العلاقات الأمريكية الإيرانية ليست كما تبدو من الظاهر، فما يطفو على السطح يختلف عما هو في القاع، إلا أن هناك كواليس للتفاهمات والتعاون بل والتحالف أحياناً وفقاً لاستراتيجية ومصالح كلاهما.
ورصدت “الوطن” ملامح من تذبذب الموقف الأمريكي إزاء استمرار إيران في تصنيع المفاعل النووي ما بين تهديد تارة وتهدئة تارة أخرى، في إطار ما صرح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الأخير للكونجرس، بأن بلاده سوف تستخدم حق الفيتو في عدم تمرير أي عقوبات ضد إيران، مشيرا إلى عدم فشل الدبلوماسية الأمريكية في إيجاد فرصة لمنع إيران من امتلاكها النووي.
بدأت تداعيات الأزمة الإيرانية الأمريكية بدعم الولايات المتحدة للعراق في حربها مع إيران عام 1988، والذي أسفر عن خسائر فادحة لإيران بضرب عدد من المنشآت البترولية الإيرانية، وإسقاط الطائرة المدنية الإيرانية التي راح ضحيتها 290 شخصًا، وكان إنذارًا شديد اللهجة دفع الخميني وقتها لإنهاء الحرب مع العراق، وفي أعقاب ذلك أمر الخميني بالإفراج عن الأبحاث السرية للنووي، إذ كانت محظورة بحكم الفقه الديني لديهم، حيث سمح بإعادة تشغيل البرنامج في الحرب العراقية الإيرانية، وتمت توسعة الأبحاث بشكل كبير في 1989.
وفي المقابل، اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفا متشددا تجاه الأطراف المناوئة لها في تفعيل برنامج السلاح النووي، والتي شملت العراق وليبيا وكوريا الشمالية وإيران، فصنفتها بالدول المارقة، ولم تخضع إسرائيل “وفق المعيار نفسه” لأي ضغوط أمريكية، وكذلك الهند رفعت عنها العقوبات بعد فرضها، واتجهت الولايات المتحدة لإبرام اتفاق معها في المجال النووي، إلا أن الموقف الأمريكي تغيَّر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1993، حيث زاد التوجس من “دولة الأصولية الإسلامية” المتمثلة في إيران، فاتجهت أمريكا لسياسة الاحتواء المزدوج لجعل كل من إيران والعراق أقل قوة منها في المنطقة، إلا أن في عام 1996 أصدرت أمريكا قانون “داماتو” الذي فرض الحظر على الشركات لدى حلفاء أمريكا التي تتعامل مع إيران كنوع من فرض العقوبات عليها.
وفي عام 1997 فاز محمد خاتمي، برئاسة إيران فبدأت الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة تنظم نفسها بشكل أفضل، وتستقطب عددًا من رموز النخبة السياسية الأمريكية، سعيًا لإحداث انفراجة في السياسية الإيرانية، ما دفع الولايات المتحدة لتغيير لهجتها الخطابية الشديدة لإيران، ولكنها ظلت في صراع بين تصاعد نبرة التذمر لدى الأوروبيين إزاء العقوبات التي فرضها قانون داماتو، ومطالبة منظمات رجال الأعمال الأمريكية برفع الحظر عن التعامل مع إيران، للضرر بمصالحها من جهة، وضغوط اللوبي الصهيوني بواشنطن على إدارة كلينتون الرئيس الأمريكى وقتها، لوقف أي محاولة لتحسين العلاقات مع إيران من جهة أخرى، فى حين أعلن الرئيس الإيراني، دعوته للحوار الحضاري بين الشعبين والمطالبة بإعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه إيران.
ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتصريح الولايات المتحدة على لسان الرئيس بوش الأب وعدد من أركان إدارته بانقسام العالم إلى معسكرين أحدهما مع التحالف ضد الإرهاب والآخر مع الإرهاب، ما دفع إيران لاستنكار العمليات الإرهابية بشكل لافت تبعه موافقتها في أكتوبر 2001 على المساهمة في إنقاذ أي قوات أمريكية تتعرض لمشاكل في المنطقة، كما سمحت للولايات المتحدة باستخدام أحد موانيها لشحن القمح إلى مناطق الحرب في أفغانستان، وشاركت في الدعم العسكري لقوات التحالف الشمالي حتى سيطرت على كابول.
إلا أن حدة الصدام تصاعدت حدة الخلاف بين البلدين بعد تصنيف جورج بوش في 29 يناير 2002 كلًا من إيران والعراق وكوريا الشمالية “دولاً إرهابية تهدد السلام العالمي” وأنها تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل وتشكِّل خطرًا تزداد حدته”، ووصفه الدول الثلاث بأنها “محور للشر يسلح نفسه لتهديد سلام العالم”، ليعود مرة أخرى في الأول من فبراير للعام نفسه للقول بـ”أن تصريحاته المتشددة ضد كوريا الشمالية وإيران لا تعني الإشارة إلى التخلي عن الحوار السلمي مع البلدين”، وعقب ذلك عرضت إيران عام 2003 على الولايات المتحدة بدء مباحثات بين الطرفين ولكن رفض إدارة جورج دبليو بوش لما يسمى “اتفاق شامل” بين الطرفين وجه إليه انتقاداً حاداً من المحافل الدولية.
ورغم وصول الخلافات السياسية ظاهريًا قمتها البلدين بسبب الملف النووي، بعد اكتماله بمساعدة وكالة روساتوم الروسية الحكومية في 2011، وهو العام نفسه الذي انتقدت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجلس محافظي إيران، والتي أوضحت أن إيران أجرت البحوث والتجارب لبرنامجها النووي قبل عام 2003 على الأرجح، واستمرار إيران في برنامجها النووي، إلا أن المصالح تغير المواقف الدولية والتي تتمثَّل في بدء تحسين العلاقات الإيرانية الأمريكية، بعد رفع الولايات المتحدة الحظر على استيراد بعض السلع الإيرانية، مثل الفستق والسجاد، والذي تبعه قرار إيراني باستيراد الأدوية الأمريكية، وفي قمة الخلافات السياسية الظاهرية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن ملف إيران النووي في خلال 2008 اشترت إيران مليون طن قمح من الولايات المتحدة في العام نفسه، في ولاية جورج بوش والتي نبعت من تفهم الإدارة الأمريكية لدورها العالمي وأهدافها الاستراتيجية.
وبعد قيام الثورة التونسية والثورة المصرية 2011، قام متظاهرون إيرانيون في 15 فبراير 2011 بمسيرة مؤيدة للثورتين المصرية والتونسية ومناهضة للحكومة في طهران، فقامت قوات الباسيج التابعة للقوات الثورية الإيرانية بقمع المحتجين، وصرحت وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن الولايات المتحدة تؤيد مطالب المتظاهرين الإيرانيين الذين قاموا بمسيرة مناهضة للحكومة في طهران، ودعت في الوقت نفسه النظام الإيراني لتبني نظام سياسي منفتح، لافتة إلى أن قيادات عربية عدة تمضي في الإصلاحات ونحن ندعمها.
وعلَّق الدكتور محمد عباس ناجي، رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ”الوطن”، عن تباين الموقف الأمريكي في مراحله خلال سنوات مختلفة إزاء الملف الإيراني قائلاً: “هناك أكثر من جانب هم السبب في تباين مواقف أمريكا في التعامل مع الملف الإيراني ففرض أي عقوبات ضد إيران يهدد التفاوض الساري بينهما لتخفيض مستوى التخصيب من 20% إلى 5%، هناك أكثر من جانب سبب في تباين مواقف أمريكا في التعامل مع الملف الإيراني ففرض أي عقوبات ضد إيران يهدد التفاوض الساري بينهما لتخفيض مستوى التخصيب من 20% إلى 5%، مشيرًا إلى أن هذا قد يستفز التيار المتشدد بإيران لحث القيادة على الرجوع عن التفاوض ورفع مستوى التخصيب مرة أخرى”.
ومن ناحية أخرى لفت ناجي إلى عدم رغبة الولايات المتحدة ظهورها أمام العالم بأنها سبب تصاعد الأزمة فى إيران: “لا ترغب الولايات المتحدة أن تظهر أمام العالم بأنها سبب في تصاعد الأزمة بعد إبداء إيران مرونة في الأمر، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدر أهمية الدور الإيراني في العراق وسوريا وأخيرًا اليمن وعلاقتها بحزب الله، ما يجعل استعداءها أمرًا قد يثير المشكلات”. سنيار