آخر تحديث للموقع :

الأثنين 7 ربيع الأول 1446هـ الموافق:9 سبتمبر 2024م 10:09:23 بتوقيت مكة
   مشاهدات من زيارة الأربعين 2024م ..   تم بحمد الله إصلاح خاصية البحث في الموقع ..   افتتاح مرقد الرئيس الإيراني الراحل ابراهيم رئيسي ..   ضريح أبو عريانة ..   شكوى نساء الشيعة من فرض ممارسة المتعة عليهن ..   باعتراف الشيعة أقذر خلق الله في شهوة البطن والفرج هم أصحاب العمائم ..   قصة الجاسوسة الإسرائيلية في إيران ..   طقوس جديدة تحت التجربة ..   تحريض مقتدى الصدر على أهل السنة ..   فنادق جديدة في بغداد وكربلاء لممارسة اللواط ..   يا وهابية: أسوار الصادق نلغيها ..   حتى بيت الله نحرقة، المهم نوصل للحكم ..   كيف تتم برمجة عقول الشيعة؟ ..   لماذا تم تغيير إسم صاحب الضريح؟ ..   عاشوريات 2024م ..   اكذوبة محاربة الشيعة لأميركا ..   عند الشيعة: القبلة غرفة فارغة، والقرآن كلام فارغ، وحبر على ورق وكتاب ظلال ..   الأطفال و الشعائر الحسينية .. جذور الإنحراف ..   من يُفتي لسرقات وصفقات القرن في العراق؟ ..   براءة الآل من هذه الأفعال ..   باعترف الشيعة أقذر خلق الله في شهوة البطن والفرج هم أصحاب العمائم ..   الشمر زعلان ..   معمم يبحث عن المهدي في الغابات ..   من كرامات مقتدى الصدر ..   من صور مقاطعة الشيعة للبضائع الأميركية - تكسير البيبسي الأميركي أثناء قيادة سيارة جيب الأميركية ..   من خان العراق ومن قاوم المحتل؟   ركضة طويريج النسخة النصرانية ..   هيهات منا الذلة في دولة العدل الإلهي ..   آيات جديدة ..   من وسائل الشيعة في ترسيخ الأحقاد بين المسلمين ..   سجود الشيعة لمحمد الصدر ..   عراق ما بعد صدام ..   جهاز الاستخبارات الاسرائيلي يرفع السرية عن مقطع عقد فيه لقاء بين قاسم سليماني والموساد ..   محاكاة مقتل محمد الصدر ..   كرامات سيد ضروط ..   إتصال الشيعة بموتاهم عن طريق الموبايل ..   أهل السنة في العراق لا بواكي لهم ..   شهادات شيعية : المرجع الأفغاني إسحاق الفياض يغتصب أراضي العراقيين ..   محمد صادق الصدر يحيي الموتى ..   إفتتاح مقامات جديدة في العراق ..   كمال الحيدري: روايات لعن الصحابة مكذوبة ..   كثير من الأمور التي مارسها الحسين رضي الله عنه في كربلاء كانت من باب التمثيل المسرحي ..   موقف الخوئي من انتفاضة 1991م ..   ماذا يقول السيستاني في من لا يعتقد بإمامة الأئمة رحمهم الله؟ ..   موقف الشيعة من مقتدى الصدر ..   ماذا بعد حكومة أنفاس الزهراء ودولة العدل الإلهي في العراق - شهادات شيعية؟ ..

" جديد الموقع "

تحقيق مواقف الصحابيين طلحة والزبير رضى الله عنهما فى الفتنة الكبرى ..

تحقيق مواقف الصحابيين طلحة و الزبير في الفتنة الكبرى
(35- 36 هجرية)
                                        

 الدكتور خالد كبير علال
أستاذ التاريخ الإسلامي – الجزائر
 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

 
      الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على الرسول الكريم ، وبعد ، يندرج هذا البحث ضمن : سلسلة دراسات نقدية هادفة عن مواقف الصحابة بعد وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام-، و قد خصصته لتحقيق مواقف الصحابيين طلحة بن عبيد الله  و الزبير بن العوام رضي الله عنهما- في الفتنة الكبرى ، و قد اخترت منها ستة مواقف هي من أشهر مواقف الرجلين و أخطرها ، و هي أيضا ذات أهمية، و الروايات حولها مختلفة. و قد أخذت على نفسي أن أخضع كل ما جمعته عن تلك المواقف- للنقد و التمحيص مطبقا عليها منهج أهل الحديث في نقد الخبر ، و سأسعى-بإذن الله- للالتزام به و تطبيقه قد المستطاع.
      و أخيرا أرجو أن أكون قد وفقت في تمييز صحيح الأخبار من سقيمها ، فيما يتعلق بمواقف الصحابيين طلحة و الزبير-رضي الله عنهما- في الفتنة الكبرى. و أكون -أيضا- قد أقمت الدليل على أن مواقف الصحابة في تلك الفتنة ، قد تعرّضت للدس و التحريف المتعمدين ، على يد عصابة تخصصت في الكذب و اتخذته دينا.
 
     و من الله الكريم نسأل التوفيق و السداد ، و أن يجعل عملي هذا خالصا لوجه الكريم ، و أن ينفع به قارئه ،و يجازي كل من سعى في إخراجه و توزيعه أحسن الجزاء ، انه سميع مجيب  و الحمد لله رب العالمين.
                                                     د /خالد كبير علال / الجزائر                                               

 

الفصل الأول

كيفية بيعة طلحة و الزبير لعلي

    -رضي الله عنهما-
        اتفقت كل الروايات-تقريبا- على أن طلحة بن عبيد الله  و الزبير بن العوام-رضي الله عنهما- قد بايعا علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- بعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان-رضي الله عنه- ، لكنها اختلفت في الكيفية التي بايعاه بها. فهل بايعاه طائعيّن ، ام مكرهيّن ؟ فقالت طائفة من الروايات أنهما بايعاه طواعية ، و قالت طائفة أخرى أنهما بايعها مكرهيّن. و سكتت طائفة ثالثة عن الكيفية التي تمت بها البيعة.و كل هذه الروايات سنعرضها أولا ، ثم نحققها و ننقدها ثانيا بحول الله تعالى-.

أولا : مضمون روايات البيعة : 
     فبخصوص مضمون تلك الروايات ، فمنها ثماني روايات صرّحت بأن طلحة و الزبير قد بايعا عليا طواعية دون إكراه ، الأولى رواها الطبري ، و مفادها أنه لما قتل الخليفة عثمان بن عفان ، اجتمع المهاجرون و الأنصار يتقدمهم طلحة و الزبير ، فأتوا عليا و طلبوا منه تولي الخلافة فاعتذر لهم ثم كرروا عليه طلبهم مرارا حتى استجاب لهم في آخر مرة ، و خرج معهم إلى المسجد ، فتكلّم فيهم ثم بايعوه [1].
 
    و الثانية رواها أيضا- الطبري و فيها أنه لما قتل عثمان خرج علي إلى السوق فتبعه الناس ، فهرب منهم و دخل بستانا ، فلحقوا به يتقدمهم طلحة و الزبير ، فقالا لعلي : مد يدك لنبايعك ، فمدهما فبايعاه  ، ثم خرج معهم إلى المسجد فبايعه الناس [2]. و الرواية الثالثة هي أيضا للطبري ، و فيها أن علي بن أبي طالب جاء إلى طلحة و قال له : ابسط يدك لأبايعك. فقال له طلحة : أنت أحق ، و أنت أمير المؤمنين ، فابسط يدك ، فبسط يده و بايعه طلحة [3].

     و الروايتان الرابعة و الخامسة رواهما ابن أبي شيبة ، ففي الرابعة أن الأشتر النخعي أحد رؤوس الفتنة- قال أنه رأى طلحة و الزبير بايع عليا طائعين غير مكرهين[4].و الخامسة فيها أن عليا قال : (( إن طلحة و الزبير بايعا طائعيّن غير مكرهيّن ))[5].

     و أما الروايتان السادسة و السابعة ، فواحدة لليعقوبي ،و الأخرى لابن الأثير ، و قد أكدتا على أن طلحة و الزبير بايعا عليا طواعية دون إكراه[6]. و آخر تلك الروايات الثامنة- وردت في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة ،و فيها أن عليا خاطب طلحة يوم الجمل و قال له : إنك بايعت طائعا غير مكره[7]

    
     و أما بالنسبة للروايات التي صرّحت بأن طلحة و الزبير بايعا عليا مكرهيّن لا طائعيّن ، فسأذكر منها إن شاء الله ثلاث عشرة رواية ، من بينها سبع للطبري ، أولها فيها نصّ على أن طلحة و الزبير تخلّفا عن بيعة علي عندما بايعه الناس ، فأرسل إليهما ليبايعانه ، فتلكأ طلحة ، فقام إليه الأشتر النخعي و قال له : (( و الله لتبايعن أو لأضربن به ما بين عينيك )) ، فقال طلجة : (( و أين المفر عنه )) ، ثم بايع هو و الزبير عليا[8]-رضي الله عنهم -.

     و الثانية ذكرت أن عليا خيّر طلحة و الزبير بين أن يبايع لهما ، أو يبايعانه  فبايعاه. ثم قالا بعد ذلك أنهما بايعاه خوفا على نفسيهما[9]. و الرواية الثالثة ، فيها أن طلحة بايع عليا مع الناس في المسجد و هو غير راض[10]. و نفس الأمر ذكرته الرواية الرابعة ، فقد نصّت على أن طلحة بايع مكرها ،و السيف على رأسه[11]. و جاء في الرواية الخامسة أنه لما اجتمع الناس على علي بن أبي طالب تخلّف طلحة ، فذهب إليه الأشتر النخعي ، فقال له طلحة : دعني أنظر ما يصنع الناس. فلم يدعه و جاء به بعنف إلى المسجد ، فبايع عليا[12].

    و أما الرواية السادسة ، فقد ذكرت أنه لما قتل عثمان-رضي الله عنه- أمهل قتلة عثمان أهل المدينة يومين لتعيين خليفة ، و إلا سيقتلون كبار الصحابة ، كعلي و طلحة و الزبير-رضي الله عنهم- ؛ فذهب الناس إلى علي فمازالوا به حتى وافق على تولي الخلافة. فذهب البصريون إلى الزبير ،و الكوفيون إلى طلحة ،و أجبروهما على القبول بعلي خليفة ، ثم عندما اجتمع الناس في المسجد لبيعة علي ، جاء البصريون بالزبير ،و الكوفيون بطلحة ، فبايعها عليا و قالا أنهما يبايعان مكرهيّن[13].

     و الرواية السابعة-من روايات الطبري- تقول أن حكيم بن جبلة العبدي   أحد رؤوس الفتنة- جاء بالزبير فمازال به حتى بايع ؛ فكان الزبير رضي الله عنه يقول : (( جاءني لص من لصوص عبد القيس ، فبايعت و اللج-السيف- على عنقي ))[14].
     
   و أما الروايات المتبقية ، فمنها الرواية الثامنة ، و قد وردت في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة ،و فيها أن طلحة قال أنه بايع عليا مكرها ، و السيف على عنقه[15].و الرواية التاسعة ذكرها ابن الجوزي في المنتظم ، و فيها أن طلحة و الزبير بايعا عليا مكرهيّن[16]. و في الرواية العاشرة-لابن الأثير- فيها أن طلحة و الزبير بايعا عليا-رضي الله عنهم- مكرهيّن خوفا على نفسيهما[17]. و في الرواية الحادية عشر للذهبي- أن قتلة عثمان هم الذين أحضروا طلحة ، فمازالوا به حتى بايع عليا ، فكان أول من بايعه[18].

         و الروايتان الأخيرتان الثانية عشرة و الثالثة عشرة- رواهما الحافظ بن كثير ، ففي الأولى أنه لما خرج طلحة و الزبير-رضي الله عنهما- إلى البصرة و قال لهما بعض الناس : ألم تبايعا عليا ؟ قال : بلى و السيف على العنق[19]. و في الثانية الثالثة عشرة أنه لما التقى أصحاب طلحة و الزبير بأصحاب علي في البصرة ، اتفقا على أن يرسلوا إلى المدينة كعب بن سوار ليأتيهم بحال طلحة و الزبير ، فيما يخص بيعتهما لعلي ، أبايعاه مكرهيّن أم طائعيّن ؟ فلما وصل المبعوث إلى المدينة، و كان يوم جمعة دخل المسجد و سأل الناس عن الأمر الذي جاء من أجله  فسكتوا ، إلا أسامة بن زيد-رضي الله عنه- فإنه قال : بل كانا مكرهين. فنهض إليه بعض الناس ليضربوه ، فتدخل قوم و خلّصوه من أيديهم ،و قالوا له : أما وسعك ما وسعنا. ثم كتب علي رضي الله عنه- إلى السائلين يقول لهم عن طلحة و الزبير : (( إنهما لم يكرها على فرقة ، و لكن أكرها على جماعة ))[20].
     
   و أما بخصوص الروايات التي أثبتت بيعة طلحة و الزبير لعلي رضي الله عنهما- و سكتت عن الكيفية التي تمي بها تلك البيعة ، فهي على نوعين ، الأول تضمن روايات فيها إحاءات على أن البيعة تمت طواعية ، لكن ذلك يبقى مجرد احتمال راجح ،و تبقى الرواية تتضمن أن كيفية البيعة مسكوت عنها.و النوع الثاني تضمّن روايات أثبتت البيعة ،و ليس فيها أية إشارات إلى الكيفية التي تمت بها البيعة.

         فمن روايات النوع الأول ، أربع روايات ، الأولى و الثانية رواهما البيهقي ، في إحداهما أنه لما قتل عثمان برز علي بن أبي طالب للناس ،و دعاهم إلى بيعته ، فبايعوه و لم يعدلوا به طلحة و لا غيره[21]. و في الثانية أن عليا قال عن طلحة و الزبير أنهما بايعاه في المدينة ،و خالفاه في البصرة[22].

   و الثالثة رواها الطبري ، و فيها أن الصحابة أتوا عليا في بيته، و طلبوا منه تولي الخلافة فامتنع ، فمازالوا به حتى وافق على توليها ، على أن تتم البيعة في المسجد ، فخرج إليه و بايعه المهاجرون و الأنصار ، ثم تبعهم باقي الناس[23].و الرواية الرابعة للمسعودي، ذكر، فيها أن طلحة هو أول من بايع عليا ثم نكث[24].

   و أما روايات النوع الثاني ، فهي قد نصت على أن طلحة و الزبير بايعا عليا دون أية إشارات للكيفية التي تمت بها تلك البيعة ، و قد روى بعضها أحمد بن حنبل ،و ابن جرير الطبري ، و أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ،و ابن طاهر المقدسي [25].

        و ختاما لمجموعة روايات بيعة طلحة و الزبير لعلي-رضي الله عنهم- أشير هنا إلى أنه توجد روايات أخرى تفيد بأن طلحة و الزبير قد تأخرا عن البيعة ، و في بعضها أن الزبير لم يبايع أصلا.و قد جمعت منها ثلاث روايات. الأولى رواها الطبري ، و فيها أنه لما قتل عثمان-رضي الله عنه- و بايع الناس عليا لم يحضر الزبير ، فذهب علي إلى بيته -أي بيت الزبير-، فدخل و سلم عليه ، ثم خرج مسرعا لما رأى سيفا تحت الفراش تظهر منه ذبابته ، فوجد الناس في انتظاره ، فقال لهم إن الزبير بايعه و وجد منه حسن الاستقبال[26].

      و الثانية رواها الحاكم النيسابوري ،و فيها أن رجلا من أصحاب علي،  مر يوم الجمل بطلحة و هو صريع في آخر رمق ، فلما عرفه أنه من أصحاب علي بن أبي طالب ، قال له طلحة : ابسط يدك أبايعك ، فبسط يده و بايعه ، و فارق الحياة ، ثم أخبر الرجل عليا بما حدث له مع طلحة ، ففرح علي و قال : (( أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا و بيعتي في عنقه ))[27]. و هذا يعني أن طلحة إما أنه كان قد بايع ثم نكث ، فجدد بيعته قبل وفاته ، و إما أنه لم يبايع أصلا إلى أن بايع عندما حضرته الموت ، على حسب ما قالته هذه الرواية.
  
    و أما الرواية الأخيرة- الثالثة- فقد رواها المؤرخ ابن الأثير الجزري ( 630ه ) ، و ذكر أنه قيل أ ن الزبير بن العوام لم يبايع علي بن أبي طالب أصلا [28].

ثانيا : نقد روايات البيعة :
     سنركز في نقدنا للروايات- السابق ذكرها-، على نقد الأسانيد لا المتون ، لأنها-أي المتون- تدخل كلها في حدود الإمكان العقلي، و لها ما يبررها من الواقع التاريخي ، فالتي ذكرت أن طلحة و الزبير بايع عليا طواعية فهي مقبولة جدا ، بحكم أن عليا كان أجدر و أولى الصحابة و أفضلهم ، لتولي الخلافة بعد استشهاد عثمان.و أما الروايات التي ذكرت أن طلحة و الزبير بايعا مكرهيّن ، فهي الأخرى لها ما يبررها عقلا و تاريخا ، بحكم أن قتلة عثمان هم الذين كانوا يسيطرون على المدينة و أهلها ، فلا شك إذن من أنهم سيضغطون على الناس لاختيار خليفة يرضون هم به أولا ، ثم بعد ذلك قد يجبرون من خالفهم على موافقتهم و بيعة من اختاروه. و بناء على ما ذكرناه فان الإسناد قد يكون هو أحسن وسيلة لنقد و تمحيص كثير من تلك الروايات ، لكن ذلك لا يلغي دور المتن و أهميته في تحقيق الأخبار. 
       
    فبخصوص أسانيد الروايات التي ذكرت أن طلحة و الزبير بايعا عليا    رضي الله عنهم- طواعية فإن الرواية الأولى ضعيفة الإسناد، لأن فيه جعفر بن عبد الله الحميدي ،و هو مضطرب الحديث و ذكره الذهبي في الموضوعات ، و ليّنه العقيلي[29].و فيه أيضا من لم اتعرّف عليه ، كأبي ميمونة و حسين[30].

    و الرواية الثانية رواها الطبري هي الأخرى غير صحيحة الإسناد ، لأن فيه : أبو بكر سلمى الهذلي ،و أبو المليح [31] ؛ الأول قال عنه علماء الجرح و التعديل : إنه  ضعيف كذاب، متروك الحديث ، ليس بثقة[32]. و الثاني مجهول [33].

    و الثالثة للطبري- هي الأخرى غير صحيحة الإسناد ، لأن من رجاله : جعفر بن سليمان الضبعي(ت 178ه)،و محمد بن سيرين( ت110هـ) ( الطبري: المصدر السابق ج2ص:700). الأول يروي المناكير ، و ضعّفه بعض المحدثين ، و وثّقه آخرون ، و كان شيعيا مغاليا يبغض الشيخين [34]. و الثاني ثقة ، لكنه لم يكن شاهد عيان للحادثة ، فهو ولد سنة 33ه ، و الحادثة التي رواها وقعت سنة 36ه ، فرواياته هذه مرسلة لم يقل لنا عمن رواها ، لأن سنه لا يسمح له بروايتها.

    و الرواية الرابعة-لابن أبي شيبة- إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : أبو بكر بن عياش(ت 192ه) ،و الأشتر النخعي [35]. الأول في حديثه اضطراب ،و ضعّفه يحيى بن معين ،و قال عنه يحيى بن سعيد القطان : لا يعبأ به ،و وثّقه أبو داود[36]. و الثاني مطعون فيه ، و لا يوثق به ، لأنه من رؤوس الفتنة المتألّبين على عثمان رضي الله عنه. و الرواية الخامسة لابن أبي شيبة- هي الأخرى إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : جعفر بن زياد ، و صفوان بن قبيصة [37]. الأول مذكور في الضعفاء ، و الثاني مجهول [38].

     و أما الروايات الثلاث المتبقية من مجموعة البيعة طواعية ، و التي رواها اليعقوبي ،و ابن قتيبة ، ابن الأثير ، فهي بلا أسانيد [39] ، و مجهولة المصدر. لذا فنحن نستبعدها لافتقادها شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه. 

 و أما مجموعة الروايات التي ذكرت أن طلحة و الزبير بايعا عليا مكرهيّن ، فان الرواية الأولى للطبري- إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : وهب بن جرير بن حازم الأزدي( ت206ه) ،و محمد بن شهاب الزهري (ت 124ه) (الطبري: المصدر السابق ج2 ص: 697) ، الأول مذكور في الضعفاء[40]. و الثاني ، ثقة لكنه يروي المراسيل ، و مراسله شر من مراسيل غيره من الرواة ، لأنه حافظ ولا يرسل إلا عندما لا يستجيز أن يسمي من أسقطه من الإسناد[41]. و الرواية التي نحن نحققها مرسلة ، لأن الزهري لم يكن شاهد عيان لها ، فهو مولود سنة 50ه ،و الحادثة التي رواها وقعت سنة36ه، فمن الذي رواها له ؟.

       و الرواية الثانية رواها الطبري مباشرة بعد الرواية الأولى-السابق ذكرها- بلا إسناد و قال : و قد بلغنا أن عليا ( تاريخ الطبريج2 ص: 697)، فهذه الرواية إن كانت تابعة للرواية الأولى ، فهي غير صحيحة الإسناد ، كما سبق و أن بيناه.و إن كانت منفصلة عنها فلا نقبلها ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه ، و أنها أيضا بدأت بكلمة : بلغنا ، و هي كلمة قريبة من كلمة : زعموا.

      و الرواية الثالثة-للطبري- إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : أبو مخنف لوط بن يحيى [42]. و هو إخباري متروك ، ضعيف ليس بثقة[43]. و الرواية الثالثة-للطبري- هي الأخرى إسنادها غير صحيح ، لأن فيه : محمد بن عمر الواقدي( تاريخ الطبري ج2 ص:699) ،و هو ضعيف متروك كذاب ، و يروي عن كل الناس[44].

      و الرواية الخامسة للطبري- إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : شعيب بن إبراهيم الكوفي ،و سيف بن عمر التميمي [45] ؛ الأول فيه جهالة ،و مذكور في الضعفاء ،و يروي المناكير[46].و الثاني ضعيف متروك ، يروي الموضوعات عن الأثبات ،و يضع الحديث ،و يروي عن المجهولين[47]. و الرواية السادسة للطبري- إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : شعيب بن إبراهيم الكوفي و سيف بن عمر التميمي (تاريخ الطبريج2 ص:700-701) ،و هما مجروحان كما سبق و أن بيناه في الرواية الخامسة. و الرواية السابعة للطبري- هي الأخرى إسنادها غير صحيح ، لأن رجاله هم نفس رجال الروايتين السابقتين ، ومنهم : شعيب بن إبراهيم ،و سيف بن عمر [48]،و هما مجروحان.

       و أما الروايات المتبقية من مجموعة البيعة بالإكراه ، و التي تبدأ من الرواية الثامنة إلى الثالثة عشرة، و التي رواها صاحب كتاب الإمامة و السياسة المنسوب إلى ابن قتيبة  ،و ابن الجوزي، و ابن الأثير ، ،و ابن كثير، و الذهبي، فهي روايات لا أسانيد لها مجهولة المصدر ، لذا فهي مستبعدة لافتقاده ذلك الشرط الأساسي من شروط صحة الخبر و تحقيقه. 

      و أما بالنسبة للروايات التي أثبتت بيعة طلحة و الزبير لعلي-رضي الله عنهم- ،و سكتت عن الكيفية ،و تضمّنت إشارات و إيحاءات على أن البيعة تمت طواعية ، فان الرواية الأولى منها ، -للبيهقي- إسنادها غير صحيح لأنه مرسل ، أرسله الشهاب الزهري[49] ، و مراسيله مطعون فيها ، على ما تقدم ذكره ، و هو لم يكن شاهد عيان لما رواه ، لأنه من مواليد سنة 50ه، و الحادثة وقعت عام 36ه. و مما يزيد في ضعفها-أي الرواية- أنها صوّرت عليا-رضي الله عنه-حريصا على تولي الخلافة، فقد خرج إلى الناس يطلبها ،و دعاهم إلى بيعته ،دون أن يختاره أحد من الصحابة و لا من الناس ، و هذا أمر مستبعد في حقه رضي الله عنه.

    و الرواية الثانية-للبيهقي-الظاهر أن إسنادها ضعيف ، لأن من رجاله : عبد الله بن محمد بن علي الدقاق ، و عبد بن محمد بن عبد الرحمن المدني،و سالم بن عبد الواحد المرادي [50] ؛ فالثلاثة الأولون مجهولون ، إذ لم أعثر على حالهم في كتب الجرح و التعديل. و الرابع اختلف فيه بين التضعيف و التوثيق[51]. و مما يزيد في ضعف هذه الرواية ، أن في متنها ما يثبت ذلك ، فقد زعمت أن مما قاله علي لما قدم البصرة- أن معاوية بن أبي سفيان-رضي الله عنهما- وثب على الخلافة ،و هو-أي علي-أحق بها منه ، لقرابته و علمه و سابقته[52]. و هذا كلام غير صحيح بالمرة ، لأن معاوية لم يأخذ الخلافة إلا بعد مقتل علي ،و تنازل ابنه الحس عن الخلافة لمعاوية ، و هذا الأخير لم يكن يطالب بالخلافة و لا وثب عليها ، في معركة الجمل و لا فبلها ،و لا في معركة صفّين و لا قبلها ، و إنما كان يطالب بالاقتصاص من قتلة عثمان كشرط لبيعة علي بن أبي طالب ، و هذا معروف ثابت عنه.

      و الرواية الثالثة للطبري- فيها إشارة إلى أن المهاجرين و الأنصار و أهل المدينة ، بايعوا عليا دون ذكر لأية معارضة ، أو استثناءات ، أو ضغوط صاحبت البيعة. لكن مع ذلك فاحتمال وجود  الإكراه يبقى واردا ، لأن الرواية لم تنفيه ،و لم تؤكد على طواعية البيعة صراحة. أما إسنادها فهو ضعيف على ما يبدو و إن كان أحسن من الأسانيد التي سبقته ، لكنه لا يخلو من انتقادات ، وذلك أن من رجاله : جعفر بن عبد الله الحميدي، و عبد الملك بن أبي سليمان الفزاري ، و عمرو بن حماد ،و علي بن حسين ، و حسين عن أبيه [53] ؛ الأول مضطرب الحديث ، و ليّنه العقيلي ، و ذكره الذهبي في الضعفاء ، و وثقه أبو حاتم الرازي[54].و الثاني ذكره العقيلي و الذهبي في الضعفاء، و تكلّم فيه شعبة، و وثقه احمد وبن حنبل[55]. و الأربعة المتبقون لم أتمكن من التعرّف عليهم. 

       و الرواية الرابعة ، ذكرها المسعودي في مروج الذهب ، دون أن يورد لها إسنادا ، لذا فهي مردودة عليه ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه.

       و أما النوع الثاني من مجموعة الروايات التي أثبتت بيعة طلحة و الزبير لعلي و سكتت عن كيفيتها ، فهي روايات لا تحمل أية إشارة تدل على أن البيعة تمت طواعية أو كرها ، لذا فإنني لا أنقد أسانيدها لأن ما نصت عليه من أن الصحابة و الناس بايعوا عليا ، هو أمر ثابت ،و متفق عليه بين كل الروايات تقريبا.

        و أما مجموعة الروايات التي ذكرت أن الصحابيين طلحة و الزبير تخلفا عن بيعة علي ،و في بعضها تخلف الزبير فقط ، فالأولى في إسنادها :  عبد الله بن مصعب ، و الزبير بن بكار ،و مصعب بن عبد الله ، و موسى بن عقبة ،و أبو حبيبة مولى الزبير[56]. الأول ضعّفه يحيى بن معين ،و سكت عنه البخاري و أبو حاتم الرازي ،و ذكره ابن حبان البستي في الثقات[57].و أما الباثون من رجال الإسناد  فكلهم ثقات[58]. و كذلك متنها فهو الآخر  يزيدها ضعفا ، وذلك أنها لم تذكر لنا أن عليا عندما ذهب إلى الزبير في بيته بايعه الزبير ، و إنما قالت أنه ما إن دخل البيت حتى خرج منه مسرعا ، عندما رأى ذبابة سيف تحت الفراش ؛ ثم تقول أنه عندما استقبله الناس قال لهم إن الزبير بايعه و أكرمه. و هذا يعني أنه كذب عليهم ، و حاشا لعلي رضي الله عنه أن يتعمد الكذب ، فيكذب على الزبير ، و على نفسه، و على الناس. و حتى إذا افترضنا صحة الرواية فهي قد أشارت إلى تخلف الزبير عن البيعة ، و ليس إلى عدم البيعة مطلقا.

       و الرواية الثانية للحاكم- إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : ثور بن مجزأة ،و أبو عامر الأنصاري، و محمد بن عمر المازني، و أبو عبد الله جندل بن والق ،و محمد بن يونس القرشي البصري[59].الثلاثة الأولون مجهولون ، لم اعثر على أحوالهم في مصنفات الجرح و التعديل.و الرابع ضعيف من حيث الضبط ، فهو يغلط و يصحّف [60]. و الخامس كذاب يضع الحديث ، و قد روي أنه وضع أكثر من ألف حديث[61].

       و أما الرواية الأخيرة-الثالثة- التي رواها ابن الأثير الجزري ، فقد أوردها بلا إسناد (انظر: الكامل ج3ص:83) ؛ لذا فهي مستبعدة لفقدانها الإسناد الذي هو شرط أساسي من شروط صحة الخبر و تحقيقه. و مما يزيدها ضعفا و استبعادا ، أن ابن الأثير ذكرها بصيغة التمريض (( قيل )) لا بصيغة الإثبات.

   و استنتاجا مما ذكرناه ، يتبين أولا أن بيعة طلحة و الزبير لعلي-رضي الله عنهما- قد تمت بالفعل ، لكن الروايات اختلفت في الكيفية التي تمت بها البيعة ، فهل بايعاه طائعين أم مكرهيّن ؟ و تبيّن أيضا من نقدنا لتلك الروايات أن متونها متناقضة ، و أن كل أسانيدها ضعيفة ، لكن روايات البيعة طواعية، أسانيدها أقل ضعفا من روايات البيعة بالإكراه ، التي هي أشد ضعفا من الأولى.

        و ثانيا ، بما أنه تبيّن أن كل الروايات التي ذكرناها كانت أسانيدها غير صحيحة ، فهل يعني ذلك أن الحقيقة قد ضاعت منا فيما يخص كيفية بيعة طلحة و الزبير لعلي ؟ كلا ، إن ذلك لا يستلزم ضياعها  ، فقد تكون هناك روايات صحيحة الأسانيد و المتون و لم نعثر عليها لعدم إطلاعنا عليها. كما أن الروايات التي نقدنا أسانيدها و تبيّن لنا عدم صحتها ، فان ذلك لا يعني بالضرورة  أن متونها هي الأخرى باطلة ، فمن الممكن أن يكون الإسناد غير صحيح و المتن صحيحا ، و العكس صحيح.

   و ثالثا ، بما أنه ثبت أن طلحة و الزبير قد بايعا عليا ، فلا بد أن لهذه البيعة من كيفية تمت بها ، و هي لا تخرج عن ثلاث حالات ، إما انهما بايعا طائعيّن ، و إما أنهما بايعا مكرهّن ، و إما أنهما بايعا مكرهّن طائعين. فالحالتان الأولى و الثانية مستبعدتان لأنه قد تبيّن لنا من نقدنا لروايات الإكراه و الطواعية ، أنها متناقضة و أسانيدها غير صحيحة، و يبدو أن تلك الروايات قد جمعت بين الحق و الباطل ، و وقعت في الإفراط و التفريط ، فالتي ذكرت أن البيعة تمت طواعية ضخّمت مساحة الحرية و الطواعية و الرضا ، ولم تشر إلى أي مظهر من مظاهر الضغط و الإكراه التي صاحبت البيعة. و التي ذكرت أن البيعة تمت تحت التهديد و الإكراه ، بالغت في تضخيم هذا الجانب ، و سكتت عن  كل ما يشير إلى مظاهر الحرية و الطواعية و الرضا التي صاحبت البيعة. و بناء على ذلك فان الحالة الثالثة يبدو أنها هي الصحيحة ، بمعنى أن طلحة و الزبير قد بايعا علبا في حالة جمعت بين الرضا و الطواعية و بين الإكراه و عدم الرضا.

     و تفسير ذلك أن طلحة و الزبير بايعا عليا رضي الله عنهم- عن رضا و طواعية بالنسبة لشخصه، فهما لم يكونا يبغضانه و يرفضان خلافته ، لأنه أصبح أفضل الصحابة و أحقهم بالخلافة بعد استشهاد عثمان-رضي الله عنه- ، و مما يؤيد ذلك أنهما عندما خرجا إلى مكة و البصرة طلبا لدم عثمان ، لم يعلنا خلافة جديدة ، و لم يخلعا عليا ، و لم يبايعا شخصا آخر ، و إنما طالبا عليا بالاقتصاص من قتلة عثمان[62] ، و هذا اعترف منهما بأنه هو الخليفة.
    
    و أما عدم الرضا و الضغوط التي صاحبت بيعة علي بن أبي طالب ، فهي معروفة و ذلك أن المدينة بكاملها كانت واقعة تحت سيطرة قتلة عثمان قوة و تنظيما و واقعا ، و قد كان عددهم  يقارب 2500 فرد[63]. و لاشك أن هؤلاء كانوا على استعداد لمواجهة كل من يعارضهم أو يحاول الاقتصاص منهم. و قد كان في صالحهم أن  يختار أهل المدينة خليفة جديدا لهم ، على أن يتم كل ذلك تحت إشرافهم و بتوجيه منهم و برضاهم. لذا فان القول أن اختيار علي خليفة تمّ بعيدا عن تدخل و إشراف هؤلاء ، هو قول غير صحيح ، لأنه أولا أن كثيرا من الروايات التاريخية أشارت إلى ضغوط هؤلاء و تدخلاتهم.
 
    و ثانيا أن الاستنتاج العقلي يثبته ، لأنه من الثابت أن قتلة عثمان لما قتلوا الخليفة كانوا هم القوة الوحيدة و الفاعلة في المدينة بلا منازع ، و هذا يعني أن لا يتم أمر في المدينة دون موافقتهم. و ثالثا أن عليا لما تولى الخلافة كان عاجزا عن تنفيذ القصاص في قتلة عثمان ، و عندما طالبه الصحابة عامة و طلحة و الزبير خاصة ، بالاقتصاص من قتلة عثمان اعتذر لهم بعدم قدرته على تنفيذه. كل ذلك يثبت تعرّض الناس للضغوط و الإكراه و المضايقات على أيدي قتلة عثمان ، الذين ضغطوا أيضا على كبار الصحابة الذين  يمثلون خطرا عليهم ، كطلحة و الزبير ، لكي يسايروهم ،و لا يعترضون على خطتهم ، فأدى ذلك إلى عدم رضا كبار الصحابة عن الطريقة التي تمت بها البيعة ، و عن الظروف التي صاحبتها. و عليه يمكن القول أن طلحة و الزبير لم يكرها على الرضا بعلي خليفة للمسلمين ، لكنهما أكرها على قبول ما فرضه قتلة عثمان عليهما و على الناس.   
  
الفصل الثاني
 
خروج طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة
  
     عندما مرت أربعة أشهر على بيعة أهل المدينة لعلي بن أبي طالب ، استأذنه الصحابيان طلحة و الزبير للخروج إلى مكة فأذن لهما ، ثم لما ذهبا إليها جاء الخبر أنهما جمعا الناس و توجها إلى البصرة[64]. فلماذا خرجا إلى مكة و البصرة ؟ و ما هي دوافع خروجهما ؟ و هل يعد خروجهما عصيانا و فتنة و نكثا للبيعة ؟ و هل شهدا طلحة و الزبير شهادة زور عند ماء الحوأب ؟ و لماذا انسحب الزبير من معركة الجمل ؟ و هل التقى علي بطلحة يوم الجمل ، و ماذا قال له ؟ هذه التساؤلات هي التي سأجيب عنها فيما يأتي ان شاء الله تعالى.
 
أولا : الغاية من الخروج و دوافعه :
     ذكر الإمام أحمد في مسنده رواية مفادها أن الصحابيين طلحة و الزبير رضي الله عنهما-خرجا إلى البصرة طلبا لدم عثمان [65]رصي الله عنه-.و روى  الطبري أن طلحة بن عبيد الله ،و الزبير بن العوام ، و عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم- ذهبوا إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان المقتول ظلما[66].و ذكر الذهبي أن طلحة و الزبير خرجا من المدينة ليطلبا دم عثمان ،و يأخذان بثأره من قتلته[67].و نفس الخبر ذكره ابن كثير في البداية و النهاية[68] .

     ففيما يخص رواية أحمد بن حنبل ، فقد حسّنها الحافظ الضياء المقدسي ، و المحدث شعيب الأرناؤوط ، و قال عنها الهيثمي : رواها أحمد بإسنادين و رجال أحدهما رجال الصحيح[69]. و أما رواية الطبري فهي صحيحة الإسناد لأن رواته ثقات ، و هم : يعقوب بن إبراهيم ،و عبد الله بن إدريس ، و حصين بن عبد الرحمن ، عمرو بن جاوان ، و الأحنف بن قيس[70].و أما روايتا الذهبي و ابن كثير فقد رويتا بلا إسناد [71] ، لكنهما يندرجان ضمن الروايتين السابقتين ، فهما يتوافقان و لا يتناقضان. و من ثم يتبين مما ذكرناه- أن طلحة و الزبير خرجا إلى مكة و البصرة للمطالبة بدم عثمان ،و الثأر له من قتلته.

         و أما بالنسبة للدوافع التي حملت طلحة و الزبير على الخروج للمطالبة بدم عثمان ، فقد تباينت حولها الأخبار و المواقف ، فزعم صاحب كتاب الإمامة و السياسة ، -المنسوب لابن قتيبة- أن طلحة و الزبير خرجا من المدينة بعدما فشلا في تحقيق مطامعهما ، و على رأسها الولاية ، و ذلك أنهما بايعا عليا طمعا فيها ، فلما لم يتحقق لهما ما أراداه تكلّما في علي و طعنا فيه ،ثم استأذناه للخروج إلى مكة لأداء العمرة ، فأذن لهما[72].
     
    و ذكر البيهقي رواية مفادها أن طلحة و الزبير خرجا للمطالبة بدم عثمان لأن عليا كان راضيا بقيل عثمان ،و ذلك أن بعض الناس صوّر لهما-أي طلحة و الزبير- أن عليا كان راضيا بقتل عثمان ، فذهبا إلى عائشة أم المؤمنين و حملاها على الخروج للمطالبة بدم عثمان ،و الإصلاح بين الناس[73].و هذا يعني أن طلحا و الزبير رأيا في علي تقاعسا عن الاقتصاص من قتلة عثمان ، لأنه كان راضيا بقتله على حد زعم تلك الرواية.

      و أما الذهبي فردّ سبب خروج طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة ، إلى ندمهما و الرغبة في المطالبة بدم عثمان تكفيرا عما صدر منهما تجاه عثمان ، فذكر أنهما رأيا أنه لا يخلصهما مما وقعا فيه من توانيهما في نصرة عثمان ، إلا أن يقوما في الطلب بدمه ، و الأخذ بثأره من قتلته ، فخرجا من المدينة دون مشورة من أمير المؤمنين[74]. و قال أي الذهبي- عن طلحة : انه حصل له في حق عثمان (( تمغفل و تأليب ، فعله عن اجتهاد ، ثم تغيّر عندما شاهد مصرع عثمان ، فندم على ترك نصرته ، رضي الله عنه )) ، ثم ذكر قولا لطلحة قال فيه : (( كان مني شيء في أمر عثمان ، مما أرى كفارته إلا سفك دمي و طلب دمه )) ، و قوله هذا إسناده جيد[75].   و ذهب الباحث محمد أمحزون إلى القول بأن دافع خروج طلحة و الزبير رضي الله عنهما- إلى مكة و البصرة ، هو رغبتهما في القصاص من قتلة عثمان لوجه الله ، لكنهما أخطآ في رغبتهما الملحة في الإسراع بالثأر لعثمان ، رغم أن الظروف لم تكن مواتية لذلك[76].
    
     تلك هي بعض الروايات و الأراء التي قيلت عن دوافع طلحة و الزبير في خروجهما إلى مكة و البصرة ، فهل وّفقت فيما ذهبت إليه  ؟ فبخصوص رواية صاحب كتاب الإمامة و السياسة ، فقد ذكرها بلا إسناد [77]. لذا فنحن نستبعدها ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه. و يزيدها استبعادا أن فيها ما يتعارض مع أخلاق الصحابيين طلحة و الزبير المشهود لهما بالصلاح و الاستقامة و دخول الجنة[78]. كما أنها تتناقض مع الأخبار الصحيحة في الغاية من الخروج و دوافعه.

   و أما ما رواه  البيهقي فهو خبر غير صحيح ، لأنه ليس له إسناد[79] و متنه منكر، لأنه لا يعقل أن يكون طلحة و الزبير لا يعرفان موقف علي من قضية قتل عثمان حتى يأتي رجل مجهول فيخبرهما بذلك، فيصدقانه و يخرجان للمطالبة بدم عثمان ! مع العلم أن سبب تأخر علي في القصاص من قتلة عثمان ليس هو أنه كان راضيا بقتله كما زعمته الرواية ، و إنما هو عجزه عن تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لقوتهم و سيطرتهم على البلد.

        و أما ما قاله الذهبي ، فهو رأي استنتجه من الروايات التي اطلع عليها ،و ذكر بعضها في كتابه سيّر أعلام النبلاء [80]، و قد أيد موقفه برواية عن طلحة إسنادها جيد.  و هو موقف صحيح أوافقه عليه ، لكنه ليس هو الدافع الوحيد في خروج طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة ، و سيأتي ذكر الدوافع الأخرى قريبا إن شاء الله- مع العلم أن الذهبي لم يفسر لنا سبب خروجهما دون إعلام الخليفة بنيتهما من الخروج.
     
   و أوافق أيضا- الباحث محمد أمحزون فيما ذهب إليه ، من الظرف الذي خرج فيه طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة لم يكن مواتيا لعلي لينفذ القصاص في قتلة عثمان. لكنني لا أوافقه عندما أكد على  أن طلحة و الزبير أخطآ في رغبتهما الملحة في الإسراع بالثأر لعثمان ؛  لأن سلوكهما هذا قد يكون طريقا لحل المشكلة ، فعلي لم يكن في مقدوره تنفيذ القصاص في قتلة عثمان ، لقوتهم و سيطرتهم على البلد ، و هذا يستدعي الحزم و التعاون و الإسراع لكسر شوكتهم ، لكي لا يتعاظم خطرهم أكثر مما هو قائم. و هذا يعني أن ما قام به طلحة و الزبير كان في إمكان علي أن يستفيد منه ، فيضع يده في يديهما للاقتصاص من قتلة عثمان ، و كسر شوكتهم. و بهذا يكون ما قام به طلحة و الزبير-رضي الله عنهما- وسيلة سريعة لحل مشكلة قتلة عثمان ، و يصبح تصرفهما حلا سريعا لمشكلة تحتاج حلا عاجلا ، و ليس هو تصرّف خاطئ لتسرّع صاحبيه. و هذا الذي قلته هو مجرد رأي محتمل ، ردا على محمد أمحزون عندما خطّأ طلحة و الزبير فيما أقدما عليه ، في حين أن ما قاما به هو تصرّف يحتمل الخطأ و الصواب على حد سواء.
      
   و يبدو لي أن هناك أربعة دوافع أساسية كانت من وراء خروج طلحة و الزبير ، أولها الندم و التكفير عما صدر منهما من بعض التهاون في حق عثمان ، وهذا الدافع هو الذي ذكره الذهبي. و الثاني إيمانهما بضرورة القصاص من قتلة عثمان المقتول ظلما و هذا موقف يشاركهم فيه عامة المسلمين. و الدافع الثالث يبدو أنهما رأيا أن عليا تأخر في تنفيذ القصاص في قتلة عثمان ، بعد مرور أربعة أشهر من استشهاد عثمان. و رغم أن هذا التأخر له ما يبرره، فيبدو أنهما أي طلحة و الزبير- رأيا ضرورة التحرك سريعا لتنفيذ القصاص.
    
    و الرابع هو أنهما ربما رأيا أن عليا لا يمكّنه وضعه الذي هو عليه ، من تنفيذ القصاص ، فدفعها ذلك إلى الخروج إلى مكة و البصرة لجمع العساكر ، و بها يتمكنان من المطالبة بدم عثمان ،و كسر شوكة هؤلاء القتلة.
    و أما إذا قيل : لماذا لم يطالب طلحة و الزبير-رضي الله عنهما- بما عزما عليه في المدينة ؟ فيقال أن خطتهما التي رسماها لا يمكن تطبيقها في المدينة ، لأنهما يعلمان أن عليا ليس في مقدوره تنفيذها ، لأن قتلة عثمان هم من حوله يمثلون جيش المدينة. و لأنهما أيضا- كانا على علم بأن عليا لا يوافق على خطتهما ، و قد روى أنهما طلبا منه تنفيذ القصاص ، فاعتذر لهما أنه عاجز عن تنفيذه.و طلبا منه أيضا- أن يولي أحدهما على الكوفة ،و الآخر على البصرة ، ليأتيانه بالعساكر  فيستعين بها على قتلة عثمان ، فقال لهما أنه سينظر في الأمر ، ثم في النهاية لم يوافق على ما اقترحاه عليه[81].  و إذا قيل لماذا لم يخبر طلحة و الزبير عليا    رضي الله عنهم- بخطتهما  ؟  فالجواب واضح وهو أنهما كان يعلمان أن عليا لا يوافقهما على ما خططا له و عزما على تنفيذه ،فان أخبراه فخطتهما ستفشل.

  ثانيا : هل خروجهما عصيان و فتنة و نكث للبيعة :
     تباينت المواقف في النظر لخروج طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة ، فهناك من نظر إليه على أنه عصيان سافر ، ونكث للبيعة ،و إثارة للفتن بين المسلمين.و هناك من نظر إليه على أنه اجتهاد له ما يبرره شرعا و عقلا و واقعا. فمن تلك المواقف ما روى عن على-رضي الله عنه أنه قال أن طلحة و الزبير نكثا بيعتهما له[82].و روى البيهقي بإسناده أن عليا قال عن طلحة و الزبير ، أنهما بايعاه في المدينة و خالفاه في البصرة[83].  و روى ابن أبي شيبة أن عليا-رضي الله عنه- قال : (( إن طلحة و الزبير بايعاه طائعين غير مكرهيّن، ثم أرادا أن يفسدا الأمر ،و يشقا عصا المسلمين))[84].

      فيتبين من تلك الروايات أن عليا قد وصف خروج طلحة و الزبير بأنه مخالفة، و افساد ، و نكث للبيعة ، و شق لعصا المسلمين. فهل ثبت ذلك عنه ؟ كلا لم يصح ذلك عنه ، لأن تلك الروايات ضعيفة ، فالرواية الأولى في إسنادها عوانة بن الحكم ( ت147ه) , هو متهم بالكذب ،و يروي عن الكذابين ، كهشام بن محمد الكلبي[85].و خبره هذا مرسل ، سقط منه التابعي ، و هو أي عوانة- ليس تابعيا[86] ، فكيف يروي عن الصحابة و هو لم يأخذ عنهم ؟ !

      و الرواية الثانية هي الأخرى ضعيفة ، لأن في إسنادها من هو مجهول الحال ، كعبد الله بن محمد بن علي الدقاق ، و عبد بن محمد بن عبد الرحمن المديني،.و في متنها ما يدل على بطلانها و تلاعب الرواة بها ، فقد زعمت أن مما قاله علي قبل معركة الجمل ، أنه ذكر أن معاوية بن أبي سفيان قد وثب على الخلافة ،و هو ليس أهلا لها[87]. و هذا كلام غير صحيح ، لأنه من الثابت تاريخيا أن معاوية لم يكن يطالب بالخلافة قبل معركة صفّين، و أنه لم يتسلمها إلا بعد سنة 40ه حين تنازل له عنها الحسن بن علي رضي الله عنهما-.

     و الرواية الثالثة لابن أبي شيبة- هي الأخرى غير صحيحة الإسناد ، فمن رجاله : جعفر بن زياد ، و صفوان بن قبيصة الأحمس ( مصنف ابن أبي شيبة،ج7 ص: 541 ) ، الأول ذكره العقيلي ،و ابن عدي ، و ابن الجوزي ، و الذهبي في الضعفاء [88]،و الثاني مجهول الحال[89]

         و مما يمكن الرد به على تلك الروايات ، هو  أنه روي أن عليا -  رضي الله عنه- اعترف بأن لطلحة و الزبير حجة فيما خرجا من أجله ، إن أرادا بذلك وجه الله تعالى[90].و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة الإسناد ، لأن فيه : شعيب بن إبراهيم ، و سيف بن عمر التميمي [91]. فإنه يمكن استخدامها لرد الضعيف بالضعيف.

      و أشير هنا إلى أنه قد روي حديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم- فيه إدانة للزبير ، قال له فيه : إنك لتقاتلن عليا و أنت ظالم له. فهذه إدانة صريحة للزبير بأنه ظالم لعلي ، إن صحّ الحديث ، لكنه لم يصح ، و لم تثبت طرقه التي ورد بها[92].
   
   و أما عن مواقف العلماء من تلك القضية ، فسأذكر منها طائفة ، أولها موقف ابن حزم الأندلسي ، يرى أن خروج طلحة و الزبير إلى البصرة ، لم يكن حربا على علي بن أبي طالب ، و لا إبطالا لبيعته و نقضا لها ، لأنهما لم يطعنا فيه ، و لا أحدثا إمامة أخرى ، و لا جددا بيعة لغيره ، فلو أرادا ذلك لبايعا لغيره ، و إنما نهضا (( لسد الفتق الحادث في الإسلام ، من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه- ظلما ))، و الدليل على ذلك أن القوم اجتمعوا و لم يقتتلوا ، و إنما حدث القتال بفعل مكر قتلة عثمان يوم الجمل[93].

   و الثاني موقف المؤرخ ابن الأثير الجزري ، فانه عدّ خروج طلحة و الزبير هربا ، فقال أنهما هربا من المدينة بعد أربعة أشهر من استشهاد عثمان[94]. لكنه لم يقل لنا ممن هربا ، فهل هربا من علي ، أم من قتلة عثمان ؟ ، و ما هي الأسباب التي دفعتهما إلى الهروب ؟ و ما هي المبررات التي جعلته يعتبر خروجهما هروبا. فكلامه هذا غامض جدا.

     و الثالث موقف المفسر محمد بن أحمد القرطبي ، يرى أن خروج طلحة و الزبير يوم الجمل ، ليس عصينا و لا إثما ، لأنه لو كان كذلك لما أخبر عنهما الرسول    عليه الصلاة و السلام- أنهما شهيدين ، و الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة[95].

       و آخرها موقف الحافظ شمس الدين الذهبي، فإنه لم يعتبر طلحة و الزبير عاصيين في خروجهما إلى البصرة و مشاركتهما في القتال يوم الجمل ، و إنما اعتبرهما متأوليّن قاصديّن للخير[96].

        و تعليقا على ما ذكرناه أقول : إن خروج طلحة و الزبير    رضي الله عنهما- له ما يبرره ، لأنه قام على الاجتهاد و التأويل ، لا على الظلم و التعمد في إثارة الفتن. و هو يندرج ضمن تغيير المنكر باليد و اللسان. فهما عندما رأيا أن عليا-رضي الله عنه- ليس في مقدوره الاقتصاص من قتلة عثمان ، سعيا على طريقتهما للاقتصاص من هؤلاء و كسر شوكتهم ، حتى و إن تمّ ذلك دون إذن من الخليفة ؛ و عملهما هذا هو بلا شك مخالفة بيّنة لعلي ، لكن لها ما يبررها ،و يجعلها في إيطار الاجتهاد طلبا للحق ، و يخرجها من مجال العصيان و نكث البيعة.و عملهما هذا شبيه بموقف كثير من أهل المدينة الذين بايعوا عليا ، لكنهم عندما أمرهم بالخروج معه للتصدي لأهل مكة و الشام لم يخرجوا معه[97] ، و عصوا أمره لاعتقادهم أن الصواب معهم و ليس معه ، فلم يجبرهم و تركهم على قناعاتهم.

    و أما ما قاله العلماء السابق ذكرهم ، فان ابن حزم موقفه صحيح ، و دليله قوي في أن طلحة و الزبير لم ينكثا البيعة.و أما ابن الأثير فموقفه غامض ، فهو لم يبين لنا قصده من قوله أن طلحة و الزبير هربا من المدينة. فماذا فعلا لكي يهربا ؟ و ممن يهربا ؟ و ما هي أسباب هروبهما ؟ هذه التساؤلات و غيرها لا نجد لها جوابا عند ابن الأثير فيما قاله.

        و أما القرطبي فموقفه صحيح و جدير بالتدبر و التنويه ، فهو قد لفت انتباهنا إلى أنه لا يعقل أن يكون طلحة و الزبير عاصيين آثميّن في خروجهما للقتال يوم الجمل ، ثم نجد الرسول-عليه الصلاة و السلام- يخبر بأنهما شهيدين و يبشرهما بالجنة ! و هذه البشارة صحيحة ثابتة في حق طلحة و الزبير[98]-رضي الله عنهما-. فدلّ ذلك على أن خروجهما ليس عصيانا ، و لا إثما ، و لا نكثا لبيعة ، و إنما هو خروج قام على التأويل و الاجتهاد ، طلبا للحق و كسرا لشوكة قتلة عثمان.

    و أشير هنا إلى أنه قد روي حديث نسب للرسول-صلى الله عليه و سلم- فيه إخبار بأن فتنة ستخرج من المدينة ، فسّرها بعض رواة الحديث بأنها فتنة طلحة و الزبير ، و نص الحديث هو : (( أحذركم سبع فتن تكون بعدي ، فتنة تقبل من المدينة ، و فتنة بمكة ، و فتنة تقبل من اليمن ، فتنة تقبل من الشام ، و فتنة تقبل من المشرق ، و فتنة تقبل من المغرب ،و فتنة تقبل من بطن الشام ))[99]. هذا الحديث لا ذكر له في أمهات كتب الحديث عند أهل السنة ، و قد ضعّفه المحدث ناصر الدين الألباني[100]. و في متنه ما يدل على أنه غير صحيح ، لأنه أغفل التحذير من أكبر و أخطر فتنة عصفت بالمسلمين ، و هي الفتنة الكبرى التي شتت المسلمين شيعا و أحزابا  و جعلت بأسهم بينهم شديدا. فالحديث لم يذكر  الفتنة التي أشعلها قتلة عثمان،  الذين قدموا أساسا من مصر و الكوفة و البصرة. فهل يعقل أن يحذّر الحديث المسلمين من سبع فتن لا توجد من بينها فتنة الفتن التي أخرجت طلحة و الزبير للمطالبة بالحق ؟ !

ثانيا : هل شهد طلحة و الزبير شهادة زور ؟ :
    روي أنه لما سار أهل مكة إلى البصرة و مروا بمكان يعرف بالحوأب ، نبحت عليهم الكلاب ، فسألت عائشة رضي الله عنها- عن ذلك فقيل لها : هذا ماء الحوأب ، فأرادت الرجوع ، و قالت للناس ، إنها تذكرت حديثا للرسول عليه الصلاة و السلام- قاله لزوجاته ، و فيه : (( أيكن صاحبة الجمل الأديب ، و التي تنبحها كلاب الحوأب )) ، فشهد لها طلحة و الزبير أنه ليس هذا هو ماء الحوأب ، و شهد معهما خمسون رجلا ، و قيل أربعون ، فكان ذلك أول شهادة زور في الإسلام[101].فهل هذا الخبر صحيح ؟ و هل يصدر ذلك الفعل عن رجلين مبشرين بالشهادة و الجنة ؟
      
      أولا أن هذا الخبر رواه المسعودي و اليعقوبي بلا إسناد ، لذا فهو مردود عليهما ، لأنه افتقد شرطا أساسيا من شروط صحته و تحقيقه ، و المسعودي نفسه مجروح. و ثانيا أن الخبر فيه طعن صريح في صحابيين جليلين مشهود لهما بالشهادة و الجنة ، و هذا يعني أنهما لا يقدمان على ذلك الفعل الذي فيه تعمد في الكذب و العصيان و ارتكاب كبيرة من الكبائر. لأن ذلك العمل يتنزه عنه عامة  المؤمنين ، فما بالك بخاصتهم  كطلحة و الزبير المبشريّن بالجنة ؟ ! 

      و ثالثا أنه توجد عدة روايات تخالف ما زعمته الرواية السابقة و تبطلها ، فمن ذلك ما رواه الذهبي من أنه عندما أرادت عائشة العودة ، قال لها بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون ، فيصلح الله ذات بينهم. ثم ذكرت لهم حديث رسول الله- عليه الصلاة و السلام- الذي قاله لزوجاته. و هذه الرواية إسنادها صحيح[102] ، وليس فيها تعيين لمن تكلّم مع أم المؤمنين ،و لا فيها حكاية شهادة الزور المزعومة. و قد روى الحافظ ابن كثير عن احمد بن حنبل في مسنده ، أن الزبير هو الذي تكلّم مع عائشة عندما أرادت الرجوع ، فقال لها : (( ترجعين ، عسى الله أن يصلح بك بيّن الناس )) ، ثم قال ابن كثير : هذا خبر إسناده على شرط الصحيحين و لم يخرجوه[103]. فهذه الرواية ذكرت الزبير صراحة دون ذكر لشهادة الزور المزعومة.
     
    و في رواية أخرى لابن كثير-بلا إسناد- فيها أنه عندما قيل لعائشة-رضي الله عنها- أن المكان هو الحوأب و أرادت الرجوع ، قال لها عبد الله بن الزبير أن الذي أخبرها بأن المكان هو ماء الحوأب قد كذب عليها.[104] هذه الرواية ليس لها إسناد ، كرواية شهادة الزور ، لكنها تخالفها في أن الذي تكلّم مع أم المؤمنين هو عبد الله بن الزبير و ليس الزبير ، و أنها لم تذكر حكاية شهادة الزور المزعومة.
      
    و أما الحديث المذكور في رواية شهادة الزور ، فقد ورد في كتب الحديث بصغتين مشهورتين ، الأولى (( كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب )) ،و الثانية (( أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب ))[105]. و قد اختلف العلماء في موقفهم من هذا الحديث ، فمنهم من صححه ، و منهم من ضعّفه ، فمن الذين صححوا إسناده : الذهبي ، و ابن كثير، و ابن حجر العسقلاني ، و الهيثمي[106]. و أما الذين ضعّفوه فمنهم : يحي بن سعسد القطان ، و عبد الرحمن بن الجوزي، و مقبل بن هادي الوداعي ،و ابن طاهر القيسراني [107].
    
   و إذا كان المحدثون قد اختلفوا في الحكم على ذلك الحديث بين مصحح و مضعّف له ، فقد ألحقت به زيادات مغرضة ليست منه ، و ظاهرها البطلان. فمن ذلك ما رواه اليعقوبي من أن عائشة رضي الله عنها-قالت : ((  هذا الماء  الذي قال لي رسول الله ،  لا تكوني التي  تنبحك  كلاب الحوأب ))[108]. و الرواية الثانية رواها عبد الرزاق عن معمر  عن ابن طاووس عن أبيه طاووس بن كيسان أن الرسول عليه الصلاة و السلام قال لنسائه : (( أيتكن التي تنبحها كلاب ماء كذا و كذا ، إياك يا حميراء )) ، يعني عائشة[109]
   
      فبالنسبة لرواية اليعقوبي ، فقد ذكرها بلا إسناد ، و هذا دليل كاف لردها ، لأنها فقدت شرطا أساسيا من شروط صحة الخبر و تحقيقه ، هذا فضلا على اليعقوبي مجروح ، و الرواية توافق مذهبه الشيعي لأن فيها طعنا صريحا في أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- فقد صورتها مخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه و سلم- عندما واصلت سيّرها إلى البصرة رغم نهي الحديث لها.

       و أما الرواية الثانية فإنها مرسلة ، لأن طاووس بن كيسان(ت106) تابعي و ليس صحابيا[110].و متنها هو الآخر يشهد على بطلانها لأمرين ، الأول إن المحقيقين من العلماء قالوا أن كل حديث فيه ياحميراء هو كذب مختلق[111]. و الثاني هو أن الزيادة الموجودة في الحديث هي دليل على تلاعب الرواة بالحديث و تصرّفهم فيه ، و أن تلك الزيادة باطلة ، لأنها لو صحّت لما تابع طلحة و الزبير و عائشة رضي الله عنهم- طريقهم إلى البصرة ، لأن تلك الزيادة فيها نهي و تحذير صريحين لعائشة خاصة و لمن معها عامة ، و بما أنهم واصلوا طريقهم دلّ ذلك على بطلان تلك الزيادة ، و أنها ألحقت بنص الحديث المعروف الذي لا يوجد فيه تحذير و لا نهي ، و كل ما فيه هو مجرد إخبار بالغيب لما قد يحدث لعائشة-رضي الله عنها-. فجاء الكذابون و ألحقوا بالحديث تلك الزيادة لإدانة عائشة و طلحة و الزبير، و إظهارهم أمام المسلمين بأنهم خالفوا حديثا صريحا فيه تحذير و نهي لهم عما هم فيه.

         و يتبين مما ذكرناه أن حكاية شهادة الزور التي نسبت لطلحة و الزبير ، هي حكاية مكذوبة. و أن الحديث المشهور عن حادثة ماء الحوأب لم يتفق العلماء على صحته و لا على ضعفه ،و أن الزيادة التي ألحقت به هي زيادة باطلة مغرضة. و حتى إذا افترضنا صحة ذلك الحديث في صيغته المعروفة -التي صححه عليها بعض العلماء فلا يوجد تناقض بينه و بين مواصلة طلحة و الزبير و عائشة رضي الله عنهم- مسيرهم إلى البصرة ، لأن الحديث فيه إخبار عما سيحدث ، و ليس فيه نهي و تحذير و منع من مواصلة المسير ، لذا واصلت عائشة طريقها إلى البصرة عندما ترجاها الزبير أو ابنه عبد الله بمواصلة المسير للصلح بين المسلمين و جمع كلمتهم.

رابعا : قضية انسحاب الزبير من معركة الجمل :  
     يروى أنه عندما نشب القتال بين أهل مكة و أهل العراق ، في معركة الجمل سنة 36ه ،نادى علي الزبير-رضي الله عنهما- و انفرد به و قال له : أنشدك بالله أما سمعت رسول الله  -عليه الصلاة و السلام- يقول  : (( انك تقاتلني و أنت لي ظالم ))، قال : بلى و لكني نسيت. و في رواية أخرى أن قال له : (( أما إنك ستخرج عليه و تقاتله و أنت له ظالم ))، فرجع الزبير. و في رواية (( لتقاتلنه و أنت له ظالم )) فقال الزبير : اللهم نعم ، لو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، و الله لا قاتلتك أبدا. ثم انصرف إلى عائشة و أخبرها بالأمر ، فكلّمه ابنه عبد الله و حاول ثنيه عن موقفه.و في رواية أخرى أن الزبير لما سمع ما قاله له علي انسحب من المعركة نهائيا ، فتبعه ابن جرموز من أهل العراق- و قتله خدعة في يوم الخميس 10 جمادي الأول سنة 36 ه [112].

       و قد جمعت اثنتي عشرة رواية ،ذكرت كلها أن سبب انسحاب الزبير من معركة الجمل هو سماعه للحديث النبوي الذي ذكّره به علي بن أبي طالب. فهل ما قالته هذه الروايات صحيح ، أم هو مجرد افتراء ؟. أولا ففيما يخص الروايات الخمس الأولى ، فقد رواها الحاكم النيسابوري ، و هو متهم بالتعصب للشيعة ، و تصحيح الواهيات و المناكير و الموضوعات[113]. و أما باقي رجاله في أسانيد تلك الروايات فسأذكرهم فيما يأتي تباعا ، فالرواية الأولى في إسنادها : إسماعيل بن أبي حازم ،و ربيعة بن الحارث ، و عثمان خزرزاذ الأنطاكي[114]. و هؤلاء الثلاثة مجهولون ، لم اعثر على احوالهم في مصنفات الجرح و التعديل.

       و الثانية في إسنادها : أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، و عبد الملك بن مسلم الرقاشي ، و أبو حرب بن أبي الأسود الديلي[115]. الأول كثير الخطأ في الأسانيد و المتون ، و أوهامه كثيرة لتحديثه من حفظه[116]. و الثاني مذكور في الضعفاء [117]. و الثالث لم يكن شاهد عيان للحادثة ،رغم أنه قال أنه شاهدها ، لأنه من الطبقة الثالثة[118]، و من ثم لا يمكنه مشاهدة معركة الجمل (سنة 36ه)، هذا يعني أن روايته مرسلة. 

    و الرواية الثالثة في إسنادها : فضيل بن فضالة ،و الأجلح بن عبد الله بن حجية الكندي ، و أبو حرب بن أبي الأسود الديلي[119]. الأول مجهول الحال ، لم اعثر عليه في كتب الجرح و التعديل. و الثاني متهم بالكذب و التشيع و رواية المناكير ، و قلب الأسماء و عدم التفريق بن المتشابه منها ، لذا قيل عنه : ضعيف جدا لا يحتج به[120].و الثالث لم يكن شاهد عيان لما رواه ، لذا فروايته مرسلة كما سبق و أن بيّنا ذلك.
 
    و الرابعة في إسنادها : معمّر بن سليمان، و عبد الملك بن مسلم الرقاشي، و أبو جرو المازني[121].الأول مختلف فيه ، و قد ذكر في الضعفاء[122]. و الثاني هو الآخر ضعيف ، و قد سبق تبيان حاله. و الثالث مجهول الحال[123] و الرواية الخامسة في إسنادها : جعفر بن سليمان ، و عبد الملك بن مسلم الرقاشي ، و أبو جرو المازني[124]. و هؤلاء كلهم ضعفاء ، و آخرهم مجهول ، على ما ذكرناه في الرواية الرايعة. و بذلك يتبين لنا من تحقيق روايات الحاكم ، عن تكليم علي للزبير يوم الجمل ، أنها روايات ضعيفة بلا استثناء ، لم تصل مرتبة الصحيح.

        أما الرواية السادسة فقد رواها ابن كثير عن  البيهقي ، و في إسنادها : فضل بن فضالة ،و الأجلح بن عبد الله بن حجية[125]. الأول يبدو أنه مجهول، إذ لم اعثر على حاله في مصنفات الجرح و التعديل.و الثاني متهم بالكذب و التشيع ،و رواية المناكير ،و تقليب الأسماء و عدم التفريق بن المتشابه منها ، لذا قيل عنه : ضعيف جدا لا يحتج به[126]. و أما متنها-أي هذه الرواية- ففيه ما ينكر ، فقد ذكرت أن الزبير لما ذكّره علي بالحديث قال: نسيت و لا أقاتلك ، ثم رجع يشق الصفوف فاعترضه ابنه عبد الله ، فاخبره بالأمر ، فقال له ابنه : انك جئت للصلح بين الناس ، فقال له الزبير: لقد حلفت بأن لا أقاتله ، فقال ابنه : اعتق غلامك أحسن ، و قف حتى تصلح بين الناس. فاعتق الزبير غلامه و وقف ، فلما اختلف أمر الناس انصرف عنهم[127]. و هذا الكلام في اعتقادي-ظاهر البطلان ، من تلاعبات الرواة المغرضين ، لأنه لا يعقل أن يقف الزبير المبشر بالشهادة و الجنة ذلك الموقف ، فكيف يقر بصحة الحديث الذي فيه دليل قاطع بأنه ظالم لعلي ،و لا ينسحب نهائيا من المعركة  ؟ إن منطق الأيمان و المسؤولية يفرضان عليه التوقف و الانسحاب بعد أن يخبر جندها بما سمعه و يدعوهم إلى التوقف عن القتال. لأنه إذا كان هو ظالما لعلي فإن جنده هم أيضا ظالمون له. و أية فائدة من انسحابه من المعركة ، و جنوده من ورائه يخوضون معركة ظالمة ؟ !. و أما الحكاية المزعومة من أن الزبير كفّر عن يمينه بعتق غلامه ، فهي حكاية مكذوبة ، قيلت للطعن فيه بإظهاره مصرا على القتال رغم سماعه للحديث الذي قال له انك ظالم لعلي.
 
       و أما الرواية السابعة فقد رواها ابن أبي شيبة ، و من رجال إسنادها: عبد السلام[128]. و هو مجهول الحال ، و لم يدرك الزبير ، و سماعه من علي لا يثبت[129].  و هذا يعني أن روايته هذه مرسلة لم يكن فيها شاهد عيان. و الرواية الثامنة رواها عبد الكريم القزويني ، و من رجال إسنادها : حبة العرني[130]. و هو ضعيف ليس بثقة، و كذاب مغال في التشيع[131]. لذا فروايته ضعيفة و مردودة عليه.
 
    و التاسعة رواها معمّر بن راشد ، و من رجال إسنادها : قتادة بن دعامة السدوسي[132].و هو ثقة ، لكن روايته هذه مرسلة ، لأنه لم يكن شاهد عيان لها ،  فهو مولود سنة 60ه ، و الحادثة وقعت سنة 36ه ، فأنى له أن يشاهدها ؟
    و الرواية العاشرة ، رواها ابن جرير الطبري، و من رجال إسنادها : أبو بكر الهذلي ، و قتادة بن دعامة السدوسي [133]. الأول ضعيف كذاب متروك[134]. و الثاني متفق على توثيقه ، لكن روايته هذه مرسلة ، لم يكن فيها شاهد عيان لها ، على ما قد بيناه سابقا.

        و الرواية الحادية عشرة هي الأخرى رواها الطبري، و من رجال إسنادها : وهب بن جرير ، و الشهاب الزهري[135]. الأول مذكور في الضعفاء[136].و الثاني ثقة لكن روايته هذه مرسلة ، لم يكن فيها شاهد عيان لها ، لأنه من مواليد سنة 50ه ، و الحادثة وقعت سنة 36ه ، مع العلم أن مراسيله شر من مراسيل غيره ، لأنه حافظ و يرسل عندما لا يستجيز أن يسمي الراوي الذي أسقطه من الإسناد[137].
 
     و الرواية الأخيرة- الثانية عشرة- رواها الحافظ شمس الدين الذهبي، و إسنادها ضعيف ، لأنه ينتهي بمجهول ، و ذلك أن الأسود بن قيس قال : حدثني من رأى الزبير [138]. فمن هذا  الراوي الذي رأى الزبير ؟ فهو إذن راو مجهول الحال.

       و يُستنتج مما ذكرناه   في نقدنا لأسانيد تلك الروايات- أنها لم تصمد أمام التحقيق ، و أنها ضعيفة بلا استثناء ، لم ترق و لا واحدة منها إلى درجة الصحيح. مما يعني لأن الرواية المشهورة عن التقاء علي بالزبير-رضي الله عنهما- يوم الجمل ليست ثابتة.

     و ثانيا أن كثيرا من العلماء المحققين قد أنكروا صحة الحديث الذي زعمت الروايات أن عليا قاله للزبير. فالبخاري أنكر صحته [139].و العقيلي قال عنه : لا يروى من وجه يثبت[140]. و ابن الجوزي لم يصححه ،و ذكره في العلل الواهية[141]. و قال عنه العجلوني : لم يثبت ، و لم يصححه أهل الحديث[142].و ضعّفه كل من أبو إسحاق الجويني في كتابه جنة المرتاب[143] ،و أبو حفص عمر الدراني ، في كتابه : المغني عن الحفظ و الكتاب بقولهم لا يصح شيء في هذا الباب[144].

      فيتبين من إنكار هؤلاء العلماء للحديث التي زعمت الروايات السابقة أن عليا قاله للزبير ، أن الحادثة من أساسها باطلة ، و أن الرواة المغرضين المزيفين للتاريخ، هم الذين اختلقوها و الحقوا بها ذلك الحديث الباطل.
      و ثالثا ، أنه مما يزيد في ضعف الرواية المشهورة عن انسحاب الزبير من معركة يوم الجمل ، أن هناك روايات تخالفها في سبب انسحابه ، أولها ما رواه ابن سعد ، فقال : أخبرنا الحسين بن موسى الأشيب ، قال : أخبرنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه أتى الزبير يوم الجمل، فقال له : أين صفية بنت عبد المطلب ، حيث تقاتل بسيفك علي بن أبي طالب بن عبد المطلب. فرجع الزبير فلقيه ابن جرموز فقتله[145].

       و الثانية رواها الذهبي ، و في إسنادها : هلال بن خباب عن عكرمة عن  ابن عباس-رضي الله عنه- أنه قال للزبير يوم الجمل: هذه عائشة تملك الملك لقرابتها طلحة ، فأنت علام تقاتل قريبك عليا ، فرجع الزبير فلقيه ابن جرموز فقتله[146].

    و الثالثة رواها ابن عساكر بإسناد طويل ، و من رجاله : السري بن يحيى ،و شعيب بن إبراهيم ، و سيف بن عمر التميمي ، و مضمون الرواية أنه لما انهزم أصحاب الجمل كان الزبير ينادي : أنا الزبير هلموا إلي أيها الناس. و معه مولى ينادي : عن حواري رسول الله تنهزمون. ثم انسحب الزبير من القتال و توجّه نحو وادي السباع[147].

      و الرواية الرابعة ذكرها ابن كثير بلا إسناد ، حيث قال : قيل أن الزبير    رضي الله عنه-رجع عن القتال لما رأى عمارا مع علي-رضي الله عنهما-فخشي أن يقتل في هذا اليوم ، لأنه سمع أن الرسول-عليه الصلاة و السلام- قد قال لعمار (( تقتلك الفئة الباغية ))[148].

        تلك هي الروايات التي تخالف الرواية المشهورة عن انسحاب الزبير من معركة الحمل ، فهل هي مثلها ضعيفة ، أم توجد من بينها رواية صحيحة ؟  ففيما يخص الرواية الأولى فقد صحح ابن حجر إسنادها[149] ، رغم أن في رجاله من تكلّم فيه ، و ذلك أن رجاله الأربعة الأوائل و هم : الحسن بن موسى ،و ثابت بن يزيد ،و هلال بن خباب ، متفق على توثيقهم [150]. لكن الخامس  و هو عكرمة مولى بن عباس ، فقد وثّقه كثير من المحدثين ، واعتمده البخاري ، و تجنّبه مسلم ،و روى له مقرونا بغيره ،و اتهمه يحيى بن سعيد القطان بالكذب.و قد تكلّم فيه لرأيه و ليس لحفظه لأنه كان على رأي الخوارج الإباضية[151].

        و في متن هذه الرواية ما ينكر ، فهي تقول أن ابن عباس خاطب الزبير بمنطق الغيرة و الحمية ، فاقتنع الزبير و انسحب من المعركة بهذه البساطة ، في حين أن منطق الإيمان و المصلحة و الظرف الصعب الذي يعيشه المسلمون ، كل ذلك يستلزم منطقا آخر لإقناع الزبير ،و هو أن يبين له صواب موقف علي ،و خطأه هو في موقفه و ما ينجر عنه من أخطار. لكن الرواية سكتت عن ذلك ،و لم تذكر أن الزبير دافع عن رأيه ، و كأنه لم يخرج إلى الحرب عن مبدأ مقتنع به ، و إنما خرج إليها حمية و غيرة. و بذلك يكون قد كذب على أصحابه و أتباعه عندما قال لهم أنه يطلب دم الخليفة المقتول ظلما ، ثم تخلى عنهم في أحلك الظروف ، فانسحب من المعركة و تركهم يلاقون مصيرهم فيها. كل هذا يجعلني أقول أن هذه الرواية غير صحيحة.

      و أما الرواية الثانية فهي تشبه الرواية الأولى ، فلها إسناد واحد و متن متقارب. فإسنادها يقال فيه ما قيل عن إسناد الأولى فيما يخص عكرمة مولى بن عباس. و أمتا متنها فهو الآخر منكر ، لأن فيه اتهاما صريحا لسوء نية الزبير و طلحة و عائشة رضي الله عنهم-فهم حسب الرواية لم يخرجوا طلبا للحق و الإصلاح ، و إنما خرجوا حمية و طلبا للملك. و هذا غير صحيح ، لأنه سبق و أن أثبتنا أن هؤلاء خرجوا طلبا لدم عثمان ، و لم يخرجوا طلبا للملك. و مما يدل على ضعف هذه الرواية أن منطقها الذي وردت به ، يخالف منطق الإيمان و الإسلام ، وذلك أنها ذكرت أن ابن عباس خاطب الزبير بمنطق الحمية و العصبية، و النفعية الانتهازية ، فأثر فيه و أقنعه بسهولة دون مناقشة ،و لا دفاع عن قناعته التي خرج من أجلها ، فانسحب من المعركة و ترك أصحابه في أتون. و هذا منطق منزّه عنه الصحابة الكرام الذين شهد لهم القرآن الكريم و السنة النبوية ، بالإيمان و الإسلام ، لذلك فإن منطق الإيمان يفرض على ابن عباس أن يخاطب الزبير بمنطق الأخوة و الحق و الإيمان ،و مصلحة الأمة لحقن دمائها. و هل يعقل أن يعد طلحة و الزبير شهيدين و هما قد خرجا إلى البصرة حمية و طلبا للملك على ما زعمته هذه الرواية ؟! أليس الشهيد هو الذي يقتل في طاعة ؟ فلو لم يكونا في طاعة ما بشرهما رسول الله صلى الله عليه و سلم- بالشهادة.

       و أما الرواية الثالثة فإسنادها ضعيف ، لأن من رجاله : شعيب بن إبراهيم ،و سيف بن عمر التميمي ، الأول فيه جهالة ، و يروي المناكير عن السلف ،و ذكره الذهبي في الضعفاء[152].و الثاني ضعيف متروك ، يروي الموضوعات عن الأثبات ،و يضع الحديث ،و يروي عن كثير من المجهولين[153].و أما متنها فلا غبار عليه ،و لا يثير أية اعتراضات وجيهة ، فهو لم يذكر حكاية التقاء علي بالزبير أو ابن عباس بالزبير ، و لم يشر إلى أن الزبير انسحب من المعركة و ترك أصحابه يقاتلون ، و إنما ذكر أنه عندما انهزم أصحاب الجمل ، ناداهم الزبير للالتفاف حوله ، و في الأخير انسحب إلى وادي السباع. و سلوكه هذا عادي و منطقي منتظر.

      و الرواية الأخيرة ذكرها ابن كثير بلا إسناد ، و هذا افقدها شرطا أساسيا من شروط صحتها و تحقيقها. و أما متنها فهو على ما يبدو- يعبر على استنتاج عقلي أكثر مما يعبر عن رواية تاريخية حدثت في الواقع ، لذلك قال ابن كثير : قيل. فهذا من المحتمل جدا أنه يعبر عن استنتاج عقلي لبعض العلماء ، لا على أنه خبر تاريخي. و إذا افترضنا أن ذلك هو رواية تاريخية و ليس استنتاجا عقليا ، فان مما يدفعه ،و يشكك فيه ،و يضعفه ، معطيان اثنان ، أولهما أن الزبير كان من البداية يعلم أن عمارا مع علي-رضي الله عنهما-،و على علم بالحديث المذكور ، لكنه اتخذ قرار للمطالبة بدم عثمان ، دون النظر لعمار مع أي صفي هو.

     و ثانيهما أن القول بأن الزبير انسحب من المعركة عندما رأى عمارا مع علي ، هو زعم يحتاج إلى دليل ، لأن الزبير كان على علم بحال عمار. و انسحابه من المعركة على ما قالته هذه الرواية ، لا يعفيه من المسؤولية ، فهو إذا خاف على عمار من أن يقتله أصحاب الجمل ، فالحل ليس في الانسحاب و الهروب من المعركة ، لأنه إذا قتل عمار في غيابه-أي الزبير- فهو يبقى مسئولا ، لأن أصحابه هم الذين قتلوه ، و إنما الحل هو أن يسعى لإيقاف الحرب ،و يخبر أصحابه بما هو متخوّف منه. و هذا السلوك هو المنتظر من قائد مؤمن مسئول يخاف الله تعالى و يحرص على حقن دماء المسلمين. لكن بما أن الرواية لم تذكر أنه فعل ذلك ، فهذا مما يدل على أنها غير صحيحة.

       و يستنتج مما ذكرناه - في نقدنا للروايات السابقة عن سبب انسحاب الزبير -، ، أن جميعها لم يسلم من النقد.و أن الأولى و الثانية أقوى من حيث الإسناد ، و أن الثالثة هي الأقرب إلى الصحة من حيث المتن ،و تخالف الرواية المشهورة عن سبب انسحاب الزبير من المعركة يوم الجمل.

     و رابعا أن مما يضعف الرواية المشهورة- عن سبب انسحاب الزبير   و يزيدها استبعادا ، أن متنها شاهد عليها ، فمن ذلك أولا ، أن الرواية قالت أن الزبير كان قد سمع الحديث من رسول الله-صلى الله عليه و سلم-ثم نسيّه حتى ذكّره به علي بن أبي طالب ،. و هذا أمر مستبعد جدا ، لأن الحديث فيه إخبار عن أمر خطير و غريب يقع للزبير   ما كان يتصوّر وقوعه- الأمر الذي يجعله دائم التذكّر له و التفكّر فيه ، و الاحتياط له لكي لا يقع فيه. و إذا لم يذكّره ذلك فإن قراره بالخروج و تكوين جيش للمطالبة بدم عثمان ، كان كفيلا بأن يذكّره بذلك الحديث المزعوم ، لأنه بلا شك- قد فكّر طويلا ،و درس المسألة من كل جوانبها قبل اتخاذه قرار الخروج. فهل يعقل أن كل ذلك لا يذكّره بالحديث ؟ ثم إذا افترضنا أنه لم يتذكّر ، فأن التقاء الجيشين في موقعة صفين ، كان كفيلا بأن يذكره بالحديث عندما رأى عليا يقابله في الصف الآخر. أما و أنه لم يتذكّره حتى التقى الجيشان ،و جاءه علي و ذكّره به ، فأن ذلك مما يدل على أن الحكاية مختلقة من أساسها.

      و ثانيا ، أنه بناء على ذلك الحديث يكون طلحة و الزبير ظالميّن لعلي ، فكيف يكونان كذلك و قد ثبت أن الرسول-عليه الصلاة و السلام- قد بشّرهما بالشهادة ؟ ، و هما قد قتلا فعلا في موقعة الجمل ، و نحن نعلم أن الشهادة هي قتل في طاعة ،و ليست قتلا في ظلم. فهذا إذن دليل آخر على تهافت رواية التقاء علي بالزبير-رضي الله عنهما وتذكيره بالحديث المزعوم.   

     و ثالثا أن الرواية زعمت أن عليا ذكّر الزبير بالحديث في آخر لحظة ، و أن الزبير عندما سمع الحديث انسحب و ترك أصحابه و أتباعه في أتون المعركة. و هذان التصرفان دليلان آخران على تهافت الرواية المزعومة  ، لأن الواجب كان يفرض على علي بن أبي طالب  رضي الله عنه- أن يخبر كل الناس- من الطائفتين- بذلك الحديث الخطير قبل التقاء الجيشين ، إقامة للحجة عليهم ،و تبيانا للحق ،و تبرئة للذمة ، لكنه لم يفعل ذلك على ما ذكرته الروايات. و كان عليه أيضا- أن يبعث بذلك الحديث إلى طلحة و الزبير و عائشة رضي الله عنهم- قبل اندلاع الحرب ليقيم عليهم الحجة ،و يرشدهم إلى الحق لنكه لم يفعل ذلك.و أما تصرّف الزبير فهو الآخر غريب و مستبعد جدا ، فهو إذا كان اقتنع حقا أنه ظالم لعلي فهذا يعني أن الجيش الذي معه هو الآخر ظالم لعلي. و هذا يحتم عليه شرعا أن يخبر الجيش بما تبيّن له من الحق ، و يدعوه إلى التوقف عن الحرب ،و الدخول في طاعة الخليفة علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-. لكن الرواية المزعومة ادعت أن الزبير انسحب و ترك أصحابه في أتون المعركة ،و هذا زعم متهافت و مضحك.

      و يتبيّن من مناقشتنا المطوّلة لقضية انسحاب الزبير رضي الله عنه-من معركة الحمل ، أن الرواية المشهورة عن ذلك الانسحاب لم تثبت إسنادا و لا متنا.و أن هناك روايات أخرى معارضة لها ،و هي أقوى و أقرب منها إلى الصحة.و أن كل الروايات التي ذكرناها اتفقت على أن الزبير انسحب فعلا من المعركة ، لكنها لم تتفق على السبب الذي دفعه إلى الانسحاب. فقيل انسحب لما سمع الحديث.و قيل تراجع عندما كلّمه ابن عباس.و قيل انسحب عندما رأى عمارا مع علي و تذكّر حديث : (( عمار تقتله الفئة الباغية)). و قيل أنه انسحب عندما انهزم أصحابه. و قد تبيّن لي من تحقيق تلك الروايات و مناقشتها أنها لم تصح إسنادا و لا متنا ،و لم تقدم لنا جوابا مقبولا معقولا عن سبب الانسحاب ، ما عدا رواية واحدة فقط إسنادها ضعيف ، لكن متنها مقبول معقول ، و لا يثير أية اعتراضات وجيهة ، و هي الرواية التي ذكرها ابن عساكر في تاريخه ،و فيها أن الزبير انسحب إلى وادي السباع بعد انهزام أصحابه. و بناء على ذلك فإنني أرجح صحة هذه الرواية على كل الروايات الأخرى.
خامسا : هل التقى علي بطلحة في معركة الجمل ؟ : 
       روى الحاكم بإسناده ، أن عليا يوم الجمل بعث لطلحة بأن يأتيه ، فلما حضر كلّمه ،و قال له : (( هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم- يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه )) ، فقال طلحة : نعم ، فقال علي : فلم تقاتلني ، قال : لم أذكر ، ثم انصرف طلحة[154]. فهل ما ذكرته هذه الرواية صحيح ؟ أولا ففيما يخص إسنادها  فهو ضعيف ، لأن من رجاله : محمد بن عبدة بن حرب ،و إياس بن نذير الضبي الكوفي[155]. الأول متروك كذاب ،حدّث عن أقوام لم يراهم ،و آخرين لم يلحقهم [156]. و الثاني مجهول [157].

     و ثانيا أنه توجد رواية أخرى ذكرت حادثة التقاء علي بطلحة رضي الله عنهما- بطريقة مخالفة لرواية الحاكم ، فقد روى الطبري بإسناده أن عليا التقى بطلحة و الزبير في معركة الجمل ، فقال لطلحة : (( ياطلحة تطلب بدم عثمان رضي الله عنه- فلعن الله قتلة عثمان )) ، ثم تكلم مع الزبير و ذكّره بالحديث الذي سبقت مناقشته (( لتقاتلنه و أنت له ظالم))[158].و هذه الرواية مرسلة و غير صحيحة الإسناد ، لأن من رجاله : أبو بكر الهذلي ، و قتادة بن دعامة السدوسي [159]. الأول ضعيف كذاب[160].و الثاني ثقة ، لكن روايته هذه مرسلة ، لأنه لم يكن شاهد عيان لها ، فهو مولود سنة 60ه ،و الحادثة وقعت سنة 36ه. لكن مع ضعف هذه الرواية فيمكن استخدامها لمعارضة رواية الحاكم ، فنرد الضعيف بالضعيف.

    و ثالثا أن متنها متكون من نص الحديث  ،و الحوار الذي دار بين طلحة و علي-رضي الله عنهما-فالحوار فيه ما ينكر و يستغرب ، فلماذا لم يذكّره علي بهذا الحديث قبل المجيء إلى البصرة ؟ ،و لا يعقل أن حديثا كالذي ذكّره به ينسى ، لأنه-أي الحديث- جعل عليا عمادا للدين ، لذا فلو كان صحيحا- لا يمكن أن ينساه طلحة. و حتى إذا افترضنا أنه نساه ، فإن غيره-بلا شك- سيذكّره بذلك الحديث المزعوم. ثم تقولا الرواية أن طلحة انصرف بعدما ذكّره علي بالحديث ، لكنها لم تقل لنا إلي أين انصرف؟ فهل توقف عن القتال و انصرف نهائيا عنه ، أم انصرف عن علي ، و توجه إلى المعركة للقتال ؟ لكن المعنى الظاهر للحادثة يشير إلى أن طلحة لما تذكّر الحديث انصرف عن القتال نهائيا. و هذا غير صحيح ، لأن الثابت أن طلحة لم ينسحب من المعركة ، حتى قتل فيها[161]، و لو كان قد أقر بما زعمته الرواية لانسحب من المعركة نهائيا. و عليه فإن كل ما قلناه في نقدنا لهذه الرواية يدل بوضوح على أن متنها كإسنادها غير صحيحين.

     و أما فيما يخص الحديث الذي ذكرته رواية الحاكم ، فلا يوجد أي تلازم بين صحته و صحة الحادثة التي ورد فيها الحديث ، ، لكن العكس صحيح ، فإذا ثبت أن الحديث أو بعضا منه غير صحيح ، فيستلزم أنها هي الأخرى غير صحيحة. و قد تنازع العلماء في هذا الحديث ، بين منكر له و مصحح له أو لبعضه. فمنهم طائفة أنكرت الحديث كلية كالبخاري ، و إبراهيم الحربي ،و ابن حزم ،و عبد الله الزيلعي[162] ، و ذكره في الضعيف و الموضوعات محمد بن القيسراني،و ابن الجوزي و الجوزقاني،و مقبل بن هادي الوداعي، و ابن تبيط ،و عمر بن عثمان[163]. و طائفة أخرى حسّنت الجزء الأول من الحديث ، و هو : (( من كنت مولاه فعلي مولاه )) ، و أنكرت الجزء الثاني منه ، و قالت أن الناس زادوه ، و قال بذلك أحمد بن حنبل ،و الترمذي ،و ابن عدي ،و الذهبي[164]. و طائفة قليلة حسّنت الحديث كله ، كابن حبان ،و الضياء المقدسي[165].

       و قد ترجح لدي أن موقف الطائفة الثانية هو الصحيح ، لأن الجزء الأول الذي أثبتوه من الحديث ، لا يثير أية اعتراضات ، فهو يقرر المولاة بين المؤمنين ،و هي ليست خاصة بعلي-رضي الله عنه- بل هي بين جميع المؤمنين ، فهي مولاة و ولاية حب و تعاون ، لقوله تعالى: (( و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض ))[166]. و أما الجزء الثاني الذي أنكروه و قالوا أن الناس أضافوه ، فهو كلام منكر حقا ، يثير كثيرا من الاعتراضات ،و يتناقض مع أصول الدين و سلوكيات الصحابة مع علي. فمن ذلك أولا ، أن الجزء الثاني من الحديث يقول : (( اللهم وال من والاه ،و عاد من عاداه )) و هذا يعني أن الله تعالى يعادي طلحة و الزبير و عائشة رضي الله عنهم- لمجرد أنهم حاربوا عليا ، و هذا كلام باطل من أساسه ، لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة و السلام- أنه بشّر طلحة و الزبير بالشهادة و الجنة ،و ينطبق ذلك-أيضا- على زوجات النبي-صلى الله عليه و سلم- و من بينهن عائشة  ، فهن أمهات المؤمنين بنص القرآن الكريم (( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ،و أزواجه أمهاتهم ))[167].

    و ثانيا أن ذلك الجزء من الحديث يجعل قتلة عثمان و طائفة السبئية الذين كانوا مع علي ، يجعلهم من الذين يواليهم الله تعالى و لا يعاديهم ، لمجرد أنهم كانوا مع علي ، رغم أنهم من القتلة و المنحرفين ، و هذا استنتاج باطل و مضحك ، سببه ذلك الجزء الباطل من الحديث.

      و ثالثا أن ذلك الجزء من الحديث (( اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه )) ، قد قلب القاعدة الإيمانية (( الحب في الله و البغض في الله )) ، رأسا على عقب و جعلها (( الحب في علي و البغض في علي )) ، و هذا كلام باطل و شرك صريح.
  
      و يرى شيخ الإسلام ابن تيمية ، أن ذلك الجزء من الحديث ، هو كذب بلا ريب ، لأن الحق لا يدور مع معين إلا النبي ، فلو كان علي بن أبي طالب  على ما وصفه ذلك الجزء من الحديث ، لوجب إتباعه في كل ما قال ،و هذا كلام غير صحيح لأن الصحابة نازعوه في مسائل فقهية كثيرة و لم يتبعوه. كما أن تلك الزيادة مخالفة لأصل من أصول الإسلام ، عندما نصت على معاداة من عادى عليا ، لأن القرآن الكريم قرر أن المؤمنين إخوة مع قتال و بغي بعضهم على بعض[168].
   
     فيتبيّن مما ذكرناه أن الحديث لم يصح منه إلا الجزء الأول فقط ،و أن الجزء الثاني باطل. و بما أن رواية الحاكم ذكرت الحديث بجزأيه ، فان ذلك يدل على أنها تعرّضت للتلاعب و التحريف ، تمثل في إدخال جزء من حديث غير صحيح في متنها. و بما أننا أثبتنا سابقا أن إسناد رواية الحاكم غير صحيح ،و أن متنها هو الآخر منكر و متهافت ، فإن كل ذلك يثبت أن حكاية التقاء علي بطلحة رضي الله عنهما-يوم الجمل و تذكيره بالحديث ، ما هي إلا حكاية مكذوبة تحمل في طياتها ما يدل على بطلانها.
 
 الخاتمة   
         تبيّن من خلال دراستنا لقضايا هذا البحث و تحقيق رواياته ، أن خروج الصحابيين طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة ، كانت الغاية منه المطالبة بدم عثمان ،و الاقتصاص من قتلته و كسر شوكتهم.و أن خروجهما لم يكن عصيانا ، و لا نكثا للبيعة ،و إنما كان اجتهادا و تأويلا في طلب الحق.و أنهما-أيضا- بريئان من تهمة شهادة الزور التي ألصقت بهما في حادثة ماء الحوأب ، التي افترها الرواة الكذابون المغرضون.
  و تبيّن أيضا أن الحكاية التي تزعم أن عليا التقى بالزبير في معركة الجمل و ذكّره بحديث نسيّه ، هي حكاية غير صحيحة إسنادا و متنا. و مثلها حكاية التقاء علي بطلحة رضي الله عنهما- في معركة الجمل و تذكيره بحديث نسيّه ، فهي أيضا لم تصح إسنادا و لا متنا.

      و قد استنتجت من تحقيق قضايا بحثنا هذا أن مواقف الصحابة في الفتنة الكبرى قد تعرّضت للتلاعب و التحريف المتعمدين على أيدي عصابة تخصصت في الكذب ،و جعلت الطعن في الصحابة و الكذب عليهم ، غايتها في هذه الحياة. لذا علينا ألا نقبل ما ورد عنهم من أخبار في كتب التراجم و التواريخ و غيرها من المصنفات ، إلا بعد تحقيقها إسنادا و متنا ، جمعا بين منهج التحقيق عند  أهل الحديث ،و منهج البحث التاريخي الحديث.
                     
                       تم و لله الحمد أولا و أخيرا   
 
                                   د / خالد كبير علال / الجزائر
 
 
 أهم المصادر و المراجع :
(-) القرآن الكريم
(-) ابن حنبل أحمد : المسند ،مصر ، مؤسسة قرطبة ، د ت ،.
(-) = =   =  : فضائل الصحابة ، حققه محمد عباس ، ط1 بيروت ، مؤسسة الرسالة 1983
(-) ابن أبي شيبة : المصنف ، حققه كمال الحوت،ط1 الرياض ،مكتبة الرشد ، 1409 ه.
(-) ابن كثير:البداية ، بيروت ، مكتبة المعارف ،  دت.
(-) ابن طاهر المقدسي: البدء و التاريخ ، القاهرة مكتبة الثقافة الدينية ، د ت.
(-) ابن حجر العسقلاني :لسان الميزان ط3 بيروت ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، 1986.
(-) =   =      = :تعجيل المنفعة،حققه إمداد الحق ، ط1، بيروت،دار الكتب العلمية دت.
(-) =   =      = :تهذيب التهذيب ، ط1 بيروت ، دار الفكر 1984
(-) =   =     = :تقريب التهذيب ،حققه محمد عوامة ،ط1 دمشق دار الرشيد 1986.
(-) =   =     = : فتح الباري ، حققه مب الين الخطيب، بيروت دار المعرفة،1379ه.
(-) ابن الجوزي : كتاب الضعفاء حققه عبد الله قاضي بيروت،دار الكتب العلمية، 1406.
(-) =     =   : العلل المتناهية، حققه خليل الميس ، ط1 بيروت، دار الكتب العلمية،1403ه.
(-) ابن أبي حاتم: الجرح و التعديل ،ط1 بيروت،دار إحياء التراث العربي، 1952.
(-) ابن حبان :الثقات ،حققه السيد شرف الدين أحمد، ط1 بيروت دار الفكر،1975.
(-) ابن حبان : صحيح ابن حبان حققه شعيب الأرناؤوط ،بيروت مؤسسة الرسالة 1993
(-) =  =: كتاب المجروحين، حققه محمود زايد ،حلب دار الوعي ،دت.
(-) ابن عد ي : الكامل في ضعفاء الرجال ، ط3،بيروت دار الفكر،1988.
(-) ابن القيم الجوزية : نقد المنقول ،حققه حسن السماعي، ط1 بيروت، دار القادري، 1990
(-) ابن سعد : الطبقات الكبرى، بيروت ، دار صادر د ت.
(-) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية ، حققه رشاد سالم ،ط1 د م ، مؤسسة قرطبة ، 1406ه
(-) أمحزون محمد : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ، ط3 الرياض ، دار طيبة ، 1420ه.
(-) الحاكم : المستدرك ، حققه عب القادر عطا، ط1 بيروت دار الكتب العلمية ،1990.
(-) خليفة خياط: الطبقات ، حققه أكرم ضياء العمري، ط2 الرياض، دارطيبة 1402.
(-) الخلال أبو بكر : السنة ، حققه عطية الزهراني، الرياض دار الراية ، 1410.
(-) الخطيب البغدادي:تاريخ بغداد،بيروت دار الكتب العلمية  د ت.
(-) الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ،حققه شعيب الأرناؤوط،و محمد العرقسوسي،ط9،بيروت مؤسسة الرسالة 1413.
(-) =   =: ميزان الاعتدال، حققه علي معوض، ط1 بيروت، دار الكتب العلمية، 1995.
(-) =   = : المغني في الضعفاء ،حققه نور الدين عتر ، د م ، د ت.
(-) =   = : من تكلّم فيه ، حققه محمد شكور، ط1 ، مدينة الزرقاء، مكتبة المنار، 1406.
(-) =   = : الكاشف حققه محمد عوامة،
(-) =  =  : تذكرة الحفاظ حققه حمدي السلفي ، ط1 الرياض ، دار الصميعي ، 1415.
(-) =  = : الخلفاء الراشدون، حققه حسام الدين القدسي، ط1 بيروت، دار الجيل ، 1992
(-) الطبري : تاريخ الطبري ، ط1 بيروت، دار الكتب العلمية، 1407  
(-) الضياء المقدسي: الأحاديث المختارة،حققه ابن دهيش ، مكة المكرمة، مكتبة النهضة 1410
(-) العقيلي : الضعفاء ، حققه أمين قلعجي، ط1 بيروت، مؤسسة الرسالة 1404.
(-) الهيثمي علي بن أبي بكر: مجمع الزوائد ، القاهرة ، دار الريان للتراث ، 1407.
(-) علي القاري : المصنوع ، حققه عبد الفتاح أبو غدة ، ط4 الرياض ،مكتبة الرشد 1404. 

 فهرس المحتويات
 
المقدمة

الفصل الأول

 كيفية بيعة طلحة و الزبير لعلي-رضي الله عنهم-

أولا : مضمون روايات البيعة
ثانيا : نقد روايات البيعة
الفصل الثاني
خروج طلحة و الزبير إلى مكة و البصرة (سنة :36ه)
أولا : الغاية من الخروج و دوافعه
ثانيا : هل خروجهما عصيان و نكث للبيعة
ثالثا : هل شهد طلحة و الزبير شهادة زور ؟
رابعا : قضية انسحاب الزبير من معركة الجمل
خامسا : هل النقى علي بطلحة في معركة الحمل ؟
الخاتمة
أهم المصادر و المراجع
فهرس المحتويات 


[1] الطبري: تاريخ الطبري ، ط1 بيروت دار الكتب العلمية ، دت 1407ه ، ج2ص:697.

[2] نفسه ج2 ص : 697.

[3] نفس المصدر : ج2 ص: 700.

[4] ابن أبي شيبة : المصنف ، حققه كمال الحوت ، ط1 الرياض ، مكتبة الرشد ، 1409 ج7ص: 524-525.

[5] نفس المصدر ج7 ص: 541.

[6] اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ، بيروت ، دار صادر  دت. و ابن الأثير : الكامل في التاريخ حققه عبد القادر القاضي ط2 ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1995 ، ج3 ص: 82.

[7] طبعة الجزائر ، موفم للنشر ، 1989م ج2 ص: 1 ص: 112. 

[8] الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 697.

[9] نفسه ج2 ص: 697.

[10] نفسه ج2 ص: 697-698.

[11] نفس المصدر ، ج2 ص: 699.

[12] نفس المصدر ج2 ص: 701.

[13] نفسه ج 2 ص: 700-701.

[14] الطبري: المصدر السابق ج 5 ص: 701.

[15] ج1 ص: 112.

[16] ج5 ص: 64.

[17] ابن الأثير : المصدر السابق  ج3 ص: 82.

[18] الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ،حققه شعيب الأرناؤوط ،و نعيم العرقسوسي ، ط9 بيروت مؤسسة الرسالة ، 1413ج1ص: 35.

[19] البداية و النهاية ، بيروت ن مكتبة المعارف ، د ت ج 7 ص : 232.

[20] نفس المصدر ، ج7 ص: 233.

[21] البيهقي : الاعتقاد و الهداية ، بيروت ، دار الأفاق الجديدة ، د ت ص : 370.

[22] نفس المصدر ، ص: 371-372.

[23] تارخ الطبري ، ج2 ص: 696.

[24] مروج الذهب ، الجزائر ، موفم للنشر ، ج 2 ص: 436.

[25] أنظر : الطبري: المصدر السابق ج2 ص: 697.و الحاكم : المستدرك على الصحيحين ، حققه عبد القادر عطا، ط1، بيروت ، دار الكتب العلمية ،1990 <3 ص:420.و ابن طاهر المقدسي : البدء و التاريخ ، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية ، د ت،ج5 ص: 209.و محمد أمحزون : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ، ط3 الرياض، دار طيبة ، 1420ه ، ج2 ص: 69.

[26] الطبري: المصدر السابق ج2 ص: 699.

[27] المستدرك ، ج3 ص: 421.

[28] الكامل في التاريخ ج 3 ص: 83.

[29] الذهبي: المغني في الضعفاء ، حققه نور الدين عتر ، د م، د ن ،د ت ، ج 1 ص: 133. و ابن حجر : لسان الميزان ، ط3 ، بيروت مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، 1986 ، ج 2 ص: 16.

[30] انظر : الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 697.

[31] أنظر: الطبري: المصدر السابق ج2 ص: 697.

[32] ابن الجوزي : كتاب الضعفاء ، حققه عبد الله القاضي ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1406 ، ج 2 ص: 12. و الذهبي : ميزان الاعتدال ، حققه علي معوّض ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1995 ، ج7 ص: 334-335

[33] الذهبي : نفس المصدر ج 7 ص: 430.

[34] ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ط1 بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1952 ، ج 2ص: 481.و الذهبي : من تكلّم فيه ، حققه محمود شكور ، ط1 ، مدينة الزرقاء ، مكتبة المنار ، 1406ه ، ج1 ص: 60. و ابن حبان : الثقات ، حققه شرف الدين أحمد ، ط1 ، بيروت دار الفكر ، 1975 ، ج6 ص: 140.

[35] انظر: ابن أبي شيبة: المصدر السابق ج 7 ص: 525 :

[36] الذهبي: تذكرة الحفاظ ، حققه حمدي السلفي ، ط1، الرياض ، دار الصميعي ، 1415ه ، ج1 ص: 265.و الذهبي: ميزان الاعتدال ، ج7 ص: 338.و ابن الجوزي : المصدر السابق ج 3 ص: 228.

[37] أنظر: ابن أبي شيبة : المصدر السابق ج 7 ص: 541.

[38] ابن الجوزي: المصدر السابق ج 1 ص: 171،و ج2 ص: 56. و الذهبي: المغني في الضعفاء، ج1 ص: 132.و 309.و ميزان الاعتدال ج 3 ص: 434.و العقيلي: المصدر السابق ج 1 ص: 186.

[39] انظر: تاريخ اليعقوبي ج2 ص: 178.و الإمامة و السياسة ج1 ص: 112.و الكامل في التاريخ ج3 ص: 81-82.

[40] العقيلي: المصدر السابق ج 4 ص: 324.و ابن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال ، ط3 بيروت دار الفكر ، 1988ج7ص: 68.

[41] الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 1 ص: 111.

[42] الطبري: المصدر السابق ج2 ص: 697-698.

[43] ابن أبي حاتم : المصدر السابق ج7 ص: 182.و الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ج 7 ص: 302.

[44] الذهبي: تذكرة الحفاض ج 1 ص: 348.و العقيلي : المصدر السابق ج 4 ص: 108.و ابن الجوزي: الضعفاء ج 3 ص: 87.

[45] الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 701.

[46] الذهبي: المغني ج 1ص: 298.و ابن حجر : لسان الميزان ج 3 ص: 145.

[47] الذهبي : ميزان ج 3 ص: 335.و ابن أبي حاتم : المصدر السابق ج 4ص: 278.و ابن الجوزي: المصدر السابق ج2ص:33.

[48]انظر: الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 702.

[49] انظر: البيهقي: المصدر السابق ص: 370.

[50] انظر: نفس المصدر ص: 371-372.

[51] انظر: الذهبي : الكاشف ج1 ص: 423.

[52] البيهقي: المصدر السابق ص:371-372.

[53] الطبري: المصدر السابق ج 2 ص: 696.

[54] الذهبي: المغني ج1 ص: 113.و ابن حجر : لسان الميزان ج 2 ص: 16.

[55] الذهبي: ميزان الاعتدال ج4 ص:400.و المغني ج 2 ص: 406. و العقيلي: المصدر السابق ج3 ص: 31.و ابن أبي حاتم : المصدر السابق ج 5ص: 367.

[56] انظر : الطبري: ج 2ص: 699.

[57] الهبي: ميزان الاعتدال ج 4 ص: 201.و ابن حجر : لسان الميزان ج3ص: 261.و ابن حبان : الثقات ج 7 ص: 56.

[58] انظر: الذهبي: تذكرة الحفاظ ج 2 ص: 528.و الكاشف ج2ص: 268.و ابن أبي حاتم: الجرح و التعديل ج 9 ص: 359.و ابن حجر : تعجيل المنفعة ، حققه إكرام الله امداد الحق ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية دت ،ج 1ص: 474.

[59]انظر: الحاكم: المصدر السابق ج3 ص: 421.

[60] ابن حجر  : تقريب التهذيب ، حققه محمد عوامة، ط1 سوريا، دار الشيد ، 1986 ، ج1ص: 143.

[61] الذهبي: تذكرة الحفاظ ج2 ص: 619.و ميزان الاعتدال ج 6 ص: 338، 378.

[62] عن ذلك انظر المبحث الأول من الفصل الثاني.

[63] ابن كثير: المصدر السابق ج7 ص: 238 و ما بعدها.

[64] الطبري: المصدر السابق ج3 ص: 4 ، 9.

[65] المسند ، مصر  ، مؤسسة قرطبة ، د ت ، ج1 ص: 165.

[66] تاريخ الطبري ، ج3 ص: 34-35.

[67] الخلفاء الراشدون ، ص: 288.

[68] ج 7ص: 232.

[69] الضياء المقدسي : الأحاديث المختارة ،حققه عبد الملك بن دهيش ، مكة المكرمة ، مكتبة النهضة الحديثة ، 1410 ه، ج 3ص: 33. و الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج1 هامش ص: 57.و الهيثمي : مجمع الزوائد ، حققه عبد الملك بن دهيش ، مكة ، مكتبة النهضة الحديثة ، 1410، ج7 ص:27.

[70] الطبري: المصدر السابق ج3 ص: 34-35. و محمد أمحزون : المرجع السابق ج2 ص: 90.

[71] انظر: الخلفاء الراشدون ص: 88.و البداية و النهاية ج 7 ص: 332.

[72] ج1 ص: 77-78.

[73] الاعتقاد و الهدايا ، ص: 372. 

[74] الخلفاء الراشدون ،ص: 288.

[75] الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ، ج 1ص: 34.

[76] تحقيق مواقف الصحابة ، ج2 ص: 139-140.

[77] انظر  ج1 ص: 77.

[78] أبو الحجاج المزي : تهذيب الكمال ، حققه بشار عواد ، ط1ن بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1980، ج13 ص: 412. و البخاري: حققه ديب البغا ، بيروت ، دار ابن كثير ، 1987 ج 3 ص: 1161.و ابن حجر : الاصابة  ، حققه محمد البجاوي، ط11 بيروت ، دار الجيل ، 1992 ، ج 2 ص: 553.

[79] انظر : الاعتقاد ، ص: 372.

[80] ج 1 ص: 34.

[81] ابن كثير : المصدر السابق  ج7 ص: 229-230 ، 245.

[82] الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 70.

[83] الاعتقاد ص: 371-372.

[84] مصنف ابن أبي شيبة ج 7 ص: 541.

[85] ابن حجر العسقلاني: لسان الميزان ج 4 ص: 386.و الذهبي : سير أعلام النبلاء ج 7 ص: 201.

[86] ابن حجر: نفسه ج 4 ص: 386.

[87] البيهقي : المصدر السابق  ص : 371-372.

[88] العقيلي : المصدر السابق ج 1 ص: 86.و ابن عدي : المصدر السابق ج 2ص: 142.و ابن الجوزي: الضعفاء ، ج1ص: 171. و الذهبي: المغني في الضعفاء ، ج 1ص: 132.

[89] الذهبي : ميزان الاعتدال ج 3 ص: 434.و المغني : ج 1 ص: 309.و ابن الجوزي : المصدر السابق ج 2 ص: 56.

[90] الطبري: المصدر السابق ج3 ص: 33.

[91] الأول فيه جهالة ، و الثاني ضعيف  ، و عنهما أنظر : ثانيا من الفصل الأول

[92] عن تحقيق هذا الحديث انظر : رابعا من هذا الفصل.

[93] الفصل في الملل و الأهواء و النحل ، القاهرة ،مكتبة الخانجي ، د ت ، ج 1 ص: 123.

[94] الكامل في التاريخ ج3 ص: 82.

[95] تفسير القرطبي ، حققه أحمد البردوني ، ط2 القاهرة ، دار الشعب ، 1372ه ، ج 16 ص: 321-322.

[96] سيّر أعلام النبلاء ، ج2 ص: 193.

[97] ابن كثير : المصدر السابق ج 7 ص: 231، 234.

[98] أنظر : ابن حجر: الاصابة ج 2 ص: 553.و المزي : المصدر السابق ج 13 ص: 412.

[99] الحاكم : المصدر السابق ج 4 ص: 51.

[100] الألباني: الأحاديث الضعيفة ج 4 ص: 1870.و ضعيف الجامع الصغير ،ط2 بيروت ، المكتب الإسلامي ، 1408 ، ج1 ص: 189

[101] المسعودي : المصدر السابق ج 2 ص:" 428.و اليعقوبي: المصدر السابق ج 2 ص: 81.

[102] سيّر أعلام النبلاء ، ج2 ص: 177-178.

[103] البداية و النهاية ج 6 ص: 212.

[104] نفس المصدر ج7 ص: 232.

[105] الهيثمي : مجمع الزوائد ج 7 ص: 234. و الذهبي : المصدر السابق ج 2 ص: 177-178.

[106] انظر حسب ترتيب المؤلفين في المتن : سيّر أعلام النبلاء ج 2 ص: 177-178.و البداية و النهاية ج 6 ص: 212.و فتح الباري ج13 ص: 55.و مجمع الزوائد ،القاهرة ، دار الريان للتراث  1403ه،ج 7 ص: 234.

[107] ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج 49 ص: 465.و ابن الجوزي: العلل المتناهية حققه خليل الميس ، ط1 بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1407 ج2 ص: 849.و الوداعي : أحاديث معلة ظاهرها الصحة ،ط2 مصر ، مكتبة ابن عباس ، د ت ، ج1 ص: 169. و القيسراني : ذخيرة الحفاظ ، حققه عبد الرحمن الفيرواني ، ط1 الرياض ، دار السلف ، 1416 ، ج4 ص: 4409. 

[108] تاريخ اليعقوبي ، ج2 ص: 181.

[109] نعيم بن حماد : الفتن ، حققه سمير الزهيري، ط1 القاهرة مكتبة التوحيد ، 1412ه ، ج1 ص: 84.

[110] الذهبي : تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص: 90.

[111] منهم ابن القيم الجوزية ، لم يستثن أي حديث ، لكن علي القاري استثنى حدبثا فيه ياحميراء رواه النسائي ، و ليس هو الذي نحن في صدد تحقيقه.  ابن القيم الجوزية : نقد المنقول ، حققه حسن السماعي ، ط1 ، بيروت  دار الكتب العلمية ، 1990 ، ص : 51.و علي القارئ : المصنوع ، حققه عبد الفتاح أبو غدة، ط4 ، الرياض ، مكتبة الرشد ، 1404 ،ج1 ص: 211.

[112] الحاكم : المصدر السابق ج 3 ص: 413.و الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 37.و ابن عبد البر: الاستيعاب ج2 ص: 510.

[113] الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ج 17 ص: 174. و ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب ، حققه محمود الأرناؤوط ، دمشق ، دار ابن كثير ، ج 5 ص: 34-35.

[114] انظر : الحاكم : المصدر السابق ج3 ص: 412.

[115] نفس المصدر ج 3 ص: 413.

[116] الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، بيروت دار الكتب العلمية ، د ت ج 10 ص: 425.

[117] انظر : العقيلي : الضعفاء ، ج3ص: 35.و الذهبي : المغني ، ج2 ص: 408.

[118] ابن حجر: التقريب، ج 1ص: 632.و خليفة خياط: الطبقات، حققه أكرم العمري،ط2 الرياض، 1402،ج1 ص: 206.

[119] الحاكم : المصدر السابق ، ج3 ص: 413.

[120] انظر: ابن الجوزي: الضعفاء ج1 ص: 64. و ابن عدي : المصدر السابق ج 1 ص: 426. و بن حبان : كتاب المجروحين ، حققه محمود زايد ، حلب ، دار الوعي، دت ج 1 ص: 175. و ابن سعد : الطبقات الكبرى ، بيروت دار صادر ، د ت ، ج6 ص: 350.

[121] انظر: الحاكم : المصدر السابق ج 3 ص: 413.

[122] العقيلي: الضعفاءج 1 ص: 188.و ابن الجوزي: المصدر السابق ج1 ص: 171.و الذهبي: المغني: ج1 ص: 132.و ابن عدي : المصدر السابق ج 2 ص: 164.

[123] الذهبي: ميزان الاعتدال ج 7 ص: 349.و المغني : ج2 ص: 777.

[124] الحاكم : المصدر السابق ج 3 ص: 414.

[125] البداية : ج 6 ص: 213.

[126] ابن الجوزي: المصدر السابق ج 1 ص: 64.و ابن عدي : المصدر السابق ج 1ص: 426. ابن حبان : كتاب المجروحين ج 1 ص: 175.و ابن سعد : المصدر السابق ج 6 ص: 350.

[127] ابن كثير: المصدر السابق ج 6 ص: 213.

[128] انظر : مصنف بن أبي شيبة ج 7 ص: 545.

[129] العقيلي: المصدر السابق ج 3 ص:65. و ابن الجوزي: العلل ج 2 ص: 848.

[130] التدوين في أخبار قزوين ، حققه عزيز العطار ، بيروت دار الكتب العلمية ، 1987 ، ج 1 ص: 193-194

[131] ابن حبان : المصدر السابق ج1 ص: 267.و المزي : تهذيب الكمال، ج5 ص: 352.و ابن الجوزي: الضعفاء ، ج 1ص: 187.و الذهبي: المغني ج 1 ص: 146

[132] الجامع ، حققه حبيب الأعظمي ، ط2 ، بيروت المكتب الإسلامي ، 1403 ، ج11 ص: 241.

[133] تاريخ الطبري ، ج 3 ص: 37.

[134] ابن الجوزي: الضعفاء ، ج 2 ص: 12.

[135] تاريخ الطبري: المصدر السابق ج 3 ص: 40-41.

[136] العقيلي:الضعفاء ج 4 ص: 324. و ابن عدي : المصدر السابق ج 7 ص: 68

[137] الذهبي: تذكرة الحفاظ ، ج 1 ص: 111.

[138] سير أعلام النبلاء ، ج 1 ص: 58.

[139] الذهبي : ميزان الاعتدال ج 4 ص: 411.و المغني ،/ ج 3 ص: 35.

[140] ضعفاء العقيلي ، ج 3 ص: 65.

[141] ج2 ، ص: 448.

[142] كشف الخفاء ، حققه أحمد الفلاشي ، ط4 بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1405 ،ج 2 ص: 568.

[143] ط1 بيروت دار الكتاب العربي دت ج1 ص:528.و

[144] ط1 ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1407ه ، ج1 ص: 527.

[145] الطبقات الكبرى ، ج 3 ص: 110.

[146] الذهبي: سيّر أعلام النبلاء ، ج2 ص: 177.

[147] تاريخ دمشق ج 25 ص: 110.

[148] البداية و النهاية ج 7 ص: 242.

[149] انظر : الإصابة ج 2 ص: 557.

[150] الذهبي: ميزان الاعتدال ، ج 7 ص: 95.و ابن حجر : تقريب التهذيب ،ج1 ص: 133، 164.

[151] العقيلي: المصدر السابق ج 3 ص: 373.و ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل.و الذهبي : المصدر السابق ج5 ص: 117-181.

[152] ابن حجر: لسان الميزان ، ج 1 ص: 3 ص: 145. و الذهبي : المغتني في الضعفاء ، ج 1 ص: 289.

[153] ابن أبي حاتم : الجرح و التعديل ، ج4 ص: 278.و ابن الجوزي: الضعفاء ج 2 ص: 35.و الذهبي: ميزان الاعتدال ج3ص:335.

[154] المستدرك ج 3 ص: 419.

[155] نفسه ج3 ص: 419.

[156] الذهبي : ميزان الاعتدال ج 6 ص: 245.و ابن حجر : لسان الميزان ، ج5 ص: 272.و ابن الجوزي: الضعفاء ج 3 ص: 82.

[157] الذهبي  : المغني ج 1 ص: 95.و ابن حجر : المصدر السابق ج 7 ص: 181.

[158] تاريخ الطبري ج 3 ص: 37.

[159] نفسه ج 7 ص: 37.

[160] ابن الجوزي: الضعفاء ج 2ص: 12.

[161] الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ج 1 ص: 36.و الحاكم : المصدر السابق ج 3 ص: 418.

[162] ابن تيمية : منهاج السنة  ، حققه محمد رشاد سالم ، ط1  د م ، مؤسسة قرطبة ، 1406 ، ج 7 ص: 319. و عبد الله الزيلعي: نصب الراية ، حققه يوسف البنوري، مصر ، دار الحديث ، 1357ه ، ج 1 ص: 360.

[163]انظر : القيسراني : ذخيرة الحفاظ ج 3ص: 3254، ج3 ص: 5555.و ابن الجوزي: العلل ج 1ص: 356.و الذهبي : أحاديث مختارة من موضوعات ابن الجوزي و الجوزقاني، المينة المنوّرة ، مكتبة الدار 1404 ج1 ص:52. و ابن تبيط : نسخة الأشجعي في الأحاديث الموضوعة ،مصر دار الصحابة ج1ص:55.و الوداعي: أحاديث معلة ج1ص:155.عمر بن عثمان،الوضع في الحديث ،دمشق ، مكتبة الغزالي ج2 ص:102.

[164]  الذهبي : سيّر أعلام النبلاء ج 5 ص: 415. و احمد بن حنبل : فضائل الصحابة ، حققه محمد عباس ، ط1 ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1983.و  المسند ج1 ص: 152. و ابن عدي : المصدر السابق ج 3 ص: 80. ابن تيمية : منهاج السنةج7ص:320.

[165] ابن حبان : صحيح ابن حبان ، حققه شعيب الأرناؤوط ، ط2 بيروت، مؤسسة الرسالة، 1993ج 15 ص: 375. الضياء المقدسي : الأحاديث المختارة ، حققه عبد الملك بن دهيش ، ط1 مكة ، مكتبة النهضة الحدية’ 1410ه ،ج2ص: 105.

[166] سورة التوبة : 71.

[167] سورة الأحزاب : 6.

[168] ابن تيمة: مجموع الفتاوى ، ج 4 ص: 414.


عدد مرات القراءة:
6887
إرسال لصديق طباعة
الأربعاء 2 رمضان 1444هـ الموافق:22 مارس 2023م 02:03:12 بتوقيت مكة
ابوعيسى 
هل يكف الرافضة عن الطعن في الزبير وطلحة.

في تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج ١ - الصفحة مقدمة الكتاب ٨
والارشاد للمفيد ص٦

فما تقول في حرب طلحة والزبير في يوم الجمل؟ فقال: إنهما تابا، فقلت أما خبر الجمل دراية وأما خبر التوبة فرواية.


..

هل يكف الرافضة عن الطعن في الزبير وطلحة.

في تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج ١ - الصفحة مقدمة الكتاب ٨
والارشاد للمفيد ص٦

فما تقول في حرب طلحة والزبير في يوم الجمل؟ فقال: إنهما تابا، فقلت أما خبر الجمل دراية وأما خبر التوبة فرواية.


..


أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ علَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اسْكُنْ حِرَاءُ؛ فَما عَلَيْكَ إلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ. وَعليه النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2417 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح
الأربعاء 8 ذو الحجة 1443هـ الموافق:6 يوليو 2022م 09:07:18 بتوقيت مكة
ابو طه 
لم يبقى في تحقيقك الا ان تذكر ان عليا رصي الله عنه هو الفئة الباغية و السلام
 
اسمك :  
نص التعليق :