23 يناير, 2015 يبدو أن الطيش السياسي الذي ضخه نظام الملالي في أتباعه، ومن يدور في فلكه من التنظيمات والأحزاب التي تدين بالولاء لإيران، عبْر اللعب والعبث في أوراق المنطقة، وعبر استثمار الحوار حول الملف النووي مع الدول الخمس الكبار بالإضافة لألمانيا، وما يوحي بالتالي بأنه اعتراف بالنِّديّة، واستسلام لمنطق القوة وامتداد النفوذ الإيراني في المنطقة- قد أغوى تلك القوى وأوهمها أنها وحدها صاحبة الحق في اصدار الأحكام على الآخرين. فمِنْ وصْفِ حسن نصر الله للبحرين بالمشروع الصهيوني، وتشبيه ما يجري فيها بما تفعله إسرائيل في فلسطين، إلى إملاءات المتمردين الحوثيين في اليمن على السلطة الشرعية، بعد أخذ رئاسة الجمهورية بقوة السلاح الإيراني رهينة بأيديهم، ومحاولة إخضاع كل القوى في اليمن إلى ما يريده المتمردون، إلى تلك الرسائل المبطنة التي توحي بأن الحرس الثوري هو وحده المؤهل للقضاء على داعش، وإيقاف الزحف الإرهابي، حتى باتت تلك القوى التي لا تستطيع اخفاء تبعيتها للجمهورية الاسلامية تمارس دورا أشبه ما يكون بدور ابن آوى في غابة ابن المقفع التي تختفي فيها أصوات كل السباع وكأنها تذعن لأحابيل ابن آوى. في الوقت الذي تضرب فيه إسرائيل زمرة من قيادات الحزب الإلهي والحرس الثوري في الجولان لتعتذر لاحقا عما وصفته بعدم علمها مسبقا بوجود قيادات إيرانية في ذلك المكان، وكأن هنالك تنسيقا ما بين الطرفين يقضي بعدم الاعتداء، رغم كل ما تعلنه إيران على مدار الساعة من أن كل ما تفعله إنما هو من أجل محاربة الوجود الإسرائيلي. هذا الانتفاخ للدور الإيراني في المنطقة، والذي جاء نتيجة تكسُّر ما تبقى من النظام العربي، ثم نتيجة استرخاء القوى الغربية في معالجة التدخلات الإيرانية، هو ما رفع من منسوب الوهم لدى أتباع إيران، وأوحى لهم بأنهم هم سادة المنطقة الجدد، وهم سدنة السلطة فيها، وأنهم هم من يصنع ويملي ويحكم على مسارات التحول فيها دون أي اعتبار لسيادة تلك الدول. الأمر الذي فتح كل الثغرات أمام تغلغل الإرهاب الذي وجد ضالته في هذا المناخ الفوضوي الخصب، بنفس القدر الذي فضح فيه العلاقة أو على الأقل الترتيبات مع الدولة العبرية، والتي دفعت متطرفا ليكوديا كبنيامين نتنياهو لتقديم الاعتذار للإيرانيين عن تصفية الجنرال محمد علي الله دادي. إن ما تقوم به الجمهورية الإسلامية في العراق وفي لبنان وسوريا واليمن والبحرين، وما ينضوي تحته من الرسائل الخاطئة للأحزاب التي تدور في فلكها، ويُنبت لها بعض الأظافر، لا يمكن أن يوصف بأنه عمل يتجه لمحاربة إسرائيل في ظل هذه الاعتذارات وهذه السكينة التي تمنع إيران وأتباعها من الرد على تلك الضربة الموجعة، بقدر ما أنه عمل تخريبي يستهدف دفع الأقليات الشيعية إلى توهم القدرة على التحكم بمصير المنطقة، وإقصاء الآخرين، وتحويلهم بالنتيجة إلى أعداء لمواطنيهم في تلك البلدان. وقد يكلف من ينسجم مع هذه الرسائل المخاتلة فاتورة ليس بوسع إيران ولا غيرها تحمل تكاليفها الباهظة، حتى وإن كانت الغاية محاولة استفزاز القوى الأخرى لمواجهة تعسف تلك الأقليات لاستثمار أي تصرف ضدها لتطبيق ذريعة المظلومية التي طالما تم استخدامها كحجة لكسب تعاطف المجتمع الدولي معها، متجاهلين أن الإيغال في استخدام هذا الظرف التاريخي المشوه، والذي قد تميل فيه الكفة ولو على مستوى الضجيج الإعلامي لصالح إيران وحلفائها لن يخلق على المدى البعيد سوى استعداء أولئك الأتباع، ويضعهم في مقام الخصم لكل سكان المنطقة، وهو ما لم تعِهِ إيران إلى الآن للأسف، بعد أن أغوتها هي الأخرى استكانة الغرب، واستبعاده الحلول العسكرية، وتمديد أمد الحوار معها حول ملفها النووي اعتقادا منها أنها هي من يملك قرار الحسم في المنطقة. ——————- كلمة صحيفة اليوم