حسب خبراء في الإسلام السياسي تقدم وظيفة المرجع الديني خدمة لأجندة إيرانية الهدف منها إنهاك القوة العراقية لصالح المشروع الإيراني التوسعي.
العرب [نُشر في 08/12/2014، العدد: 9762، ص(13)]
الاحتلال الأميركي للعراق مكن إيران من الهيمنة على السلطة
بغداد- لعل الأحزاب الشيعية ذات الولاء الطائفي تعتبر من أهم مظاهر أزمة العقل الإسلامي، وهذا ما أكده عديد المفكرين العراقيين والعرب في خصوص موضوع الإسلام السياسي.
فقد هرب قسم كبير من الشيعة العراقيين إلى إيران بعد قيام دولة الخميني وأنشأوا هناك “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” بقيادة محمد باقر الحكيم، وشاركوا في الحرب ضد بلدهم، وتعذيب الأسرى العراقيين.
وتقول تقارير أمنية وإعلامية وثقت ذلك التاريخ من الحرب بين العراق وإيران أن المخابرات الإيرانية قد رعت تلك المجموعات التي لجأت إليها بدافع طائفي سياسي وكونتها ليأتي اليوم الذي تعود فيه إلى العراق مشبعة بولاء طائفي يتناقض مع الولاء للوطن بل يمثل عامل تسريب وعمالة للخارج.
فقد طالب الزعيم الحالي لـ“لمجلس الأعلى للثورة الإسلامية” عبدالعزيز الحكيم العراق بدفع تعويضات ضخمة لإيران عن الحرب العراقية الإيرانية، وقد علق عديد السياسيين على هذه الدعوة بأنها “من النتائج السلبية لتغليب الطائفة على المصلحة الوطنية”. ولعل هذه السياسات تعد من ركائز التفكير الإسلامي في المجال السياسي.
لا يمكن طبعا عند الحديث عن التدخل الإيراني في العراق عبر رجال الدين الشيعة الذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في السياسة العراقية دون الحديث عن علي السيستاني، المرجع الشيعي المعروف في النجف والذي يرفض أخذ الجنسية العراقية إلى حد الآن. فقد أفتى السيستاني في العديد من المناسبات بفتاوى تتناقض مع مصلحة العراق بشكل تام، بل وتضر بعمق مصالحه وتضرب وحدته الوطنية.
تصل درجة الهيمنة الإيرانية على المؤسسات والدوائر العراقية إلى أن الحديث باللغة الفارسية أصبح دارجا بشكل عادي
ولا يمكن المرور دون استذكار الفتوى التي أصدرها عند الاحتلال الأميركي للعراق والتي دعا فيها العراقيين إلى عدم قتال القوات الأميركية بل ومساعدتها على إسقاط النظام ودخول الأميركان إلى بغداد. ناهيك عن الفتوى الأخيرة التي دعا فيها الشيعة إلى مواجهة السنة في الشمال بدعوى حماية المقدسات والمراقد، وهي في حقيقتها دعوة إلى القتال الطائفي الدموي الذي لم ينفك ينتشر إلى الآن في العراق الذي يتكون من طبيعة طائفية وإثنية معقدة وحساسة لأي تأجيج أو تحريض للتقاتل.
وبالتالي فإن وظيفة المرجع الديني أو الإمام في هذه الحالة ليست وظيفة دينية أو حتى سياسية، بل هي أخطر من ذلك بكثير، فهي حسب خبراء في الإسلام السياسي “خدمة لأجندة أجنبية (إيرانية) الهدف منها إنهاك القوة العراقية لصالح المشروع الإيراني التوسعي الذي هو قومي بالأساس ويستخدم الطائفية لتمرير ذلك المشروع”.
ومن المعروف حسب شهادات العديد من الأفراد الذين كانوا منتمين إلى القوات المسلحة العراقية بعد الاحتلال وإدارات رسمية وحكومية، أن الإيرانيين استخدموا المذهب الشيعي لتحقيق طموحاتهم وأهدافهم السياسية التوسعية بالسيطرة على مناطق الشيعة في العراق ولبنان واليمن، ومحاولة النفاذ إلى الخليج العربي باستقطاب العملاء وتحريكهم لإثارة الشيعة المتعايشين في أوطانهم بين حين وآخر، وذلك بتنظيم الاحتجاجات والمظاهرات والمسيرات الغوغائية، والتخريب والتدمير من فئات قليلة محسوبة على شيعة الخليج لإيهام الرأي العام بأنهم يعانون من الظلم والقهر وسلب الحقوق.
وهذا من النتائج الأولى للاحتلال الأميركي للعراق الذي أدى إلى تغلغل الهيمنة الإيرانية في العراق وبالتالي في أهم المناطق من الوطن العربي. والأهم، حسب خبراء، أن الإسلام السياسي في كل هذا المسار هو المعول الرئيسي في تأجيج الأوضاع وقض الاستقرار في الدول التي تريد إيران أن تلحق الأذى بها.
وقد أكد عديد الخبراء في علم الاجتماع السياسي أن انتشار الإسلام السياسي، وخاصة تلك النوعية التي ترتكز إلى الانغلاق الطائفي، إنما يعود إلى أسباب داخلية متكاملة مع الأسباب الخارجية لتشكيل السرطان القاتل للأوطان.
أكد عديد من شهود العيان أن قيادات عسكرية إيرانية عليا قد تواجدت ميدانيا في بعض المعارك بين جيش المالكي ومسلحي العشائر في مناطق مختلفة من العراق
فضعف الدولة وتهلهل المؤسسات، وإحساس المواطن بالتهميش والتمييز خاصة في الخدمات التي يتحصل عليها بشكل يومي، يؤدي إلى قناعة جماعية بالتخلي عن الدولة كفضاء جامع لكافة المواطنين على قدم المساواة لصالح الفضاء الأصغر والأكثر تعصبا وهو الطائفة الدينية، وبالتالي تتولد الطاقة الأولى لتحول الطائفة الدينية إلى مقدس مطلق وبالتالي نظام سياسي يجب فرضه على الآخرين باعتبارهم كفارا لأنهم غير موالين للطائفة.
هذا العامل الداخلي المتمثل في ضعف الدولة، يتكامل مع العامل الخارجي وهو وجود دولة ممولة لتلك الطائفة لخدمة الأجندة الخاصة بها، وغالبا ما تكون في هذه الحالة مجموعات عملية للدولة الممولة داخل تلك الطائفة. وهذا، حسب خبراء، هو التفسير القريب من الواقع العراقي الآن، فالطائفة الشيعية هي من المكونات الأصيلة للشعب العراقي (العربي) وقد قدمت للعراق العديد من الشخصيات المهمة في التاريخ العراقي والعربي والعالمي، ولكن التدخل الإيراني الحاد والمكثف عبر أخطبوط من رجال الدين الذين يمارسون السياسة بغطاء طائفي أدى إلى اضطراب في قضية الولاء للوطن، لتصبح لإيران أياد تصل إلى أعلى هرم السلطة في العراق.
وقد أكد عديد من شهود العيان أن قيادات عسكرية إيرانية عليا قد تواجدت ميدانيا في بعض المعارك بين جيش المالكي ومسلحي العشائر في مناطق مختلفة من العراق مثل ديالي وصلاح الدين وشمال بغداد.