كتبه للمفكرة/عادل مناعانطلقت مؤخرًا وبصورة مكثفة صيحات تحذير من جماعات وهيئات سنية في السودان، بالإضافة إلى شخصيات سياسية وإعلامية تهتم لجانب الأمن القومي السوداني، تجاه تنامي المد الشيعي والنفوذ الإيراني في السودان، ما يستدعي إلقاء الضوء على مظاهر هذا المد الشيعي في البلاد وصلته بالعلاقات الرسمية بين السودان وإيران وخلفياتها السياسية.مظاهر المد الشيعي في السودان:تشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد الشيعة في السودان (الشمال) وصل إلى 130 ألفًا عام 2013، ويضم هذا العدد فئات مثقفة إلى حد بعيد، كما وصل عدد الحسينيات الشيعية في البلاد إلى 15 حسينية، بالإضافة إلى سيطرة الشيعة على عدد من المساجد والزوايا بمختلف أنحاء السودان.ويعمد الشيعة في السودان إلى توسيع الانتشار الأفقي وعدم التمركز في منطقة بعينها، فلهم وجود في العاصمة الخرطوم والنيل الأبيض وكردفان.ويمر شمال السودان بعملية اختراق ثقافي شيعي منظم، حيث يتم الترويج للغة الفارسية والمذهب الشيعي عن طريق المستشارية الثقافية الإيرانية في الخرطوم، وتوطد علاقتها بالصحف ووسائل الإعلام السودانية، وحتى المؤسسات الدينية الرسمية في البلاد كانت عرضة لهذا التقارب المسموم.واستطاعت المستشارية الإيرانية الترويج للمنهج الشيعي عن طريق إنشاء المكتبات العامة ومدها بالكتب الشيعية، ما أدى إلى تشيع عدد كبير من الطلاب السنة في السودان.أبعاد التقارب السوداني الإيراني:يعتبر تنامي المد الشيعي في السودان إفرازًا للتقارب بين حكومة الخرطوم والدولة الإيرانية الشيعية القائمة على أصول الشيعة الإمامية الاثنى عشرية.ولم يكن هذا التقارب وليد اللحظة، حيث إن لإيران محاولات قديمة لبسط نفوذها في السودان عن طريق توطيد العلاقات على أسس المصالح المشتركة، إلا أنه لم يلق استجابة واسعة النطاق إلا في السنوات الأخيرة مع التحولات السياسية الكبيرة في المنطقة.ففي عام 2008م وقَّعت الدولتان اتفاقًا للتعاون الأمني والعسكري، وبعدها بعام واحد بدأت الزيارات المتبادلة بين أعضاء الحكومتين تتوالى، ودانت الحكومة الإيرانية مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بشأن الرئيس عمر البشير، لترد الحكومة السودانية لها الجميل بتأييدها المشروع النووي الإيراني.وكان التعاون الاقتصادي له حظ وافر في العلاقة بين البلدين، عن طريق بناء المصانع والتصنيع النفطي الذي ترعاه إيران، وغير ذلك من صور التقارب التي لا يتسع المقام لسردها.أسباب ودوافع:لقد كان لكل من البلدين دوافعه وأهدافه في هذا التقارب، يخدم مصالحه.السودان:نستطيع إيجاز دوافع وأسباب قبول السودان بالتقارب الإيراني في تلك النقاط:1 – معاناة السودان للتهميش العربي، وخاصة دول الخليج والتي لا تكترث لوضع السودان.2 – كسر العزلة الدولية التي فرضت على السودان بسبب شرودها عن التبعية لأمريكا.3 – انقسام السودان والذي أدى إلى وجود دولة في الجنوب مدعومة من "إسرائيل" وحليف له، ما فرض تحديات ومخاوف أمنية جديدة بالنسبة لحكومة الخرطوم.4 – كسب حليف دولي بقوة إيران وما لها من نفوذ في المنطقة.5 – ازدادت حاجة الخرطوم إلى ذلك الحليف بعد سقوط حليفها الأقوى في المنطقة وهو نظام الرئيس المصري السابق محمد مرسي، والذي كاد أن يفرض أجندته على العلاقات السودانية الإيرانية.فالدوافع السودانية إذا لا تتجاوز إطار المصلحة لكسر العزلة وتأمين الحدود.إيران:وأما إيران فلها دوافع مذهبية واقتصادية وأطماع سياسية إقليمية نوجزها أيضًا في تلك النقاط:1 – حشد التأييد لبرنامجها النووي وكسر العزلة المفروضة عليها بسببه المشروع، مستغلة مشاعر العداء لأمريكا.2 – حصار ثورات الربيع العربي لسوريا حليف إيران الأول، دفع إيران لوجود تحالف مع قوى عربية بعيدة عن رياح الثورة، رغم أن هذا الحصار قد بات واهنًا اليوم بسبب فشل معظم هذه الثورات.3 – تخفيف الضغط الاقتصادي على الدولة الإيرانية النابع من الحصار، عندما تجد سوقًا لتصدير النفط مثل السودان، ويتيح لإيران التعامل الاقتصادي بغير عملة الدولار سعيًا في خلق وضع اقتصادي عالمي جديد يخفض من هيبة الدولار الأمريكي.4 – تأمين وصول إيران إلى الممرات المائية، حيث يضمن لها نفوذها في السودان حرية الحركة في شرق أفريقيا للوصول إلى مضيف باب المندب أحد أهم الممرات المائية في العالم، والذي يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب.5 – النفور العربي في قارة آسيا من السياسات الإيرانية، جعلها تبحث عن تقارب مع دول عربية في قارة أفريقيا.6 – وأما أهم الأهداف الإيرانية لذلك التقارب على الإطلاق، فهي تصدير الثورة الخمينية ونشر المذهب الشيعي، والذي يحرك السياسة الإيرانية دون أدنى شك، وعندما تستطيع إيران نشر المذهب الشيعي وتغليبه في السودان، فهي قد استطاعت بذلك فرط العقد السني في تلك المنطقة.مخاطر تنامي النفوذ الشيعي الإيراني في السودان:إن تنامي المد الشيعي في السودان السني من شأنه أن يزيد من احتمالية نشوب صراع طائفي في البلد الذي لا تهدأ، بالإضافة إلى استغلال أطراف خارجية منها جنوب السودان و"إسرائيل" هذا الصراع في تقويض دولة الشمال.كما أن من شأن هذه النفوذ الإيراني الشيعي، أن يؤزِّم العلاقات بين السودان وبين الدول العربية على وجه الخصوص بدول الخليج التي تعاني من تنامي نفوذ إيران في المنطقة.موقف أهل السنة في السودان:الحكومة السودانية تقف صامتة إزاء تنامي المد الشيعي في السودان، مدفوعة كما سبق بتقاطع المصالح مع إيران، إلا أن أهل السنة في السودان يضغطون بشكل كبير على الحكومة السودانية حتى تلفظ الوجود الشيعي الإيراني.فالمؤسسات الدينية السنية والجمعيات التابعة لأهل السنة تقوم بدور مهم في مواجهة المد الشيعي من خلال تنظيم حملة موسعة لمواجهة انتشار المذهب الشيعي، حيث تنظم تظاهرات ضد زيارات القيادات الشيعية، وتعقد مؤتمرات وندوات للتوعية بخطر الشيعة.كما تقوم تلك المؤسسات بالحشد الإلكتروني لمواجهتهم، حيث تم تأسيس العديد من الصفحات المناهضة للشيعة على موقع "فيس بوك"، أبرزها صفحة بعنوان "معًا لمواجهة المد الشيعي في السودان"، حيث وصل عدد المشتركين فيها إلى ما يقرب من 10 آلاف مشترك، بالإضافة إلى عدد من الصفحات الأخرى المناهضة للشيعة بعدد مشتركين أقل نسبيًّا.يقظة أم مناورة:ويبدو أن حكومة الخرطوم قد بدأت تلتفت للغضب الشعبي الرافض للوجود الإيراني الشيعي وتمدده، حيث قامت الحكومة أمس الاثنين بإغلاق المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم وكل فروعه المنتشرة في الولايات.وطلبت السلطات السودانية طلبها من الملحق الثقافي الإيراني وطاقمه المعاون، مغادرة البلاد خلال 72 ساعة فقط، فيما تتحدث تسريبات صحافية محلية عن كون ذلك القرار نابعًا من قلق الحكومة السودانية من التحذيرات التي أطلقتها الدوار الدينية والإعلامية حيال انتشار الفكر الشيعي بين الشباب. فهل تكون هذه الخطوة بداية المسار الصحيح الواعي للحكومة السودانية وإدراك حجم أخطار المد الإيراني الشيعي في السودان، أم هي مناورة وإجراء تكتيكي تسكن به غضب أهل السنة؟ هذا ما تجيب عنه الأيام القادمة.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video