تدهور صحة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يمكن أن يُفجر صراعا بين أجنحة السلطة في إيران، لا أحد بإمكانه التكهن بمدى تأثيره على البلاد.
العربإبراهيم الجبين [نشر في 2014\11\08]
هل يرتبط المشروع الإيراني في المنطقة حقا بالبعد المذهبي الشيعي، أم أن البنية التي قام عليها النظام الإيراني الذي اعتمد الولي الفقيه كسلطة مركزية عليا، هو ما يحكم شكل مستقبل ومسار المشروع السياسي لطهران؟
تدهورت صحة الولي الفقيه، مرشد الثورة، علي خامنئي، ودخل مراحل الخطر الجسيم، ويتردّد أنه يحتضر، بينما يزداد القلق في أروقة الحكم في إيران حول الرجل الذي سيكون جديرا بخلافة رأس الهرم في المشروع كلّه، من يجيز المرشحين للرئاسة، ومن يتدخّل في الشؤون الدينية، ومن يفصل بين السلطات، ومن يصادق على كل القرارات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.. الولي الفقيه بالذات.
روح الله الغائبة
بغياب أية الله روح الله الخميني، والحراك السريع الذي غيّر سيرورة الثورة الإيرانية وخلافة الخميني ونقلها إلى خامنئي، تأسس نظامٌ ينقل الإمامة والولاية وراثيا بموت المرجع الأعلى، مع أنه من غير المتوقع أن يختار خامنئي خليفة له في حياته، فإنه حتى لو فعل سراّ فهذا لا يلزم الجميع بالقبول بمن يختاره الولي المرشد أثناء حياته، وبالأخص الحوزات الدينية، تأسيا بما فعله قائد الثورة الخميني، ولكن هذا الأمر كما يرى المحللون للأوضاع في أوساط الحكم الإيرانية، سيتسبب بإشكالات كبيرة، ولذلك فإن الجميع سيحرص على التكتم على أي مرشح محتمل لخلافة الخامنئي.
وفي هذه الحال، فإن الأمر في لحظة موت الخامنئي، سينتقل آليا إلى “مجلس الخبراء”، لاختيار الخليفة مع مجلس مؤقت مكون من الرئيس ورئيس السلطة القضائية وعضو في مجلس صيانة الدستور، ولكن تعقيدات النظام في إيران، تركت ثغرة خطرة للغاية، تتمثل في وجود سلطة مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يحق له أن يحلّ مجلس الرئاسة المؤقت وينزع شرعيته.
كيف جاء خامنئي
في العام 1989، بعد موت الخميني، تم الإعلان عن “مجلس خبراء”، وهو من قام بتنصيب المرشد الجديد علي خامنئي، وذلك بناء على رغبة من قبل هاشمي رفسنجاني لملء الفراغ القيادي بعد وفاة الإمام الخميني، الرواية بحسب ما قالها رفسنجاني خلال أجتماع المجلس “سمعت من آية الله شبستري نقلا عن آية الله طاهري عن حديث دار بينهما وبين الإمام الخميني بخصوص القيادة من بعده بأنه طالما أن خامنئي بينكم لا تبحثوا عن أحد”، وقال آية الله موسوي اردبيلي أمام مجلس الخبراء بأنه رأى في المنام الإمام الخميني وأن الأخير أيد اختيار خامنئي من بعده لمنصب الولي الفقيه ليرقى بذلك حجة الإسلام خامنئي خلال دقائق إلى آية الله خامنئي.
ولكن الباحث في معهد واشنطن مهدي خلجي يقول إن النخب السياسية ذات التأثير الكبير في إيران وقتها، ضغطت على المجلس للتصويت، وعدم الظهور أمام العالم بصورة تعكس الاختلاف الحاد مما قد يؤثر على صورة النظام، الأمر الذي لم يعد متوفرا الآن، فلم يعد بمقدور أحد إدعاء القدرة على الضغط بعد مرور سنوات من التناقض والعزل السياسي مارسها خامنئي نفسه ضد كل من خالفه الرأي، مثل رفسنجاني ومير حسين موسوي.
ملالي وعسكر وشعب
البعد الآخر الهام في علاقة خامنئي بلحظة ولادة خليفته، يتصل بوضع رجال الدين في إيران اليوم، فبصعود المراكز السياسية والعسكرية والأمنية، تراجع دور الملالي، ويأتي بعد هذا دور الحرس الثوري الإيراني، صاحب الصوت الأقوى في الملفات الخطرة والاستراتيجية بالنسبة لإيران، وعلى ما يبدو فإن صفقة طويلة الأمد عقدها خامنئي مع الحرس الثوري، اقتضت أن يحافظ كلٌ منهما على بقاء وسلطة الآخر دون تداخل أو تضاد، مما أطال عمر النظام، وهذا سيصعّب عملية العثور على مرشد جديد يحقق الشروط ذاتها، ويتمتع بالقوة الدينية والشعبية لخامنئي والمرونة اللازمة مع العسكر.
وهل بالفعل بقي الحرس الثوري هو ذاته الذي وافق على خلافة خامنئي للخميني ذات يوم، أم أن مراكز قوى نشأت فيه ونمت مع الزمن، ومع تكليف قيادات عسكرية بمهام كبرى في المنطقة، قد لا تكون كلمتها واحدة بشأن المرشّح القادم لدور المرشد.
الغرب والمشروع النووي
من يملك القرار النووي في إيران، ليس المؤسسة الدينية بالطبع، ولكنه قرار مشترك ما بين المرشد والحرس الثوري، وكل منهما متسلّح بقواه الشعبية والعسكرية وأيضا موقفه من الغرب، وعدائه النظري لأميركا، ولطالما قاوم خامنئي وجود شخصيات منفتحة على الغرب، واعتبرهم إصلاحيين وأبعدهم عن المشهد، من أمثال خاتمي وغيره، في الوقت الذي بدأ فيه العسكريون والأمنيون مفاوضاتهم النووية مع أميركا والاتحاد الأوروبي، بموافقة خامنئي ومباركته، وهذا التوازن الدقيق من الصعب العثور عليه عند شخصية معروفة وذات تاريخ يمكن أن تخلف المرشد، وفي حال كان الخليفة شخصا ضعيفا من خارج دائرة التأثير فإن قدرته على لمّ الشارع ورجال الدين ستكون ضئيلة للغاية ولن تحقق للعسكر ما يرنون إليه.
لجنة سرية وتوريث
تم إنشاء لجنة سرية، مهمتها تقييم أهلية الشخصيات المرشحة لخلافة المرشد، وستقوم اللجنة باستبعاد كل من لن يرضى عنه المرشد، وسيكون هذا متفقا طبعا مع حكمه السابق على جميع الشخصيات التي عايشها واتخذ منها مواقف معلنة عبر تاريخه السياسي، لكن هناك من يقول في إيران، إن العسكريين قد يدفعون بخيار توريث نجل خامنئي ذاته، مجتبى خامنئي، لمنصب المرشد، مع أن مجتبى لم يطرح نفسه للعمل القيادي، ويرى الإصلاحيون في إيران أن الابن أكثر تطرفاً من أبيه، ولكنه قليل الكلام، وقليل الظهور في الإعلام، وقد طوّر نفسه علميا، بحيث بلغ درجة الاجتهاد مؤخرا، مما يوحي بنيته التقدّم في سلك العمل القيادي العام، كتب عنه مازيار راد منش: “ولد سيد مجتبى الحسيني الخامنئي في العام 1969 في مدينة طهران في أسرة دينية كانت تكن الولاء لآية الله الخميني، جده الأكبر هو سيد جواد الذي كان من رجال الدين المعروفين في مشهد وأمّه هي السيدة خجسته، هو الإبن الثاني للمرشد بعد شقيقه السيد مصطفى، وله شقيقان آخران هما محسن و میثم وشقيقتان. ويذكر أن كافة أشقائه رجال دين أيضا، أمضى مرحلة الطفولة في شارع نایب السلطنة بالقرب من مدرسة علوي وبجوار منزل أسرة هاشمي رفسنجاني في أطراف ساحة أذربيجان بطهران وتتلمذ في مدرسة علوي فاجتاز كافة المراحل الدراسية فيها قبل وبعد الثورة”، ومن المعروف أن مجتبى خامنئي شارك بنفسه في الحرب على العـراق في الثمانينـات.
وسبق لمجتبى أن استغلّ نفوذ والده في الانتخابات التي شارك في الإشراف عليها، وأدى انحيازه لجانب أحد المرشحين إلى احتجاجات كبيرة، كان منها رسالة كروبي إلى المرشد خامنئي في 20 يونيو من العام 2005 والتي جاء فيها إنه “بالرغم من أن مواقف سيادتكم شفافة ولكن هناك أنباء تتحدث عن دعم نجلكم الموقر، السيد مجتبى، لأحد المرشحين، كما سمعت بعد ذلك بأن أحد كبار الشخصيات أبلغكم بأن (ابن السيد يدعم فلان) فرددتم عليه (إنه ليس إبن السيد بل هو سيد) لذا هذا القول يدل على أن الدعم المذكور كان نتيجة من السيد مجتبى الخاص”.
المرشحون لدور المرشد
في حال لم يحدث انقلاب عسكري في إيران، بين مراكز القوى في الحرس الثوري، فإن تفاهما قد ينشأ بين مجلس الخبراء والعسكر، ليتم التوافق على شخص يتابع نهج خامنئي، ونقلت الوكالات عن أحمد جنتي المقرب من خامنئي ما كشفه في مقابلة تلفزيونية من أن بعض الفصائل والقوى السياسية في إيران تحاول حالياً بسط نفوذها على مجلس الخبراء المقبل في البلاد، مشيرا إلى أن “بعض الشخصيات لديها طموحات سياسية وتريد أن تكون لها اليد العليا في مجلس الخبراء”، في ما بدا وكأنه تسريب مقصود أوحى به خامنئي نفسه كي ينبّه من يتوجب عليه التحرّك.
ما يزال الشخص الذي كان السبب في اختيار خامنئي لمنصب المرشد هو الأوفر حظا في توليه المنصب بنفسه هذه المرة، إنه هاشمي رفسنجاني، إضافة إلى آية الله محمد هاشمي شهرودي وهو الرئيس السابق للسلطة القضائية في البلاد، وآية الله محمد تقي مصباح يازدي، وكذلك آية الله إبراهيم أميني عضو في مجلس الخبراء.
وبالنظر إلى طبيعة الأداء الإيراني في السنوات الأخيرة، والذي اتسم بالكثير من المغامرة والخطوات الانتحارية سيما في سوريا ولبنان والعراق واليمن والخليج، فإنه لا يمكن التنبؤ بشكل المغامرة القادمة التي سيقدم عليها واضعو خطط واستراتيجيات إيران في حال مات المرشد فجأة.