كيف استطاعت إيران تحويل الأنظار عن مئات الآلاف من القتلى والمهجرين السوريين والعراقيين إلى عشرين قتيلا في القطيف معظمهم سقط في تبادل إطلاق نار مع الشرطة السعودية؟
منذ أن صرح الفريق رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، والمستشار العسكري للمرشد الأعلى بأن حدود بلاده تمتد إلى سواحل لبنان نشهد انكماشا هذه الأيام في المقاومة السياسية للمشروع الإيراني في العراق وسوريا. أدرك الجميع الخيال الإمبراطوري الحقيقي الذي يستبد بالدولة الفارسية إلى درجة أن الجنرال صفوي أعلن بمرح كبير أنها المرة الثالثة في التاريخ التي يصل فيها نفوذ بلاده إلى لبنان.
بلغت قوة إيران درجة استيعاب سنة العراق بشكل كامل، وليس كما يصور بعض الكتاب بأن هناك انشقاقات شيعية. على العكس السنة بدؤوا يشعرون بالهزيمة، وبأن عقيدتهم لم تنتج سوى الإرهاب والخيانات، ويفكر كثير منهم بطريقة للهرب أو الخروج من هذا الفخ.
بدأنا نسمع عن ميول بعض الشباب السني للإلحاد وكراهية الإسلام بسبب الإحباط السياسي الذي يعيشونه.
الإنتخابات العراقية تحت فزاعة داعش والطريقة التي تمت بها أصابت السنة بالإحباط الشديد. والإنتخابات القادمة في سوريا تبشر هي الأخرى بإحباط سني مماثل. الكثير من السنة يعانون كراهية شديدة لذاتهم، يشتمون تاريخهم ودينهم ويعبرون علانية عن إعجاب كبير بالمشروع الصفوي الإيراني.
المثقفون السنة منقسمون إلى قسمين. هناك الإخوان المسلمون الذين يقولون بأننا لم نتبع تركيا كما تبع الشيعة إيران ويروجون لنموذج أردوغان السلطان الظافر. وهذا مطلب غريب حقاً لسببين هو أن السنة العرب ثقافتهم قومية بشكل طبيعي وقلبهم مع العرب، والثاني هو أننا لم نلمس خطوات تركية مغامرة تجاه العراق وسوريا مشابهة لموقف إيران المغامر والقوي.
من ناحية أخرى كثيرون يرون بأن العروبة هي الخلاص ويتطلعون إلى نجاح تجربة المشير عبدالفتاح السيسي. الخلاص من الإسلام السياسي جملة وتفصيلا، وكسب ثقة الأقليات، ومواجهة إيران بشيء آخر غير الدين الإسلامي السني.
في كل الأحوال المصالحة السرية في المنطقة جعلت الجو المتلبد يهدأ وهذا جيد للكتابة لأنها تمنحنا فرصة أطول للتأمل. في النهاية الشيعة لا يمقتون السنة بل يحتقرون الصحابة. والسنة لا يمقتون الشيعة بل يحتقرون عبادة البشر والقبور، وهذه قضية يمكن حلها ضمن حرية التعبير فقط.
أي أن الخلاف المذهبي ليس هو المشكلة بل الرغبة الإيرانية بالتوسع والتغيير الديموغرافي للمدن كما فعلوا ببغداد وحلب وحمص والفلوجة.
السؤال هو لماذا نجحت السياسة السعودية في مصر والبحرين ولكنها ربما لم تنجح كثيرا في العراق وسوريا؟
بتاريخ 30/5/2014 عرضت صفاء الأحمد وهي صحفية شيعية سعودية فيلما في الـ بي بي سي، تناولت فيه وبشكل وثائقي مؤثر أحداث العوامية شمال القطيف واصفة محافظة القطيف السعودية بأنها حاشدة بغليان ومظاهرات مستمرة منذ عام 2011 عام حتى يومنا هذا.
كيف استطاعت إيران نقل المعركة إلى داخل السعودية؟ وكيف يمكن لهذا الفلم أن يتم تسجيله لثلاث سنوات بصبر ودعم من محطة الـ BBC؟ إن الفلم يصور المتمردين أحياء ثم ينتظر حتى يُقتلوا في هجمات إرهابية ضد الشرطة السعودية فيعرض جثثهم بل ويذهب إلى تصوير مقابرهم. مَن وراء فلم صعب كهذا؟ إنه حتى أصعب من أفلام الأدغال في أفريقيا.
نحن نعلم بأن الشيعة في المنطقة الشرقية ليس عندهم مطالب سوى إعلان دولة تابعة لإيران، وتنظيم معسكرات تدريب استعدادا للمواجهة، وإعادة بناء القباب فوق قبور البقيع. فجعفر الصادق يقول "مَن زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا". وإيران طبعا تريد نفط السعودية بالإضافة إلى نفط العراق لكي لا تموت فقيرة.
كيف استطاعت إيران تحويل الأنظار عن مئات الآلاف من القتلى والمهجرين السوريين والعراقيين إلى عشرين قتيلا في القطيف معظمهم سقط في تبادل إطلاق نار مع الشرطة السعودية؟
الخارجية السعودية أقدم خارجية في المنطقة وأكثرها خبرة ونفوذاً فما هي المشكلة؟
المشكلة في رأيي أن السعودية اعتمدت على مستشارين عراقيين في الشأن الإيراني والعراقي وهؤلاء لم يقوموا بتضليل القيادة السعودية فحسب بل قاموا بتضليل الشارع الخليجي وتخديره.
أقترح أن تتشكل لجنة تراجع مقالات وتوقعات المستشارين والكتاب العراقيين على الخصوص وإذا تبين أن توقعاتهم وتحليلاتهم تقع ضمن التضليل أو التخدير فيجب تسريحهم والتخلص من ضررهم. - ميدل إيست أونلاين.
أسعد البصري