لا تزال أصداء خسارة بعض مرشحي تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، في الانتخابات الأخيرة داخل معقلهم الرئيسي في بغداد ومعاقل أخرى، أمام منافسيهم اللدودين المنتمين لائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي، حاضرة في أذهان المتابعين، ومُحيرة للمراقبين، رغم تسليم «الصدريين» بخسارتهم، ومرور شهر على انتهاء هذا المحفل الانتخابي العتيد. الخسارة التي شكّلت صدمة لمرشحي التيار وساسته، لم تكن كذلك بالنسبة للكثير من ناخبي مدينة الصدر، الضاحية الشرقية لبغداد التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة - نصف سكان العاصمة - غالبيتهم من أتباع «الخط الصدري» دينيا وسياسيا. إذ تأكد عبر تصريحات وردود فعل، أن بعض الناخبين في هذه المدينة المترامية الأطراف ومدن جنوبية أخرى تُعتبر معاقل رئيسة للصدريين، حسموا أمرهم عشية انتخابات 30 ابريل الماضي، بالتصويت لمصلحة قائمة المالكي ومرشحين مستقلين آخرين، على حساب من كانوا صوتوا لهم في انتخابات عام 2010. التقدم الانتخابي، كشفته تقارير إخبارية وبيانات مراقبين ووكلاء كيانات سياسية، أُفيد فيها تفوق «غير مسبوق» لائتلاف المالكي على أصحاب الأرض، بعد انقلاب الجمهور العريض على ساسة التيار الصدري وقيادته، لأسباب مختلفة. هذا التحول في الموقف، يعود إلى «نفور» تولد لدى جمهور التيار الصدري، من تصرفات وشبهات فساد أثيرت حول بعض أعضاء هذا التيار ذي التوجهات الدينية وكوادره الحزبية، والتي اعتزال بسببها زعيمهم مقتدى الصدر المشهد السياسي، إضافة إلى الإرباك الداخلي في الهيئة السياسية للتيار، من حيث تنحية وإقالة أعضاء بارزين في الحركة الصدرية. النفور الشعبي جاء أيضا من «نهج» الزعيم الشاب، الذي أعابوا عليه «مواقفه المتقلبة» لجهة اعتزاله المتكرر للسياسة والعودة إليها لاحقا، وكذلك «مماحكته» للمالكي لسبب أو دونه، و»مساندته للأكراد والسُنة على حساب البيت الشيعي الذي يواجه حرب إبادة»، مثلما يصّور المستطلع أرائهم في هذا التقرير. كما بدا واضحا امتعاض جمهور «النافرين» من تقريب الصدر «بعثيين قدماء» لتياره السياسي، وهو الذي كان يشتمهم في ويلعنهم في خطبه وبياناته، تحديدا تلك التي يستذكر فيها اغتيال والده المرجع الديني محمد صادق الصدر وشقيقيه مؤمل ومصطفى اللذين اغتالهم «النظام البعثي» في نهاية تسعينات القرن الماضي. وفي حديث مع مجموعة من شباب مدينة الصدر، التقتهم («الراي» في مقر عملهم في منطقة الباب الشرقي وسط بغداد، وبعضهم من مُقلّدي والد المعمم الشاب في أمورهم الدينية، يتضح مستوى هذا النفور وحتى النقمة مما اعتبروها «مجاملة» الصدر في موقفه من أزمة الانبار، على حساب أرواح أقاربهم من منتسبي القوات الأمنية الذين يُقتلون على يد المتمردين المحليين المدعومين بمقاتلين أجانب في المناطق ذات الغالبية السُنية من السكان. ويعلّق جاسم السوداني، صاحب مكتب لبيع الأجهزة الالكترونية، عن خسارة مرشحي التيار الصدري في الانتخابات الأخيرة، قائلا: «باختصار شديد، أردنا معاقبة قيادة التيار العليا وساسته على أفعالهم ومواقفهم المتخاذلة مما نتعرض له». وبسؤاله عن طبيعة تلك الأفعال والمواقف المستهجنة من قبله وزملاء له أيضا، يُجيب بلغة يكتنفها الانتقاد الحاد «عجزهم تجاه المجازر التي تحصل في ضاحيتنا باستمرار نتيجة التفجيرات الإرهابية، وصمتهم على ما يتعرض له أبنائنا من قتل مروع أثناء عملهم أو مجرد مرورهم في المحافظات السُنية التي يُدافع عنها السيد مقتدى..». حديث الشاب الثلاثيني، فيه إشارة مباشرة إلى الأنباء الصحافية التي أفادت قبل أشهر بمقتل عمال بناء ينحدرون من مدينته أثناء عملهم في محافظة صلاح الدين في شمال بغداد، وكذلك لمقطع فيديو موجود على الـ»يوتيوب» يظهر فيه مسلحين يُعتقد انتمائهم لـ»داعش» يقتلون ركاب بعضهم جنود وأصحاب المركبات لكونهم ينحدرون من المحافظات الجنوبية ذات الغالبية الشيعية. شاب آخر كان يجلس داخل محل الالكترونيات، تدخل مقاطعا حديث رفيقه واظهر من على شاشة جواله الفيديو الذي أُشير إليه في كلام السوداني. مثل هذه الأعمال الإجرامية يعتقد شباب مدينة الصدر أنها تستهدفهم وأبناء طائفتهم إذا ما مروا من المناطق التي ينشط فيها المتمردون الذين يقاتلون ضد الحكومة في الانبار وغيرها من المحافظات السُنية المعترضة على الحكومة المركزية في بغداد التي يقودها الشيعة. ومن الانتقادات الأخرى التي يوجهها بعض سكان مدينة الصدر لقادتهم، مثلما يقول هؤلاء الشبان، هو احتواء قوائم التيار الصدري الانتخابية على مرشحين «بعثيين قدماء»، وهنا يشيرون صراحة إلى النائب حسن العلوي الذي كان مستشار لصدام حسين قبل أن يعارضه، ليتقرب في الآونة الأخيرة من زعيم التيار وترشح عن إحدى قوائمه في الانتخابات المنصرمة. ويبدو أن الناخبين في الضاحية الشيعية الشهيرة، نجحوا في معاقبة زعيمهم عندما لم يصوتوا للعلوي ولغيره من المرشحين المتهمين بقضايا فساد أو اللذين «يحابون الباطل على حساب الحق»، كما يقول محمد البهادلي وهو شاب يعمل في برمجة الالكترونيات. وكشفت نتائج الانتخابات غير النهائية التي أعلن عنها في 19 مايو الجاري، حصول الكتل الصدرية الثلاث مجتمعة على 34 مقعدا نيابيا، وهو رقم أقل مما كانوا قد حصلوا عليه مجتمعين في الانتخابات التشريعية التي جرت قبل أربعة أعوام، حيث حصدوا 41 مقعداً. ولم يكتفي هؤلاء الشبان المولودون في بغداد بالانتقاد، بل وجهوا شتائم الى نواب وساسة ينتمون الى التيار الصدري، لأن الأخيرين «اغتنوا هم وعوائلهم على حساب الفقراء الذين انتخبوهم سابقا وأوصلوهم إلى مناصبهم الحالية». خسارة الصدريين لم تقتصر على العاصمة بغداد، بل خسروا أفضليتهم أيضا في محافظة ميسان، التي كان يكتسحون فيها منافسيهم في الانتخابات المحلية والتشريعية في دورات سابقة، إلا انه في انتخابات الشهر الماضي حل الصدريون في المرتبة الثانية بعد ائتلاف «دولة القانون» بزعامة المالكي، كما خسروا مقاعد لهم في محافظات أخرى لصالح منافسين آخرين من كتل مختلفة. رّدة فعل الصدريين على هذه الخسارة الموجعة، اتسمت بالتزام الصمت وجلد الذات في بادئ الأمر لتوجه الاتهامات فيما بعد نحو مفوضية الانتخابات بـ«التزوير» و«التلاعب» لمصلحة قائمة رئيس الحكومة، وكذلك توجيه اللوم على استحياء لجمهورهم الذي تعددت خياراته بعد تراجع شعبية الصدر وتياره السياسي عندهم، وليتزامن ذلك عن أحاديث متواترة عن «مناوشات كلامية واحتكاكات وقعت لاحقا بين من انتخب قوائم الصدر والنافرين منه». الرأي.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video