يأتي ملف الفساد في إيران بوصفه أحد أهم الملفات الشائكة المتعاقبة على الحكومات الإيرانية، التي وقفت ولا تزال عاجزة عن معالجته وانتخاب أفضل السبل لمواجهته.
ولعل نظرة إلى تقرير منظمة الشفافية الدولية تدفع إلى إدراك ما وصلت إليه إيران من مستويات خطيرة من الفساد، حيث حلت في المرتبة 136 من بين 175 دولة في الفساد. وهو ما أسهم في زيادة الحنق الداخلي من تفشي الفساد الذي استشرى، حتى، كما يرى بعض نواب البرلمان الإيراني، داخل الأجهزة المناط بها مواجهته.
فكيف هي طبيعة الفساد في إيران؟ وما الخطوات والإجراءات التي تنوي حكومة روحاني اتخاذها لمواجهة هذا الملف؟
حين تتوفر عوامل من قبيل الفقر والبيروقراطية وتزايد معدلات التضخم وتدني الأجور في مقابل غلاء المعيشة، تصبح البيئة التي تعيش تلك العوامل فيها أكثر عرضة لتفشي الفساد. ولقد ظلت إيران حتى قبل ثورة عام 1979 تعاني من الفساد، ولو بدرجات متفاوتة. ورغم الشعارات التي رافقت هذه الثورة، فإن هذه المعضلة ظلت قائمة.
غير أن هناك عوامل أخرى اختصت بها الحالة الإيرانية دفعت باتجاه تفشٍّ فاحش لهذه الظاهرة، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وتزايدها خلال السنوات الأخيرة قد أسهمت في ظهور من يُطلق عليهم «المتربحون»، الذين لم يكونوا بعيدين عن التواصل مع مؤسسات النظام نفسها.
لقد جاء العنوان العريض، المتمثل في الالتفاف على العقوبات، بوصفه معبرا للقيام بكثير من التجاوزات في سبيل المساهمة في مقاومة النظام الإيراني لتلك العقوبات المفروضة. فأصبحت، كما يقول الرئيس الإيراني حسن روحاني، الرشوة تُدفع فوق الطاولة بعد أن كانت تُدفع تحت الطاولة، في إشارة واضحة لتفشي الفساد المالي في إيران، الذي لا يقتصر على ذلك، بل يتعداه ليصل إلى فساد في استغلال السلطة والمعلومات والعلاقات، في إطار الهيئات والمؤسسات الإدارية.
تأتي فترة رئاسة أحمدي نجاد، ورغم اعتبار حكومته من أنزه الحكومات التي، كما يقول نجاد، تأتي بإشراف من قبل المهدي المنتظر، بوصفها الأكثر رواجا للفساد، حيث تكشفت كثير من قضايا الفساد، ليس على مستوى الرشى بين الموظفين العاديين في المؤسسات، بل تجاوزت لتصل إلى مسؤولين كبار، بل والمقربين من الرئيس السابق نفسه. ولعل اتهام محمد رضا رحيمي نائب أحمدي نجاد دليل واضح على مدى ما شكلته حقبة نجاد من تفشّ واضح للفساد. وبالنظر إلى أهم قضايا الفساد التي كُشف عنها، تتصدر قضية الملياردير الإيراني بابك زنجاني والعضو السابق في الحرس الثوري قائمة تلك القضايا، حيث يُتهم باختلاسه مبلغ ملياري دولار. وهو الشخص ذاته الذي وُضع على قوائم سوداء غربية نتيجة اتهامه بمساعدة النظام الإيراني للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليه.
ومن القضايا الأخرى كذلك قضية رضا ضراب، التي امتدت تداعياتها لتصل إلى تركيا، والادعاء برشوة عدد من الوزراء الأتراك وأبنائهم للتستر على صفقة من المفترض فيها أن باعت إيران بموجبها غازا لتركيا مقابل أموال تم تحويلها لاحقا إلى ذهب، من خلال مصرف تركي، ونُقلت إلى إيران. كما تكبد نحو 14 مصرفا إيرانيا ما قيمته 2.6 مليار دولار نتيجة قضية فساد اتهم فيها الملياردير افريد أمير خسرو، بعد سلسلة من الرشى والتزوير والاختلاسات انتهت به إلى حبل المشنقة. كما أعلن وزير الاقتصاد أخيرا عن أن حكومته قد كشفت عن قضية غش وتلاعب في النظام المصرفي تتضمن مبلغا ماليا قدره 4 مليارات دولار.
هذه القضايا وغيرها الكثير التي وصلت حتى إلى المجال الرياضي كان لها وقع خطير على أركان النظام ومسؤوليه؛ فهل تنتفض إيران لمواجهة الفساد؟
طالب المرشد الإيراني، خلال رسالة بعث بها إلى الملتقى الوطني لسلامة النظام الإداري ومواجهة الفساد، باتخاذ قرارات حاسمة وقاطعة وعملية في مواجهة الفساد دون أي تهاون. أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد انتقد بشدة تفشي الفساد، محذرا من خطورته على الثورة، حيث قال إن المال الذي كان يُدفع تحت الطاولة أصبح يُدفع فوقها، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه، لأنه يهدد النظام في إيران. ويرى روحاني أن أي شيء لا يتم في مناخ المنافسة وتكون إدارته احتكارية يعد أمرا معيبا. كما أعلن محمد دهقان عضو الهيئة الرئاسية للبرلمان الإيراني أنه تم الانتهاء من صياغة مشروع لتشكيل هيئة خاصة لمكافحة الفساد الاقتصادي.
ويأتي التساؤل هنا: هل يمكن أن تنعكس هذه التصريحات بصورة عملية أم أنها ستواجه معضلات؟
يطالعنا رئيس السلطة القضائية آملي لاريجاني خلال الملتقى الوطني لسلامة النظام الإداري ومواجهة الفساد بحديثه الذي من الممكن أن نستشف منه مدى الإشكالية التي يشكلها الفساد وطرق مواجهته، قائلا: لقد كان في قرار المرشد الذي صدر عام 2001، 8 مواد مهمة لمواجهة الفساد، والمهم هنا أن ننظر ماذا فعل المسؤولون لمحاربة الفساد خلال الـ13 سنة الماضية؟!
إذن، تصبح عملية محاربة الفساد أمرا من الصعوبة ظهور نتائجه بين عشية وضحاها، غير أن الكشف عن عدد من قضايا الفساد لا شك سيكون له وقع مهم في تقليص هذه الظاهرة. ويمكن القول إن بوادر نتائج جهود حكومة روحاني في محاربة الفساد ستظهر بوضوح على مستوى قضايا الرشوة، على مستوى المسؤولين، أما على مستوى رشى المعاملات اليومية داخل الدوائر والموظفين العاديين، فكما هو الحال في كثير من الدول، من الصعوبة على إيران القضاء على هذه الظاهرة التي لا تنشأ من تلقاء نفسها، بل تدفع بها ظروف كثيرة إلى ظهورها وتفشيها.
لعل الوصول إلى اتفاق نهائي في البرنامج النووي، وبالتالي التخلص من الوسائل التي تُتخذ قنوات غير مشروعة بدواعي الالتفاف على العقوبات وتحسن الوضع الاقتصادي في إيران، سيسهم في جهود حكومة روحاني التي لا شك أنها لن تستطيع تحقيق هذا الأمر على أكمل وجه، فما زال الاحتكار الذي يعده روحاني مدعاة للفساد مؤثرا في إيران، ويقع تحت مصالح قوى مؤثرة فيها.
المصدر: http://www.sqqr.info/2014/12/blog-post_120.html#ixzz3MhlNe8z7