منذ 43 عامًا، وتحديدًا عام 1971 سيطرت إيران بالقوة العسكرية على ثلاث جزر إماراتية كانت تحتلها قوات بريطانية، فاحتلت جزرتي طنب الكبرى، وطنب الصغرى قبل 48 ساعة من إعلان قيام الاتحاد الإماراتي، وأجبرت السكان على المغادرة إلى الإمارات تاركين وراءهم منازلهم وممتلكاتهم، بينما احتلت الجزيرة الثالثة ” أبو موسى” بموجب مذكرة تفاهم مبرمة بين حاكم الشارقة والحكومة الإيرانية تحت إشراف الحكومة البريطانية في نوفمبر عام 1971.
هذه الجزر التي تعد كنزًا استراتيجيًا وأمنيًا تمثل بالنسبة للرؤية الإيرانية عامل جذب مستمر لخلق بؤر توتر سياسي، فمع استمرار الإمارات بحث طهران على التفاوض، أو قبول إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي تؤكد طهران أنها لن تتخلي عن الجزر.
“ساسة بوست” تقف في التقرير التالي على تاريخ احتلال الجزر الثلاث وأهداف إيران من احتلالها.
كيف احتلت إيران هذه الجزر الثلاثة؟
في عام 1819 شُملت تلك الجزر الثلاث بمعاهدة الحماية الموقعة بين حكام الخليج وبريطانيا، بداية حاولت إيران، التي كانت آنذاك أكبر قوة إقليمية، احتلال الجزر عام 1904 وعام 1963 لكنها أخفقت. ثم حاولت استتباع البحرين التي صوت سكانها على عروبة الجزر في استفتاء أجري عام 1970، وبعد ذلك لم يتوانَ شاه إيران محمد رضا بهلوي عن الإعلان أنه ينوي احتلال الجزر بسبب قلقه من مفاعيل الاتحاد المرتقب بين الإمارات.
فحاول أولا إقناع حاكم رأس الخيمة صقر بن سلطان القاسمي بشراء طنب الكبرى والصغرى أو تأجيرهما، لكنه ووجه بالرفض. في حين وافق حاكم الشارقة خالد القاسمي، بعد أن أخفق في الحصول على مساندة عربية، على توقيع مذكرة تفاهم مع إيران برعاية بريطانية، ونصت على تقاسم السيادة على أبو موسى وعلى اقتسام عوائد النفط فيها، دون اعتراف إحداهما بمزاعم الأخرى تجاه الجزيرة.
وقبل خمسة أيام من الانسحاب البريطاني المحدد في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1971
اقتحمت إيران بالقوة العسكرية جزر طنب الكبرى والصغرى.
بينما أنزلت قوة عسكرية ونشرتها في أبو موسى عملا بالاتفاق مع حاكم الشارقة، واستمرت مفاعيل اتفاق تقاسم السيادة في أبو موسى حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلا أن حكام إيران في عهد الجمهورية الإسلامية في إيران قرروا بعد انتهاء حرب الخليج الأولى مع العراق توسيع الاستخدام العسكري لجزيرة أبو موسى، فنصبوا فيها صواريخ مضادة للسفن وأقاموا فيها قاعدة للحرس الثوري وفيلقا بحريا. ثم بدؤوا بمضايقة البعثة التعليمية العربية وحظروا دخول أفرادها إلى الجزيرة دون تأشيرة إيرانية. وأخيرا خيروا سكان الجزيرة العرب بين الطرد وقبول الجنسية الإيرانية.
ما أهمية هذه الجزر الإستراتيجية والأمنية؟
تتميز هذه الجزر بموقع إستراتيجي هام، فجزرتي طنب الكبرى والصغرى قريبة من مضيق هرمز الذي يشكل بوابة للخليج، وتحتل الجزر مركز رقابة قوية على هذا المضيق الذي تمر به ناقلة نفط كل اثنتي عشرة دقيقة، ولذلك فإن القوة التي تسيطر على هذا المضيق تتمكن من التحكم في الطريق التجاري للخليج العربي، وكان ذلك من أبرز الأسباب التي دفعت نظام شاهنشاه لاحتلال الجزر. في حين تمثل الموارد الطبيعية لأبو موسى وموقعها سببًا لاهتمام الإيرانيين بها.
ويرى سايمون هندرسون، وهو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في دراسة سابقة، إن إيران لن تقبل التحكيم الدولي في قضية الجزر الثلاث بسبب أن تلك الجزر تحتل أهمية قصوى في تدابير إيران الدفاعية في حال أي مواجهة عسكرية بسبب البرنامج النووي الإيراني.
كما لفت هندرسون، إلى أن قائدا كبيرا في الحرس الثوري الإيراني أكد إن إغلاق مضيق هرمز هو جزء من سياسة إيران الدفاعية تجاه التهديد العسكري الأمريكي، ولا يمكن إغلاق المضيق إلا في حال السيطرة على الجزر الثلاث، حيث يقع كل من طريقي النقل البحري في المضيق، ويبلغ اتساع كل منهما ميلين مع وجود منطقة فاصلة بينهما شمال وجنوب جزيرتي طنب على التوالي، بينما تقع جزيرة أبو موسى على مسافة أبعد إلى الجنوب.
ما هي أهداف إيران من هذا الاحتلال؟
إيران تتعاطى مع قضية الجزر على أنها جزء من أراضيها، وأنه لا تملك أية قوة في العالم نزع هذه الجزر منها، وتبنت عبر 43 عامًا سياسات من شأنها ترسيخ هذا الوضع، ولكن التحدي الإيراني هنا موجه للمملكة العربية السعودية بالأساس وللولايات المتحدة الأمريكية، مفادها “أن حدود إيران أقرب إليكم مما تظنون، وأوراقنا التي نملكها للضغط عليكم كثيرة ومتعددة، ولكننا من يحدد متى نستخدمها وكيف نستخدمها.”
وهدفت إيران من وراء هذا الاحتلال إلى فرض وجودها الإقليمي في المنطقة بعد نهاية حرب الخليج الثانية وتدمير آلة الحرب العراقية، وذلك للخروج من حالة العزلة الدولية التي تعاني منها إيران منذ قيام الثورة الإسلامية، مما أثر سلبًا على دورها التقليدي في المنطقة، كما تهدف إيران من وراء هذا الاحتلال إلى إشعار الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغربية أن أي ترتيبات سياسية أو أمنية في المنطقة لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن مشاركة إيجابية لإيران، القوة الإقليمية الكبرى والوحيدة في المنطقة. كما تهدف إلى إعلام دول الخليج بضرورة التعاون الكامل مع طهران لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، وذلك بإعطاء إيران دورًا في الترتيبات الأمنية في المنطقة، وأن استبعادها من إبرام أي مفاوضات أمنية، يعني بالضرورة أن الأمن الإقليمي لا يمكن أن يتحقق في منطقة الخليج.
ما هو موقف إيران والإمارات من حل النزاع بالطرق السلمية أو القانونية؟
لجأت الإمارات العربية إلى الطرق السلمية لحل النزاع، سواء كان ذلك بدعوتها لإيران للجلوس على طاولة المفاوضات أو عبر الوساطة الدولية من خلال بعض الدول العربية أو من خلال الجامعة العربية التي لم يختلف واقعها في ذلك الزمان عن واقعها الحالي.
وعرضت الإمارات القضية على مجلس الأمن إلا أن مجلس الأمن قرر استنادًا للمادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنه ” يجب على أطراف نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطرق المفاوضة والتحقق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجئوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارهم”.
وبعد مداولات حاولت فيها الدول العربية الوصول إلى قرار بالإدانة وانسحاب القوات الإيرانية من الجزر تم اللجوء إلى المادة سالفة الذكر وقرر المجلس إعطاء مهلة ودعوة الأطراف إلى تسوية النزاع بالطرق السلمية، فكانت السبب في مزيد من التعنت والمماطلة الإيرانية و رفضها لأي طرح تفاوضي يدعو إلى الانسحاب من الجزر الثلاث.
تقدمت الإمارات العربية المتحدة أيضا أمام هذا التعنت الإيراني باقتراح بعرض النزاع على التحكيم الدولي بجميع أشكاله سواء كان ذلك عبر محكمة العدل الدولية أو عبر أية جهة قضائية ترتضيها إيران إلا أن إيران كما يقول الخبراء تعلم مسبقًا بأن أي تحكيم قانوني دولي للنزاع في ظل ضعف أسانيدها القانونية كان سيفضي لا محالة إلى الحكم بمشروعية السيادة الإماراتية على الجزر الثلاث لما يتضمنه الملف الإماراتي من أسانيد وحجج قانونية سوف تؤكد الحق الإماراتي بالجزر الثلاث.
أين تقع هذه الجزر وما الذي يميزها؟
أولا :جزيرة أبو موسى :
تقع جزيرة أبو موسى على بعد (94) ميلا من مدخل الخليج العربي (مضيق هرمز) قبالة ساحل إمارة الشارقة، وتبعد عن مدينة الشارقة على الساحل الغربي للخليج العربي بحوالي (45) ميلا تقريبا و (50) ميلا تقريبا عن الساحل الشرقي للخليج.
والجزيرة ذات شكل طولي تبلغ مساحتها حوالي (35) كيلومترا مربعا.
تمتاز الجزيرة باعتدال مناخها صيفا ودفئها شتاء حيث تهطل عليها الأمطار في فصل الشتاء فتنبت فيها الأعشاب الصالحة للرعي، وتحتوي أراضي الجزيرة على معادن كثيرة أهمها البترول وأكسيد الحديد الأحمر وكبريتوز الحديد.
يقطن الجزيرة حوالي ألف وسبعمائة نسمة جميعهم من العرب الأصليين الذين ينتمون إلى القبائل العربية في الساحل الغربي، ويعمل معظمهم في مجال الصيد والنقل البحريين. وإلى جانب السكان الأصليين يسكن الجزيرة بعض أبناء الدول العربية الذين يعملون في مجال التدريس والصحة، وبعض الآسيويين الذين يؤدون أعمالا خدمية، وفي السنوات الثلاث الأخيرة شجعت إيران موظفيها في الجزيرة على استقدام عائلاتهم للسكن والإقامة فيهما.
ثانيًا: جزيرة طنب الكبرى :
وهي إحدى الجزر التابعة لإمارة رأس الخيمة، وتقع هذه الجزيرة على مدخل مضيق هرمز إلى الشمال من جزيرة أبو موسى وتبعد عنها حوالي (50) كيلومترا، وتبعد عن رأس الخيمة بمسافة ( 75) كيلومترا وعن الساحل الشرقي للخليج مسافة (50) كيلومترا، تبلغ مساحتها حوالي ( 20) كيلومترا مربعا.
يتوفر في الجزيرة معدن النفط، وتوجد بعض الأجهزة الخدمية كالمدارس والعيادات ومركزا للشرطة وفنارا لإرشاد السفن العابرة للخليج أقيم عليها عام 1912 بموافقة حاكم رأس الخيمة آنذاك سالم بن سلطان القاسمي.
وقبل احتلالها كان يسكنها حوالي سبعمائة شخص من العرب الذين ينحدرون من قبائل تميم وحريز، وقد قامت إيران بتهجيرهم قسرا إلى رأس الخيمة.
ثالثا: جزيرة طبن الصغرى :
وهي إحدى الجزر التابعة لإمارة رأس الخيمة أيضا، تقع هذه الجزيرة عند مضيق هرمز على بعد (10) كيلومترات غرب الجزيرة الكبرى، تقدر مساحتها باثني عشر كيلو مترا مربعا.
تبعد جزيرة طنب الصغرى عن الساحل الشرقي للخليج العربي حوالي (45) كيلومترا، وعن الساحل الغربي حوالي (81) كيلومترا. تتكون أراضيها من تلال صخرية داكنة اللون تقع في أطرافها الشمالية.
والجزيرة مجدبة وغير مأهولة بالسكان نظرا لعدم توفر المياه العذبة فيها، يلجأ إليها الصيادون عند اشتداد الرياح وتشير التقارير الأولية لبعثات التنقيب عن النفط إلى وجود كميات كبيرة من هذا المعدن فيها
(ساسة بوست).