الجديدة» هذه، كما سمّتها المجلة الرصينة، هي التي يسعى الغرب اليوم الى التوصل الى اتفاق نووي معها بحلول 24 الشهر الجاري، وهو الاتفاق الذي تسوّق له المجموعة المحيطة بالرئيس حسن روحاني على أنه سيكون في مصلحة الغرب (!) باعتباره فرصة نادرة لدعم تيار الاعتدال (ممثلاً بروحاني) في المعادلة السياسية الداخلية في وجه تيار أكثر تشدداً لا يزال يحظى برعاية المرشد (المريض) علي خامنئي. والذي كان لافتاً للانتباه نشر أخبار عن علاجه في أحد مستشفيات طهران بعد عملية جراحية أجريت له في البروستات.
تستند المجلة الإنكليزية في استنتاجها عن «نهاية» الثورة الإيرانية إلى عدد من المعطيات، لعل أهمها أن أكثرية الإيرانيين اليوم هي من جيل لم يرافق أحداث العام 1979. إنه جيل ينتسب إلى العصر وإلى أدواته التكنولوجية الحديثة ووسائل اتصاله، وهو بالتالي أكثر اهتماماً بتحسين أوضاعه الاقتصادية، بلقمة العيش والعناية الطبية الجيدة وتوافر المدرسة والجامعة لأولاده، أكثر مما هو مهتم بشعارات الثورة وتصديرها الى الجوار. إنه جيل يسعى إلى بناء بلد حديث يستطيع مواكبة الجديد الذي ينتجه العالم. كما أن الإيرانيين يعيشون اليوم في ظروف معيشية أفضل من كثير من جيرانهم، على رغم العقوبات القاسية المفروضة عليهم. لهذا تنقل المجلة عن وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو قوله إن طهران تشبه اليوم مدناً مثل أثينا ومدريد أكثر مما تمكن مقارنتها بالقاهرة أو مومباي، بل تضيف في سياق غَزَلها المفرط بأوضاع إيران، أن عدد خريجي الجامعات الأميركية في حكومة روحاني يزيد على عددهم في حكومة أوباما!
إنه إذن بلد حديث لا يجب الخوف أو التخويف منه، يمكن التعامل معه بالطرق الدبلوماسية، وليس بلداً راغباً أو مستعداً لمواجهة العالم بسبب ملفه النووي. هذا ما يريد ملف «الإيكونوميست» أن يقوله لنا. وتنقل المجلة عن أكاديمي تقول إنه مقرب من «الحرس الثوري»، أن الفريق قاسم سليماني مستعد للموافقة على اتفاق نووي مقبول، لأنه و «حرسه» ليسوا مستعدين لخوض معركة خاسرة مع الولايات المتحدة.
هذه الصورة التي تحاول دوائر كثيرة في الغرب أن ترسمها للوضع «الزاهي» في إيران لا يمكن عزلها عن الصراع الإقليمي الذي أصبحت إيران والدول الغربية تقف فيه في صف واحد في المعركة التي يجري خوضها اليوم ضد التطرف الإسلامي الموصوف بأنه «تطرف سنّي».
في هذا السبيل، هناك محاولات كثيرة لتغطية الحقائق والتعتيم عليها، مثل التعتيم الجاري على مواقف الحكومات التي تقودها قيادات سنّية في المنطقة والتي كانت واضحة ضد ارتكابات التنظيمات الإرهابية (مثل «داعش» و «النصرة») والتي يشكل نشاطها خطراً على هذه الحكومات وعلى قياداتها قبل أي طرف آخر. هناك كذلك التجاهل المقصود للدور الذي لعبته ولا تزال القوى المتشددة داخل النظام الإيراني، وعلى الأخص «الحرس الثوري» و «فيلق القدس» التابع له، في نشر الصراعات الطائفية والمذهبية وتغذيتها في المنطقة، والتي كانت سبباً مباشراً في نشأة الافكار المتطرفة من كل جانب وانتشارها. هكذا أصبح الطرف المسؤول عن إشعال النار الطائفية في المنطقة هو الطرف الذي تتم الإشادة الآن بدوره في المشاركة بعملية إطفائها.
كيف يمكن الحديث إذن عن «نهاية» الثورة الإيرانية في الوقت الذي تتسع تدخلات إيران في شؤون البلدان المجاورة بما لا يقاس حتى بما كان عليه الحال في ظل الخميني نفسه، عندما كان «تصدير الثورة» مجرد شعار ظل الإيرانيون عاجزين عن تنفيذه قبل أن تقدم لهم إدارة أوباما الغنيمة العراقية على طبق من ذهب؟
في إطار السعي المشترك لتجنب المواجهة الإيرانية الغربية، وللتغطية على مخاطر المشروع الإيراني في المنطقة، تجري محاولات من كل جانب لإظهار النظام الإيراني كواحة استقرار في وجه الاضطرابات والمخاضات التي يعاني منها معظم الأنظمة العربية. هكذا تكون القوة الإيرانية التي فرضت هيمنتها على معظم الأزمات الإقليمية قد فرضت نفسها أيضاً على العقل والقرار الغربيين. - الحياة.