|

|
مارد الميليشيات أفلت من عقاله فمن يوقفه
|
|
|
بغداد - تغوّل الميليشيات الشيعية التي لطالما حذّر مراقبون من تضخّم دورها في العراق بفعل مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش، بدأت نتائجه تتجسّد على الأرض في تجاوزات وجرائم وموجة اختطافات تثير الهلع في صفوف سكان العاصمة بغداد.
نشرت ظاهرة الاختطافات التي برزت بقوّة خلال الأسابيع الماضية موجة من الهلع بين سكّان العاصمة العراقية بغداد حيث أعادت إلى أذهانهم أجواء مرحلة سابقة كانوا عاشوها وبلغت ذروتها بدءا من سنة 2005 حين برز بقوّة نفوذ ميليشيات شيعية واختراقها لمؤسسات الدولة وخصوصا المؤسستين العسكرية والأمنية وتوظيف مقدّراتهما في عمليات واسعة لتصفية حسابات طائفية تراوحت بين الاختطاف والتعذيب في معتقلات سرية والقتل على الهوية باستخدام السلاح الرسمي للدولة وأزياء قوّاتها المسلّحة وغيرها من الوسائل والمعدّات.
ويكاد ينطبق ذات الأمر على عمليات الاختطاف التي انتشرت مؤخرا بشكل واسع في بغداد، حيث يرتدي غالبية من يقومون بالخطف -حسب شهود عيان- الزي الرسمي التابع للقوات الأمنية ما يجعل السكان يذهبون بشكل آلي إلى اتهام عناصر الميليشيات الشيعية التي يؤكّدون أن انخراطها في الحرب على تنظيم داعش تحت مسمى “قوات الحشد الشعبي” أتاح لها درجة من التغوّل تفوق حتى ما كانت عليه في فترات سابقة.
ويذهب عراقيون إلى القول إنّ تلك الحرب منحت قادة الميليشيات الشيعية فرصة ذهبية لتحويل ميليشياتهم إلى جيـش رديف يحظى بدعم “سخي” من إيران تمويلا وتسليحا وتدريبا، وأنّ الحرب في حدّ ذاتهـا ودور تلك الميليشيات في تحقيق تقـّدم نسبي فيها، منحها مزيدا من السلطة و“المشروعيـة” باعتبارها طرفا “حاميـا ومخلّصا ومحرّرا” من تنظيم الدولة الإسلامية الأمر الذي يفسّر تصرف مقاتلي الحشد الشعبي داخل المناطق التي يدخلونها كسلطات عليا تجري “قوانينها” على السكان وتنفّذ “أحكامها” بشكل فوري على كل من تراه منتميا أو متعاونا أو حتى متعاطفا مع تنظيم الدولة الإسلامية، وكل هؤلاء من طائفة بعينها دون غيرها.
من أين يأتي الذين ينفذون الاختطافات بالأزياء العسكرية الرسمية وبسلاح الدولة وبالسيارات الفارهة
ودفع تفاقم ظاهرة الاختطاف في العاصمة بغداد حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، المهتمّة بدرء شبهة الطائفية عنها والتي كانت لصيقة بحكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، إلى تشكيل لجنة لمتابعة الظاهرة التي أرعب انتشارها سكان المدينة ويخشى أن يؤثر على سير الحياة العادية والنشاط الاقتصادي فيها بسبب خوف الناس على أرواحهم وأرزاقهم.
ورغم ما بدا من حسن نوايا حكومة العبادي إلاّ أنّ بغداديين تحدّثوا لـصحيفة “العرب” طالبين التكتّم على هوياتهم بسبب الخوف على حياتهم، عبّروا عن شكوكهم في أن تنجح جهود السلطات في الحدّ من الظاهرة التي ينسبونها إلى ميليشيات شيعية يقولون إنها بلغت اليوم من القوّة ما يفوق سلطة الدولة بحدّ ذاتها.
وتبيّن معلومات مستقاة من شهادات ميدانية أنّ الغالبية العظمى من عمليات الاختطاف نفّذها أشخاص يرتدون الزي العسكري ويمتلكون سيارات باهظة الثمن لا تكون متاحة لغير مسؤولين كبار أو قادة ميليشيات وأنها تستخدم عادة من عناصر القوات الأمنية الحكومية وعناصر الحمايات الخاصة بالمسؤولين والسياسيين الكبار في الدولة وعناصر الفصائل الشيعية التي تشكلت لمواجهة تنظيم داعش تحت مسمى الحشد الشعبي.
كذلك تناقلت منابر إعلامية عراقية قول المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن قوله إنّ “قوات الأمن اعتقلت خلال الأيام الماضية عصابات مختصة بعمليات الاختطاف استغلّت أسماء مسؤولين في الحشد الشعبي ضمن الفصائل الشيعية وهويات أمنية مزورة لتنفيذ عملياتها”.
كما شرح ذات المسؤول أنّه في إحدى عمليات إلقاء القبض على عصابة للاختطاف في منطقة الأعظمية شرق بغداد تبيّن أن عناصر العصابة المكوّنة من تسعة أشخاص يمتلكون سيارات دفع رباعي ويرتدون الزي العسكري أثناء قيامهم بالاختطاف.
ولم تسلم تصريحات معن من نقد وتشكيك من قبل عراقيين قالوا إن الرجل يشير على استحياء إلى ميليشيات الحشد الشعبي دون تحميلها المسؤولية، ويتحدّث عن مجرّد “استغلال أسماء”، فيما الحقيقة، حسب هؤلاء، أن الميليشيات بحد ذاتها مورطة في عمليات الاختطاف التي شاعت في بغداد بشكل مخيف.وتساءل هؤلاء من أين يأتي الذين ينفّذون الاختطافات بالأزياء العسكرية الرسمية وبسلاح الدولة وبالسيارات الفارهة ذات الدفع الرباعي والزجاج المظلّل. وعن اختراق الميليشيات الشيعية لمؤسسات الدولة العراقية قال بغداديون إنه متواصل في عهد حكومة العبادي وإن شيئا لم يتغير، بل إنّ الأمر ازداد تفاقما مع ما اكتسبته تلك الميليشيات من سلطات جديدة بفضل مشاركتها في الحرب على داعش.
ويستدلّ هؤلاء بالمعركة التي ظلّت قائمة حول وزارة الداخلية التي أرادت ميليشيا بدر أن تحصل عليها لقائدها هادي العامري في ظل رفض شديد من قبل فاعلين سياسيين كثر في العراق، ومع ذلك حسمت “المعركة” في الأخير لمصلحة الميليشيا ذاتها بتعيين أحد قيادييها الأقل درجة محمد سالم الغبان وزيرا للداخلية.
وكان عراقيون عزوا الحرص على عدم خروج الوزارة من يد ميليشيات شيعية إلى ما ينطوي عليه أرشيفها و“دهاليزها” من ملفّات بالغة الخطورة يُخشى أن تكشف للعموم إذا جاء وزير محايد، وتعود تلك الملفّات إلى مرحلة بالغة القتامة مورس فيها الخطف والتعذيب والقتل على الهوية على نطاق واسع.
ويستذكر عراقيون في غمرة موجة الاختطافات الأخيرة في بغداد مرحلة ما باتوا يصطلحون عليه بفترة “وزارة الدريل” في إشارة إلى وزارة الداخلية بدءا من سنة 2005 حين خضعت لسلطان ميليشيات شيعية وأصبحت مقدّراتها المادية والبشرية تستخدم في خطف العراقيين وتصفيتهم جسديا وتعذيبهم بوحشية باستخدام المثقاب الكهربائي المسمّى محليا “الدريل”.
|