ليس جديداً، أن تتملك إيران عقارات ومبان، في مختلف أنحاء سوريا، خاصة في دمشق، وتحديداً في الأماكن القريبة من المزارات الشيعية، وتستتر خلف أقنعة إنسانية، مثل مشفى الخميني في السيدة زينب، الذي يتقاضى أجوراً شبه رمزية لقاء خدماته، وتنحصر كوادره الطبية والإدارية، بأبناء الطائفة الشيعية، إلا ماقل وندر، إضافة إلى الحوزات الدينية، ولا ينحصر نشاطها بإقامة الشعائر الدينية، وإعطاء الدروس وفقاً للمذهب الجعفري، إنما يتعداه لتقديم الطعام مجاناً للجميع، دون تمييز ديني، بهدف استقطاب المحتاجين، تمهيداً لتشييعهم بإغراءات مادية شهرية، مفتاحها عوز الناس وجوعهم، عدا شراء الأراضي الملاصقة لمدافن أبناء الطائفة الشيعية، بغية توسيعها، أو إقامة مدافن جديدة.
خلال زمن الأسدين، تحولت بلدة السيدة زينب، إلى مايشبه “المستوطنة” الشيعية، تديرها وتشرف عليها، البعثة الدبلوماسية في دمشق، أحياناً بشكل مباشر، وغالباً بالوكالة عبر أشخاص موثوقين، منهم رجل الأعمال السوري الشيعي صائب النحاس، الذي أقام فندقاً في المنطقة.
حكاية الفنادق، وتملكها، ازدهرت مؤخراً، وبنفس الطريقة “بالأصالة أو الوكالة أو الشراكة”، وتركزت على تلك الموجودة في قلب العاصمة دمشق، ما بين جسر فكتوريا – الحجاز – المرجة – البحصة، بالقرب من المستشارية الثقافية الإيرانية، ومهمتها الأساسية طباعة وتوزيع عشرات آلاف الكتب، ترويجاً للمذهب الشيعي، وكان الثوار فجروا قبل أيام فندقاً، يقع بالقرب منها، خلال احتضانه اجتماعاً لكبار قيادات ميليشيا “أبو الفضل العباس”.
المعلومات المتداولة على نطاق واسع في دمشق، بين الموالين والمعارضين على حد سواء، تؤكد بأن فنادقاً جديدة، انضمت إلى الُملكية الإيرانية، منها الإيوان، أسيا، فينسيا، البتراء، الإيوان، كالدة، وغيرها، ولعل أهمها فندق “سميرا ميس”، وهذا الأخير لا يمكنها تملكه بالشراء، كما يُقال، إذ انه مملوك لمؤسسة الخط الحديدي الحجازي، والأغلب أنها استثمرته بالكامل أو بالشراكة منذ أشهر، إثر انتهاء عقد المستثمر القديم، وتلزيمه لمستثمر جديد من عائلة “نزهة”، وهي عائلة تعمل في مجال الشحن أساساً، ما يثير شكوك جدية حول كونه مجرد واجهة اقتصادية إيرانية جديدة.
بداية علاقة إيران بفنادق دمشق قديمة، تعود إلى زمن الحرب العراقية – الإيرانية، إذ عمدت سلطاتها آنذاك إلى استئجار فنادق بكاملها، وبعقود سنوية، من أجل تأمين إقامة الزوار الإيرانيين “لأماكنهم المقدسة” في سوريا، من خلال ما يعرف “بمؤسسة الشهيد للحج والزيارة”.
طبعاً، النشاط الاقتصادي في مجال الفنادق، سبقه نشاط مماثل في مجال العقارات، حيث عمدت السفارة الإيرانية منذ سنوات، وبطريقة التسلل، إلى الاستحواذ عن طريق الشراء، على عقارات كثيرة في دمشق القديمة، أو ما يعرف “بداخل السور” في المنطقة الممتدة من خلف الجامع الأموي، قرب مقام السيدة رقية عليها السلام، مروراً بالمريمية، وصولاً إلى باب توما، والمعروف أن حي الجورة وسكانه من الشيعة يقع في النطاق الجغرافي ذاته.
نوايا إيران المُضمرة زمن الأسد الأب، تحولت إلى مُعلنة في عهد الوريث، أبرز تجلياتها مبنى سفارتها الحديث، الذي توقفت أعمال البناء فيه، إثر اندلاع الثورة، ويبعُد مئات الأمتار فقط، عن مبنى سفارتها الحالي على “اوتوستراد” المزة، على ناصية الشارع المؤدي إلى دوار كفر سوسة، المبنى أرادته إيران فخماً مهيباً، يُضاهي سفارات الدول العظمى، وينطق بحجم سطوتها في سوريا.
ما تفعله إيران، يهدف إلى تعزيز احتلالها العسكري في سوريا، لكنه قبل ذلك، يتحسب لسقوط النظام، ويُعزز ما في جعبتها من أوراق، تتعلق بحقوق ملكية قانونية، يستحيل شطبها، كما تحميها القوانين المحلية والدولية. - كلنا شركاء.