ولاء المالكي، مثل ولاءات خصومه من الشيعة، لإيران. المالكي يتفوق عليهم برضا الأميركيين ومال الدولة العراقية.
ما الذي يعنيه أن ينال سياسي فاشل مثل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الجزء الاكبر من أصوات الناخبين، وسط نقمة شعبية متزايدة مصدرها عجز الحكومة التي يرأسها المالكي نفسه عن ادارة شؤون البلاد؟
أما أن تكون تلك الانتخابات قد شابها نوع من التزوير أو أن شيئا غير حقيقي قد وجه ارادة الناخب العراقي في الاتجاه المضاد لما كان يعلنه.
التزوير محتمل في بلد كالعراق، بغض النظر عن وجود فرق الرقابة الدولية التابعة لاطراف لا تجد من مصلحتها أن يتغير الواقع السياسي في العراق. اما ذلك الشيء غير الحقيقي الذي صنع واقعا لم يكن متوقعا فانه يتعلق بالميزانية الهائلة التي خصصها المالكي وفريقه لشراء أصوات الناخبين في ظل الفقر الذي تعيشه شرائح كبيرة من المجتمع العراقي كانت ولا تزال تتعرض لعمليات غسل دماغ طائفية ممنهجة.
ومع ذلك فان نجاح المالكي في حصاد الجزء الاكبر من أصوات الناخبين لن يؤهله وفق الدستور العراقي لتشكيل الحكومة. ذلك لان الاغلبية من مقاعد البرلمان قد توزعت بين كتل سياسية اتفقت على أن لا تهبه فرصة الاستيلاء على السلطة في ولاية ثالثة، كان قد وعد نفسه بها.
لم يكن الرافضون للولاية الثالثة إلا خصومه الذين استعداهم خلال ولايتيه المنصرمتين، غير أن مشكلة أولئك الخصوم تكمن في أن أي واحد منهم لا يملك قرارا مستقلا ولا يثق احدهم بالآخر. وهو ما يعرفه المالكي جيدا وقد وضعه بين أوراقه ليستعمله في الوقت المناسب باعتباره رصيدا لقوته.
يتوزع خصوم المالكي بين ولائين: الاول من جهة الكم هو الولاء لايران والثاني من جهة النوع هو الولاء للولايات المتحدة. غير أن موالي المحتل السابق يدركون أنهم صاروا الاقل حيلة في بلد وضعه المالكي بحنكة رجل المكائد والدساس الحزبية تحت الهيمنة الايرانية.
لقد استطاع المالكي عبر ثمان سنوات من سيطرته على مقاليد الامور في العراق أن يضعف علاقة عمار الحكيم ومقتدى الصدر بايران اللذين كانا في الماضي أكثر ولاء لايران منه. اما الفريق الثاني والذي يمثله الأكراد وعلاوي وممثلو العرب السنة فلا يزال يمثل بالنسبة للمالكي خطرا بسبب ما ينطوي عليه ولاؤهم للولايات المتحدة من تحد، قد يربك خطواته في ذهابه مرتاحا إلى ولاية ثالثة، بالرغم من أنه يدرك أن ادارة الرئيس اوباما وقد تركت العراق إلى حاله سوف لن تتعب نفسها في التفكير بمَن يحكم العراق.
اصرار المالكي على البقاء في السلطة في ولاية ثالثة كان قد سبق الانتخابات ومهد لها. وهو ما يعني أن الرجل قد وقع في سحر السلطة، وهو ما يؤكد تحوله المأساوي من رجل كان يدير مكتبا لتزوير الجوازات في السيدة زينب بدمشق إلى مستبد سيكون في إمكانه أن يعيد العراقيين إلى سالف عهدهم وإن بطريقة هزلية.
ولكن يبقى احتمال مواجهة المالكي كتلة مضادة صلدة واردا. وهو ما كان المالكي قد هيأ له حشودا من المناصرين. إنها حربه الأخيرة التي لن يخوضها هذه المرة ضد السنة بل ضد الشيعة، بالمعنى الذي يكشف عن موقف المالكي وحزبه من المرجعية الدينية في النجف وهو موقف يتسم بالعدائية، بالرغم من أن النفاق السياسي كان قد فرض على المالكي في أوقات سابقة خيارا مختلفا.
في أسوأ الاحوال فان حربا يشنها المالكي على الشيعة المارقين ستسدد خطاه بطلا مذهبيا يدافع عن المذهب الصحيح في مواجهة المنحرفين عن المذهب الذين صاروا يفضلون تنفس هواء العلمانية على البقاء في العفن الطائفي. هي حجة أخرى سيروج لها المالكي من أجل حرب انتظرها طويلا.
فاروق يوسف - ميدل ايست أونلاين