منذ سنوات قريبة كتبت عدة مقالات متوالية عما كان يحدث في القطيف آنذاك من مظاهرات، وقيام أشخاص محدودي العدد من إخواننا الشيعة هناك بالتأليب والدعوة إلى الفوضى، وقلت إن المنتظر من (عقلاء القطيف وفقهائها) وهم كثر أن يتدخلوا، ويقولوا لهؤلاء المؤلبين المستفزين بأنهم يسيئون أول ما يسيئون للشيعة أنفسهم، وأنهم يغررون بالشباب ويخدعونهم بشعارات واهمة كاذبة في إساءة واضحة للحمة الوطنية، ولوحدة الوطن، ولتآلف طوائفه وتعايشهم، وكنت أعول في القيام بهذا الدور على نخبة من الإخوة هناك، وبعضهم أعرفهم شخصيا، وأعرف عمق وطنيتهم وسعة معرفتهم، وروعة وعيهم، وهم فقهاء ومثقفون وباحثون كبار، وتلا ذلك أن ألقيت محاضرة في أحد المنتديات المهمة هناك، وقبل نهايتها قام أحد الشباب يسألني ساخرا من مقالاتي: هل من الممكن أن تقدم لنا وصفة لنكون (عقلاء)؟ فقلت جادا: بألا تطيعوا من يدعوكم إلى فوضى الشارع، ولا من يدفعكم إلى الإخلال بالأمن، وأن تتأكدوا بأنفسكم من موقف إخوانكم السنة الذين يعارضون ويشجبون، بل ويسفهون كل صوت نشاز يدعو إلى أي أمر ضدكم، وأن أي شعور عدائي تشعرون به لا يصدر إلا من فئة متطرفة جاهلة، يحاربها السنة كلهم، والدولة تحاربها، بعد أن وصلت إلى الإرهاب وتكفير مسلمين من السنة.
وبعد ذلك صدرت بيانات، موقعة من بعض الرموز هناك، تدين الأعمال الإرهابية التي حدثت في العوامية، في الوقت الذي كان فيه نمر النمر يهز أعواد المنابر علنا، مؤلبا ومحرضا ضد الدولة، وداعيا إلى الفوضى، بل وساخرا متهكما ببعض رموز الدولة، وخطبه ومقولاته موجودة عبر اليوتيوب، وتم تناقلها على نطاق واسع بين مواقع شيعية، وقنوات إيرانية أشادت بها، وكان المفترض عند هذا الحد الذي وصل إلى دخول إيران على الخط، أن يبادر خطباء وفقهاء آخرون من نفس المذهب والمدينة، للرد على النمر، وتسفيه ما يدعو إليه، وتنوير الشباب الذين غرر ويغرر بهم، وحثهم على الحرص على وطنهم، ووحدته، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، فاضطرت الدولة إلى القبض على النمر، الذي قاوم حتى رجال الأمن، وتسليمه للجهات المختصة، التي تسلمت قبله عشرات من السنة ومن مناطق مختلفة، ووجهت إلى كثير منهم نفس التهم التي وجهت للنمر، وصدرت عليهم أحكام تعزيرية مطابقة للحكم أو مشابهة له، وعلى إثر ذلك الحكم القضائي الابتدائي بحقه، خرج عشرات من شباب القطيف، الذين غرر بهم النمر حتى اقتنعوا بفكره، مرددين ذات الشعارات التي كان يرددها على أسماعهم، وذات المطالبات الفوضوية، وعلى الضفة الأخرى تدخلت إيران بإعلامها شانة حملة على المملكة بل ومهددة، ومعها حزب الله وأتباعه، باعتبار الحكم طائفيا، مع أن داخل إيران عشرات السنة الذين تحاكمهم إيران وتحكم عليهم بالقتل أو السجن حقاً أو ظلما، ولم تقل المملكة يوما ولا إعلامها أن تلك الأحكام طائفية، والمشكلة ليست هنا، المشكلة أن أحدا من رموز الشيعة في القطيف لم يتدخل، ويستنكر تدخل إيران وحملة إعلامها، ولم يتحدث إلى الشباب هناك ويوضح لهم أن سلوكهم خاطئ، وأنهم يسيئون لأنفسهم وللوطن، وهذا الصمت لا شك غريب، فحتى لو أن البعض يرى أن النمر مظلوم، فليوضح للشباب أن الفوضى وشق الوحدة الوطنية وشتم رموز الدولة، ليست سبيلا لرفع مظلمة أو مطالبة بحق، وإنما هناك سبل قانونية ونظامية، ثم إن الحكم ابتدائي لم يأخذ الصفة القطعية، وحتى لو أخذها فهو تعزير وليس حدا، والأحكام التعزيرية لا يمكن تنفيذها بدون موافقة ولي الأمر الذي من صلاحيته إلغاؤها أو تخفيفها، ثم حتى لو تمت الموافقة على التنفيذ هل ستفيد الفوضى أو تدخلات إيران في شيء؟ هذا ما كان ينبغي توضيحه للشباب هناك، سيما أن لبعض رموز إخواننا الشيعة تجارب مريرة مع إيران التي لها أهداف سياسية توسعية عدوانية، والطائفية إحدى أوراقها المهمة التي تستخدمها لإقناع الدهماء، فلا تخدع العقلاء والواعين الصامتين من أحبائنا وإخواننا فالإرهاب ملة واحدة، ولنحذر إيران والصمت، فكلاهما خطر!! - مكة.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video