سعد بن طفلة العجمي
تواترت تصريحات غالبيتها من المؤسسة العسكرية بإيران حول قدرات إيران العسكرية وهيمنتها على منطقة الشرق الأوسط من اليمن وحتى شرق البحر المتوسط، وقد أثارت مثل تلك التصريحات التفكير حول أبعادها وأسبابها في هذه الفترة.
تأتي التصريحات- وبالذات العسكرية منها- في وقت تشهد فيه المنطقة حروبا لم تتوقف منذ عقود: الحرب العراقية-الإيرانية ثم غزو الكويت وتحريرها ثم غزو العراق واحتلاله الذي قاد إلى دخوله في اقتتال أهلي بشع والربيع العربي الذي أصبحت الثورة السورية كابوسه الذي لا ينتهي، ناهيك عن حروب إسرائيل واعتداءاتها المتكررة على لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي وعلى غزة منذ 2008، وبالتالي فالتصريحات العسكرية الإيرانية تعكس واقعا عسكريا ملتهبا، وطموحا إيرانيا نوويا مازال يصطدم بحواجز الدول الكبرى وإصرارها على عدم امتلاك إيران للقنبلة النووية، فهي تصريحات تذكيرية بضخامة الدور الإيراني بالمنطقة.
لكن تصريحات العسكر بإيران تحاول التغطية على إخفاق عسكري إيراني كبير بالعراق بسقوط غربه وشماله بشكل مدو وسريع في يد تنظيم داعش الدموي، فقد جاء سقوط جيش المالكي الذي يدار إيرانيا كصدمة لأوساط الاستخبارات الإيرانية التي طالما تبجحت بمعرفتها بكل صغيرة وكبيرة بالعراق، بل إن صحيفة الجارديان وصفت قاسم سليماني –قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني –يوما بأنه الحاكم الفعلي للعراق، كما كتب المفكر العراقي رشيد الخيون مقالا يستجدي فيه الوالي الإيراني على العراق –قاسم سليماني- بأن يرأف بالرعية وأن يرحم أحوال الشعب بالعراق.
جاءت خسارة مناطق شاسعة بغرب العراق وشرق سوريا لتقطع على إيران امتداداتها البرية بالوصول لمناطق نفوذها بسوريا ولبنان برا، بل إن المناطق المتوسطة بين العراق وسوريا أصبحت مناطق مدوّلة بتحالف دولي يلعب العرب دورا عسكريا أساسيا فيه وذلك لأول مرة، فالمشاركة العسكرية الأردنية-الخليجية بالحملة العسكرية على داعش تعني أن العرب- أو لنقل بعضهم- أصبحوا طرفا في صراع العراق وسوريا والذي كان يفترض أن يكون صراعا عربيا بحتا لولا تدويل نظام الأسد لذلك الصراع باستجلاب الحرس الثوري الإيراني ومقاتليهم بلبنان- حزب الله، وأتباعهم بالعراق –كتائب أبو الفضل العباس وتزامن كل ذلك مع تشجيع الطرفين السوري والإيراني للقاعدة بالعراق أثناء الاحتلال الأمريكي لها، ثم لداعش بسوريا لاحقا.
الدخول العربي (السني) بالقتال ضد داعش (السنية) التي تستهدف ذبح الشيعة وإبادتهم هو رسالة واضحة يفهمها كل عراقي (شيعي): العرب السنة بالأردن والخليج دخلوا الحرب ضد أعدائكم بينما نددت إيران (الشيعية) بالحرب على داعش رغم تقديمها المساعدات الرمزية الاستشارية والعسكرية حفاظا على أكثر من شعرة لمعاوية: الأكراد وحكومة العبادي العراقية الجديدة التي لم تكن اختيار طهران حصرا، وحرصها على عدم الغياب الكلي من ساحة صنع الأحداث بعد أن ينجلي غبار المعركة.
خسرت إيران الهيمنة على معظم العراق، وخسرت الطرق البرية الموصلة لحليفيها الأهم بدمشق وبيروت، ولم يكن العبادي- رئيس الوزراء العراقي المقبول خليجيا- خيارها الأول، وتدور معارك دولية على حدودها بالعراق، أما حليفها بسوريا فأراضي بلاده تقصف من كل حدب وصوب بقصف يشارك فيه الأردن وعرب الخليج، وتركيا أعلنت انضمامها لحلف قصف داعش بسوريا والعراق، ولبنان الذي كان حزبها –حزب الله –المهيمن الأول فيه، ضاعت هيبته وكثر مناوئيه بعد تورطه المكلف بالقتال بسوريا، وفقد آخر أوراق الصدقية بأنه حزب مقاوم، لينكشف كفيلق بالحرس الثوري الإيراني تديره بوصلة طهران حيث تشاء.
أما اليمن، فقد هللت إيران ومؤيدوها لسقوط عاصمته بيد الحوثيين، وهو سقوط ضمن سلسلة من السقوط المتكرر المؤلم لهذا البلد المنكوب بالدكتاتورية والفساد والاقتتال قبل إيران وأحلام تصدير ثورتها، واليمن- على رغم جراحاته العميقة- لم يكن يوما لقمة سائغة لأحد عبر تاريخه، والوهم الإيراني بأنها هيمنت على اليمن، ما هو إلا وهم عمق الأزمة التي تعيشها بعد ضعف قبضتها في سوريا ولبنان وتراخيها بالعراق لأسباب خارجة عن إرادتها، ولعل هذا ما يساعد على فهم التصريحات الغير مبررة من قبل المسؤولين الإيرانيين- خاصة العسكرية منها، بأنها تهيمن على المنطقة من شرق المتوسط وحتى باب المندب فالمثل الشعبي يقول: “من أكل بيديه الاثنتين، غصّ”، وهذا ما غصت به إيران.
تعيش إيران أزمة اقتصادية بالداخل، ومشاكل متعددة تحاول تصديرها للخارج مكررة بخطبها الرسمية مدى استقرار أوضاعها الداخلية بمناسبة وبدون مناسبة، وهو قلق اختزله الرئيس التنفيذي لتويتر بتغريدة له على خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني بالأمم المتحدة قبل أيام حين قال: “استمتعنا يا فخامة الرئيس بمتابعة خطابك عبر حسابك على تويتر، فمتى يستمتع الشعب الإيراني معنا بذلك؟”، في إشارة منه إلى منع تويتر والإعلام الاجتماعي بإيران.
لإيران قوة عسكرية إقليمية لا يستهان بها، ولها دور إقليمي لا يجب إغفاله بأي حال من الأحوال، لكن هناك أصواتا إيرانية تعكس “فرعنة” غير مفيدة لإيران ولا لجاراتها، والمطلوب العمل على “عقلنة” الدور الإيراني باعتبار عدة عوامل أهمها تنسيق وتوحيد المواقف الخليجية الذي لو تم لأصبحت دول الخليج قوة هامة على كافة المستويات، فالتصريحات الإيرانية بالهيمنة الإقليمية مردها “يا طيبك يا فلان، قال من ردى ربعي”.
وثانيها استعادة الدور المصري القيادي الذي من شأنه خلق توازن استراتيجي هام، وتنسيق أعلى بين تركيا القلقة ودول الخليج الحائرة، بأمل أن تتخلى تركيا-أردوغان عن سياسة التوتر والتدخل غير الحصيف في الشأن المصري الداخلي، فالتنسيق المصري-الخليجي-التركي من شأنه أن يساهم في عقلنة السياسة الإيرانية، حيث إن للجميع –وأولهم إيران- مصلحة في استقرار الأمور وتسويتها بين دول المنطقة بعيدا عن تصريحات الهيمنة غير الواقعية.
يمن جورنال – الشرق القطرية