الهدف الأول من التعليم المدرسي وهو تكوين مجتمع موحد من أهم الأهداف جميعا فلا يمكن تحقيق باقي الأهداف بدونه، وتكوين مجتمع موحد من هذا التنوع أكثر ما يتمثل في المدارس
لاشك بأن مؤلفي هذه الكتب المدرسية هم من أصحاب النفس المذهبي، ورواد المدرسة القومية الإيرانية التي تربطهم بوجهة النظر القومو -مذهبية روابط عميقة الجذور
لا حظنا من خلال الكتب المدرسية الإيرانية إحتفاء الكتب التاريخية بمنجزات الحضارة الفارسية على حساب تعاليم الإسلام، ويلاحظ أنها تخلط دائما بين التاريخ السياسي للدولة الإسلامية والدين الإسلامي وتقدم الإسلام بطريقة مذهبية
تسعى الكتب المدرسية في إيران إلى تحقيق أهداف الدولة والثورة ، وبخاصة تلك المتعلقة بتعليم القيم والاتجاهات والمعايير . إن مؤسسات التعليم توفر البنية المنظمة التي يكسب منها الطالب مهارات الصياغة والتوجيه؛ فإيران أوجدت عدداً من هذه المؤسسات التي تعمل على تنشئة الأجيال لصهرهم في بوتقة واحدة انطلاقاً من أهداف المجتمع الإيراني التي تحدد من قبل القائمين على هذه المؤسسات، إن طبيعة وأهداف الثورة الإيرانية أدت إلى الاهتمام بمرحلة المدرسة اهتماماً فاقت به إيران دول غيرها من دول العالم الثالث، وجعلها ضمن السلم التعليمي، لكي يتسنى لهذا المجتمع تشكيل الصياغة المذهبية والقومية.
الهدف الأول من التعليم المدرسي وهو تكوين مجتمع موحد من أهم الأهداف جميعا فلا يمكن تحقيق باقي الأهداف بدونه، وتكوين مجتمع موحد من هذا التنوع أكثر ما يتمثل في المدارس، فعملت إيران على استيعاب جميع الطلاب من خلال المدارس التي توسعت الدولة في إنشائها لإمكانية صهرهم في هذا المجتمع الجديد لتوحيد ثقافة ومشاعر ولغة المجتمع الإيراني.
اهتمت إيران بتعليم الطلاب، أصول التشيع، واللغة الفارسية والتاريخ الإيراني وقد بلغ اهتمامها باللغة والمذهب اهتماما فاق غيرها من الدول بلغتها ودينها. واللغة الفارسية والمذهب الشيعي والتاريخ الإيراني هي الأساس لقيام الدولة الإيرانية، إذ أن اللغة الفارسية هي وسيلة الاتصال والتفاهم وتقوم عليها عملية الصهر، ويشدد على تعليمها في المدرسة. وهذا ما يطلب من المدرسة الإيرانية التي هي شبه ثكنة عسكرية استمرار نقل مفاهيم العقلية المذهبية الشيعية التي تبشر بقيام الإمبراطورية الشيعية العالمية التي سيقودها الإمام المهدي الذي سيحتل العالم من جيل إلى جيل، من هنا يؤكد الإيرانيون أن المطلوب من المدرسة الإيرانية اكبر مما هو مطلوب من مثيلاتها في الدول الأخرى. فالمدرسة في إيران لا زالت تعمل على حقن الناشئة بقيم معدة مسبقا لهم ولا بد من تلقينها مع أن اغلب المربين في العالم يؤكدون على ضرورة أن تتخطى المدرسة تلقين المعلومات وضرورة التكامل في عملية التربية إلا أن الهدف من هذه المؤسسات في إيران أعمق من ذلك بكثير.
أما الهدف من تدريس هذه الأفكار والقيم في هذه المدارس فيتم من خلال التركيز على الموضوعات التالية:
- أن يعرف الطلاب ارض"إيران" طبيعتها وآثارها، وان يقفوا على الرابطة بين الشعب وبلاده.
- أن يعرف الطلاب آباء الأمة وأبناءها وأبطالها وعلى تاريخ الشعب في بلاده.
- أن يعرف الطلاب الأسس التي تقوم عليها مبادئ الثورة الإسلامية وما تقدمه للعالم، وأنها مصدر الخلاص للحضارة الإنسانية، فالتشيع وفكرة الخلاص المهدوي للعالم في إيران منبع من منابع التربية التي تستمد منها مادتها ليحقن بها الطلاب والناشئة منذ الصغر.
إلا أن هناك عوامل وقوى دفعت إيران إلى الاهتمام بهذه المؤسسات وصولاً إلى الأهداف المعلنة في قانون التعليم. فعملية تكوين مجتمع موحد تتم عن طريق التربية التي تكون بدايتها من المدارس، وكذلك ما تعانيه إيران من تناقضات فكرية وثقافية واجتماعية أيضاً يعيقها عن تكوين المجتمع الموحد، فكان لابد من استخدام التربية كوسيلة لتحقيق الأهداف عن طريق مؤسساتها التربوية.
وتستمد إيران هذه الأهداف من مصادر هي:
- المذهب الشيعي كتجسيد لمعتقدات الإيرانيين، وحامل لتراثهم عبر التاريخ.
- القومية الفارسية كحضارة رائدة متفوقة عبر التاريخ.
- الثورة الإيرانية كخلاصة للتفاعل بين المصدر الأول "المذهب الشيعي" والمصدر الثاني "القومية الفارسية" والناتجة عن قيم معينة تتلخص بالتفرد ، التفوق ، الريادة ، وقيادة العالم .
ونستطيع أن نحدد بعض المقومات الأساسية للتربية والتعليم من خلال قانون التعليم الرسمي، حيث ينص القانون على ما يلي:
- التأكيد على الريادة وتصوير الرواد الأوائل في الحضارة الفارسية ، والثورة الإيرانية بأنهم نماذج يجب الاقتداء بها والمُثُل التي حملوها إذ تصورهم أنهم مؤسسو "دولة إيران"، ويحرص الإيرانيون على الموازنة باستمرار بين روادهم العالم الجديد وبشكل خاص رواد الثورات في العالم لخلق أجيال إيرانية تؤمن بالمعتقدات الفارسية وتقتدي بجيل الرواد، والمقصود بالريادة: خلق جيل يؤمن بالتوسع لبناء الإمبراطورية العالمية بدءا من المناطق الجغرافية المحاذية لإيران، فتعمل إيران على تنمية الريادة في شبابها منذ الطفولة حتى تستطيع أن توسع مناطق نفوذها بالاستيطان إلى مناطق جديدة أخرى دون الإفصاح عن نواياها التوسعية.
- التعلق بالأرض ، وهو هدف بالغ الأهمية ويرتبط مع هدف سابق وهو تكوين مجتمع قومي مذهبي يسعى ليتوحد فيه مع شيعة الشتات، والأقليات من الأصول إيرانية التي تعيش في الخارج، فالأرض ليست مكاناً للزراعة فقط في نظر الإيرانيين ، وإنما هي المكان الحاضن لآلام الإيرانيين والموحّد لهم ، من هنا تعمل إيران على تذكير طلابها منذ نشأتهم بالاضطهاد الذي لقيه الشيعة عبر التاريخ "الهلوكوست الشيعي" ثورة الحسين وما تعرض له وأنصاره من قتل "والحرب المفروضه على إيران مع العراق" جنك تحميلى "وما تعرضت له إيران من عدوان عالمي عليها" ، وأن وصولهم إلى بناء دولة ، وتنظيم ثورة لم يكن بالأمر السهل ، حتى يبقى الطالب الإيراني واثقاً من أجداده، وكيف أنهم ضحوا ليصلوا إلى بناء دولة ثورية ليحتفظ بتضحياتهم ويدافع عنها.
- تنمية روح المظلومية ، فالمظلومية عامل توحيد بين فئات المجتمع إذ تجعل منهم رفاق وحدة شعورية واحدة ، فالمظلومية هي بوتقة لصهر المعاناة ، ومرارة التجارب ، والمشاعر المشتركة التي تجعله في حالة يقظة دائمة ، واستعداد نفسي لعدو متحفز سوف يبطش به ، إذا لم يكن على أعلى درجات الحذر ، لذا عليه أن يكون ضمن فكره الجمعي في حالة طوارئ دائمة . فدور التربية هو العمل على تنمية الروح العسكرية في الناشئة الإيرانيين منذ طفولتهم عن طريق تلقينهم بطولات القادة الإيرانيين القادرين على ضرب الأعداء من خلال القصص ، فالمؤسسات التربوية الإيرانية تنمي في الطفل العسكرية منذ الطفولة ليتعود نمط من الحياة اليومية حتى إذا وصل إلى سن الجندية كان كامل اللياقة مستعداً للخدمة في الجيش، لتحقيق أهداف الثورة. والتهيئة شبه العسكرية هذه هي وسيلة فعّالة لخلق مجتمع قادر على الدفاع عن نفسه دائماً وحفظ وجوده ، وهو ما عبر عنه الخميني بقوله: "علينا أن نبني مجتمعنا وثورتنا وكأن العالم كله يواجهنا”.
إلا أن الهدف الحقيقي بالإضافة إلى الهدفين السابقين هو جعل دولة إيران باستمرار قادرة على مواجهة العالم بكل طاقاتها وإمكانياتها، ومن هنا كانت الأهمية القصوى في تكوين الجيش الإيراني ، والحرس الثوري ، وقوات الباسيج ، جيوشا وتنظيمات عسكرية وعقائدية وثورية.
من هنا يقوم اهتمام إيران من خلال مناهجها بتنمية الروح العسكرية لدى طلابها، وجعلهم في حالة استنفار دائم أيضاً وتسعى إيران إلى تعزيز خصوصيتها من خلال الاهتمام باللغة الفارسية ، وتعزيز دورها في الحفاظ عل التراث الايراني وتعميقه بين الشباب الإيراني، فأصبحت هي لغة التدريس التي تحتل مكاناً بارزاً في مناهج المدارس الإيرانية.
واللغة الفارسية هي ليست لغة تدريس فحسب ، فهي لغة دين ومذهب ، و وسيلة للتخاطب والاتصال الرسمي ، وبالتالي هي أداة لخلق الوحدة داخل المجتمع الإيراني عن طريق اللسان المشترك، كما أنها أداه لتعميق الانتماء والولاء للدولة والثورة. تدور اهتمامات وتوجيهات الفلسفة التربوية في إيران حول إزالة التناقضات التي يعاني منها المجتمع الإيراني ومحاولة صهره في وحدة ثقافية واحدة من أجل المصير المشترك.
ونتناول في هذا المجال بعض التوجيهات والأهداف الإيرانية التي تسعى إيران لتحقيقها في مجال تربية الناشئة منذ الطفولة وهي كما يلي:
تسعى المدارس في إيران لخلق إحساسات ومعان جديدة للتعاطف والولاء لدى الأطفال فعمدت إلى تنمية الوعي الإيراني لدى الناشئة الإيرانيين وغرس المبادئ إيران وثورتها في نفوسهم، وتلقينهم قيم الحضارة الفارسية، وحب إيران والولاء للشعب الإيراني. فإيران تعمل على تعمل على تكوين اتجاهات إيجابية عند طلاب مدارسهم، عن طريق تعظيم تاريخ الأصول التاريخية لهذه الدولة، وتقدمها الحضاري بين أمم الأرض، وتعمل أيضاً على تأكيد دور التراث الإيراني في خدمة الحضارة العالمية، وتربية الطالب الإيراني على الاعتداد بالنفس والشعور بالاستعلاء، وعدم الخضوع للغير والتبعية.
ويلاحظ أن دراسة التاريخ الإيراني قد احتلت مكانة بارزة في البرنامج التعليمي للطلاب في المدارس، والتركيز على دور الإيرانيين في كل فترات التاريخ، وطمس دور الأقليات الأخرى في التاريخ الفارسي، وإيهام الطالب الإيراني أن أرض الخليج الفارسي مرتبطة تاريخياً بالإيرانيين، وأن حياة غيرهم لا جذور لها.
إيهام الطالب الإيراني أن قيام إيران وإنما هي عودة إلى أرض الآباء والأجداد بهدف إحياء هذه الأرض، وإيهام الطالب الإيراني أن الحضارة الفارسية هي التي أحيت هذه الدولة.
تنمية الروح العسكرية التي تبدأ منذ المدارس لتمجيد الجيش والدعوة إلى الخدمة والتدريب المستمر للطلاب في المدارس ودروس عن الحرب مع العراق، ومقدار ما حققه لهم الجيش من انتصارات، وهي بمثابة الدرع الواقي للدولة المهددة من الخارج وعليهم المحافظة على منجزات جيش إيران، وقوات حرس الثورة.
ومن هنا فإن تذكير الإيرانيين بالاضطهاد ، عن طريق المحتوى والبرامج المقدمة لهم التي تولد لدى الطالب الإيراني الحقد والكراهية ليس للعرب وحدهم بل وللشعوب الأخرى.
وتهدف إيران من خلال هذه التوجيهات التربوية أن يصل الطلاب إلى الجامعة وليس لديهم الرغبة في أصلاح المؤسسات الإيرانية بل العمل على تعزيزها وتقويتها فعملت على ما يلي:
1- إقناع الطالب الإيراني أنه بدون "دولة إيران" لا يمكن ضمان وجوده، فعليه القيام بكل ما تطلبه هذه الدولة "المحاطة بالعداء"، من هنا كان لا بد أن يكون المجتمع الإيراني مجتمعاً عسكرياً وتكون الدولة عصرية.
2- أن يتخرج الطالب الإيراني من مؤسسات التربية والتعليم متعصباً لعنصره الإيراني ولمذهبه الشيعي نتيجة لما يتلقاه من تربية عنصرية في جميع مراحل التعليم، وذلك من خلال تلقينه دروساً عن المعاناة التي لقيها الإيرانيين عبر حربهم مع العراق، والاصطفاف الدولي والإقليمي العربي ضدهم .
3- توطيد العلاقة بينهم وبين الأرض من خلال ربط كل بقعة في إيران بالتاريخ الإيراني. وقد غيرت إيران الأسماء بأسماء فارسية لمعظم المناطق في إيران: فالمحمرة أصبحت خوزستان ، شط العرب صارت رود أروند... وهكذا. وأن هذه المناطق مرتبطة بالتاريخ الفارسي الإيراني.
4- تبرير التوسع واحتلال الأراضي من خلال تلقين الطالب وإيهامه أن كل المناطق تلك مرتبطة بالتاريخ الإيراني، وليس غزواً أو عدواناً، وهذا ما اتضح من خلال موضوع الجزر الإماراتية حيث تركز المدرسة على إعطاء الثورة ثوباً إنسانيا وهو جمع شيعة الشتات في أرض الإمبراطورية الموعودة ، وتقوم إيران بعمل رحلات لطلاب المدارس في المناطق المحتلة "الجزرالاماراتية" وتعريفهم بها على أنها أرض إيرانية.
٥- تشويه أحداث التاريخ وقلب الحقائق من خلال كتب التاريخ التي تدرس في المدارس، عن طريق القصص والأناشيد التي تصور كل بقعة في إيران وتتغنى بها، وكذلك تصوير عظمة إيران وملئها الحضاري في العالم.
وأيضاً تعمل إيران على توجيه الناشئة منذ البداية من خلال المدرسة ليصبح ما يعلن الطالب الإيراني منذ طفولته، قناعه يدافع عنها.
أما الأساليب التربوية التي تطبقها إيران على أطفالها انطلاقاً من الأسس التي تقوم عليها إيران، حيث يجب أن تعاد صياغة الأمة الإيرانية وفق الروح الإيرانية والثقافة الإيرانية فنجد الاهتمام بالتاريخ الإيراني، المذهب الشيعي، واللغة الفارسية تفوق اهتمام الدول الأخرى بدينها ولغتها، وأن الإيرانيين هم حاملوا الدين الإسلام الحقيقي، ويجب أن يتصرفوا على هذا الأساس.
أما صورة العربي فقد جهدت الكتب المدرسية بمقارنتها بصورة الإيراني. فالإيراني حسب هذه الرؤية إنسان عبقري ، فذ ... يملك حضارة ، تاريخ عريق ، تراث خدم الإنسانية ، فيه صفات الوفاء ، الصدق، محب ومخلص لآل البيت. والجندي الإيراني فيتميز بصفات الإيمان ، التضحية ، الشجاعة ، الفداء … وأن لديهم رسالة لإنقاذ البشرية. أما أرض إيران فهي أرض الحضارات، عنوان المدنية، تحمل مقومات الدولة المتكاملة: زراعة ، صناعة .. تنوع مناخي ، تربة خصبة ..... صورة الطبيعة وتضاريسها : الماء ، الخضرة ...
العربي في الكتب المدرسية هو إنسان غير حضاري ، ليس له تاريخ وتراث يوازي إيران ... لا يحمل مقومات إيران وتراثها المادي والروحي، يعيش في بيئه أمتازت بفقر الطبيعة "الصحراء ،الجمال وأشجار النخيل ..."هي عنوان الطبيعة ، وامتازت الأرض العربية بأحادية تضاريسها، وعدم تنوعها .. والإنسان العربي كاذب ، مخادع ... والجندي العربي جبان ، مغفل ، غير مؤمن ، متأمر ... كذلك فإن تحليلا عميقا لتحليل محتوى الكتب المدرسية الإيرانية قادت إلى تكوين أفكار سلبية مسبقة عن العربي، تمحورت فقط على فكرة الصراع من منظور مذهبي، مما يعكس مصطلحات قاموس الفكر السياسي الإيراني، حيث وضعت هذه الكتب المدرسية وفق روح التعصب للقومية الفارسية، فالكتب المدرسية تلك تتضمن حقائق تاريخية مشوهة ومزورة في أحيان كثيرة؛ تم إخضاعها مسبقا لايدولوجيا السياسة كتعريف الكتب المدرسية للفتح الاسلامي، الذي اعتبروه اجتياحا واحتلالا، ووصفت الفاتحين العرب بأنهم غزاة طامعين، ولم تشر لعظمة الاسلام، وماذا قدم لإيران التي أعتبرت الكتب المدرسية بلاد فارس وشعبها كانوا موحدين للإله قبل مجيء العرب ...، وقد سعت الكتب المدرسية بشكل متعمد لعدم تعريف الطلاب الإيرانين بالحضارة العربية الإسلامية. واختزلت النظرة لهذه الحضارة من خلال الصراع المذهبي بنظرته الضيقة، مشوهة بشكل مقيت التاريخ العربي، والخلفاء المسلمين اللذين وصفتهم بأقبح الصفات، وأتفه الخصال. وهي إفراز للحقن العنصري التي قامت عليه الثورة الإيرانية من خلال ثورتها الثقافية التي ركزت فيه على تغيير الكتب المدرسية الإيرانية بما ينسجم مع مبادئ الثورة ومرتكزاتها؛ وهي للأسف تفرق ولا تجمع، وتثير العصبيات.
إن معالجة الكتب المدرسية الإيرانية لصورة العربي ماهي فى الواقع إلا نوعٌ من التشويه المنظَّم، ولا يتردد باحثٌ عن وصفها بأنها منحازةً بشكلٍ واضحٍ وكبير إلى جانبٍ واحدٍ، مليئةً بالعيوب والنقائص. وعملياً، تحتوي جميع الكتب المدرسية التي جرت مراجعتها عدداً كبيراً من المعلومات، الأفكار، الصور عن العرب. وهي مضللة لأنها ناقصة وخارجة عن السياق، وتحتوي على مواد غير موثوقة المصدر، وفيها تزويرٌ كبيرُ.
لاشك بأن مؤلفي هذه الكتب المدرسية هم من أصحاب النفس المذهبي، ورواد المدرسة القومية الإيرانية التي تربطهم بوجهة النظر القومو -مذهبية روابط عميقة الجذور. ويعتمد كثير من المؤلفين في كتاباتهم على الموسوعات الشيعية والتاريخية التي تغلب عليها السطحية والانحياز أيضا.
لا بد كذلك من الاعتراف بالأثر السلبي لهذه المناهج على علاقات إيران بالعرب، حيث كرَّست هذه المناهج حالةً صراعية، ونستطيع القول إن ما يتم تدريسه داخل جدران المدارس أثر سلباً من خلال إيجاد الفكر المسبق السلبي في ذهن ووجدان الطالب الإيراني تجاه كراهية العرب، واحتقارهم، بدلا من تعليمهم قيم الحوار، والمصالحة، والتسامح .
يمكن القول أن الكتب المدرسية الإيرانية تتبنى " المانوية " نسبة إلى ماني منطلقاً في فهم ورسم صورة الآخر، فهم "الإيرانيون" رمز الخير ، والآخر "العرب" رمز الشر إلى يومنا هذا، فالعداء مع الآخر عداءٌ مانويٌ، لا تنفع معه كل محاولات حوار المذاهب والحضارات.
فالصورة النمطية التي رسمتها الكتب المدرسية الإيرانية للعربي تثير الطالب الإيراني، وتستهدف العقل الفاعل للطلاب، وتشعرهم بالتوتر وعدم الارتياح من خلال صورة الثأر التاريخي التي عمقتها هذه الكتب لصورة العربي، وتعبر عن صورة الأحداث التي يفسرها الطالب وفق ما تم غرسه في وجدانه على أنها تهديدٌ أو تحديٍ لكيانه الشخصي، تؤدي الزيادة في مستوياتها إلى الفشل في التعامل مع العربي وكذا شعوره بالقلق والخوف وفقدان الثقة به، وهذه جاءت ثمرة الكتب المدرسية الإيرانية ذات الطابع التشويهي التي أسهمت بوسائل متعددة تاريخية، مذهبية فى تشويه هذه الصورة.
فالمفاجأة لنا في الكتب المدرسية الإيرانية أن هناك مراحل تاريخية مفصلية لم يذكر فيها حرف واحد عن صورة ايجابية للعرب أو حتى محايدة، والسبب فى ذلك يرجع لطريقة تأليف الكتب، فالأهم أن يقدموا مادة تتوافق مع شروط الثورة الإيرانية، والمذهب الشيعي، وبصورة تتضمن تزوير التاريخ، وتضمن التشويه، وقلب الحقائق في مضمون الكتب المدرسية ومحتواها.
وقد سعت الكتب المدرسية الإيرانية إلى إرباك فكر الطالب الإيراني وتجهيله حول العالم العربي بشكل متعمد، حيث ركزت الكتب المدرسية الإيرانية على قضايا وموضوعات إستمرت في إبعادهم قدر الإمكان عن اهتماماتهم في الموضوع العربي الإسلامي، وفق برامج تزيد من احتمالات الجهل بالقضايا الأساسية المهمة، ومحاولة إلهائهم جهد الإمكان بأخرى بعيدة نسبياً، وتركز في مجملها على أرينة "إيرانية التعليم" كذلك حاولت وفق برامج أخرى زرع بعض الأفكار والاهتمامات المذهبية والقومية بديلاً للموضوعات الأخرى العربية والإسلامية، النتيجة أن الطلاب المتعلمين على وجه العموم باتوا أكثر قدرة على فهم مسئوليتهم الوطنية والمذهبية، وأوسع مجالاً لإدراك صورة العرب المتخلفة، المتآمرة " التي شوهتها الكتب المدرسية.
إن عرض العرب بصورة سلبية، وتجاهل نواة الصراع المذهبي وبؤره، يبرز دائماً بشكل أكثر وضوحاً، لأن العنصر الرئيس في المادة التعليمية الخاصة بالحروب التي خاضتها إيران مع العرب عبر مراحل التاريخ، هو إبراز بطولاتنا "الإيرانيون" في هذه الحروب واستعدادنا للتضحية. إن اختيار مواد التعليم والانسجام الذي تؤمنه لهذا الدافع أو ذلك يكمن فيهما مغزىً معين.
يشار للعرب وكأنهم شعب كغيره من الشعوب، وذلك في محاولة واضحة لتسريب الاعتقاد إلى الأذهان بأن الخلاف بين إيران والعرب هو خلاف ديني، حضاري، تاريخي، بالدرجة الأولى، وليس مذهبياً فحسب.
الكتب المدرسية الإيرانية تتعامل مع الإنسان العربي في عدة مستويات تتسم بكونها تجرده من وجوده وحضوره تجريداً متزايداً حتى يختفي كلياً، أي بتحويله من العربي المتخلف، عبر تشويه صورته، إلى العربي الغائب عبر إهماله تماماً. فسياسة الكتب المدرسية تتجه إلى تناول العرب باعتبارهم جزءًا مشوهاً من التاريخ، أو تاريخاً طويلاً من التشوه، وعلى أساس طمس الوجود والتاريخ، المعالم العربية، وتعتمد إزاء الجوانب الأخرى من التاريخ العربي على أسلوب التجهيل من جهة، وتشويه الحقائق من جهة أخرى، وتقابل ذلك عملية تضخيم وسمو لصورة الإيراني، وتجدُّ وتجهد في سبيل الحفاظ على هذه الصورة.
من هنا يخرج الطالب الإيراني من طاحونة التربية والتعليم لا يعرف شيئا سوى أن العرب شعب متخلف ، مذهبه خطأ ، ثقافته بائسة ، ويأخذ الطالب هذه النظرة معه عندما يكبر وينخرط فى الجيش ، الأمن والاستخبارات ، الجامعة ، .........
لرؤية الذات هو في نهاية الأمر رؤية الآخر، ويمكننا أن نحاول تحديداً الإدراك الإيراني للعربي أو للآخر من خلال الإدراك الثوري للإيراني ، فالإيراني حسب الرؤية إنسان، يملك حضارة ، تاريخاً عريق ،تراثاً خدم الإنسانية ، فيه صفات الوفاء ، الصدق، محب ومخلص لأل البيت، والأسرة الإيرانية متكاتفة متعاطفة متوادة ...، أما الجندي فيتميز بصفات الإيمان ، التضلحية ، الشجاعة ، الفداء ....وأن لديهم رسالةً لإنقاذ البشرية.
يمكننا أن نستخلص النتائج التالية من هذا التحليل للنص المقارن لصورة العرب في الكتب المدرسية الإيرانية :
1- بذل المؤلفون في الكتب المدرسية الإيرانية مجهوداً من أجل تنويع الموضوعات من أجل تثبيت صورة العرب السلبية، وتدرجت في رسم هذه الصورة فلم تعد قاصرة على صورة البدوي، بل صورة العربي المتصف بصفاتٍ سلبية...،
2- في الحالة الصراعية يتسم العرب بالعدوان، وهم في حالة تناقض مع الآخرين، وهذا التناقض تكون فيه الغلبة للناحية السلبية .
3- حال العرب ووضعهم يتسم دوما بالفقر والمركز المتدني بين الشعوب.
إن بعض الكتب المدرسية الإيرانية، تضمن كلٌ منها نصاً واحداً أو أكثر يتناول من خلال موضوعه أو شخصياته، أو اطار القصة الواردة فيه العرب، وهنا نجد الثغرة الواسعة .. فكل ما نجده في هذه الكتب من نصوصٍ مترجمة إلى الفارسية عن لغة أجنبية قد خلا تماماً من أي نص مترجم عن العربية لمؤلف عربي سواءً كان قديماً أم معاصراً، وهذا الأمر له مغزاه ودلالاته، وهي أن النسبة الضعيفة من الناحية الكمية يمكن أن نستنتج منها أن صانع القرار التربوي الإيراني لا يريد إطلاقاً أن تتبلور فكرة واضحة عن العرب أو عن الوطن العربي، بقدر ما يريد أن تترسخ الصورة السلبية عن أهل السنة والذين عمادهم العالم العربي خاصة لدى طلاب المدارس الابتدائية والاعدادية، وفي هذه السن المبكرة تؤثر طبيعة الصورة السلبية النمطية المقدمة في عقلية الطالب الإيراني حديث النشأة .
وقد هدفت الكتب المدرسية الإيرانية للتعبئة ضد الشخصية العربية العدوانية، حيث ترى الكتب المدرسية أن الشخصية العربية تتسم بعدوانية أصيلة، كرَّست نفسها للصراع ضد الشيعة، وهم يعتقدون أنه وإن كان العرب لم ينجحوا في كسر شوكة إيران غير أن الأهم من ذلك أن هناك اجماعاً بين الدول السنية لمحاربة إيران!.
لقد حاولت النصوص تجاهل دور العرب في مجريات الدعوة الإسلامية، وإذا أرادت إبرازهم، فهم أعداء الدعوة النبوية. إن قسماً لا بأس به من الإيرانيين وأبنائهم في إيران لا يعرفون عن العرب إلا ما يتعلمونه في المدارس والكتب المدرسية، التي تحوي الأكاذيب والافتراءات على العرب، يتقبلها الطالب الإيراني، وتصبح عقيدةً لديه، لا يمكن إزالتها أو تغيرها في المستقبل.
وتحاول الكتب المدرسية الايرانية إحداث حالة تعبئة انفعالية وجدانية ضد الآخر، من خلال تعظيم عقدة الاستهداف لدى الشيعة، وشحنهم بطاقات عدوانية موجهة ضد العرب. تنبعث الفوقية التاريخية من الثورة الايرانية في الكتب المدرسية من خلال مفاهيم مترابطة غير منفصمة وهي: المذهبية الشيعية والقومية الفارسية، فالتشيع يعتبر الشعب الإيراني "شعب الله المختار" وسائر الشعوب (ضالون) وهذا المصطلح، شعب الله المختار، وُجد لـه تعبيرٌ في صورٍ وأشكالٍ ومظاهرَ عدة، وعلى كل الصُعُد السياسية والثقافية والاقتصادية، وحتى الاختراعات والاكتشافات العلمية كانت تهدف إلى إبراز الفوقية والتفرد الشيعي ـ الفارسي بلا منازع.
تسهب الكتب المدرسية في حديثها عن العنجهية الفوقية والبطولة الأسطورية الفارسية، وتوغل في المقارنة بين الإيرانيين والعرب من حيث القدرات العقلية والفنية والقيمية الأخلاقية، ولإبراز الفوقية الأسطورية لشعب الله المختار، وتميزهم حتى على الرومان، وبالنسبة للنظرة الدونية للعرب فهم على مستوىَ متدنٍ إنسانياً وحضارياً.
تشويه صورة العرب من وجهة نظر فارسية، حيث عُكست هذه الصورة عن وعي متعصب مهجوس بكراهية العرب، والحط من شأنهم، ومحاولة صناعة الهوية الإيرانية وفق رؤية قومية مذهبية. فالصورة التي ترسمها للإيراني قائمة على أساس التمييز العرقي، فالفرس هم آريون بشروا ويبشروا بالخير، وهي ردٌ على صورة الآخر " العربي" "السامي" ولا يستقيم وصف هذه الصورة إلا من خلال التأكيد والإغراق بالرجوع إلى أصل الفرس القديم أولاً، ومحاولة إحياء العادات والتقاليد الخاصة بتلك الحقبة.
لا حظنا من خلال الكتب المدرسية الإيرانية إحتفاء الكتب التاريخية بمنجزات الحضارة الفارسية على حساب تعاليم الإسلام، ويلاحظ أنها تخلط دائما بين التاريخ السياسي للدولة الإسلامية والدين الإسلامي وتقدم الإسلام بطريقة مذهبيةز
كذلك وجدنا تناول مفردات الحضارة الإسلامية بسلبية، حيث بدت الصورة سلبية تماما، كما تربط الكتب الدراسية المدرسية الإنسان العربي المسلم بالتخلف، واستخدمت كذلك صوراً، ومن المعلوم أن الصور غالباً ما تكون أكثر إيحاءً من الكلمات بالنسبة الى التلاميذ.
فالحضارة العربية الإسلامية تدرس في كتب التاريخ في المدارس الإيرانية، وتقدم كتب التاريخ الحضارة الإسلامية في صورة غير ايجابية، وأنها حضارة لم توحد المسلمين، بل فرقتهم، ولم تشر إلى ما حققته من نهضة علمية قوية ازدهرت لقرون عديدة، ولم تعترف هذه المناهج للحضارة العربية بالتقدم والسبق في العلوم الطبيعية كالهندسة والطب والفلك والجغرافيا إلا ضمن السياق الفارسي، ولم يأتي ذكر العواصم الإسلامية، كدمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة مناراتٍ للعلوم والثقافة، بل اتفقت هذه الكتب على أن الحضارة الفارسية، طوَّرت الحضارة الاسلامية، وأضافت إليها.
كذلك تركز الكتب المدرسية الايرانية على السمات الحضارية، الاقتصادية، الاجتماعية، وتفوق الحضارة الفارسية في هذا المجال. وعلى النقيض من ذلك تقدم كتب التاريخ الإيرانية مفهوم الخلاف السياسي في الإسلام بطريقة سلبية، وكذلك صورة الشخصيات العربية الإسلامية، وتحت تأثير النفس المذهبي، فيتم تقديم الأحداث السياسية في كتب التاريخ المدرسية دائما ضمن سياق الحرب المقدسة بين الشيعة والسنة (الإيرانيين والعرب).
وقد عملت تلك الكتب جاهدةً على أن تتطبع شخصية الطالب بسمات الرجال، القادة، العلماء، المحاربين، المشهورين لدى الإيرانيين، ودورهم في صناعة تاريخ إيران. كما تنمي روح المظلومية لدى طلبتها، فالمظلومية عامل توحيد بين فئات المجتمع إذ تجعل منهم رفاق وحدة شعورية واحدة، والمظلومية هي بوتقة لصفه المعاناة، ومرارة التجارب، والمشاعر المشتركة التي تجعله في حالة يقظة دائمة، واستعداد نفسي لعدو متحفز سوف يبطش به، إذا لم يكن على أعلى درجات الحذر، لذا عليه أن يكون ضمن فكره الجمعي في حالة طوارئ دائمة.
فالمؤسسات التربوية الإيرانية تنمي في الطفل العسكرية منذ الطفولة ليتعود نمط من الحياة اليومية حتى إذا وصل إلى سن الجندية كان كامل اللياقة مستعداً للخدمة في الجيش، لتحقيق أهداف الثورة، وهو ما عبر عنه الخميني بقوله: "علينا أن نبني مجتمعنا وثورتنا وكأن العالم كله يواجهنا”. فتنمية الروح العسكرية التي تبدأ منذ الطفولة لتمجيد الجيش والدعوة إلى الخدمة والتدريب المستمر للطلاب في المدارس ودروس عن الحرب مع العراق، ومقدار ما حققه لهم الجيش بمثابة الدرع الواقي للدولة المهددة من الخارج وعليهم ألمحافظه على منجزات جيش إيران.
وتهدف إيران من خلال هذه التوجيهات التربوية أن يصل الطلاب إلى الجامعة وليس لديهم الرغبة في إصلاح المؤسسات الإيرانية بل العمل على تعزيزها وتقويتها فعملت إقناع الطالب الفارسي أنه بدون "دولة إيران" لا يمكن ضمان وجوده، فعليه القيام بكل ما تطلبه هذه الدولة المحاطة بـ "العداء العربي"، من هنا كان لا بد أن يكون المجتمع الإيراني مجتمعاً عسكرياً وتكون الدولة عصرية.
لمنزلة الاجتماعية والثقافية، والموقع الوظيفي للشخصيات الفارسية والعربية
يتضح من خلال المقارنة بين الوظائف والمهن أن الشخصيات العربية تظهر في أوضاع اجتماعية دونية ... فقير، راعي أغنام ... على عكس الايرانيين: فرسان، محاربون أذكياء يتصفون بالحكمة، مزارع، تاجر، عالم، رياضي متفوق ....، ويبلغ هذا المستوى حده الأدنى، حيث نجد أن الشخصيات العربية تنتمي إلى جماعات هامشية (راعي غنم، بدوي .....) في حين تبدو أشغال الشخصيات الإيرانية أرقى مستوى (مزارع منتج، ضابط في الجيش، تاجر ....). وهؤلاء العرب في مستوى أقل وتابعون، وهم في علاقة تناقض مع الإيرانيين، ويبدو هذا التناقض في الصفات والمهام المنسوبة إلى كلا الفريقين.
أما صورة العرب في كتب الجغرافيا الإيرانية؛ فيجد المتتبع لمقررات هذه الكتب في المراحل الدراسية الثلاثة الابتدائية والإعدادية والثانوية، بسهولة، جوهر القيم التربوية والتوجيه الهادف الذي تحاول زرعه وتجذيره ضمن أطر التربية المذهبية والقومية التي رسمتها ووضعها طاقم الثورة الإسلامية من التربويين. ونظراً لغزارة النماذج، فقد قمنا بإستقصاء النصوص من هذه الكتب بهدف تحليل نصها، وهي عينة تجمع بين مبحث الجغرافيا (الطبيعية والسياسية والاقتصادية) في مختلف المراحل.
وتبحث المناهج التعليمية الإيرانية حثيثا عن أطر إقليمية بديلة عن الإطار العربي؛ وحتى الاسلامي، فتتحدث عن إطارين محددين يمكن أن تتجه نحوهما وهما دول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط على اعتبار أنها دولة شرق أوسطية، ودائرة آسيا الوسطى والقوقاز من خلال التركيز على تدريسها في كتب الجغرافيا المدرسية، ليكون لها فيهما موطئ عبر هذين الإطارين، تجسيداً للمبدأ الثوري الإيراني الذي يدعو إلى الاستيلاء على الأرض وحيازتها.
من خلال المحاور التي تبرز في كل فقرة من فقرات الكتب الجغرافية، نلحظ مغالطات تاريخية جغرافية خصوصا تجاه العرب:
1- التأكيد على التطور الحضاري لإيران مقابل الخراب والتخلف وعدم التقدم العربي.
2- إهمال الدور العربي الإسلامي في نشر الاسلام في إيران.
3- التنويه والتركيز على الدور والفضل الإيراني منذ القدم على الحضارة الإسلامية.
4- يتخرج الطالب الإيراني من طاحونة التربية والتعليم لا يعرف العرب سوى أن أنهم غزاة، دمروا حضارة فارس، وهم شعب متخلف، دينهم خطأ، ثقافتهم بائسة...، حيث يأخذ الطالب هذه النظرة معه إلى الجامعة، التي تستمر في غرس هذه القيم . ولا تتساءل الكتب المدرسية عن الأسباب وراء الفتح الاسلامي لبلاد فارس مثل والدوافع ورائها، وظروف إيران. حيث توحي هذه الكتب بأن المسلمين قد بداؤا في العدوان على بلاد فارس، ولا تهتم نفس هذه الكتب بذكر موقف الفرس في البداية من هذا الفتح، كذلك لم تشر للممارسات الفارسية لوقف هذا الفتح، والمؤامرات التي حاكوها ضد المسلمين الفاتحين، والأفعال التي ارتكبوها للتأمر على الخلافة الاسلامية.
مجمل كتب الجغرافيا المقررة على الطلاب الإيرانيين، تحدد حدوداً تاريخية لإيران، لأن هذه الحدود القائمة عرضة للتغيير السياسي -حسب المذهب الشيعي ونبؤاته- ومن أهم أهداف كتب الجغرافيا:
1- طمس اسم العالم العربي من الشرق الأوسط.
2- كلمة إيران مرتبطة بالآريين، وأن هذا اللفظ جاء منذ القدم.
3- يرجع الكتاب أسماء المواقع الطبيعية إلى الأسماء القديمة تمجيداً لتاريخهم القديم "خليج فارس، اروند رود” مستوحين الأسماء مما ورد في التاريخ السحيق، فكتب الجغرافيا والتربية الدينية والتاريخ الإيرانية عكست حرصها على وضع خريطة جديدة لنفسها، وأطالس مختلفة، تثبت بدورها فارسية المكان والزمان من خلال إبراز الأماكن والمدن والقرى القديمة بأسمائها الفارسية، وإلباس أسماء فارسية للمدن والقرى الحديثة كما باتت هذه المناهج تؤكد ضرورة ومدى أهمية استبعاد الأقليات من تاريخ إيران الماضي والحاضر.
4- تعظيم فارس وحضارتها، من خلال تكرار الحديث عن دور هذه الحضارة، وسبب ازدهارها والتركيز على أبطالهم، علمائهم… مع إهمال تام للعنصر العربي. وتركز الكتب المدرسية على معالم حضارة فارس: العمران، التقدم، الحضارة، الهندسة، الأواني، الصكوك النقدية، وبما يوحي للطلاب عن دور الفرس في عمارة الحضارة الفارسية ورقيها.
إن كثيراً من الموضوعات التي تُعالج تحت أسماء مختلفة كـ «الوطن والتاريخ والجغرافية واللغة الفارسية» تُدرس من الزاوية القومية، ويتم التركيز من خلال هذه المناهج على زرع الأفكار المذهبية في عقول الناشئة؛ لتسويغ وجود رابطة دينية بينهم وبين إيران؛ ممّا يعطيهم الحق في بناء دولة لهم فيها خصوصية دينية، ويروِّجون أن إقامة دولة المهدي هو تحقيق لما جاء في المذهب الشيعي .
أما البعد العربي في كتب الجغرافيا المدرسية الإيرانية؛ فنستطيع القول إن جغرافية العالم العربي لا تدخل ضمن برنامج تعليم الجغرافيا في الكتب المدرسية الإيرانية، لذلك لا نجد إلا عنواناً واحداً متخصصاً لموضوع العراق جاء بحكم الحديث عن الدول التي تشترك بجبرية جغرافية مع هذه الدولة وهناك عنوانٌ لدرسٍ تعليمي مختصر في كتاب غير جغرافي لطلاب المرحلة الابتدائية تحت عنوان "مصر هبة النيل “!.
نشير أولا أن النصوص المتعلقة بالعالم العربي متناثرة ومبعثرة، دون أن يقيم النص ارتباطاً فيما بينها، مما دفعنا إلى اعادة تجميعها لكي نشكل منها مجموعة محل بحث، والإحالة إلى الموضوعات التي تتحدث عن العالم العربي تكاد تكون ضئيلة جداً حيث اهتمت كتب الجغرافيا بموضوعات متشعبة، بالرغم من إشتراك إيران بجبرية جغرافية مع العالم العربي، هذا عدا عن أن معظم الحدود الساحلية الجنوبية لإيران والتي تصل إلى حوالي 2500 كم يقابلها دول عربية.
من هنا نستطيع القول باطمئنان أن البعد العربي مغيب عن عمد في كتب الجغرافيا إلا من بعص النصوص المبعثرة على حساب الحديث عن دول أسيا الوسطى والقوقاز، أمريكا ودول أوروبا. - أخبار الآن.