محاولات تصدير الثورة الإيرانية كثيرة، ولم تكن لنشر التشيع، بل هي محاولات لقلب الأنظمة وخلق قلاقل باسم الأقليات الشيعية التي اندمجت مع مجتمعاتها لقرون في بعض الدول العربية.
العربعماد أحمد العالم [نشر في 2014\09\20]
هل حقا أكره إيران؟ أو لنقل بصيغة الجمع لا المفرد، كفرد عربي سني يمثلني الملايين من نظرائي الذين تنتابهم تلك المشاعر المتضاربة أحيانا، في لوم نفسها عن نقمتها تجاه مواقف الجمهورية الإسلامية (وليس إيران)، التي يقوم على حكمها مجموعة من رجال الدين أو ما يُعرف بالحكم الثيوقراطي منذ أربعة عقود؛ أم أننا نكره سياسات إيران التي احتلتها الثورة الإسلامية عام 1979، وابتدعت فيها تصدير ما يسمى بالثورة الإسلامية التي ما خفتت منذ اندلاعها حتى الآن. الدلائل بإمكاني التذكير بها حتى لا أتهم بالتجني وبث نار الفرقة أو التهمة الجاهزة التي طالما فرقتنا وهي محاربة الإخوة من الشيعة، وهم بلا تملق أخوة الدم وشركاؤنا في كل وطن عربي حملوا جنسيته.
في البداية كانت الحرب العراقية الإيرانية من نتائج تلك السياسة، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، رغم أن العراق وفي سنوات ما استضاف الخميني ورعاه في منفاه به. تزامن ذلك مع التدخل الإيراني في لبنان، ومحاولتها تأسيس دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية عبر حركة أمل، التي تلاها في الدور حزب الله الذي جيّش أتباع طائفته وخلق كيانا مسلحا داخل لبنان، يفوق في تسليحه جيش الدولة نفسها. فرض نفسه على الاستقرار عبر كيان لا يقوم التوافق إلا بالعبور من خلاله، أو بما يتوافق مع توجهات السفير الإيراني في بيروت.
الدليل هو عبر تصريحات قديمة للسيد حسن نصر الله قال فيها: “إن انتماءنا ليس للبنان وإنما لولاية الفقيه في طهران”، وبهذا يكون قد كسر نظام القانون في الدولة وأقام دولة مسلحة داخل الدولة ولاؤها ليس للبنان، وإنما للطائفة التي ينتمي إليها، لتنتفي شعارات المقاومة، التي منها اكتسب شعبيته لدى الجماهير بكافة انتماءاتها وطوائفها.
في اليمن، أنشأت إيران ميليشيات الحوثي ودعمتها بالمال والسلاح، واستضافت عناصرها الذين دربهم الحرس الثوري الإيراني، ليعودوا في ما بعد كقوة مسلحة تثير القلاقل، بدأتها بمناوشاتها الفاشلة مع المملكة العربية السعودية، ومحاولاتها إثارة الفتنة في جنوبها، ففشلت بعد تصدي الجيش السعودي لها، فانتقلت لقتال الجيش اليمني الذي أشغلته عن حفظ الأمن في الدولة واستهلكت طاقته ومقوماته في حربها. قتل أيضا وبسبب ذلك المئات من اليمنيين وادعى الحوثيون أنهم ممن سموهم بالتكفيريين، فيما هي كانت توغل جراحا عانى منها الشعب اليمني ولا يزال.
في الآونة الأخيرة، دعا عبدالملك الحوثي أتباعه للزحف صوب العاصمة وإعلان العصيان المدني، واضعا إياهم في مواجهة أغلبية الشعب والجيش، وفي أتون إشعال حرب داخلية لن يعرف اليمن بسببها استقرارا، مسلحين بما بعثته لهم إيران من عتاد وأسلحة كشف عنها الرئيس اليمني، وضرب بأحدها مثالا السفينة المرسلة التي تم اعتراضها، وفيها أسلحة تكفي للقضاء على أربعين مليون يمني على حد وصفه.
في العراق، وما إن أُسقط حكم البعث، حتى تحول إلى ساحة خلفية لطهران أوصلت الموالين لسياساتها للحكم، وأنشأت ودعمت وجيشت الميليشيات الشيعية المسلحة كعصائب أهل الحق وجيش المهدي وفيلق بدر وأكثر من أربعة عشر فصيلا مسلحا، أوغل جميعها في الحرب الأهلية وبث الفرقة بين سنة العراق وشيعته، فانتشرت التفجيرات والقتل على الهوية والتهجير على الطائفة، حتى تحولت مدن العراق إلى كانتونات مسلحة ممتنعة عن العيش المشترك الذي طالما حظي به العراقيون، ليكون حصيلة القتلى ما يزيد عن المليون قتيل لم يستثنَ منهم طفل أو امرأة ولا كبار السن.
عودة إلى السعودية، نذكر حوادث التفجير الإرهابية التي حدثت في أحد مواسم الحج، حيث راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف حاج في نفق المعيصم وأصيب أكثر من عشرة آلاف، واعترف المجرمون بإلقائهم لمواد كيماوية سببت هذا العدد الكبير من الضحايا الذين جاؤوا لأداء حجة الإسلام. في عام 1989، حدثت المجزرة التي لم تغب عنها أصابع إيران في الحرم المكي ونشرت حينها الصحف الإيرانية صورة علقت عليها بعبارة: “هنا مرقد أولياء الله الصالحين”.
في سوريا أعلنت إيران منذ اللحظة الأولى وقوفها مع نظام بشار الأسد، وأمرت حزب الله بالدخول في المعركة وكذلك الميليشيات العراقية الشيعية وحرسها الثوري، وتحملت نفقات حرب الحرية السورية حتى لا تخسر إحدى أذرعها التي دعمتها في المنطقة، وعملت من خلالها على تقويض الإجماع العربي بحجج الممانعة والمقاومة.
في البحرين وعبر مسرحية دوار اللؤلؤة دعمت إيران الانقلابيين وحاولت قلب نظام الحكم، كما أنها تحتل جزرا عربية ثلاثا من الإمارات وترفض أي مفاوضات بشأنها أو حتى الاحتكام إلى محاكم دولية.
لم تسلم الكويت من المؤامرات الإيرانية، وتعرض أميرها الشيخ جابر الصباح عام 1985 لمحاولة اغتيال فاشلة على يد انتحاري من حزب الدعوة العراقي المدعوم إيرانيا، واتهمت الكويت صراحة إيران بوقوفها خلف العملية بسبب وقوف الكويت مع العراق إبان حربه مع إيران.
مثال آخر، هو الأحواز العربية التي احتلتها إيران بتواطؤ بريطاني في 25 أبريل عام 1922 والتي كانت دولة عربية معروفة تزيد حضارتها عن سبعة آلاف عام، ومع ذلك ألغيت وطُمست هويتها العربية بشكل كامل، مع أن سكانها قبائل عربية صرفة.
الأحواز سلة الغذاء التي يرزح أهلها تحت فقر منهجته الدولة الفارسية مع تنعمها بخيرات الإقليم ومقوماته، ورغم ذلك يمنع استخدام اللغة العربية والأسماء والمناداة بكل ما هو عربي أو إظهاره فيها، ويُعاقب بموجب ذلك قانون مُستحدث لإذلال السكان وسجنهم وإعدامهم.
محاولات تصدير الثورة الإيرانية كثيرة، ولم تكن كما يُدعى لها لنشر التشيع، بل هي محاولات لقلب الأنظمة وخلق قلاقل باسم الأقليات الشيعية في بعض الدول العربية التي اندمجت مع مجتمعاتها لقرون وتعايشت ونالت حقوق المواطنة دون تفرقة.
إجابة على السؤال الذي طرحته في أول المقالة أقول: لسنا نكره إيران ونتمنى السلم الإنساني معها ونطمح لجوار حسن العلاقة معها، كما بالطبع نحب إخوتنا من المسلمين الشيعة، ولكننا نكره سياسات ساسة متطرفين، ورجال دين ضالين ومضللين زرعوا الشوك في علاقاتنا معهم، واستغلوا المذهب في تجييش العامة المُغيبة المُحاطة بفتاوى التكفير والقتل لضمان تنفيذ سياساتهم.
كاتب عربي مقيم في السعودية