وجه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل دعوة بتاريخ 13/5/2014 إلى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف للتفاهم. فقد ذبحوا سنة العراق وأخذوا السلطة والثروة في بغداد، على الأقل يتركون سنة سوريا يعيشون فنسبتهم ثمانون بالمئة من السكان. لكن وزير خارجية إيران اعتبر دعوة السعودية له ركوعا وتنازلا ورد على المملكة بتعالي وغرور قائلا بأنه لا وقت لديه للقاء الوزير السعودي في الرياض.
كان عند إيران تفاهم مع الأفعى الرقطاء تنظيم الإخوان المسلمين على تقاسم المنطقة العربية، لهذا رفعت السعودية يدها من الموضوع. لا تستطيع المملكة ربط السنة بحبل أكثر من عشر سنوات وهم يُقَتَّلون ويُذبحون. تريدون ذبح سنة العراق وسوريا تفضلوا قاتلوهم بأنفسكم. السعودية تحمي حدودها فقط ولا تلوموا المملكة على ما سيحل بكم.
ماذا جنى سنة سوريا من اعتدالهم الإسلامي وسماحهم لأقلية علوية نسبتها عشرة بالمئة تحكمهم نصف قرن؟ ماذا كانت النتيجة؟ تحالف الأقليات مع الفرس والشيعة لإبادتهم حتى طردوا ستة ملايين سوري سني من البلاد. وماذا جنى سنة العراق من التسامح مع الأقليات؟ في الفترة العثمانية نشط الفرس في عتباتهم المقدسة من كربلاء والنجف بالتبشير الشيعي الديني وتحولت نسبة الشيعة من خمسة بالمئة إلى خمسين بالمئة خلال قرنين فقط. وخلال مئة عام انفجرت نسبة الشيعة في بغداد من عشرة بالمئة إلى ثمانين بالمئة. النتيجة كانت بعد ثلاثمئة سنة فقط هي تهجير السنة واعتبارهم أقلية وإبادتهم.
الصفويون والعثمانيون منذ البداية اتفقا على إبادة سنة العراق. الدولة العثمانية سمحت بالتبشير الشيعي مقابل الضرائب التي يدفعها الإقطاع والفلاحون. لأن العثمانيين أرادوا من العراق الأموال فقط ولم يكن يهمهم الإنفاق الثقافي على العشائر المستوطنة في الجنوب، بينما الصفويون أنفقوا على العقيدة والدين وبذلوا الغالي والنفيس. الشيء ذاته يحدث اليوم. الإخوان المسلمون العثمانيون يريدون حصتهم من المال البترولي العراقي فقط والصفويون يريدون التبشير الديني العقائدي في البلاد. أردوغان يدعم الإخوان ولا يدعم السنة والفارق كبير جدا.
المشكلة كانت سياسية في العراق، لهذا كنا نطالب برحيل المالكي. غير أن إصرار إيران على تهميش السنة جعلتنا نطالب اليوم ببقاء المالكي. لم تعد المشكلة سياسية ولا تعنينا الحكومة العراقية كلها في شيء. صعود نجم البغدادي معناه شيء واحد هو أن المشكلة أصبحت رمزية وعقائدية. الحرب اليوم هي حرب وجود وهوية وثقافة، وهي ليست مشكلة عراقية على الإطلاق. الحدث تجاوز العراق بسبب إيران فهي مشكلة سنة العراق وسوريا معا. لم يعد ممكنا إنقاذ أطفال الفلوجة وترك أطفال حلب. انها حرب مقدسة مفتوحة. لقد بذلت المملكة العربية السعودية كل جهودها كممثل للسنة في العالم لحل هذه المشكلة بالتفاوض السلمي السياسي غير أن جهودها ذهبت أدراج الرياح بسبب الغرور الإيراني الغريب.
مشروع البغدادي لا يواجه خطرا أميركيا الآن، بل نقاط ضعفه هي الإخوان وقطر والأقليات، باقي ما تبقى حرب مواجهة مع إيران ومشروعها. بعد آلاف الصواريخ التي سقطت على إسرائيل بتأييد من الإخوان، لا أعتقد أن أميركا خائفة من البغدادي على الإخوان والصفويين. شاءت الصدف أن يقف حزب الله وحماس وعصائب الحق في خندق واحد، وعلى البغدادي أن يكون ذكيا ويشتغل سياسة. لا أعتقد أن الخبراء البعثيين الكبار المحيطين به يحتاجون مساعدة في هذا الأمر.
كثيرون لا يفهمون الطريقة التي أفكر بها، فكيف نعرف الحق والباطل؟ القضية ليست حقاً وباطلا فقط بل هناك شيء يمكن أن نسميه التوق إلى الوجود لا يتحقق إلا بالتوق إلى الزوال. الذي درس تحليل الخطاب الأدبي والفلسفة بعمق سوف يعلم بأن خطاب البغدادي لا يخرج من فراغ، خطاب له وقع وصدى وخلفه حقيقة وثقة. هذا معناه حتى لو أُبيدوا فإن أسطورتهم ستعيش. أسطورة الرجال المتشحين بالسواد الذين اجتمعت عليهم الأمم. إن الزمن الذي نعيشه جميعا هو زمن رأسمالي متعفن، فالتاريخ كله متهدل من الملل. من النادر العثور على جماعة تمتلك فتوة الروح، وتحن إلى القفز خارج الحياة. الفلسفة إلى جانبهم من جهتين الأولى هي الحلم والطموح، والثانية هي العيش في خطر دائم والتقحم الذي يوقظ الحواس والعبقرية.
ماذا لو كان البغدادي شخصية ليست بهذه الأبعاد التي تبهرنا؟ ماذا لو كان مجرد دمية رُسِمَتْ حدودها وأبعادها وفكرها ثم أُلقِيَتْ بيننا حتى حين؟ هل نستمر في وضعه بإطار تاريخي يثير شغفنا ويستنهض قيما للتمرد المشروع باتجاه أهداف أكثر نصاعة من حاضر مليء بالتشظي والعدم الانساني والصفر الحضاري؟ هنالك خوف من المجهول وإلا فالنتائج كانت اضعاف ما نشاهد اليوم. كل هذه المنجزات على يد عصابة مطاردة، محاربة، مراقبة، وسلاحها خفيف وليس لها قاعدة شعبية بالصورة التي يروج لها. ماذا لو كان خلفها فتاوى أو دعم دولي أو حشد كالذي نراه للميليشيات؟ ربما على البغدادي إزالة الشكوك التي تدو حوله إذا أراد الإنتشار كواقع سياسي جديد في المنطقة.
السؤال الخطير الذي يبقى حتى لو أُبيدت جماعة البغدادي، كما أُبيدت جماعة سبارتاكوس على يد الضباط الرومان هو هل أن الجيش الأميركي عنده قيم أكثر من جماعة البغدادي؟ هل الحرس الثوري الإيراني عنده أخلاق أكثر من جماعة البغدادي؟ هل الطيارون العلويون السوريون عندهم نبل أكثر من جماعة البغدادي؟ هل الميليشيات الشيعية عندها فكر أنقى من جماعة البغدادي؟ هل الصحوات عندها كرامة أكثر من جماعة البغدادي؟ هل جيش المالكي عنده شجاعة أكثر من جماعة البغدادي؟ ضابط عراقي يدعى محمد كمال الميالي يكتب على صفحته بالتواصل الإجتماعي "خلال أيام سنجعل الفلوجة كألمانيا نهاية الحرب العالمية الثانية". إن الحملة الإعلامية والتشويه الدائم الذي تتعرض له جماعة صغيرة بمفردها يجعلنا نعيد النظر اليوم بالتاريخ البشري كله، وحقيقة ما ينقله عن الفرق التي أبادتها الإمبراطوريات. ربما الأحداث نفسها تكشف لجميع المثقفين العرب ضرورة إعادة النظر في علاقة السلطة بالمعرفة.
نحن نؤسس رفضنا واختلافنا مع البغدادي على أساس الحرية، فأية حرية هذه التي نمتلكها نحن أكثر من رجل غامض كما لو أنه قادم على فرس الشنفرى وفي فمه لسان النابغة الذبياني.
"لعمرك ما في الأرض ضيقٌ على امريءٍ
سرى راغباً أو راهباً وهو يعقلُ" - أسعد البصري - ميدل ايست أونلاين.