بدايةً، لست من المؤمنين بما يسمونه "الذكاء الإيراني الفارسي"، إنها مجرد كلام على الفاضي، وربما روج له الفرس لأسباب قومية ووطنية، ليس من شك هناك أذكياء فرس، الله رزق الشعوب عقولا عملاقة على اختلاف ألوانها ولغاتها وأديانها ومذاهبها، ولكن صياغة المعادلة السابقة بمثل هذه الاطلاقة (الذكاء الإيراني/ الفارسي) يُشمّ منه الدعاية والإعلام، أو هو دليل على عجز الآخرين!
إيران اليوم متورطة في حرب طويلة عريضة، فهي تحارب في سوريا ولبنان والعراق واليمن كما يقال، ترى كم يمكن لإيران أن تستمر في مثل هذه الحرب الطويلة المدى، الحرب المكلفة؟
يقول محللون: إن أميركا تستخدم مع ايران ذات الستراتيجية التي استخدمتها مع الاتحاد السوفياتي، أي إنهاكه من الداخل اقتصاديا، فقد كانت خطة ريكان تقوم على تصعيد تسليحي عالي المستوى باهظ التكاليف ، الأمر الذي يضطر موسكو إلى أن تدخل منافسة تسليحية مماثلة من أجل توازن القوى، ولما كانت روسيا تعاني من مستوى اقتصادي هش في قبال الاقتصاد الأميركي النشط الحيوي.
فكان لتحقيق توازن القوى هذا من جهة روسيا أثره الكبير والفادح في زعزعة الأمن والاستقرار في المجالات الحيوية للاتحاد السوفياتي، أي منظومة الدول الأوروبية الشرقية التي كانت تحت مظلة موسكو، صاحبَ ذلك تحريك الاضطرابات والاعتراضات في هذه الدول، مما زاد من احتمال محافظة موسكو على منظومتها الإقليمية العالمية، فانهار الاتحاد السوفياتي تباعا، منذ ان خرجت بولونيا من الهيمنة الروسية العسكرية والسياسية وربما حتى الاقتصادية.
التجربة اليوم تتكرر مع إيران، إن داعش والنصرة كما يقول بعض المحللين السياسيين ليس لإقامة ما يسمونه حكم الله في الأرض، وإنما لتحطيم المجال الحيوي لإيران في العراق وسوريا ولبنان.
ينقل أحد السياسيين العراقيين بأنه سأل مرة مسؤولا أميركيا عن سماحهم لإيران ان تلعب هذه الأدوار النافذة في العراق عن طريق المال وتكوين المليشيات، فأجابه ما معنا ه: وإلى متى يمكن لإيران ان تلعب هذا الدور وإلى متى تستمر إيران تبذل هذه البذل؟
لا يمكن أن ينكر أحد أن أميركا استطاعت أن تُركع إيران اقتصاديا، وربما حتى وجاهيا، بعد ان سمحت طهران لمفتشي الأسلحة النووية ان يدخلوا عقرها، وبعض هؤلاء المفتشين حتما صهاينة أو متعاطفين مع إسرائيل، ولا ينكر أحد أبدا أن المجال الحيوي لإيران اليوم يتعرض للاستهلاك البشري والاقتصادي والصحي والبيئي، فسوريا لم تعد سوريا، وحزب الله يتعرض لجزر بشري مخيف، والعراق كما نرى مستهلك، ولم يعد صاحب جيش بالمعنى الحقيقي.
فهل نصدق القول بأن كل ما يجري اليوم في قلب الشرق الأوسط هو بمثابة ستراتيجية أميركية لتحطيم المجال الحيوي لإيران؟ وهل يستتبع هذا القول بأن العراق وسوريا ولبنان دفعوا ضريبة الملف النووي الإيراني؟
وأخيراً، هل ينتبه الذكاء الفارسي لتفادي مصير مظلم ينتظره وينتظر العراق وسوريا ولبنان، وبالخصوص شيعة هذه المنطقة؟
غالب حسن الشَّابندر
كاتب عراقي - ميدل إيست اونلاين.