ظلت اسرائيل في أحسن أحوالها جارة عدوة مسكوت عنها. اما ايران فان يدها تمتد إلى صحوننا من غير أن نجرؤ على الاعتراض.
بالنسبة لمن سقطوا في فخ الدعاية الايرانية ودعاية الاحزاب والجماعات الطائفية الموالية لايران والعاملة داخل العالم العربي فان أي حديث عن خطر ايراني ما هو إلا عبارة عن تضليل اعلامي اميركي ذي أصول صهيونية.
لقد تعرض الكثير من العرب طوال العقود الثلاث الماضية إلى عمليات غسل دماغ ممنهجة قامت بها أجهزة النظام الايراني مستعينة بجماعات وتنظيمات وأحزاب، سمح لها تغلغلها الطائفي بتمرير أكاذيب، كانت ولا تزال تصدر عن النظام الايراني استعراضا لموقفه من القضية الفلسطينية وعدائه لاسرائيل.
وقد يبدو الدفاع عن ايران من قبل حزب الله في لبنان أو حزب الدعوة في العراق أو جمعية الوفاق في البحرين أو بعض الجماعات المتشيعة في هذا البلد أو ذاك من البلدان العربية نوعا من التعبير عن حمية طائفية ينطلق المصابون بها مما يعتبرونه نوعا من البداهة. فهناك من يؤمن بأن ايران هي حامية المذهب الشيعي وأتباعه في العالم الاسلامي، الذي هو عالم سني لا ينظر بارتياح واطمئنان إلى سياسات ايران المذهبية. فإن تلك القناعة لا تقول إلا ما هو هامشي من الحقيقة.
فما فعلته ايران طوال العقود الثلاثة الماضية يمكن تلخيصه في نجاحها في اختراق العالم العربي من خلال زرع ورعاية وتمويل واسناد جماعات طائفية متشددة لا تدين بالولاء لأوطانها ولا لشعوبها، بل كان ولاؤها كله يذهب بشكل تلقائي وعفوي إلى ايران، الدولة المحاصرة التي انفقت مليارات الدولارات من أجل أن تكرس وجودها في العالم العربي عنصرا محوريا يتم الرجوع إليه في اية مشكلة عربية.
وهو ما يبدو جليا اليوم في لبنان وسوريا والعراق بشكل خاص.
لم تنل ايران تلك الحظوة لكونها جارة للعرب، بل باعتبارها مشاركة اساسية في صنع المشكلات التي تواجهها تلك البلدان، وهي مشكلات أقل ما يقال عنها أنها مصيرية من جهة تأثيرها على المستقبل.
فما حزب الله سوى واجهة لايران في لبنان. اما في سوريا فان البعد الايراني في الصراع لا يمكن مواجهته بالصمت. وفي العراق يبدو الوجود الايراني مشتبكا بمصير بلد كان الى وقت قريب محتلا من قبل الولايات المتحدة التي فضلت أن تنوب عنها ايران في تدمير ما تبقى منه.
تلعب ايران دورا رئيسا في اشاعة الفوضى وادامتها في بلدان لم يكن فيها الشيعة في حاجة إلى مَن يحميهم. غير أن ما تشيعه ايران ووكلاؤها في المنطقة يقول شيئا مختلفا تماما. لقد جرى التركيز على وهم العزلة الطائفية في حين أن الشيعة لم يتعرضوا للتهميش والابعاد والاضطهاد بسبب أفكارهم الطائفية، كما يجري اليوم لسنة العراق وبإشراف ايراني مباشر.
لقد نجحت ايران في استغلال البعد الطائفي وجعلته قاعدة لهدفها في التحول إلى دولة محورية في المنطقة، وهو ما لن تتمكن من القيام به اسرائيل، بالرغم من كل اتفاقيات السلام التي وقعتها دول عربية معها.
ظلت اسرائيل في أحسن أحوالها جارة عدوة مسكوت عنها. اما ايران فان يدها تمتد إلى صحوننا من غير أن نجرؤ على الاعتراض.
لإيران مقاتليها وأسلحتها ولصوصها ومهربوها ولها أيضا نوابها وسياسيوها وصحفها وقنواتها الفضائية.
وأخيرا اتضح أن لها عتباتها المقدسة التي لا تحتاج إلى استشارة الحكومات العربية من أجل حمايتها. حدث ذلك سوريا في تبرير التدخل الايراني للدفاع عن مقام السيدة زينب ويحدث اليوم في العراق دفاعا عن أضرحة الامام علي وسلالته.
كانت ايران تكذب دائما من أجل الوصول إلى أهدافها التوسعية. هناك امبراطورية فارسية نجح العرب يوما ما في محوها. وهو ما لا يغفره الايرانيون للعرب.
ولكن ألا يجدر بنا الاعتراف بأن العرب لم يكونوا جادين في مواجهة شراهة الطمع الايراني؟
كان يمكن للعرب أن يحفظوا لصدام حسين تضحيته النبيلة في التصدي للأطماع الفارسية، غير أنهم لم يفعلوا. لقد أنساهم احتلال الكويت التفكير في ايران، باعتبارها العدو الذي لا يمكن تفادي مواجهته إلا عن طريق حروب أهلية تلتهم منهم ما لا يمكن أن تلتهمه اسرائيل. - بقلم: فاروق يوسف - ميدل ايست أونلاين.