وصل التشيع في القارة الإفريقية حدا بات معه يشكل ظاهرة دينية واجتماعية متكاملة، وفي عدد من بلدان القارة أصبح يتجه إلى أن يصبح ظاهرة سياسية، بفعل رفع بعض المطالب الخاصة بالفئات المتشيعة، وهو ما يجعل بعض المؤسسات الدينية السنية والتقارير المواكبة ترفع أصوات التحذير من توسع التشيع في إفريقيا، والتمهيد للتغلغل الإيراني.
ويأتي تقرير»التشيع في إفريقيا ـ تقرير ميداني» الذي أصدره اتحاد علماء المسلمين، الذي سبق أن أبدى عزمه على إنشاء لجنة لتقصى الحقائق بخصوص النشاط الشيعي التبشيري بين المسلمين في العالم، لكي يرسم صورة شبه متكاملة عن النشاط الشيعي في بلدان القارة، بناء على تقارير صادرة داخل إيران، وعن مؤسسات دينية في البلدان الإفريقية.
جاء التقرير في 750 صفحة ملونة ومرفقة بصور ورسوم توضيحية، وهو حصيلة ما تجمع للجنة من حقائق عن 32 دولة في أفريقيا، بسبب أنها تشهد هذا النشاط التبشيري أو تصدره للدول المجاورة، وتم إنجاز هذا التقرير من خلال فريق عمل ضم 40 باحثا ميدانيا وضعت لهم خطة واستبانة موحدة حتى يكون العمل متسقا ومتكاملا.
وقدم التقرير ملخصا عاما لنتائج الإستبانة التي وضعت كأساس للدراسة عن النشاط الشيعي في البلاد السنية، تناول حجم النشاط التبشيري وتاريخ بدايته والجهات المنفذة والمشرفة عليه والوسائل المستخدمة في ذلك، والنتائج التي ترتبت على هذه الجهود التبشيرية، كما تناولت الدور الإيراني السياسي في هذا التبشير الشيعي، وتعرض لاختراق التبشير الشيعي لبعض الطرق الصوفية في القارة.
وقسم التقرير البلدان الإفريقية إلى أربع مجموعات، حسب قوة النشاط الشيعي فيها. المجموعة الأولى ضمت بلدان غرب إفريقيا، والثانية همت بلدان وسط القارة، ثم مجموعة بلدان شرق القارة، وأخيرا بلدان شمال إفريقيا.
ويرى التقرير أن التشيع يصل إلى مستوى الظاهرة في ثلاث دول، هي نيجيريا حيث «التشيع منتشر وله وجود منظم، وهي أكثر بلاد أفريقيا من حيث انتشار التشيع ووجود توتر بين الشيعة والسنة». والدولتان الأخريان هما غانا وتونس. وإذا اعتبرنا نيجيريا وغانا من دول غرب أفريقيا التي استقبلت منذ وقت سابق المهاجرين اللبنانيين، وظهر فيها نشاط محدود للجالية هناك، فقد يبدو لافتا وجود قوة شيعية ذات أثر في تونس، حسب معدي التقرير.
أما الدول التي يصل فيها النشاط الشيعي إلى مستوى الظاهرة من حيث الجهود المبذولة والمؤسسات من مدارس ومساجد وحسينيات وبعثات دراسية، مع تحُل محدود إلى المذهب الشيعي، فهي: سيراليون وكينيا وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وتنزانيا وجزر القمر والمغرب والجزائر. بينما هناك دول يوجد فيها نشاط ملموس ومتزايد للتشيع ولكنه لم يتحول إلى كونه ظاهرة، لا في المؤسسات ولا في اعتناق أهل البلاد للمذهب، وهي: النيجر وبنين ومالي والكاميرون والكنغو والسودان وأوغندا. أما الدول التي لا يعد النشاط الشيعي فيها ملموسا أو ظاهرا و»لا يمثل ظاهرة لا في مؤسساته ولا في معتنقيه» فهي توغو وليبيريا وموريتانيا وتشاد وجيبوتي والصومال وموزمبيق وإثيوبيا وغامبيا والغابون وغينيا بيساو وبوركينا فاسو.
وانتهى التقرير إلى محصلة مفادها أن التشيع في تزايد ملموس في القارة الإفريقية، وأن النشاط الشيعي تواجهه ردود فعل رسمية خجولة، إذ غالب الدول الأفريقية تسمح به، ما عدا الدول التي تعاملت معه في وقت من الأوقات على أنه مشكلة أمنية مثل نيجيريا ومصر.
ومن حيث الأسباب التي تقف وراء انتشار التشيع في بلدان إفريقيا، أرجعها التقرير إلى مجموعة من العوامل، منها الفقر والجهل اللذان تعانيان منهما القارة، ويفسحان المجال للنشاط الدعوي الشيعي القائم على منظومة متكاملة من العمل الخيري الطبي والتعليمي، والإفادة من انتهاء الحرب الإيرانية العراقية أواخر ثمانينيات القرن الماضي في توجيه جزء من عوائد النفط إلى النشاط الدعوي بإفريقيا، وتراجع النفوذ العربي في القارة، والرضى الأمريكي والفرنسي عن النشاط الشيعي في دول إفريقية ذات غالبية مسلمة، لا سيما نيجيريا وغانا وإريتريا وكينيا والسنغال وغيرها، والتضييق على العمل الخيري الخليجي السني في القارة بعد أحداث 11 شتنبر 2001، وضعف دور الجامع الأزهر في إفريقيا. ومن الأسباب والعوامل التي تسمح بانتشار التشيع في بعض البلدان، ذكر التقرير قوة الاتجاه الصوفي ومدى انتشاره في بلدان القارة الإفريقية، حيث تسعى إيران إلى نشر أفكارها من خلال هذا الغطاء في عدد من البلدان، كالسودان ومصر والمغرب. علاوة على الحب المتجذر في بعض هذه البلدان لآل البيت. المساء.