الثابت في السياسة الخارجية الإيرانية على مدى السنوات الثلاثين الأخيرة أنّها قائمة على البراغماتية الصرفة التي تمتزج بالانتهازيّة والمغالطة والزور. سياسة تضمر عكس ما تظهر، تجلّت مجمل أبعادها في علاقة إيران المزيفة بكلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأضاف تقرير للعرب اللندنية: أصبحت العلاقات الإيرانية-الأميركية-الإسرائيلية، أكثر تعقيدا بعد ثورة 1979 وفقا للسياسة الجديدة الغربية التي تمحورت على أساس توسيع مشروع الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط. فكانت كلّ من أميركا وإيران وإسرائيل بحاجة إلى الغطاء التعبوي الّذي يحقّق قيادة إيران وسيطرتها على موجة الطموح والتطلعات المتزايدة لتحرير الأراضي المقدسة من الاحتلال الاسرائيلي، التي اجتاحت الأمة الإسلامية، وفي نفس الوقت تستمر العلاقات الإستراتيجية بين ثلاثتهم ولا تتوقف عملية تبادل المصالح. وقد اتّخذت هذه الدول الخطاب الأيديولوجي والدعاية العدائية الواسعة لهذا الغرض كغطاء تعبوي، فقد بقيت علاقاتهم سرية على نحو فعّال حتى قبل الاتفاق الاستراتيجي بين الغرب وإيران تحت غطاء البرنامج النووي. وينبغي طبعا ألا ننسى دور وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية الغربية في تقديم التحاليل المخادعة والمضللة عن هذه العلاقات.
بعد مرور عام واحد على ثورة 1979، ولتنفيذ سياسته التوسعية التي كان يُسميها “تصدير الثورة الإسلامية”، أمر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله الخميني، بتحديد خرائط استقرار جيش العراق حتى 100 كم داخل العمق العراقي. وفي تصريحاته الاستفزازية التي خُصِّص لها العنوان الرئيسي لصحيفة “كيهان” الإيرانية 19/4/1980، وصف الخميني الرئيس العراقي السابق صدام حسين بـ”الفارغ من العقل والملعون الذي يريد إرجاع الأمة الإسلامية إلى عصر الجاهلية!”، وطالب الجيش العراقي بالثورة والوقوف ضده. هذه الاستفزازات العدوانية وغيرها من تصرفات مماثلة أخرى تسببت في اندلاع الحرب الإيرانية-العراقية.
منذ بداية هذه الحرب، تولت إسرائيل قيادة الدعم العسكري الغربي لإيران. ووفقا لسفير الولايات المتحدة في اسرائيل، فقد تلقت إسرائيل مرارا طلبات إيرانية لشراء الأسلحة خلال فترة الحرب، ووافقت الحكومة الإسرائيلية على الكثير منها.وعلى سبيل المثال وليس الحصر، أبلغ الكساندر هيغ، وزير الخارجية في حكومة ريغان، نظيره الإسرائيلي بالموافقة على بيع أجزاء الطائرات الحربية لإيران. وفي المجموع، اشترت إيران ما يقارب 80بالمئة من أسلحتها من إسرائيل طوال سنين الحرب مع العراق.
هذا التعاون العسكري الإسرائيلي-الإيراني بدأ من خلال شركة صادق طبطبائي، نائب رئيس مجلس الوزراء سابقا وشقيق زوجة أحمد الخميني، التي كانت حلقة الوصل بين إيران وإسرائيل. وقد زار طبطبائي إسرائيل في 6/9/1980 وانكشف ختم دخوله إلى إسرائيل على جوازه عندما ضبطته السلطات الألمانية في المطار وفي حقيبته كيلوغراما ونصف الكيلوغرام من المخدرات وتحديدا، “مادة الهيروين”. ولم يتوقّف استيراد السلاح عند هذا الحد، بل صدّر أندريه فريدل، من جهته، كميات ضخمة لإيران بالتعاون مع وزارة الدفاع الإسرائيلية بإشراف زفي رويتر، المدير المساعد في الوزارة لشؤون تصدير المعدات العسكرية. كما فتح الملحق العسكري الإسرائيلي الأسبق بطهران، خطَّ تسليح لإيران من إسرائيل، ويُعتبر دور هذا الأخير أكبر من دور فريدل، حيث وقّع صفقة أسلحة كبيرة مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي لصالح إيران.
وفي هذا السياق، تم الكشف عن التبادلات العسكرية الضخمة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة في فضيحة “إيران كونترا” الشهيرة، التي خلقت جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية. ووفقا لـ “نيويورك تايمز″ و”غلوبال سكيوريتي” فقد تمثّلت بعض هذه الأسلحة في: “2008 صواريخ تاو، 2750 صاروخ هاوك، قطع غيار الطائرات الحربية، 360طن ذخيرة، مدرعات M60، 300صاروخ AIM-9 Sidewinder ومجموعة متنوعة تعدّ أكثر من 4000 صاروخ".
وفي تقرير ملفت، كتبت “فورين بوليسي” بتاريخ 26/9/2013 عن لقاء حسن روحاني الّذي كان أحد كبار مستشاري السياسة الخارجية لحكومة إيران مع الوفد الرسمي الأميركي في فندق هيلتون في طهران27/5/1986، مؤكّدة، حسب مصادرها، أنّه لعب دورا محوريا في المفوضات الأميركية-الإيرانية آنذاك.
دمرت إسرائيل مفاعل تموز النووي في1981 قبل أن يستلم العراق الوقود من الاتحاد السوفيتي. ونفذ الإسرائيليون هذه العملية على أساس خرائط ومعلومات استخباراتية إيرانية (ساندي تلغراف 14/6/1981). والتقى مسؤولون إسرائيليون مع مبعوث الخميني قبل تنفيذ العملية بشهر واحد في باريس لتبادل المعلومات السرية. وأيضا اتفق الطرفان في حال حدوث مشاكل تقنية خلال العملية، أن تهبط الطائرات الإسرائيلية سرّا في مطار مدينة تبريز العسكري.
ونفت إيران بشدّة أيّة مشتريات للسلاح من إسرائيل في الوقت الذي أيّد فيه آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، القائد السابق للمجلس الأعلى العسكري، أنّ جزءا من سلاح فضيحة “إيران كونترا” كان مستوردا من إسرائيل، بعد أن ادّعى أنّ السلطات الإيرانية لم تعلم شيئا عن هذا الموضوع. وفي نفس السياق، تمّت محاكمة مهدي هاشمي، أخو صهر حسين منتظري وأحد مؤسّسي الحرس الثوري، وفي عام 1978 حُكم عليه بالإعدام بتهمة اغتيال آية الله شمس آبادي سنة 1976، الذي كان من بين المخالفين للخميني، وأحد المقربين لنظام الشاه. الجدير بالذكر، أنّ مهدي هاشمي هو من سرّب المعلومات السرية عن العلاقات الإيرانية-الأميركية -الإسرائيلية لصحيفة الشراع اللبنانية، والتي أدّت إلى فضيحة "إيران كونترا".
من جهته، اعترف رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق آرييل شارون في مايو 1982، في مقابلة مع قناة “إن بي سي” الأميركية، بصفقات الأسلحة التي تمّت مع إيران، وقال حينها: “مبيعات الأسلحة لإيران تترك لنا نافذة مفتوحة لإمكانية إقامة علاقات ودّية معها في المستقبل”. كما يقول آرييل شارون في مذكّراته (ص583 و 584): "شخصيا طلبت توثيق الروابط مع الشيعة والدروز، حتى أنني اقترحت إعطاء قسم من الأسلحة التي منحتها إسرائيل ولو كبادرة رمزية إلى الشيعة…لم أر يوما في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد".
يتخذ آرييل شارون وشيمون بيريز والكثير من الاسرائيليين هذه السياسة على أساس نظرية “Periphery doctrine” التي وضعها “بن غورين” و”الياهو ساسون”. وتستند هذه النظرية على إقامة علاقات قوية واستراتيجية مع البلدان غير العربية التي تحيط بالعرب لموازنة القوى لصالح إسرائيل وتقليص التهديد العربي.
استمر التعاون العسكري والتجاري بين إيران وإسرائيل بعد فترة الحرب مع العراق، وعلى سبيل المثال، أبلغت وزارة الخارجية الإسرائيلية، الأميركان بتجديد شراء النفط من إيران (Jerusalem Post1989/12/20). وقد أفادت أخبار ظهرت عام 2002 أنّ رجل أعمال مقرّب من خاتمي، الرئيس الإيراني الأسبق، قام بزيارة سرية إلى إسرائيل في محاولة لتجديد عمل أُنبوب النفط “إيلات-أشكلون” الذي تعود ملكيته إلى إيران وإسرائيل. واتفق الطرفان على أن تقوم إيران بنقل النفط إلى إيلات. الهدف من هذا المشروع كان اختصار الوقت وتخفيف التكلفة المالية لعبور الناقلات من قناة السويس. وبعد أن نقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” هذا الخبر بتاريخ 13-12-2002، قام المدير العام الحكومي المسؤول عن أنبوب النفط “ايلات-أشكلون” بنفيه وبأن تكون الحكومة الإسرائيلية هي من تقف وراء هذه المحادثات، عازيا الأمر إلى أنّه مجرد لقاء بين رجال أعمال مهتمين بالموضوع.
من المثير للاهتمام أنه في سياق الاستيراد غير المباشر للبضائع والمنتجات الإسرائيلية، تمّ تحصين سيارة الرئيس الإيراني بمعدّات إسرائيلية. وقد نقل تقرير بعنوان “محور المصالح الإسرائيلي الإيراني الأميركي” أنّ إيران اشترت 20 ألف جهاز إنذار وحماية في عام 2006 من معرض صيني كان يعرض أجهزة شركة “سونار” الإسرائيلية للبيع. وأيضا أثيرت ضجة واسعة حين استخدمت الشرطة والحرس الثوريّين أجهزة تنصّت إسرائيلية الصُنع، لقمع مظاهرات حركة الخضراء عام 2009.
ومن جهتها، نشرت صحيفة “هآرتس″ في سبتمر 1998 ما يلي: “مع علمنا بأنّ نحوم مانبار مرتبط بشكل مباشر بالموساد، إضافة إلى أنه يحتفظ بعلاقات تجارية جيدة مع مسؤولين إيرانيين. وفي الأعوام الممتدّة من 1990 إلى 1994، باع إلى إيران 150 طنّا من مادة كلوريد التايونيل، التي تدخل في صناعة غاز الخردل. كما أن مانبار قد وقّع عقدا مع الإيرانيين لبناء مصنع قادر على إنتاج العديد من الأسلحة الكيماوية، إضافة إلى مصنع ينتج أغلفة القنابل التي تستعمل لتلك الأسلحة”. وفي مقابلة مع نفس الصحيفة كشف مانبار أنه اعتبارا من 1988 إلى 1992 باع كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات العسكرية إلى إيران، عبر شركاته البولندية. وعادت “هآرتس″ لتنشر في يناير 1999، أنه كان هناك إسرائيلي آخر متورط في هذه القضية، وبين الأعوام 1992 و 1994 باعت الشركة العائدة لموشي ريجيف معدات ومواد ومعلومات وتكنولوجيات صناعة الغازات السامة وخاصة غازي السارين والخردل لإيران.
ويذكرُ أنّه تمّ الحُكم على نحوم مانبار، بالسجن لمدة 17عاما بسبب بيعه الأسلحة والتقنية العسكرية الإسرائيلية لإيران. وتمّ الكشف أثناء محاكمته عن أسامي أكثر من 170شركة إسرائيلية من الشركات التي أقامت علاقات تجارية وعسكرية مع إيران، وثُبت أنّها كانت تُعلم الحكومة الإسرائيلية بالكثير من التفاصيل المتعلقة بهذه العلاقات.
العلاقات التجارية بين كارتل عوفر وإيران، هي من أكبر فضائح العلاقات السرية بين الطرفين خلال السنوات العشر الأخيرة. حيث نقلت صحيفة “كال كاليست الإسرائيلية أن سُفن شركت “زودياك” التابعة لكارتل عوفر كانت تتردّد على موانئ إيران. أيضا انتشرت تقارير عن نقل البنزين والمنتجات النفطية من وإلى ميناء عباس وجزيرة خرج الإيرانيتين عبر سفن شركة “باسفيك” التابعة لمجموعة عوفر. بعد هذه الفضيحة، أُجبر الغرب أن يضع بعض الشركات التابعة لكارتل عوفر على قائمة العقوبات بسبب علاقاتها التجارية مع إيران. وفي نفس السياق، أعلنت “قناة 10″ التابعة للتلفزيون الإسرائيلي أنّه تم العثور على جثة سامي عوفر في بيته وقد كان ميتا. وحسب المعلومات المتوفّرة، تملك الشركات التابعة لكارتل عوفر 25 بالمئة من الصناعة الإسرائيلية.
وقد كشفت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، في تقرير مفصل لها في 5 يونيو 2011، أنه بعد تولى آرييل شارون منصب رئاسة الوزراء طلب من مسؤولين روس أن يكونوا وسطاء بين إسرائيل وإيران. وحينها انتعشت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، مشيرة إلى أنّ تعاون الأميركان ساهم في تعزيز التبادل التجاري مع إيران، علما أنّ ذلك كان خلال فترة تولى أحمدي نجاد للحكم في إيران.
وفي شهر مايو 2014، أثار تلكُّؤُ وزارتي الخارجية والمخابرات الإيرانيّتين في إرسال تقرير عن قيام 55 شركة إيرانية بعلاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل إلى مجلس الشورى الإيراني، جدلا واسعا بين حكومة حسن روحاني والبرلمان. وكان مصطفى أفضلي فرد، المتحدث باسم لجنة المادة 90 من الدستور في المجلس الإيراني، قد كشف عن علاقات بين شركات إيرانية وأخرى إسرائيلية، واتهم جهات حكومية إيرانية بإخفاء معلومات عن التبادل التجاري مع الدولة العبرية. وأكد أفضلي فرد على لزوم قطع الدعم المالي والحكومي وتوقف التدابير المتخذة لتعزيز الشركات المتورطة في العلاقات مع إسرائيل، دون أن يكشف عن الجهات الحكومية التي تدعم هذه الشركات وتريد تعزيزها وتقويتها.
التعاون في المجال النووي
قالت صحيفة “يديعوت أحرنوت أن المهندسين الإسرائيليين، من خلال شركة هولندية، شاركوا في ترميم بنى تحتية قريبة من المنشأة النووية في مدينة بوشهر الإيرانية التي تضررت من هزات أرضية. ونقلت الصحيفة عن أحد المهندسين قوله: “لقد أدهشنا حجم الفجوة بين المواجهة العلنية الإسرائيلية-الإيرانية وعمق التعاون التجاري بين الدّولتين”.
عدد كبير من الشركات الإسرائيلية يقوم بتطوير البرنامج النووي الإيراني، مثل شركة "أفريكان إسرائيل"
ومن جهة أخرى، ذكر التليفزيون الإسرائيلي في تقرير له، أنّ ما يقارب الـ200 شركة إسرائيلية تتعاون مع إيران، وهي الشركات التي تقوم بإبرام عدد كبير من الصفقات الاقتصادية أو التجارية. وكشف التقرير أنّ عددا كبيرا من هذه الشركات يقوم بتطوير البرنامج النووي الإيراني، مثل شركة “أفريكان إسرائيل” التي تصدر إلى طهران وبصورة غير مباشرة الكثير من المعدات اللازمة لتطوير الوقود النووي، أو شركة حاييم، التي تقوم بتطوير وسائل الاتصال الداخلي في عدد من المفاعلات النووية.
النتيجة
نرى أن إسرائيل لن تتردد لحظة واحدة في ضرب أيّ مشروع نووي عربي في أيّ مكان وأيّ زمان، وقد سبق أن دمّرت القوات الجوية الإسرائيلية مفاعل تموز العراقي ومشروعا نوويا آخر داخل الأراضي السورية في فترات زمنية سابقة. ومنذ فترة أكثر من 15 عاما، صدع الإسرائيليون رؤوسنا بتهديداتهم الفارغة ودعايتهم الواسعة عن ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ولم يفعلوا شيئا، ولن يتجاوزوا نطاق المهاترات الكلامية الفضفاضة.
هناك فارق كبير بين الدعاية العدائية الواسعة وبين المحادثات والصفقات السرية التي تُعقد بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. في أسلوب التعامل الإيراني-الإسرائيلي-الأميركي، الشعارات والأيديولوجيات لها استهلاك عام وشعبوي. ويَكْمُن المحرك الأساسي للأحداث في المصالح المشتركة والتنافس الإقليمي والجيوستراتيجي وليس الأيديولوجيات، أمّا الشعارات الحماسية فهي مجرد غطاء شعبوي للعلاقات السرية. وتبقى العلاقات بين هذا المثلث في مستوى نزاع سياسي قابل للحل لا صراعا أيديولوجيا ناريا وغير قابل للحل.
وإضافة إلى ذلك، أن الإيرانيين والإسرائيليين يعتقدون أنهما منفصلان عن المنطقة ثقافيا وسياسيا واثنيا. الإسرائيليون محاطون ببحر من العرب، والإيرانيون محاطون ببحر من المسلمين السنّة. وحسب ما يقوله المحللون الاسرائيليون، عدو النظامين الإيراني.
شاهد المحتوى الأصلي علي بوابة الفجر الاليكترونية - علاقات إيران المشبوهة بـ"إسرائيل" - الفجر.