تكررت مؤخراً التصريحات الإيرانية، ومن أعلى المستويات السياسية، المحذرة/ المهددة للدول الداعمة لثورة الشعب السوري، بأنها ستكتوي قريباً بنار الجماعات الإرهابية والتكفيرية. آخر هذه التصريحات، تلك الصادرة عن المرشد الإيراني علي خامنئي خلال استقباله أمير الكويت في طهران قبل أيام، والتي جاء فيها: "للأسف أن بعض دول المنطقة غير منتبهة للخطر الذي ستسببه الجماعات التكفيرية لها هي نفسها في المستقبل، وما تزال تدعم هذه الجماعات".
هذا الاتهام يحتوي على عدد من المغالطات. فأصدقاء سورية من دول الخليج، أنظمة وعلماء، هم أول عدو لتنظيم القاعدة، وقد اكتوت هذه الدول من عملياته الإرهابية، بخلاف طهران التي سلمت من التفجيرات! كما أن هذه الجماعات التكفيرية، ثانياً، ليست عصب الثورة السورية ولا هي بادئتها، بل قام الشعب السوري بالثورة بشكل عفوي، بعيداً عن وصاية أي تنظيم أو جماعة. كذلك، وثالثاً، فإن الجهة التي تحتفظ بعلاقات وصلات مع تنظيم القاعدة وجماعات التكفير والعنف هي النظام الإيراني والنظام السوري. ولم يعد هذا سراً أو أمراً خافياً. ويقول الباحث المتخصص بتنظيم القاعدة حسن أبوهنية، في مقابلة تلفزيونية: "بالتأكيد نشأ تحالف موضوعي بين تنظيم القاعدة وكذلك إيران، ووصل في بعض الأحيان إلى تحالف شبه رسمي وليس فقط تحالفا موضوعيا.. هذه العلاقة بالتالي نمت وتطورت بدءا من السودان وصولا إلى ما بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2001. فعندما تم دخول القوات الأميركية لأفغانستان وإسقاط حركة طالبان هناك، لجأ أكثر من 500 من القيادات وعائلاتهم. وشاهدنا كيف أن أبو محمد العدناني ذكر في شريطه الأخير "عذرا أمير القاعدة" أن إيران كانت ممرا لتنظيم القاعدة وهي أحد الداعمين، لذلك لم تكن مستهدفة، لأن هذا الأمر كان متفقا عليه إبان فترة الظواهري وكذلك من قبله أسامة بن لادن". وإذا كان البعض ينكر هذه العلاقات بين إيران وتنظيم القاعدة، فإنها اليوم أصبحت قضية محسومة لكثرة الأدلة وقطعيتها، ومنها اعترافات العديد من أعضاء "القاعدة" بدور إيران في دعمهم وتوجيههم للقيام بعمليات ضد السعودية بالدرجة الأولى. أما النظام السوري، فهو أيضاً كان على صلات وعلاقات بتنظيم القاعدة، وتمثل ذلك في إيوائهم وتسهيل مرورهم للعراق إبان الاحتلال الأميركي، فقد كانت دمشق معبر تدفق القاعديين على العراق، مما جعل نوري المالكي يندد علناً بالدور السوري لدعم القاعدة! وقد تماهى النظام السوري مع التيار الجهادي لدرجة أنه أوعز في 26 /6 /2003 لمفتي سورية، الشيخ أحمد كفتارو، بأن يدعو المسلمين في أنحاء العالم للجهاد واستخدام كل الوسائل الممكنة، بما في ذلك العمليات الاستشهادية! أما د. محمد سعيد رمضان البوطي، فخطب الجمعة وحث على القتال والجهاد في العراق! ومن ثم، ظهر في حلب أبو القعقاع (محمد قول آغاسي)، والذي كان يخطب الجمعة حاثاً الشباب على الجهاد في العراق، وهو يتكئ على رشاش على المنبر تحت سمع وبصر كل الأجهزة الأمنية السورية. وأصبح مسجده قبلة ومعسكر تدريب عسكري للشباب من كل أنحاء العالم بشكل علني، وتنتشر خطبه وتدريباته وهو يحمل السلاح على الإنترنت من دون اعتراض من السلطات السورية! كما قام الأمن السوري بتسهيل مرور جهاديي البقاع الغربي في لبنان للعراق! ويبدو أن المالكي تعلم الدرس متأخراً، ولذلك بات المراقبون يلاحظون بكل سهولة دور تنظيم القاعدة/ الدولة الإسلامية في تفريغ المناطق السنية من الأمن، وإفشال كل عمليات البنية التحتية، وضرب الصحوات التى أصبحت مقلقة للمالكي، وأخيرا تقديم المبرر للسياسات الطائفية للحكومة العراقية. ولذلك، نتعجب من تكرار فرار قادة القاعدة من سجون المالكي، ولماذا تعجز قواته عن هزيمة هذا التنظيم. وقد كشفت وثائق عديدة عن تمويل إيراني وتسليح للقاعدة لبقاء التوتر والاستنفار في العراق، فضلا عن التسليح غير المباشر الذي يقوم به جيش المالكي عبر المداهمات لمناطق "داعش العراق" ثم الانسحاب مخلفا هذا الجيش وراءه العتاد والسلاح! وقد يتساءل البعض عن سبب هذه العلاقة والدعم غير المنطقي بين عدوين لدودين كما يفترض. وهو سؤال منطقي، لكن جوابه أكثر منطقية، وهو: في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، كان الإرهاب سمة التيارات والجماعات اليسارية، فهي التي دشنت خطف الطائرات، والعمليات الانتحارية. ثم خلفها في حقبة الثمانينيات الجماعات الشيعية والإيرانية بسبب المد الثوري وسياسة تصدير الثورة، ووقعت تفجيرات في مكة والكويت ولبنان والبحرين، وخطف طائرات وأخذ رهائن ومحاولة اغتيال أمير الكويت. لكن عقب وفاة الخميني وفشله في الانتصار على نظام صدام حسين، تم تغيير البوصلة الإيرانية نحو العمل على زعزعة الصف السني من داخله، عبر تحريض الجماعات السنية على الاصطدام بالأنظمة المحلية، ليصبح أغلبية السنة مصدر الخطر على الأنظمة وليس إيران وحلفاؤها الطائفيون، بل ويتقدم هؤلاء لنجدة الأنظمة وحمايتها. وقد نشر هذا فيما عرف بـ "الخطة السرية" أو "الخطة الخمسينية". وفعلا هذا ما حدث في العقدين الماضيين، وهو اليوم يترسخ مع العداء لجماعة الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية. أول توظيف لتنظيم القاعدة وجماعات التكفير من قبل إيران، هو التلاعب بها عبر احتضانها وتوفير ملاذ لها (وإن كان أشبه بالإقامة الجبرية، وأحيانا السجن والاحتجاز، كما كشف ذلك بعض أعضاء الجماعة الإسلامية في مصر)، ودعمها بالسلاح. ومن ثم توجيهها للصدام مع الدول العربية، كما جاء في اعترافات محمد العوفي، القيادي السعودي بالقاعدة، بما يزعزع الأمن والوحدة الداخلية، ويصرف النظر عن الخلايا الإيرانية النائمة. وهذه هي حقيقة التهديد المبطن للدول العربية من قبل إيران، بـ"أننا سوف نؤلب تنظيم القاعدة عليكم من جديد"، وهي الحال في اليمن مثلا. التوظيف الثاني للقاعدة وجماعات الغلو والتكفير هو التلاعب بها عبر الاختراق المباشر وتنصيب قادة إيرانيين وعراقيين وسوريين تابعين للأجهزة الأمنية فيها، لضرب القوى الثورية في سورية والعراق. وهو ما تقوم به "داعش" بشكل كامل. فما حققته "داعش" للنظامين السوري والإيراني يفوق بكثير ما قام به الجيش السوري والميلشيات الإيرانية والطائفية؛ إذ قامت "داعش" بتفتيت الجبهات وفك الحصار عن كثير من قوى الجيش النظامي، وتسليم مناطق استراتيجية لجيش بشار، واغتيال قادة ومقاومين متميزين، عجز النظام عن قتلهم! كما أن "داعش" قدمت للنظام السوري ورقة إعلامية يخاطب بها العالم، وهي أنه يقاتل جماعات تكفيرية إرهابية. والعجيب أن مناطق "داعش" لا يستهدفها النظام بالقصف ولا بالبراميل المتفجرة، كما أن الطيران يمر من فوقها ولا يكترث لها، فضلاً عن أن "داعش" تتمدد وتتوسع على الأرض على حساب الثورة السورية وليس النظام! الخلاصة هي أن إيران وحلفاءها يرعون "القاعدة" ويقيمون مع التنظيم علاقات متبادلة، ويقومون بتوظيف هذه العلاقة لشق الصف الوطني في الدول السنية، وإشغال الأنظمة بتفجيراتها، وفي الوقت نفسه يقوم حلفاؤها في كل بلد بادعاء الوطنية والحرص على الوطن، ومن أجل ذلك لا بد من دعم النظام السوري ضد الثورة السورية! كما توظف إيران "القاعدة" وجماعات الغلو لتفتيت صف المقاومة والثورة السورية، وبعد هذا كله، تدعو إيران دول الجوار إلى التعاون في محاربة الإرهاب، وتقصد القضاء على الشعب السوري! فهل نستفيق؟ - أسامة شحادة - كاتب أردني - دين ودنيا.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video