وول ستريت جورنال
انتقلت العلاقات بين إدارة أوباما وإيران، اللتين تتشاركان في مفاوضات نووية مباشرة وفي مواجهة تهديد المتشددين في “الدولة الإسلامية”، إلى حالة فعالة من الانفراج خلال العام الماضي، وفقًا لكبار المسئولين الأمريكيين والعرب.
وهذا التحول قد يغير بشكل جذري ميزان القوى في المنطقة، ويهدد بعزل الحلفاء الرئيسيّين للولايات المتحدة، مثل السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وهما الدولتان المركزيتان بالنسبة لتحالف محاربة “الدولة الإسلامية”.
وينظر الزعماء العرب السنة إلى التهديد الذي تشكله إيران الشيعية باعتباره مساويًا أو حتى أكبر من ذلك الذي تمثله الجماعة الراديكالية السنية في “الدولة الإسلامية”، والمعروفة أيضًا باسم “داعش”. كما أن إسرائيل تزعم بأن الولايات المتحدة أضعفت شروط مفاوضاتها مع إيران، وقللت من دورها في منع طهران من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
وعلى مدى العقد الماضي، شاركت واشنطن وطهران في معارك شرسة على النفوذ والسلطة في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان، تمت تغذيتها من خلال إطاحة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي السابق، صدام حسين، ومن خلال قيام ثورات الربيع العربي التي بدأت في أواخر عام 2010. ويقول مسئولون أمريكيون: “إن خيار العمل العسكري لا يزال مطروحًا على الطاولة؛ لإحباط البرنامج النووي الإيراني”.
ولكن، ووفقًا لهؤلاء المسئولين أيضًا، بشرت الأشهر الأخيرة بحدوث تغيير في العلاقات بعد أن نمت أسباب التوافق بين البلدين، وأهمها تعزيز التحولات السياسية السلمية في بغداد وكابول، والعمليات العسكرية ضد مقاتلي “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا.
وقد خففت إدارة أوباما أيضًا بشكل ملحوظ من مواقفها العدائية تجاه أهم حلفاء إيران، وهم حركة حماس وحزب الله اللبناني. وقام الدبلوماسيون الأمريكيون، ومن بينهم وزير الخارجية جون كيري، بالتفاوض مع قادة حماس عبر الوسيط التركي والقطري، أثناء محادثات وقف إطلاق النار في شهر يوليو، والتي كانت تهدف إلى إنهاء الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على المجموعة الفلسطينية.
وقال مسئولون لبنانيون وأمريكيون أيضًا: “إن وكالات المخابرات الأمريكية زودت هيئات إنفاذ القانون اللبنانية المقربة من حزب الله مرارًا بمعلومات حول التهديدات التي قد تتعرض لها الحكومة في بيروت، من قبل الجماعات السنية المتطرفة، بما في ذلك تنظيم جبهة النصرة”.
وقال فالي نصر، وهو عميد كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز، والمسئول السابق في إدارة الرئيس أوباما: “هذا يدل على أنه، وبالرغم من أننا نرى تركيا والدول العربية كأقرب حلفائنا، إلا أن لدينا مصالح وسياسات تتقارب مع إيران”. وأضاف: “هذا هو الواقع الجيواستراتيجي في هذه اللحظة، أكثر منه سياسة واعية للولايات المتحدة”.
وأكد مسئولون في إدارة أوباما أنه: “لا يوجد تنسيق مباشر مع إيران بشأن سياساتهم الإقليمية، أو الحرب ضد “الدولة الإسلامية”. وقالوا أيضًا: “إن العقوبات الاقتصادية الأمريكية لا تزال نافذة ضد طهران، وحماس، وحزب الله”. ولكنهم قالوا أيضًا: “إن المفاوضات المكثفة بين الولايات المتحدة وإيران منذ العام الماضي بشأن البرنامج النووي، قد تساعد على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وتحسين التفاهم المتبادل”.
وعن هذا، قال ويندي شيرمان، المفاوض الأمريكي الرئيس مع إيران: “إن العالم، وبشكل واضح، أفضل حالًا الآن مما كان يمكن أن يكون عليه لو تجاهل قادة الدولتين هذا الانفتاح”. كما أن مسئولين إيرانيين، من بينهم الرئيس حسن روحاني، صرحوا بأنه: “قد يكون هناك مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة في الحرب على “الدولة الإسلامية”، ولكن فقط إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نووي”.
ومن جهتهم، يقول منتقدو الإدارة الأمريكية، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية: “إن البيت الأبيض عازم على إبرام صفقة مع إيران؛ ليضعها كنقطة اعتزاز في سجل السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما”.
وقال سكوت موديل، وهو ضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية، ويعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: “إن النظام الإيراني ثوري، ولا يمكن إبقاءه قريبًا جدًا منا؛ ولذلك سأكون حذرًا من تحقيق أي تقارب معه”.
وعلى الرغم من أن وحدة النخبة العسكرية الإيرانية، وهي الحرس الثوري الإسلامي، أنشأت ودربت شبكة من الميليشيات الشيعية، التي هاجمت الولايات المتحدة وقوات التحالف المتواجدة في العراق على مدى العقد الماضي؛ إلا أنه، ومنذ استأنفت العمليات العسكرية الأمريكية في العراق في أغسطس، أمر الحرس الثوري الإيراني عملائه المحللين صراحةً بعدم استهداف العاملين في الجيش الأمريكي، وتنسيق الهجمات ضد “الدولة الإسلامية” من القواعد في أنحاء بغداد والمنطقة الكردية، وفقًا لمسئولين أمريكيين على علاقة بالاتصالات الإيرانية.
وقال ضابط مخابرات أمريكي: “عندما ذهبت الميليشيات الشيعية إلى الجنرال قاسم سليماني، وهو قائد عمليات الحرس في الخارج والمعروفة باسم قوة القدس، وقالوا له: إنهم يريدون مهاجمة السفارة الأمريكية واستهداف الأمريكيين، قال لهم سليماني: لا، لا، لا. ما لم يدخلوا في المناطق الخاصة بكم، لا تهاجموهم”.
وفي الوقت نفسه، يخطط الجيش الأمريكي لتهدئة لعبه، وتجنب القيام بالدعاية لممارسة إزالة الألغام السنوية، التي ينظمها أسطول البحرية الأمريكية الخامس. وقد استخدمت هذه العملية في السنوات الماضية لتسليط الضوء على معارضة الولايات المتحدة للأنشطة الإيرانية في الخليج، وفقًا لمسئول أمريكي.
ويقول بعض المسئولين: “إن تخفيف وسائل الردع ضد إيران، قد يؤدي إلى زيادة في زعزعة الاستقرار، حيث أنه يعطي إشارة إلى الحرس الثوري بأن الولايات المتحدة لن تتخذ أي خطوات لمواجهة إجراءاته”.
ومع ذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية قد ذهبت الآن إلى ما هو أبعد من مسألة عدم إعطاء الإشارات فقط. وقال مسئولون أمريكيون: “إن إدارة أوباما مررت رسائل إلى طهران باستخدام مكاتب رئيس الوزراء العراقي الشيعي الجديد، حيدر العبادي، وكذلك آية الله العظمى علي السيستاني، وهو أحد كبار رجال الدين الشيعة في الإسلام”.
كما جعلت الولايات المتحدة أيضًا من الواضح، بالنسبة لطهران، أن الضربات العسكرية المتصاعدة ضد أهداف “الدولة الإسلامية” في سوريا، لن تتحول لتصبح ضد القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد.
وقال مسئول عسكري أمريكي كبير يعمل في العراق: “الولايات المتحدة تريد التركيز على داعش، وهي قلقة بشأن معاداة الإيرانيين، مما قد يتسبب بقيام الميليشيات الشيعية في العراق بالرد ضد سفارتنا ومصالحنا هناك، وإفشال المحادثات النووية”. وأضاف: “الولايات المتحدة تعبر في اجتماعات رفيعة المستوى عن أنها لا تريد أن تفعل أي شيء يمكن تفسيره من قبل الإيرانيين على أنه تهديد لنظامهم”.
وسعت واشنطن لسنوات لإضعاف قوة حزب الله السياسية والعسكرية في لبنان من خلال العقوبات، وبدعم الأحزاب السياسية المنافسة في بيروت، ولكن التهديد الذي تشكله “الدولة الإسلامية”، وجبهة النصرة، وغيرها من الجماعات السنية المتطرفة في لبنان، قد غير من ديناميات الأمن هناك، وفقًا لمسئولين أمريكيين وعرب.
كما أن التعامل الدبلوماسي غير المباشر لإدارة أوباما مع حماس أغضب إسرائيل والدول العربية الحليفة، وقد جادل مسئولون إسرائيليون وعرب أن هذه التعاملات تعزز حماس على حساب القيادة الفلسطينية المعتدلة، بقيادة محمود عباس.
هذا، وقد حدد الجانبان أواخر نوفمبر موعدًا نهائيًا لإبرام اتفاق شامل يهدف إلى الحد من برنامج إيران النووي، مقابل تخفيف العقوبات الغربية. ويقول مسئولون أمريكيون: “إن آفاق تحقيق اتفاق هي نصف ممكنة فقط، وإن التوترات بين الجانبين قد تثور بسرعة في حال فشل الدبلوماسية”.
المصدر