمل في حربها ضد حزب الله بمساعدة ودعم مباشر من القوات السورية في لبنان بينما تحالفت قوات القدس الإيرانية مع حزب الله.
رسم النصر العسكري لحافظ في هذا الصراع الشيعي الحدود التيفرضتها سورية لسياسة ونفوذ إيران التوسعية في لبنان. منذ ذلك الحين، عمد حافظ إلى إبقاء مسافة بينه وبين حزب الله وإيران، اللذين لم يكلّا من السعي وراء نفوذ في المشرق العربي. واستمر هذا التوازن حتى تدهور الحالة الصحية لحافظ و بدء بترتيب الخلافة لابنه بشار، كانت هذه المرحلة هي الفرصة الذهبية التي ساقها القدر لإيران
حيث اصبح حسن نصر الله صديق بشار الشخصي و تخطت العلاقة بينهما كل الحدود التي وضعها حافظ أسد.
و قدّمت لحزب الله الفرصة للتقرب من مركز السلطة في سورية من خلال ابنه بشار.
كان “سراً” علنيَاً بيننا في الحكومة، افتقار بشار للثقة في قدراته القيادية، كان يتعلم طب العيون في لندن، وتمت تهيئته للقيادة، عقب موت أخيه في العام 1994، الكثير منا شعر بضعف استعداده لاستلام دفة القيادة في البلاد. أنشأ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، علاقة وطيدة مع بشار الأسد، سنوات قبل موت والده في العام 2000، وتقرب من بشار بطريقة كان ليرفضها والده. في اليوم الأخير للحداد الوطني بعد موت حافظ الأسد، ذهبتُ إلى اللاذقية ضمن فريق عمل وزارة الخارجية لاستقبال الزائرين الأجانب و من ضمنهم كان مجموعة كبيرة. من مقاتلي حزب الله، الذين ساروا في موكب التأبين، كان عرض التضامن العسكري هذا رسالة لبشار مفادها أن حزب الله سيكون موضع ثقة في المستقبل و رسالة لمن يهمه الامر من الدوائر الطامعة بالسلطة في سورية والتي ترى بشار غير مؤهل السلطة ان ايران تدعمه.
عانت الحكومة الايرانية من محاولتها التقرب من بشار الأسد، صعوبة أكثر من وكيلها حزب الله. لقد شاركتُ في عدة اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين و سوريين سعى خلالها الايرانيون لإقامة قناة اتصال مباشرة بين طهران ودمشق بحيث تمكن المرشد الأعلى علي الخامنئي من التنسيق مع بشار. محمد ناصيف، ومن منطلق علمه أن حافظ الأسد ما كان ليوافق على ذلك، رفض الفكرة حتى قبل أن يُعلم بشار بهذا العرض.
وكمحاولة أخرى، وضعت إيران بأيدي رجال الأعمال الشيعة السوريين ، إمكانات مالية هائلة للمحافظة على المزارات الدينية بالإضافة لشراء لأراض لبناء مدارس دينية في مختلف أرجاء سورية و نشر التشيع
ضمنت هذه السياسة تدفقاً مستمراً للنفوذ الموالي لإيران في سورية وتم شراء ولاءات النخبة السياسية و الاقتصادية و الأمنية
العديد من وكلاء ايران في سورية كانوا قد عملوا تجار حرب لصالح إيران في حربها ضد العراق بمشاركة كبار ضباط الاسد الذين استفادوا ماليا و اصبح لهم مصلحة بإبقاء العلاقة مع ايران في تطور
وساعدوا في الحصول على عقود مع الحكومة السورية ضمن خطوط الحمر التي وضعها حافظ أسد
وطوال هذا الوقت، كانت إيران لا تزال تسعى للسيطرة على بشار.
قدّمت ثورة آذار 2011، فرصة لا تعوض لإيران لتثبيت هيمنة دائمة عبر أرجاء سورية الكبرى. سرعان ما تصرّفت إيران، أرسلت السكرتير (الجليلي) إلى دمشق، أياماً قليلة بعد ما بدأ المحتجون بالتظاهر في درعا. عرض الجليلي خطة (الستار الحديدي) على الدائرة المقربة من بشار مؤكدا لهم أن لديه طريقةفعّالة لإضعاف المحتجين. شجع المسؤولون الايرانيون بشار على تجنب القيام بأي تنازلات و ذكروه كيفوا قضوا على الثورة الخضراء في ايران وان المجتمع الدولي يقف مع القوي طبعا بشار لم يكن بحاجة لأحد لاقناعه بضرورة قمع الشعب و سريعا ولكن الإيراني أعطاه الشعور ان قراره صائبا
عندما انتقلت الثورة السورية من حالة السلمية إلى قتال عسكري ، أرسلت إيران فوراّ مستشارين وقناصين وقوات خاصة لدعم بشار. و لكي يعوض عن الانشقاقات في صفوف ضباطه، قام بشار بتعبئة مقاتلين من المعسكر الموالي ومخططين استراتيجيين من إيران وحزب الله. قضى حافظ عقودا يحمي بها نفسه من توغل كهذا، إلا أنه في أواخر العام 2011، كان ابنه يائسا للحصول على صديق.
مع تصميم إيران على نهج (عدم التنازل)، كان الأسد حذراً من الدول الأخرى التي تستميله نحو الخيارات الاصلاحية. في منصف العام 2011، تلقت سورية من قطر والإمارات العربية المتحدة، اقتراحات عديدة بشأن القيام بإصلاحات رفضها الأسد كلها ( تضمنت الاقتراحات الاماراتية المنسقة مع الولايات المتحدة قيام الإمارات بدفع مبالغ تتجاوز 10 مليار دولار لتحديث الاقتصاد السوري و القيام بإصلاحات سياسية و اعادة العلاقات مع ايران و حزب الله الى حجمها الطبيعي و التعهد الخليجي بدفع عملية السلام مع اسرائيل )
اما المقترح القطري فكان يتمثل بعودة الاخوان المسلمين لسورية و تقاسم السلطة مع حزب البعث.
وتم رفض المقترحين
مع ارتفاع عدد القتلى، بدأت تركيا في عرقلة (الستار الحديدي) باقتراحها في 27 كانون الثاني، 2012، حل سياسي يقوم على تغيير الدستور بحيث يصبح النظام الحكم السياسي برلماني و رئيس الوزراء هو صاحب الصلاحيات الكبرى بالاضافة على إشرافه على جهازي الأمن العسكري و المخابرات الجوية و منصب رئيس الجمهورية يصبح له صلاحيات شرفية مع إشراف على جهازي الأمن السياسي و المخابرات العامة
وان يصبح فاروق الشرع رئيسا و الاسد رئيس للوزراء وآصف شوكت، وزيرا للدفاع ويتم انشاء لجنة لإعداد دستور جديد و انتخابات نيابية جديدة.
رفض الايرانيون الخطة، إذ لا يمكنهم أن يثقوا بأي إصلاح يطال المنصب الرئاسي أو منصب شوكت، وكذلك لم يثق الأسد بالأتراك، ولكنه كان ينوي دراسة الخيار إذ كان الصراع في تصاعد مستمر وخرج عن السيطرة من تحت (الستار الحديدي). في حلول شهر شباط، تداول بشار مع الأتراك خطتهم في محاولة منه لتخفيف ضغط الغرب.
في شهر آذار 2012، عقد الشرع اجتماعات مصالحة مع المعارضة و اعتبر ان كل القتلى هم شهداء الوطن بطريقة تتناقض مع الرواية الرسمية بوجود ارهابين
و حصل خلاف و مشادة كلامية بين بثينة شعبان و فيصل مقداد من جهة و الشرع من جهة ثانية حول مضمون كلمته
عطلت ايران هذا الاجتماع واستخدمت تأثيرها لإيقاف أي اجتماعات قادمة. كانت المصالحة تشكل تهديدا مباشراً لاستراتيجية (الستار الحديدي) الإيرانية، تهديدا بتوحيد البلاد خارج الغطاء الإيراني.
في 18 تموز، حصل انفجارٌ في دمشق، قُتل على أثره آصف شوكت، وعدد من الأشخاص الرئيسيين في الأجهزة الأمنية. استخدم الايرانيون هذا التفجير ليقنعوا الأسد أن المصالحة لن تجرّ إلا هجمات أخرى تستهدف دائرته المقربة. في المقابل، أصبح بشار أكثر تعنتا، وتجنب أي إعادة هيكلية قد تحدّ من سلطته.
في هذا الأثناء، أثبت حزب الله لبشار أنه قوة مقاتلة فعّالة. شكّلت معركة القصير في العام 2013 بصمة مهمّة في العلاقة بينهما. لثلاثة مرات، حاولت القوات السورية أن تأخذ المدينة ذات الغالبية السنية – والمحاطة بمناطق علوية – من أيدي المتمردين، ولكنها فشلت. دخل حزب الله إلى المناطق المحاصرة. ومن خلال حملات إعلامية ودعائية، أقنع حزب الله العلويين أن الأسد لم يعد يستطع حمايتهم. عندما تمكن حزب الله من دخول مدينة القصير، تبنت المجتمعات العلويةالمحيطة هذه الدعاية وتأثرت بها
استفادت إيران من هذا التفوق من خلال تأسيسها لحزب الله السوري، باستثمار كثيف في الميليشيات الموالية للحكومةالمعروفة باسم قوات الدفاع الوطني.
من خلال حزب الله وقوات الدفاع الوطني، أسست إيران لجماعات مسلحة فعالة في المستقبل في سورية.
إن هذه المجموعة من المقاتلين بالإضافة الى السكان المدنيين في هذه المناطق يمثلون معقل جديد من النفوذ الايراني في سورية. كما دفعت براميل الأسد المتفجرة عدداً كبيراً من السكان السنة إلى ترك البلاد لتغير التركيبة الطائفية لسورية
أجج حزب الله وقوات الدفاع الوطني باعمالهم الشنيعة الطائفية و اقنعوا الشيعة والعلويين أن بشار لا يستطيع حمايتهم وإنما إيران. إن هذه الاستراتيجية الآن، وضعت إيران كوسيط رئيسي للسلطة، بغض النظر عن مصير بشار الأسد.
إن توغل إيران في دائرة الأسد الداخلية يجعلها قادرة على التسبّب في انهيار نظامه.
في شهر آب وفي مقابلة مع محطة (العربية)، أعلن حسين شيخ الاسلام، وهو سفير سابق لإيران في سوريا واحد مؤسسي حزب الله
أنه لطالما ناشدت طهران بشار ضد نهجه الوحشي ضد الثورة. جاء هذا البيان متناقضاً تماما مع توجيهات إيران للحكومة السورية،.، يكشف مثل هذا الخطاب بامكانية التوصل لاتفاق دولي تتنازل فيه ايران عن بشار مع بقاء نفوذها المتمثل بسيطرتها على حزب الله وقوات الدفاع الوطني، مما يعنيالحفاظ على نفوذها في البلاد.
والآن مع اقتراب الولايات المتحدة من اعلان استراتيجيتها انه لا يمكن التخلص من داعش بوجود الاسد يبدو ان الاتفاق الايراني الامريكي بشأن سورية اصبح قريبا
وتحالف إيران مع بشار في زمن الحرب و دعمه بكل ما يريد عسكريا و ماليا ليس له أي علاقة بقرابة دينية أو ببقاء بشار في السّلطة، وإنما للسيطرة على سورية،مع أو بدون بشار.
لقد حذّر حافظ ابنه من هذا التهديد قبل موته، أي قبل الثورة بزمن طويل ولكن الله متم نوره
بسام بربندي: دبلوماسي سوري، عضو في التجمع السوري الحر، مستشار لدى المجلس السوري الامريكي.
إن هذا المقال هو نتاج جهد مشترك بينه وبين تايلور جيس تومبسون، محام دولي ومدير قسم السياسات في منظمة السورية الحرة الموحدة
نشر المقال في
http://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/a-friend-of-my-father-iran-s-manipulation-of-bashar-al-assad
all4syria