يتسابق الحراك السياسي لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة مع مياه نهر الفرات التي باتت على مشارف بغداد.
فالاول يسعى لبلورة ملامح خارطة التحالفات السياسية التي انتجتها الانتخابات لتشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، لطرح شكل ورئيس الحكومة العتيدة، بينما الثاني يهدد تسعة ملايين عراقي يسكنون بغداد بالغرق قد يضع العراق برمته في اتون فيضان لم ينج منه احد.
وبين المسارين يقف العراق على مفترق طرق مفتوحة على جميع الاحتمالات، مالم تتضافر جهود الجميع لانقاذ العملية السياسية والعاصمة العراقية من الغرق.
العراق على عتبات التغيير
وبعد ايام من انتهاء الانتخابات تلوح بالافق ملامح تحالف جديد قد يضع العراق على اعتاب مرحلة جديدة عنوانها التغيير وتصحيح مسار العملية السياسية.
واستنادا الى مصادر متطابقة فان رئيس المجلس الاعلى عمار الحكيم هو من يقود جهود الحراك السياسي لتوحيد مواقف الرافضين لتجديد ولاية المالكي الثالثة عبر تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى التي تتمتع بحق تشكيل الحكومة وتسمية رئيسها.
وكشفت المصادر عن ان الحلف الذي بات يعرف بالحلف الخماسي ،يضم اضافة الى كتلة الحكيم، التيار الصدري وائتلافي النجفي وعلاوي والتحالف الكردستاني، وهو تحالف باستطاعته الوصول الى عتبة النصف زائد واحد للفوز بتشكيل الحكومة.
وما يعزز جهود تشكيل التحالف الخماسي سعي الحكيم لاعادة هيكلة التحالف الشيعي الذي تصدع خلال السنوات الاخيرة بتفرد المالكي باتخاذ القرارت وبالتعاطي مع التحديات السياسية والعلاقة مع شركاء العملية السياسية حسب المصادر ذاتها.
وتوقعت المصادر نفسها ان يرفض المالكي مبادرة الحكيم لاعادة هيكلة التحالف الشيعي، الامر الذي سيعزز حظوظ الاخير في الانفتاح على القوى السنية والكردية مدعوما من التيار.
ومن شأن هذا الخيار طبقا لنتائج الانتخابات ان يعطي كتلة الحكيم مرونة في الانفتاح على جبهة المعارضين لتجديد ولاية المالكي، وايضا تاثيراته في البيت الشيعي التي باتت اطرافه تنحو الى خيار تبادل الادوار بين مكوناته في رئاسة الحكومة بعد منح هذا الحق لحزب الدعوة الذي يرأسه المالكي لفترتين.
التأييد الخارجي
يشار الى ان ائتلاف دولة القانون اكد ان نوري المالكي هو مرشحه الوحيد لتولي منصب رئيس الوزراء القادم في حكومة الاغلبية السياسية، معتمدا على نتائج الانتخابات وتأييد اطراف سنية وربما كردية لتجديد ولايته، واحتمالات تأييد طهران وواشنطن له.
وفي السياق ذاته اكدت كتلتا الأحرار ومتحدون وجود اتفاق مبدئي بين 5 مكونات سياسية، بضمنها المواطن والكردستاني وائتلاف علاوي، على إنشاء ائتلاف قوي يقوم بتشكيل الحكومة ومنع المالكي من الحصول على ولاية ثالثة.
وكشف نواب من القوى الخمسة عن لقاءات سبقت الانتخابات اجرتها هذه الكتل لتحديد ملامح الحكومة المقبلة، مؤكدين ان جميع الاطراف ينتظرون ظهور النتائج النهائية للاقتراع، للبدء بمفاوضات تشكيل الحكومة. ووصفوا حكومة الأغلبية التي ينادي بها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بأنها باتت حلماً بعيد المنال، اقترحوا حكومة توافقية تحظى فيها جميع المكونات بتمثيل يناسب حجمها داخل البرلمان.
وكرر رئيس الوزراء سعيه لتشكيل حكومة الأغلبية السياسية في المرحلة المقبلة، الا ان هذه الدعوة تواجه مخاوف اطراف سياسية عدة من ان تكون بابا جديداً لإقصاء وتهميش ممثلي المكونات الأخرى.
مرحلة تفرض التحالفات
واعتبر جواد الجبوري، المتحدث باسم كتلة الاحرار، ان دعوة المالكي لتشكيل حكومة الأغلبية، بعد عجزه عن الفوز بالمقاعد البرلمانية الكافية، أصبح حلما وأمرا مستحيلا، وقال إن من الصعب على اية كتلة تحقيق النصف زائد واحد من دون الانفتاح على الكتل الاخرى.
ورأى الجبوري ان رئيس الوزراء المنتهية ولايته لم يفلح في الاستفادة من منصب رئاسة الحكومة لا له شخصيا ولا حتى لحزبه بتحقيق الفوز الكاسح في الانتخابات البرلمانية، لافتا الى ان حديث المالكي عن قدرته على تشكيل حكومة أغلبية سياسية تتضمن نوعا من التحدي والاستعداء واستبعادا للآخرين.
ويؤكد المتحدث باسم كتلة الأحرار ان التغيير الذي يحظى بتأييد المرجعيات الدينية والرأي العام ومنظمات المجتمع المدني اصبح امرا واقعيا من أجل تغيير سياسة الإقصاء والتهميش
وكشف عن عقد كتلتي الأحرار والمواطن عدة لقاءات واجتماعات من أجل اعادة تفعيل الائتلاف الوطني (المجلس والاحرار) لانهما سيشكلان الأغلبية داخله وان مرشح رئاسة الوزراء سيكون من هذا الائتلاف تحديدا.
ويؤكد ائتلاف متحدون، بزعامة أسامة النجيفي، أنه اجرى عدة لقاءات مع التحالف الكردستاني وكتلة الأحرار والمواطن قبل يوم واحد من اقتراع 30 نيسان الماضي.
وبين النائب السابق جمال الكيلاني ان اللقاءات كانت تتركز على تشكيل تحالف قوي قادر على تشكيل الحكومة القادمة، مشيرا الى ان تأليف حكومة اغلبية اصبح أمراً صعباً بسبب قانون الانتخابات الذي سيسمح بوصول كتلة صغيرة للبرلمان.
واعتبر تشكيل حكومة أغلبية برئاسة المالكي امرا صعبا لان حكومته لم تفِ بمطالب الشعب، متوقعا حصول ائتلاف الاحرار، والمواطن، والتحالف الكردستاني، ومتحدون، وبعض الكتل الاخرى التي تنضوي معه على ما يقارب من 225 مقعدا.
توجه لحكومة ائتلافية لا تضم المالكي
الى ذلك اعتبر محمود خليل، النائب عن التحالف الكردستاني، ان تلويح المالكي بقدرته على تشكيل حكومة أغلبية قبل الانتخابات هي دعاية انتخابية مرجحا تشكيل حكومة ائتلافية تختلف عن حكومة المالكي المنتهية ولايتها بعدما خلقت الازمات وفشلت في تقديم الخدمات والامن والبنى التحتية.
ويعتقد خليل، ان الحكومة القادمة ستكون توافقية ممثلة حسب المعدل الانتخابي لكل كتلة في الحكومة، مؤكدا ان نتائج الانتخابات والتحالفات هما من سيحدد رئيس الوزراء للمرحلة المقبلة. وفي السياق ذاته، اكد سالم دلي، عضو ائتلاف الوطنية بزعامة اياد علاوي، عن تراجع كبير في شعبية رئيس الوزراء نوري المالكي في الانتخابات البرلمانية، وما حصل عليه من مقاعد هو نتيجة عدم رضا الجماهير العراقية على أداء حكومته في المرحلة المنصرمة حسب وصفه.
ولفت دلي الى وجود رؤية مشتركة بين التيار الصدري وائتلاف الوطنية والتحالف الكردستاني وائتلاف المواطن ومتحدون على تشكيل حكومة أغلبية سياسية في المرحلة المقبلة، مبينا أن كتل الوطنية، الأحرار، المواطن، متحدون، التحالف الكردستاني لديها رؤية موحدة في عدم السماح للمالكي بالتجديد لولايته الثالثة، مؤكدا وجود لقاءات جرت بين هذه الكتل قبل الانتخابات، لكن لم تتبلور هذه الاجتماعات إلى ورقة عمل او مشروع كامل وهي تنتظر اعلان نتائج الانتخابات بشكلها النهائي. ورأى دلي ان المشاكل التي تواجه العراق حاليا هي من وحدت أغلبية الكتل السياسية ضد الاداء الحكومي لقناعتها التامة بان حكومة المالكي غير قادرة على تلبية مطالب الجماهير.
حل ازمة الانبار سياسيا
وتعهّد نواب من ائتلافي المواطن والأحرار باعتماد العقلانية والابتعاد عن التصريحات المتشنجة في ادارة مشاكل البلاد الداخلية والخارجية في الحكومة القادمة، وشددوا على رغبة بحل سياسي سريع لأزمة الأنبار المتفاقمة منذ شهور، وتغليب لغة الحوار والتفاهمات مع الأطراف الاجتماعية والسياسية في المحافظة، وإشراكهم بشكل «حقيقي» في صناعة القرارات الكبرى، منتقدين تردي الأوضاع الخدمية والأمنية وارتفاع نسبة الفقر في ظل ولايتي المالكي الماضيتين.
وكانت كتل سياسية اكدت وجود اتفاق مبدئي بين 5 مكونات سياسية، بضمنها المواطن والأحرار ومتحدون والكردستاني وائتلاف علاوي، على إنشاء «ائتلاف قوي» يقوم بتشكيل الحكومة، ومنع المالكي من الحصول على ولاية ثالثة. وكشف نواب عن لقاءات سبقت الانتخابات بيوم واحد، اجرتها هذه الكتل لتحديد ملامح الحكومة القادمة، مؤكدين ان جميع الاطراف تنتظر ظهور النتائج النهائية للاقتراع، للبدء بمفاوضات تشكيل الحكومة.
وكشف القيادي والمرشح عن التيار الصدري في بغداد امير الكناني في تصريح الى «المدى» عن وجود «تفاهمات» مع عدد من شركاء العملية السياسية في التحالف الوطني وخارجه، للاتفاق على تشكيل الحكومة القادمة، لافتا الى ان رئيس الوزراء القادم سيكون على جدول أعماله ملفات ثقيلة يجب الاسراع في حسمها. ولفت الى ان على رئيس الوزراء القادم ان يوقف «التدهور الحاصل في العلاقة بين الاقليم والمركز، والمحافظات الغربية وبغداد»، وان يحاصر تداعيات العنف الطائفي، وايجاد حلول لوضع كركوك، ومسألة النفط.
ويرى الكناني المرشح عن تيار النخب التابع للتيار الصدري ان الاهم قبل الشروع بعملية تصحيح الوضع السياسي والامني في العراق، ان «يعاد زرع الثقة بين شركاء العملية السياسية»، مشيرا الى ان اتفاقية اربيل السابقة، التي تم على اساسها تشكيل حكومة 2010، فسدت منذ اليوم الاول بسبب «فقدان الثقة بين الاطراف التي شكلت الحكومة».
ويؤكد الكناني ان قضية الانبار، والجيش الذي يقاتل فصائل مسلحة هناك منذ بداية العام الحالي، من دون حسم واضح للمعركة، «تحتاج الى اشراك العشائر والاطراف السياسية بشكل مباشر وحقيقي في العملية السياسية»، وان يكونوا «شركاء في صنع القرارات الكبيرة»، محذرا من ان استمرار تجاهل الانبار ومعاملة مواطنيها «كدرجة ثانية»، سيجعلها «حاضنة كبيرة للارهاب»، محذرا في الوقت نفسه من تمدد «المليشيات» الشيعية والسنية، والتي يؤكد ان الحكومة القادمة يجب ان لاتسمح بوجود «السلاح خارج سلطتها».
ويشير القيادي الصدري الى ان الحكومة المقبلة، يجب ان «تحترم القوانين النافذة، والدستور»، والابتعاد عن السماح لجهات «بالسيطرة على المؤسسات الحكومية والمستقلة»، لافتا الى ضرورة انهاء ظاهرة «إدارة المؤسسات والوزارات بالوكالة»، معتبرا ان بقاء هذه الظاهرة بسبب «عدم الاتفاق بين الشركاء».
توازن العلاقات مع الجوار
وبشأن ملف العلاقات الخارجية، التي تعرضت الى هزات، في ولايتي المالكي الماضيتين، لاسيما مع تركيا والسعودية، اكد الكناني ان «المبادئ الاساسية التي تحكم العلاقات الخارجية بين الدول هو عدم التدخل في شؤون الاخر، والابتعاد عن المواقف والتصريحات المتشنجة». واوضح ان على الحكومة القادمة ان تحافظ على «علاقات متوازنة» بين تركيا وايران والسعودية، «ولا تنفتح على دول وتنغلق على اخرى». في حين يؤكد ان «مصلحة العراق هي النقطة الاهم في العلاقات مع الدول الاخرى». ويشير الى ان الدول العربية، وخاصة الخليج، «ليس لديها مانع برئيس وزراء شيعي، لكنها ضد سياسة الهجوم التي تتبناها الحكومة».
وشهدت العلاقات العراقية التركية، توترات بسبب قضية نائب رئيس الجمهورية المحكوم بالإعدام طارق الهاشمي بقضايا الإرهاب ولجوئه إلى تركيا بعد صدور مذكرة اعتقال بحقه في (10 كانون الثاني 2012). بينما تمر العلاقة مع الرياض بأزمة شديدة.
في غضون ذلك يقول القيادي في كتلة المواطن علي شبر ان ائتلافه وضع برنامجا متكاملا لحل المشاكل الاقتصادية والصحة والخدمات، ووضع حلولا للتدهور الامني، ويؤكد شبر ، ان «برنامج قائمته، لو سمح له بتشكيل الحكومة، سيقوم سريعا بتقديم مبادرات لحل معظم المشاكل، وفق المخطط له في برنامجه»، مشيرا الى ان ائتلافه يمتلك رؤية في الوضع الصحي والخدماتي، والارتقاء بالمستوى المعيشي، والاهتمام بشريحة الفقراء الذين فاقت أعدادهم التسعة ملايين شخصا، وتشغيل الايدي العاملة واعادة احياء المصانع.
وعن الانبار يقول شبر، ان الأزمة اخذت مديات واسعة، وانهكت الجيش بسبب سوء الادارة، من دون الوصول الى حسم واضح للحرب الدائرة منذ شهور في المحافظة، واشار الى ان الحكومة المقبلة عليها «احتواء الازمة سياسيا، ومحاصرة أسباب الفتنة، والابتعاد عن التصعيد، ومحاورة كل اطراف الازمة»، ولفت الى ضرورة ضرب الجماعات المسلحة، وتحييد الأهالي والمواطنين في الحرب.ويؤكد القيادي في المواطن ان ائتلافه لو تمكن من تشكيل الحكومة القادمة، سيقوم على «تطبيع العلاقات مع كل الدول»، واستخدام «خطاب هادئ بعيدا عن التشنج وتعكير اجواء حسن الجوار».
التحالف الوطني يتحول الى مؤسسة سياسية
وقال رئيس المجلس الاعلى الإسلامي عمار الحكيم، السبت الماضي، أن ائتلافه يمد يده للجميع من أجل تشكيل حكومة وطنية حقيقية مبنية على مشروع واضح وخطة عمل متفق عليها.بينما قال بعيد انتهاء عملية التصويت، الاربعاء الماضي، بانه يسعى مع الشركاء لجعل «التحالف الوطني» مؤسسة سياسية، لتشكيل الحكومة المقبلة.